"الكيفية الثالثة : الرؤيا الصادقة : فيرى صلى الله عليه وسلم الشئ فى الرؤيا فهذا من الوحى ، إذ رؤيا الأنبياء وحى ، وهى حق كما جاء فى حديث عائشة - رضى الله عنها - : "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم – من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ... الحديث" وواضح من قولها - رضى الله عنها – "أول ما بدئ به ... من الوحى الرؤيا الصادقة" أن الرؤيا الصالحة كيفية من كيفيات الوحى .. وقد جاء ذلك مصرحاً به فى أحاديث منها :
= ما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "رؤيا الأنبياء وحى".
= ما أخرجه البخارى عن عبيد بن عمير بن قتادة قال : "إن رؤيا الأنبياء وحى ثم قرأ : (إنى أرى فى المنام أنى أذبحك".
= وما أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير عن معاذ بن جبل – رضى الله عنه – قال : "ما رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى نومه أو يقظته فهو حق".
= وما أخرجه الحاكم والطبرانى – أيضاً – عن ابن عباس : "رؤيا الأنبياء وحى".
فرؤياه المنامية – صلى الله عليه وسلم - حق ، لا يعتريها تلبيس أو تخييل ، وكذا جميع الأنبياء ـ تجد هذا واضحاً فى قص ذبح إبراهيم ولده – صلى الله عليهما وسلم - وكيف أن ذلك كان بناءً على رؤيا منامية ، وتجده أيضاً فى قصة يوسف – صلى الله عليه وسلم - ، وأن رؤياه الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين ، قد تحققت بعد سنوات.
قال ابن المرابط فى تفسير الرؤيا الصالحة : هى التى ليست ضغثاً ، ولا من تلبيس الشيطان ، ولا فيها ضرب مثل مشكل. أهـ وقوله : "ولا فيها ضرب مثل مشكل. أى لا يُتَوقّف على تأويله.
الكيفية الرابعة : أن يوحَى إليه بواسطة الملك ، وقد تمثل له الملك رجلاً ، فيكلمه بما أُمر به من الوحى.
فأحياناً كان جبريل عليه السلام يأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على صورة دحية الكلبى فيبلغه عن الله ما أمره سبحانه وتعالى به.
وهذه الكيفية نادرة ، ومنها الحديث الجامع الذى أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه –
قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ،
قال : يا محمد أخبرنى عن الإسلام؟
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتى الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ... " الحديث .
وفى نهايته قال – صلى الله عليه وسلم - : يا عمر أتدرى من السائل؟
قلت : الله ورسوله أعلم.
قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
ومما يثبت هذه الكيفية أيضاً حديث الحارث بن هشام ، فلقد سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم –فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحياناً يأتينى مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليّ فيفصم عنى – أى يفارقنى – وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل لى الملك رجلاً فيكلمنى فأعى ما يقول.
وعن ابن عمر قال : "وكان جبريل عليه السلام يأتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فى صورة دحية".
ودحية هذا صحابى جليل ، شهد المشاهد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خلا بدر وكان جميل الهيئة.
وعن أنس أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال : "كان جبريل يأتينى على صورة دحية الكلبى" قال أنس : ودحية كان رجلاً جسيماً أبيض.
وهذه الكيفية أهون كيفيات نزول الملك عليه – صلى الله عليه وسلم – وقد جاء فى رواية هذا الحديث عند أبى عوانة : "وهو أهونه عليّ" والذى يظهر لي أنها أهون كيفيات مجئ الملك ، ولا أتصور أن تكون أخف من الرؤيا والكيفيات السابقة."
يتبع إن شاء الله ......
|