عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 2012-10-08, 01:05 PM
أبو أحمد الجزائري أبو أحمد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-07-11
المشاركات: 6,886
افتراضي

أنقل لإخواني مشاركة قيمة من موضوع شيق كُتب بإستفاضة و إلمام لعقيدة البداء عند الرافضة و أنها من أصول العقائد عند القوم
البداء
من أصول الاثني عشرية القول بالبداء على الله سبحانه وتعالى حتى بالغوا في أمره، فقالوا: "ما عبد الله بشيء مثل البداء" [أصول الكافي، كتاب التوحيد، باب البداء: 1/146، ابن بابويه/ التوحيد، باب البداء: ص332، بحار الأنوار، كتاب التوحيد، باب البداء: 4/107.] و"ما عظم الله عز وجل بمثل البداء" [أصول الكافي: 1/146، التوحيد لابن بابويه ص333، بحار الأنوار: 4/107.]، "ولو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه" [أصول الكافي: 1/148، التوحيد لابن بابويه: ص334، بحار الأنوار: 4/108.]، « وما بعث الله نبيًا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء" [أصول الكافي: 1/148، التوحيد لابن بابويه: ص334، بحار الأنوار: 4/108.].
ويبدو أن الذي أرسى أسس هذا المعتقد عند الاثني عشريّة هو الملقّب عندهم بثقة الإسلام وهو شيخهم الكليني (ت328 أو 329ه‍) حيث وضع هذا المعتقد في قسم الأصول من الكافي، وجعله ضمن كتاب التوحيد، وخصّص له بابًا بعنوان "باب البداء" وذكر فيه ستّة عشر حديثًا من الأحاديث المنسوبة للأئمة.
وجاء من بعده ابن بابويه (ت381ه‍)، وسجل ذلك ضمن عقائد طائفته، وعقد له بابًا خاصًا بعنوان "باب البداء" وذلك في كتاب "الاعتقادات" الذي يسمى دين الإمامية [الاعتقادات: ص89.]. ومثل ذلك فعل في كتابه "التوحيد" [التوحيد: ص331.].
وقد اهتمّ شيخهم المجلسي (ت1111ه‍) بأمر البداء وبوّب له في بحاره بعنوان "باب النّسخ والبداء"، وذكر (70) حديثًا من أحاديثهم عن الأئمة [بحار الأنوار: 4/92-129.].
وكذلك جاءت هذه المقالة ضمن كتب العقيدة عند المعاصرين [انظر – مثلاً -: المظفر/ عقائد الإمامية: 69، الزنجاني/ عقائد الإمامية الاثني عشرية: 1/34.]. وألف شيوخهم في شأنها مؤلفات مستقلة بلغت (25) مصنفًا كما في الذريعة [انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 3/53-57.].
ولعل القارئ المسلم يعجب من أمر هذه العقيدة، التي لا يعرفها المسلمون، وليس له ذكر في كتاب الله سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مع أنها من أعظم ما عبد الله به، ومن أصول رسالات الرسل، وفيها من الأجر ما لو علم به المسلم لأصبحت تجري على لسانه دائمًا كشهادة التوحيد (كما يزعمون).
إذا رجعت إلى اللغة العربية لتعرف معنى البداء تجد أن القاموس يقول: بدا بدوًا وبدوًا وبداءة: ظهر. وبدا له في الأمر بدوًا وبداء وبداة: نشأ له فيه رأي [القاموس المحيط، مادة: بدو (4/302).]. فالبداء في اللغة – كما ترى – له معنيان:
الأول: الظهور بعد الخفاء. تقول: بدا سور المدينة أي: ظهر.
والثاني: نشأة الراي الجديد. قال الفراء: بدا لي بداء أي: ظهر لي رأي آخر، وقال الجوهري: بدا له في الأمر بداء أي: نشأ له فيه رأي [الصحاح (6/2278)، ولسان العرب (14/66)، وانظر هذا المعنى في كتب الشيعة مثل: مجمع البحرين للطريحي: 1/45.].
وكلا المعنيين وردا في القرآن، فمن الأول قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [البقرة، آية: 284.]. ومن الثاني قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف، آية: 35.].
وواضح أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على الله سبحانه. ونسبته إلى الله سبحانه من أعظم الكفر، فكيف تجعل الشيعة الاثنا عشرية هذا من أعظم العبادات، وتدعي أنه ما عظم الله عز وجل بمثل البداء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذا المعنى المنكر يوجد في كتب اليهود، فقد جاء في التوراة التي حرفها اليهود وفق ما شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى الله سبحانه [جاء في التوراة: "فرأى الرب أنه كثر سوء الناس على الأرض. فندم الرب خلقه الإنسان على الأرض وتنكد بقلبه، وقال الرب: لأمحون الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض.." (سفر التكوين، الفصل السادس، فقرة: 5) ومثل هذا المعنى الباطل وما أشبه يتكرر في توراتهم (انظر: سفر الخروج، الفصل: 32 فقرة: 12، 14، وسفر قضاة، الفصل الثاني، فقرة: 18، وسفر صموئيل الأول، الفصل الخامس عشرة فقرة: 10، 34، وسفر صموئيل الثاني، الفصل: 24، فقرة: 16، وسفر أخبار الأيام الأول، الفصل: 21، فقرة: 1، وسفر أرميا، الفصل: 42، فقرة: 10، وسفر عاموس، الفصل: 7، فقرة: 3، وسفر يونان، الفصل: 3، فقرة: 10 وغيرها).
هذا ما جاء في توراة اليهود، مع أنهم ينكرون النسخ، لأنه بزعمهم يستلزم البداء (انظر: مسائل الإمامة: ص75، مناهل العرفان: 2/78)، فانظر إلى تناقضهم وردهم للحق وقبولهم بالباطل.].
ويبدو أن ابن سبأ اليهودي قد حاول إشاعة هذه المقالة، التي ارتضعها من «توراته» في المجتمع الإسلامي الذي حاول التأثير فيه باسم التشيع وتحت مظلة الدعوة إلى ولاية علي، ذلك أن فرق السبيئة "كلهم يقولون بالبداء وأن الله تبدو له البداوات" [الملطي/ التنبيه والرد: ص19.].
ثم انتقل هذه المقالة إلى فرقة "الكيسانية" أو "المختارية" أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي وهي الفرقة التي اشتهرت بالقول "بالبداء" والاهتمام به، والتزامه عقيدة.
ويذكر أصحاب المقالات أن السبب الذي جوزت لأجله الكيسانية البداء على الله تعالى هو: أن مصعب بن الزبير أرسل جيشًا قويًا لقتال المختار وأتباعه فبعث المختار إلى قتالهم أحمد بن شميط مع ثلاثة آلاف من المقاتلة وقال لهم: أوحي إلي أن الظفر يكون لكم، فهزم ابن شميط [وهو من قواد المختار، وقتل سنة (67ه‍).] فيمن كان معه فعادوا إليه فقالوا: أين الظفر الذي قد وعدتنا؟ فقال المختار: هكذا كان قد وعدني ثم بدا فإنه سبحانه وتعالى قد قال: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد، آية: 39.] [الإسفراييني/ التبصير في الدين: ص20، وانظر: البغدادي/ الفرق بين الفرق: ص50-52.].
فالسبب كما ترى أن المختار كان يدعي علم الغيب وما يحدث بالمستقبل، فكان إذا وقع خلاف ما أخبر به قال: قد بدا لربكم.
وتجد هذا المعنى في أخبار الاثني عشرية، فإنهم قد أشاعوا بين أتباعهم أن أئمتهم "يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم الشيء" [أصول الكافي، باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء: 1/260.]. فإذا نسبوا إلى الأئمة أخبارًا لم تقع قالوا: هذا من باب البداء.
جاء في البحار في باب البداء "عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: يا أبا حمزة إن حدثناك بأمر أنه يجيء من هاهنا فجاء من هاهنا، فإن الله يصنع ما يشاء، وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غدًا بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت" [بحار الأنوار: 4/119، تفسير العياشي: 2/217، البرهان: 2/299.].
وكان شيوخ الشّيعة يمنون أتباعهم بأنّ الأمر سيعود إليهم، والدّولة ستكون لهم، حتى إنّهم حدّدوا ذلك بسبعين سنة في رواية نسبوها لأبي جعفر، فلمّا مضت السّبعون ولم يتحقّق شيء من تلك الوعود اشتكى الأتباع من ذلك، فحاول مؤسّسو المذهب الخروج من هذا المأزق بالقول بأنّه قد بدا لله سبحانه ما اقتضى تغيير هذا الوعد [انظر: تفسير العياشي: 2/218، الغيبة للطّوسي: ص263، بحار الأنوار: 4/214.].
وكانت روايات الشّيعة في حياة جعفر الصّادق تتحدّث بأخبار تنسبها لجعفر أنّ الإمامة ستكون بعد موته لابنه إسماعيل، ولكن وقع ما لم يكن بالحسبان، إذ مات إسماعيل قبل موت أبيه فكانت قاصمة الظّهر لهم، وحدث أكبر انشقاق باق إلى اليوم في المذهب الشّيعي، وهو خروج طائفة كبيرة منهم ثبتت على القول بإمامة إسماعيل وهم الإسماعيليّة، رغم أنّهم فزعوا إلى عقيدة البداء لمعالجة هذه المعضلة فنسبوا روايات لجعفر تقول: "ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني.. إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنّه ليس بإمام بعدي" [التّوحيد لابن بابويه: ص336، وانظر مثل هذا المعنى في أصول الكافي 1/327.].
واستجاب لهذا التّأويل طائفة الاثني عشريّة الذين قالوا بإمامة موسى دون إسماعيل.
ومؤسسو التشيع يدعون في الأئمة أنهم يعلمون الحوادث الماضية والمستقبلة والآجال والأرزاق.. إلخ. ولكن الأتباع وسائر الناس لا يرون فيهم شيئًا من هذه الدعاوى، والأئمة لا يخبرون الناس بشيء من ذلك، لأنهم لا يملكون ذلك أصلاً ولا يدعونه في أنفسهم فلم يجد مؤسسو التشيع تعليلاً يبررون به هذا العجز إلا عقيدة البداء فنقلوا عنهم أنهم لا يخبرون عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيغيره [زعموا – مثلاً – أن علي بن الحسين قال: لولا البداء لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة. (تفسير العياشي: 2/215، بحار الأنوار: 4/118).].
وزعموا أن الأئمة يعطون علم "الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويشترط (لهم) فيه البداء" [تفسير القمي: 2/290، بحار الأنوار: 4/101.]. وهذه حيلة أخرى منهم ليستروا بها كذبهم إذا أخبروا خلاف الواقع.
وقد أمر الشيعة بمقتضى هذه العقيدة بالتسليم بالتناقض والاختلاف والكذب، ففي رواية طويلة في تفسير القمي تخبر عن نهاية دولة بني العباس، قال فيها إمامهم: "إذا حدثناكم بشيء فكان كما نقول فقولوا: صدق الله ورسوله، وإن كان بخلاف ذلك فقولوا: صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين.." [تفسير القمي: 1/310-311، بحار الأنوار: 4/99.].
وقد كان لعقيدة البداء في إبان نشأتها أثرها في ظهور بوادر الشك لدى العقلاء من أتباع المذهب، وقد اكتشف بعضهم حقيقة اللعبة، فتخلى عن المذهب الإمامي أصلاً، وقد حفظت لنا بعض كتب الفرق قصة أحد هؤلاء وهو سليمان بن جرير الذي تنسب إليه فرقة السليمانية من الزيدية، فقال – كما تنقل ذلك كتب الفرق عند الشيعة نفسها -: "إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين، لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدًا وهما القول بالبداء وإجازة التقية" [المقالات والفرق للقمي: ص78، فرق الشيعة للنوبختي: ص64.].
ثم كشف – من خلال حياته في المجتمع الشيعي، ومخالطته لهم – كيف يتخذون من عقيدة البداء وسيلة للتستر على كذبهم في دعوى علم الأئمة للغيب فقال: "إنّ أئمّتهم لمّا أحلّوا أنفسهم من شيعتهم محلّ الأنبياء من رعيّتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم إنّه سيكون غدًا وفي غابر الأيّام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشّيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلّمكم أنّ هذا يكون فنحن نعلم من قبل الله عزّ وجلّ ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عزّ وجلّ مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشّيء الذي قالوا إنّه يكون على ما قالوه، قالوا لشيعتهم: بدا لله في ذلك فلم يكوِّنه" [المقالات والفِرَق للقمي: ص78، فرق الشّيعة للنّوبختي: ص64-65، وانظر في هذا المعنى: محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين للرّازي: ص249، وسليمان بن جرير ينسب الخداع إلى بعض أهل البيت، والحقّ أنّ ذلك من أولئك الزّنادقة المنتسبين إلى أهل البيت لأكل أموال النّاس بالباطل والتّآمر والتّخريب.].
ثم شرح أيضًا كيف يخدعون أتباعهم بمقتضى عقيدة التقية، فتأثر بقوله طائفة من الشيعة واتبعوه [انظر: المقالات والفرق: ص78، فرق الشيعة: ص65.].
فأنت ترى بعد هذا العرض أنه لو سقطت عقدية البداء لانتقض دين الاثني عشرية من أصله، لأن أخبارهم ووعودهم التي لم يتحقق منها شيء تنفي عنهم صفة الإمامة.
وهذا سر مغالاة شيوخهم بأمر البداء، ودفاعهم عنه، وجعله من أعظم العبادات.
لكن مقالة البداء ارتدت عليهم بأوخم العواقب وهي إضافة سبب جديد لكفرهم وردتهم [انظر: الغزالي/ المستصفى: 1/110.] لأنهم بهذا المعتقد نزهوا المخلوق وهو الإمام عن الخلف في الوعد، والاختلاف في القول، والتغير في الرأي، ونشأة رأي جديد، ونسبوا ذلك إلى عالم الغيب والشهادة. تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا [الوشيعة: ص182.].
فنزهوا المخلوق دون الخالق، لأن غلوهم في الإمام – فيما يظهر – لم يجعل للحق جل شأنه في قلوبهم وقارًا، فتاهوا في بيداء هذا الضلال والكفر والإلحاد.
ولقد حاول شيوخ الشيعة أن يجدوا مخلصًا من وصمة هذا العار، ومهربًا من التكفير.
فالنصير الطوسي الذي يلقبه المجلسي بالمحقق (المتوفى سنة 672ه‍) أنكر وجود البداء كعقيدة للاثني عشرية وقال عن طائفته: "إنهم لا يقولون بالبداء، وإنما القول بالبداء ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادق أنه جعل إسماعيل القائم مقامه، فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه، فجعل القائم موسى فسئل عن ذلك فقال: بدا لله في أمر إسماعيل، وهذه رواية، وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علمًا ولا عملاً" [الطوسي/ تلخيص المحصل: ص250.].
ولكن هذا – كما ترى – مخالف للواقع؛ إذ إن البداء من عقائدهم المقررة، ورواياتهم وأخبارهم فيه كثيرة، ولذلك قال المجلسي بأن هذا الجواب عجيب من الطوسي، وعزا ذلك « لعدم إحاطته بالأخبار" [بحار الأنوار: 4/123.].
وصنف من الشيعة يقر بالبداء كعقيدة ويحاول أن يجد له تأويلاً مقبولاً.
فابن بابويه القمي يوجه "أحاديثهم" في البداء توجيهًا «تبدو» عليه ملامح الاضطراب، فهو في البداية يقول: "ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره" [التوحيد: ص335.].
فأنت ترى أن حديثه هنا خارج الموضوع تمامًا لأنه تكلم عن البدء لا البداء ولا يخالف مسلم في هذا الأمر الذي يقوله، ولو كان هذا مقصودهم بالبداء لما أنكره عليهم أحد، ولما وجدوا فيه مخرجًا لتناقض رواياتهم، وتخلف وعودهم.
فالله سبحانه: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة، آية: 7.] وهو {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يونس، آية: 4.]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [القصص، آية: 68.] وليس هذا من البداء.
ولكنه رجع وفسر البداء بالنسخ، فقال بعد الكلام السابق مباشرة: "أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله، أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها" [التوحيد: ص335.].
وهذا جهل أو تجاهل؛ إذ لا بداء في النسخ، والحكم كان مؤقتًا في علم الله، وأجل الحكم، وانتهاء الحكم عند حلول الأجل معلوم لله قبل الحكم. نعم بدا لنا ذلك من الله بعد نزول الناسخ، والبداء لنا في علمنا لا لله [الوشيعة: ص183.].
"من أجل ذلك تنزه الله سبحانه عن أن يوصف بالبداء؛ لأن البداء ينافي إحاطة علم الله بكل شيء، ولم يتنزه عن النسخ؛ لأن النسخ لا يعدو أن يكون بيانًا لمدة الحكم الأول على نحو ما سبق في علم الله تعالى، وإن كان رفعه لهذا الحكم بداء بالنسبة لنا" [مصطفى زيد/ النسخ في القرآن: 1/20.]. "فإن الله سبحانه قدر في علمه الأزلي لكل حكم ميقاتًا وزمانًا معلومًا فإذا انتهى زمانه حل محله حكم آخر بأمره ونهيه سبحانه، فليس فيه تغيير في علمه الأزلي" [محمد أبو زهرة/ الإمام الصادق: ص241.]. قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة، آية: 106.].
وقد شنع عبد القاهر البغدادي على الشيعة؛ حيث "جعلت النسخ من قبيل البداء فزعمت أنه إذا أمر سبحانه بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لأنه بدا له منه" [الملل والنحل: ص52.].
وقد تمادت الشيعة في هذا الغي، وساق صاحب البحار بعض الروايات المنسوخة واعتبرها من قبيل البداء [بحار الأنوار: 93/83-84.]، مع أنه لا صلة للنسخ بالبداء [راجع أيضًا في التفريق بين النسخ والبداء والرد على أوهام الرافضة واليهود في عدم التفريق بينهما: الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس: ص44، المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري: 1/368-369، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي: ص98-99، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 4/68-69، الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/109-112، دراسات الأحكام والنسخ في القرآن/ محمد حمزة: ص59.].
ثم إن ابن بابويه عاد في نهاية توجيهه لعقيدة البداء إلى القول بأن البداء "إنما هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي: ظهر. قال الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر، آية: 47.] أي: ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره. ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره" [التوحيد: ص336.].
فهذا عودة منه لتقرير ذلك المنكر في معتقدهم في البداء، بعد تلون وتقلب.
وزيادة عمر من وصل رحمه ليست من باب البداء، وظهور ما لم يكن في علم الله، بل صلة الرحم سبب لطول العمر، والله قدر الأجل وسببه فهو سبحانه "قدر أن هذا يصل رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية، ولكن قدر هذا السبب وقضاه، وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا" [شرح الطحاوية: ص92.].
ولكن شيخ الطائفة الطوسي يسلك في تأويل البداء طريقًا أسلم من طريق ابن بابويه، حيث يقول: "قوله: بدا لله فيه معناه بدا من الله فيه، وهكذا القول في جميع ما يروي من أنه بدا لله في إسماعيل معناه أنه بدا من الله، فإن الناس كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنه الإمام بعد أبيه، فلما مات علموا بطلان ذلك" [الغيبة للطوسي: ص55.].
هذا اعتذار الطوسي، ولا شك بأن البداء إذا كان للخلق بأن يقع لهم ما لم يحتسبوا، فليس فيه ما يمس العقيدة الإسلامية.
وقد تابع الطوسي في الاعتذار نفسه أحد مراجع الشيعة في هذا العصر وهو محمد حسين آل كاشف الغطا فقال: "البداء وإن كان في جوهر معناه هو ظهور الشيء بعد خفائه، ولكن ليس المراد به هنا ظهور الشيء لله جل شأنه وأي ذي حريجة ومسكة يقول بهذه المضلة، بل المراد ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم، وقولنا: (بدا لله) أي بدا حكم الله أو شأن الله" [الدين والإسلام: ص173.].
ولكن المطلع على رواياتهم لا يرى أنها تتفق مع هذا التأويل، إذ تدل على نسبة البداء إلى الله لا إلى الخلق، ولذلك اعتذر أئمتهم عن الإخبار بالمغيبات خشية البداء.. ونسبوا إلى نبي الله لوط أنه كان يستحث الملائكة لإنزال العقوبة بقومه خشية أن يبدو لله، ويقول: "تأخذونهم الساعة فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم. فقالوا: يا لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" [فروع الكافي: 5/546.]. فهل مثل هذا "الإلحاد" يقبل التأويل؟!.
وجاء في الكافي ".. عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد مضي ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني: أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كابي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام، وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلام، فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاسم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون" [أصول الكافي: 1/327.].
فانظر إلى قوله "بدا لله.. ما يكن يعرف له.." تجد أنهم ينسبون "البداء" إلى الله صراحة، فهؤلاء القوم لا يرجون لله وقارًا، وقد اتخذوا من عقيدة البداء وسيلة لإبقاء فرصة الاختيار في أهل البيت، والرجوع عن الاختيار بدون تثريب عليهم من أتباعهم.. ولم يراعوا في هذه الحيلة حق الله جل شأنه، لأن واضعي هذه النصوص قد فرغت نفوسهم من خوف الله ورجائه. ثم إن التأويل للبداء بظهور الأمر للناس من الله لا يسوغ كل هذه المغالاة في البداء وجعله من أعظم الطاعات وأصول الاعتقادات، كما أن لفظ البداء يحمل معنى باطلاً في لغة العرب التي نزل بها القرآن، فكيف يعد أصل في الدين وهو بهذه المثابة، ويلتمس له تأويل ومخرجٌ؟!
استدلالهم على البداء:
وبعد أن استقرت مسألة البداء عندهم كعقيدة بمقتضى روايات الكليني وأضرابه، حاول شيخ الشيعة – كعادتهم – البحث في كتاب الله عن سند لدعواهم.
وكأنه لم يكفهم أن نسبوا هذه الفرية إلى الله، حتى زعموا أن كتاب الله أثبت فريتهم، فتعلقوا بقوله سبحانه: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد، آية: 39.].
ويلحظ أن أول من استدل بهذه الآية على فرية البداء هو المختار بن أبي عبيد [انظر: ص(940).] وتابعه شيوخ الشيعة، ووضعوا روايات في ذلك أسندوها لبعض علماء آل البيت لتحظى بالقبول [انظر: أصل الكافي: 1/146، التوحيد لابن بابويه: ص333 وما بعدها.].
واستدلالهم بهذه الآية على أن المحو والإثبات بداء شطط في الاستدلال، وتعسف بالغ، ذلك أن المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته، من غير أن يكون له بداء في شيء، وكيف يتوهم له البداء وعنده أم الكتاب، وله في الأزل العلم المحيط {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام، آية: 59.]، {..وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ، آية: 3.].
وأمثالها من الآيات، وتوهم البداء لله تكذيب لكل هذه الآيات [وانظر في الرد عليهم أيضًا: المستصفى للغزالي: 1/110، مختصر الصواعق: 1/110، الأحكام للآمدي: 3/111.].
وقد اختلف المفسرون في المراد بالذي يمحو ويثبت على ثمانية أقوال (ابن الجوزي/ زاد المسير: 4/337-338) فمنهم من قال: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، قال شارح الطحاوية: والسياق أدل على هذا الوجه (شرح الطحاوية ص94).
قال ابن جرير الطبري: "وأولى الأقوال التي ذكرت في تأويل الآية.. أن الله تعالى ذكره توعد المشركين الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات بالعقوبة، وتهددهم بها، وقال لهم: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد، آية: 38]. يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلاً مثبتًا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت ذلك الأجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل يجيء الله بمن شاء ممن قد دنا أجله، وانقطع رزقه.. فيقض ذلك في خلقه، فذلك محوه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه.. فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه" (تفسير الطبري: 13/170).
ورجح بعضهم عموم المحو والإثبات في جميع الأشياء (انظر: فتح القدير: 3/88). واعترض ابن جزي على من قال بالعموم في تأويل الآية بقوله: "وهذا ترده القاعدة المتقررة أن القضاء لا يبدل وأن علم الله لا يتغير" (التسهيل 2/136).
ولكن قال الشوكاني: بأن القول بالعموم لا ينافي ذلك "لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه الله وقدره" (فتح القدير: 3/88).
ورجح القاسمي أن المراد: الآيات (التي تسمى المعجزات) (انظر: تفسير القاسمي: 13/372-373).
وانظر أيضًا في تأويل الآية: تفسير البغوي: 3/22-23، تفسير ابن كثير: 2/559-561، تفسير الألوسي: 13/ 169-172، السعدي/ تيسير الكريم الرحمن: 4/116-117.
هذه أقوال مفسري المسلمين في تأويل الآية، لم يقل أحد منهم بمثل شناعة الرافضة.].
وقد بين الله تعالى في آخر الآية أن كل ما يكون منه من محو وإثبات وتغيير، واقع بمشيئته ومسطور عنده في أم الكتاب [عبد الرزاق عفيفي/ في تعليقه على الإحكام للآمدي: 3/111 (الهامش).].
روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:
إن نقض الخصم كلامه بنفسه، من أبلغ النقض، لأنه يقضي على نفسه بسلاحه، وإن ظهور تناقضه من أوضح أمارات بطلان معتقده، وأنت تجد في كتب الاثني عشرية روايات عن الأئمة ترمي من قال بالبداء بالخزي، وتناقض ما سلف من روايات.
وهذه الروايات قد تكون روايات وثيقة الصلة بعلماء آل البيت لأنها تعبر عن المعنى الحق وهو ما يليق بأولئك الصفوة، وقد تكون من آثار الشيعة المعتدلة بقيت آثارها في كتب الاثني عشرية، ولا يبعد أن تكون هذه الروايات ستارًا وضعه أولئك الزنادقة على عقيدتهم في البداء.
وعلى أية حال فإن إثبات مثل هذه الروايات تبين مدى تناقض هذه الطائفة في رواياتها، وأن دينها قائم على الأخذ بالجانب الشاذ، والمخالف للجماعة من أخبارهم، لأن ما خالف الجماعة ففيه الرشاد كما هو قانون أولئك الزنادقة، الذي يخرج من أخذ به عن الدين رأسًا.
جاء في كتاب التّوحيد لابن بابويه: ".. عن منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله – عليه السّلام – هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟ قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق" [التّوحيد: ص334، أصول الكافي: 1/148 رقم (10)، وانظر قريبًا من هذا المعنى رواية أخرى في الكافي: 1/148 (رقم9).].
ولا شك بأن عقيدة البداء بمقتضى معناها اللّغوي، وبموجب روايات الاثني عشريّة، وحسب تأويل بعض شيوخهم تقتضي أن يكون في علم الله اليوم ما لم يكن في الأمس.
وحسب الاثني عشرية عارًا وفضيحة أن تنسب إلى الحق جل شأنه هذه العقيدة، على حين تبرئ أئمتها منها، فإذا وقع الخلف في قول الإمام نسبت ذلك إلى الله لا إلى الإمام.
وإذا رجعت إلى معتقدهم في توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات، وجدت أن الإمام قد حل محل الرب سبحانه في قلوبهم وعقولهم، بتأثير ذلك الركام المظلم من الأخبار.. فعقيدة البداء أثر لغلوهم في الإمام ).
نقلاً من كتاب أصول مذهب الشيعة للدكتور ناصر القفاري "المشاركة لأخينا إبن المنير جزاه الله عنا كل خير . ملتقى أهل الحديث"
هل من رافضي يتقدم يثبت لنا من كتبنا إذا هناك إختلال في إيمان الوهابي بالله ؟؟؟؟؟؟
رد مع اقتباس