وأمَّا التمكين:
فﻼ يصحُّ ﻷيِّ جِهة أن تُعلن خِﻼفتَها على كافَّة المسلمين، وتُنصِّب إمامًا من عندها، ثم تطلُب من جميع المسلمين في كلِّ أنحاء اﻷرض أن تُبايعَه خليفةً للمسلمين، وهي لم تتمكَّن بعدُ، وﻻ تستطيع أن تَحميَ القريب منها، فضلًا عن البعيد عنها، فهذا عبثٌ وحماقة؛ فإقامة الخﻼفة ﻻ تكون بمجرَّد اﻻدِّعاءِ واﻹعﻼن؛ فأيُّ قِيمة ﻹعﻼن ليس له حقيقةٌ في الوجود؟!
فمن تغلَّب على أحدِ أقطار المسلمين، ثم سمَّى نفسه خليفةً للمسلمين، فكأنَّما زعم أنَّه تغلَّب على جميع أقطار المسلمين، وهذا أمرٌ مخالفٌ للحسِّ والواقع، ومِن ثَمَّ مخالفٌ للشرع، بل إنَّه يدلُّ على خللٍ كبيرٍ في تصوُّرِ أحكام اﻹمامة، وما يلحق بها.روَى البخاريُّ ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي الزِّناد، عن اﻷعرج، عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّه سمِع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما اﻹمامُ جُنَّة، يُقاتَل مِن ورائه، ويُتقَّى به)).
قال الحافظ النوويُّ رحمه الله: (قوله صلَّى الله عليه وسلم: ((اﻹمامُ جُنَّة))، أي: كالسِّتر ﻷنَّه يَمنع العدوَّ من أذى المسلمين، ويَمنع الناسَ بعضَهم من بعض، ويَحمي بيضةَ اﻹسﻼم، ويتَّقيه الناسُ، ويَخافون سطوتَه.
ومعنى ((يُقاتَل من ورائه))، أي: يُقاتَل معه الكفَّارُ والبُغاة والخوارج، وسائرُ أهل الفساد والظلم مطلقًا)، وبمثله قال ابنُ حجرٍ في الفتح، وبقيَّة شُرَّاح الحديث.
فكيف يُبايَع رجلٌ من المسلمين إمامًا عليهم وهو ﻻ يستطيع أن يحميهم؟!
فلﻺمامة حقوق وواجبات؛ فمَن كان عاجزًا عن أداء ما أوجبه الله عليه تُجاه رَعيَّته، فﻼ يُطالبهم بأداء حقِّه عليهم.
فﻼ يُعدُّ الرَّجُل خليفةً على المسلمين إلَّا إذا تحقَّق له بالفعل مناطُ هذه الخﻼفة، من حيث القدرةُ والسُّلطان على جمهور المسلمين؛ فمَن لم يكن كذلك، فإمامتُه ليستْ عُظمى، وأحسن أحوالها أنَّها إمارة على البُقعة التي يُسيطر عليها؛ فالعِبرة بالحقائق والمعاني، ﻻ باﻷسماء والمباني.
آخر تعديل بواسطة مناظر سلفي ، 2014-10-02 الساعة 06:50 AM
|