عرض مشاركة واحدة
  #83  
قديم 2015-12-27, 06:00 PM
اقبال اقبال غير متواجد حالياً
عضو مطرود من المنتدى
 
تاريخ التسجيل: 2015-11-23
المكان: مولنبيك
المشاركات: 49
افتراضي

أبو عبيدة أمارة، المحترم
المهم ما نقلته لكم من تفسير السمرقندي والطبري، وهو تحليل للنص كما هو؛ أما الصناعة التأويلية من منطلقات مذهبية تخص هذا التيار أو ذاك، فلا يهمني في شيء. إلى جانب ما نقلناه عن السمرقندي وجزئيا عن الطبري، نقرأ في تأويلات أهل السنة للماتريدي احتمالين:
الأول: يحتمل قوله (لتبين للناس) من أنباء الغيب وما غاب عنهم وما لله عليهم وما لبعضهم على بعض، وتبين لهم جميع ما يؤتون، وما يتقون، وما يحل، وما يحرم (ولعلهم يتفكرون) في ذلك .
الثاني: ويحتمل قوله (وأنزلنا إليك الذكر لتبين) ما حرفوا من كتبهم، وبدلوه، وغيروه، فيكون فيه آية لرسالتك، أو يكون الذي أنزل إليه كالمنزل إليهم حين (أو حيث حسب تحقيق المخطوطة) ذكر أنه يبين لهم ما أنزل إليه.

التأويل الاول مذهبي يخص اهل السنة فقط وكل من يعتقد أن البيان المحمدي كله بيان نبوي، وبالتالي بيان للوحي؛ اما التأويل الثاني فتأويل علمي يحلل النص دون اخضاعه لمنطلقات خارج النص، لأن الآية تحدد مجال الخطاب. وبنص القرآن التأويل المذهبي غير صحيح لأنه يتناقض مع قوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) فالنبي (ص) عندما حرّم ما حرّم من اجل مرضاة أزواجه لم يفعل ذلك وهو نبي، وانما فعل ذلك بصفته البشرية كانسان وزوج. وكذلك عندما أدلى برأيه في مسألة حرفية تتعلق بالفلاحة، أو ما ما هو معروف بحادثة تأبير النخل، وكذلك عندما ينطق ويأمر وينهى بصفته البشرية كقاضي يقضي بين الناس، ويحكم بينهم، ويدير شؤونهم الدنيوية كما جاء في صحيح مسلم (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه ..)، مما يدل على ان النبي (ص) بشر ورسول، فالرسول لا يخرج عن نطاق القرآن، وانما يبين ما في القرآن اذا اقتضت الحاجة لذلك.

والملاحظ ايضا التناقض الصريح بين التأويل المذهبي لقوله تعالى (ما ينطق عن الهوى) والآية (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك)، ولكن التيار الصوفي الذي يعظم الرموز الكبيرة الى درجة تشبه التقديس، تأثر في التيار السني، ومنذ ذلك الحين لا تمييز بين محمد النبي ومحمد البشر. محمد النبي يسمع القرآن، يبلغ آياته، ويبين ما يسألون عنه كما سألوه عن الظلم في آية قرآنية ففسره لهم بانه الشرك، وفسر معنى القوة في الاستعداد الحربي بالرمي، وفصل لهم كيفية اداء الفرائض في القرآن كالصلاة والصيام والزكاة .. والسلفية ما هي الا نبتة سنية لكنها اكثر راديكالية من التسنن الكلاسيكي والتقليدي. وهذا كله كان واضحا عند العقلائيين من المعتزلة، الشيء الذي ادى بهم يومها الى التشكيك في المنظومة الحديثية وقتذاك.

هذا واضح وضوح الشمس في النهار فلا حاجة لمجادلات من اجل الانتصار لهذا المذهب او ذاك، والحقيقة، حقيقة الاسلام، في الامور المختلف فيها بين المذاهب والفرق، حقيقة موزعة على جميعها، والانسان يجب ان يدور مع الدليل، لا المذهب، او ما يسمى الاجماع، والا باع دينه كما باعه النصارى باسم الاجماع او ما يسمى المجامع، فكم من نص واضح صريح في الاناجيل يناقض تصوراتهم، ولكنهم يعتقدون بالآبائية فالكنيسة قالت ومجمع نيقية قال، فلا قول بعد قولهم، ولا يحق لك فهم النص كما هو، لأن النص تعرفه الكنيسة، لا انت، وتحدده المجامع فهي التي تعلم العام والخاص والمقيد والمطلق .. الى غير ذلك من التأويلات المذهبية البعيدة عن المعرفة والعلم.

خلاصة الكلام: في التفاسير تأويلات تحليلية واضحة لا تخرج عن النص ولا تُخضع النص لمؤثرات خارجية باسم السنة ولا باسم الاجماع، كما هناك تأويلات مذهبية كل مفسر يفسر حسب منطلقاته المذهبية.
رد مع اقتباس