عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2010-10-19, 10:34 PM
طالب عفو ربي طالب عفو ربي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-28
المشاركات: 716
افتراضي

الهدف من التسمية : -

لئن كان مسعود الندوي – رحمه الله – في كتابه " محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم و مفترى عليه " قد قال : إن من أبرز الأكاذيب على دعوة شيخ الإسلام تسميتها بالوهابية و لكن أصحاب المطامع حاولوا ن هذه التسمية أن يبثوا أنها دين خارج على الإسلام و اتحد الإنجليز و الأتراك و المصريون فجعلوها شبحاً مخيفاً بحيث كلما قامت أي حركة إسلامية في العالم الإسلامي في القرنين الماضيين و رأى الأوروبيون فيها خطراً على مصالحهم ربطوا حبالها بالوهابية النجدية وإن ناقضتها (1)

فإن الشيخ أحمد بن حجر قاضي المحكمة الشرعية الأولى بقطر قد ربط افتراءات بعض المتكلمين الحنابلة السابقين بالافتراءات على الشيخ محمد لأن المخالفين لا ينقصون من قدر الآخرين إلا بالافتراء عليهم وكذلك المستعمر لا يجد طريقاً في القضاء على الحركات الإسلامية إلا بمثل هذا الأسلوب .

و كان مما قاله الشيخ أحمد في كتابه " نقض كلام المفترين الحنابلة السلفيين " :
(( و نسبوا إلى الشيخ و إلى أتباعه أنهم لا يجعلون للرسول صلى الله عليه وسلم حرمة بل يقول أحدهم عصاي خير من الرسول . ولا يرون للعلماء و لا الصالحين مقاماً و ينكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم و يحرمون زيارة القبور و قبور سائر المؤمنين ولا يرون الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم و لا يعتنون بكتب الأئمة بل يحرقونها و يتلفونها و لا يرون تقليدهم جائزاً و يكفرون المسلمين من قرون عديدة سوى من كان على معتقدهم و يحرمون قراءة المولد النبوي )) (2) إلى غير ذلك من المزاعم .

و الجواب أن هذه الأشياء المنسوبة إليهم كلها كذب لا نصيب لها من الصحة أبداً و هذه كتبهم مطبوعة تباع و توزع فمن أراد أن يعرف كذب هذه المزاعم فليقرأ كتبهم (3) .
و من هنا ندرك السر في الإصرار على لقب الوهابية و إشاعة أنهم مذهب خامس لأن علماء المغرب قد اكتووا بنار الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية التي قامت هناك و أسسها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في آخر القرن الثاني و بداية القرن الثالث الهجري و لديهم فتاوى حولها و مذهب أهلها كما أوضحنا من قبل .

فهي ثوب جاهز ما على أعداء الدعوة إلا خلعه على هذه الدعوة الجديدة من باب التنفير و اختصار الطريق لأنه لا يخدم المستعمر في ديار الإسلام إلا أصحاب البدع و الخرافات .

أما العلماء من أصحاب المصالح فتمسكوا بما قيل من افتراءات و ألصق من شبهات رغم أن الحوار و النقاش ينفي تلك التهم و أنها لا أساس لها من الصحة و يتبرأون منها و ما ذلك إلا أن الهوى يعمي و يصم .

و لكي يؤكدوا صحة ما وضعوا من شبهات استغل أعداء الدعوة ما صار بين الشيخ محمد و أخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من خلاف بادئ الأمر حيث عارضه سليمان شأنه شأن طلبة العلم في منطقة نجد و خارجها عدم الاستجابة إلا بعد معرفة الحقيقة فإذا استبان الرشد رجعوا للحق مذعنين .

و الشيخ سليمان أيضاً ممن اقتنع بحقيقة الدرب الذي سار فيه أخوه و سلامة المقصد فصار من مؤيديه بعد ذلك .

نقول استغل الخصوم ذلك فألفوا رسالتين نسبتا إلى سليمان هذا هما " الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية " و " فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب "

بينما المتتبعون للأمر ينفون ذلك عن سليمان و إنما قصد إلصاقها بسليمان لزيادة التنفير بأن أخاه سليمان و هو أقرب الناس أنكر عليه بينما واقع الحال أنه تابعه ووفد إليه معتذراً في الدرعية .
و كدليل آخر على كذب هذه المؤلفات و عدم صحة نسبتها لسليمان أن لقب الوهابية لم تتفتق عنه الحيلة إلا مع الحملات التركية المصرية بقيادة إبراهيم باشا على نجد و بعد موت الشيخ محمد بأكثر من عشرين سنة و بعد موت سليمان أيضاً . بدليل أن " ني بور " المعاصر الأوروبي للشيخ محمد لم يستعمل اصطلاح الوهابية أصلاً و قال مسعود الندوي عنه :
و يظهر من هذا اصطلاح الوهابية لم يكن معروفاً إلى ذلك الوقت و لكنه يسمي دعوة الشيخ بدين جديد New صلى الله عليه وسلمeligion مع أنه في النهاية يعبر عن مذهب محمد بن عبد الوهاب الجديد بالمحمدية . و أن أول ذكر للوهابية جاء عند " برك هارت " الذي جاء الحجاز بعد استيلاء محمد علي في سنة 1229 هـ كما جاء ذلك عند الجبرتي في تاريخه (4) .

و كما جاء أيضاً في رحلة سادلير التي مر بنا ذكرها .

و قرينة ثالثة فلو كان سليمان بن عبد الوهاب ممن رد على أخيه و ناوأ الدعوة فإن اسمه سوف يتكرر في الردود و ســــــيأتي له ذكر أسوة بأسماء من ناوأها و لو لفترة حيث الجدل و النقاش مستمر و إنما هو ثوب ألبس لسليمان هذا و لم يكن له , كما ألبست الدعوة اصطلاحاً لا يربطها به صلة , لتنافر ما بين دعوة الشيخ محمد و الوهابية الرستمية الخارجية , من حيث المعتقد و المحتوى و المكان و الطريقة و الاستشهاد بالدليل الشرعي و لذا لم يرد له ذكر في ذلك مما يدل على براءته من ذلك .
فالوهابية الرستمية تخالف معتقد أهل السنة و الجماعة كما هو معروف عنهم من الدارسين لحالهم ؟, بينما الشيخ كما يقول بنفسه في رسائله و تشهد به جميع كتبه و كتب أبنائه و تلاميذه : متبع و ليس بمبتدع يسير وفق مذهب أهل السنة و الجماعة و يدعو رأيه بالدليل الصحيح من كتاب الله الكريم و سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم و ما انتهجه السلف الصالح من القرون المفضلة كما هو واضح القياس في جميع كتبه و رسائله .

و قرينة رابعة : فإن مخالفة سليمان بن عبد الوهاب لأخيه كانت في بداية أمر الشيخ محمد , ووقتها لم تتعد الردود الكلام الشفوي و المراسلات الصغيرة , و ابن غنام ممن رصد ذلك بتاريخه و قد عاصرهما و توفي بعدهما بزمن و لم يذكر من ذلك شيئاً رغم أنه ذكر المخالفين للشيخ . هذا من جانب و من جانب آخر فإن كلمة الوهابية نسبة لوالدهما سوياً و لا يمكن أن يكون لسليمان الابتداع في إطلاقها لأنه لم يرد على والده من جهة و من جهة أخرى فإنه يدرك أن النسبة خطأ لأنها من نسبة الشيء إلى غير أصله فال يمكن أن تقول للمكي إنه مدني و لا للمغربي أنه هندي و إن أطلقت تجاوزاً فهما يشتركان فيها , الراد و المردود عليها .و هذه لا تنطلي على سليمان بن عبد الوهاب إذا كان هو صاحب الرد حقيقة .

و قرينة خامسة : أن الكاتبين عن الدعوة في وقتها حيث لفتت الأنظار من الغربيين و غيرهم مثل " ني بور " ممن عاصرها الذي وصل إلى الأحساء فقد كان يسميها المحمدية نسبة إلى محمد ابن عبد الوهاب و تارة يسميها الدعوة الجديدة . و هذان الاسمان لا يحققان الغرض المقصود باستثارة العامة و " برك هارت " الذي و صل الحجاز عام 1229 هـ و قابل محمد علي و أثنى على هذه الدعوة و مكانتها العقدية و سلامتها من الشوائب و انتقد من يخافها فيما رصده برحلته . مما يبرهن على أن الحيلة قد تفتقت عن اسم يراد به الإثارة . و يعطي شرعية على تحريك الجيوش , و تجريد الحملات ضد هذه الدعوة بمثل هذا اللقب الجديد الذي لابد أن يكون له جذور تستولي على المشاعر و إثارة الحماسة .

و لذا سبقت هذه التسمية الحملات من أجل إرهاق الناس بالضرائب و دعوتهم للبذل و الإنفاق كما ذكر الجبرتي في تاريخه من أقاويل عنهم بوجوب قتال الخوارج , و بأن الوهابية الأباضية الخارجية قد عادت للظهور فيجب بذل المستطاع لمحاربتها .

هذا من أهم بواعث نفض الغبار عن ذلك اللقب الكامن في سجلات التاريخ و لذا فإنه قد كذب على سليمان بن عبد الوهاب تأليف هذه الرسالتين بعد موته بزمن . كما زيفت في الوقت الحاضر مذكرات " همفر " الذي قيل عنه بأنه جاسوس بريطاني و عن علاقته بالشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث لم يعرف لذلك أصل و لم يسمع بهذا الشخص من قبل .

و هذا من الادعاءات التي لا برهان عليها أو دليل يؤيدها ... و الكذب لا حدود له .
و أعداء الإسلام يهتمون بإثارة مثل هذا لما فيه من بلبلة للأفكار و تحريك للفتن ونزع للثقة من كل داعية مخلص .
و صحافة اليوم دليل قاطع على هذا المنهج في الإثارة و كثرة الافتراءات على كثير من الدول لأن منهجها يخالف الآخرين .

ذلك أن الدين الحق الصافي من الشوائب كلما برز و بدأ الناس يميلون إليه لما فيه من تخليص للنفوس و المجتمعات من السلبيات التي تدخل على دين الإسلام و هو منها براء , ينزعج أعداء الإسلام من ذلك العمل الذي يؤلف القلوب فيحركون أعوانهم لمباعدة هذا الاقتراب , كما تحس هذا عندما قام الفلسطينيون بانتفاضتهم بالحجارة و الهتافات ... فقد انزعج اليهود من الدعوة للجهاد التي هتفت بها الأطفال ومن ترديدها لكلمة " الله أكبر " و أشاعوا في العالم بوسائل إعلامهم أن التمرد شيوعي ليصرفوا النظر عن الاتجاه الإسلامي الذي خشاه اليهود .. فما أشبه الليلة بالبارحة .

و الأمثال في ذلك كثيرة في كل مكان و زمان : فهذا الوتري المولود بالمدينة عام 1261 هـ و الذي رأى الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالته في محاكمة السلفية الوهابية بالمغرب في تساؤلاته حول هذه الرسالة بما نصه :
ألا يكون الوتري أراد من مرافقته هاته و محاكمته متابعة السلفية بالمغرب كما تابعها بالمشرق حسب الإشارات التي وردت عنده بالرسالة ؟ لماذا يتحيز للسلطان التركي و للوالي على مصر ضد محمد بن عبد الوهاب فهل هو تزمت شديد للطرقية على حساب السلفية , أو توجد خلفيات أخرى وراء التحامل ؟ نحاول أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال عرض الأسباب التي جعلت الوتري يكتب رسالته (5)
إذا فكل من كتب كان لسبب دفعه و هدف وجه إليه .
فقد تأثر أمثال الوتري باهتمام أهل المغرب بالدعوة السلفية بعد أن وصلت رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز في عام 1225 هـ حيث عهد المولى سليمان العلوي للأديب السيد حمدون بن الحاج الفاسي الإجابة عليها و قد أرفق بالجواب قصيدة مدح فيها ابن سعود و قد أكد أبو عبد الله محمد الكنسوس أن حمدون بن الحاج أجاب ابن سعود و مدحه بأمر من السلطان سليمان و برهن على ذلك بأمور مقنعة ثم ذكر المحقق بعضاً من هذه الميمية في مدح سعود و منها :
إن قمت فينا بأمر لم يقم أحد *** به فجوزيت ما يجزاه ذو نعم
بقطع أهل الحروب بالحجاز بأن *** يقتلوا أو يصلبوا بلاوهم

أو أن تقطع أيديهم و أرجلهم *** عن الخلاف أو أن ينفوا من أرضهم
حتى جرى الماء في بلد الحجاز بأن *** طلعت سعد سعود غير ملتثم
لاشيء يمنع من حج و معتمر *** وزورة يكمل المأمول من حرم
إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه *** أهنأ و أمن من حمامة الحرم
مذُ لاح فيه سعود ماحياً بدعاً *** قد أحدثتها ملوك العرب و العجم (6)
من نتائج الخصومة : -

لقد كانت العيينة التي ارتبطت باسم الشيخ محمد و تحركت منها دعوته الأولى , قلعة علمية يرتادها طلاب العلم و رواد المعرفة و يجاورها من الشرق بلدة صغيرة اسمها الجبيلة و قد التصقتا الآن في مدينة واحدة (7)

و بالجبيلة كانت توجد قبور الصحابة رضوان الله عليهم الذين قتلوا في حروب الردة حيث قرب المكان من مواقع معارك اليمامة التي أعز الله فيها دينه بقتل مسيلمة الكذاب . و مع الجهل وطول الزمن و ضعف العقيدة في النفوس اتخذ الناس عليهم المباني و نصبت القباب على قبر زيد بن الخطاب و بقية الصحابة فصارت النذور تقدم لهم و القرابين تدفع ضدهم و قصدهم الناس من دون الله .

و الذي يرجع لمبدأ البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطاً بقيام دولة القرامطة في الجزيرة العربية و الفاطميين في المغرب ثم في مصر و لكن العلماء لا يحركون ساكناً لأن جوهر العقيدة وهو المحرك لذلك قد ضعف بل بلغ الأمر إلى الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم كان الناس يبحثون عن شئ يتعلقون به كالشجر و الحجر و المغارات و غيرها .

و من يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل و بعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر و لا يستطيع الجهر خوفاً من العامة التي تدعمها السلطة .

لكن الشيخ محمد رحمه الله أدرك هذا و هو لا يزال طالباً إذ بدأ ينمي الشجاعة في نفسه و يوطنها على التحمل في سن مبكرة و يبين ما يحب إيجابه كلما عرض له مناسبة في مثل هذه المواقف .
1- عندما كان يدرس في العيينة كان أحد أساتذته إذا أراد بدء درسه همهم بدعاء يستعين فيه بزيد بن الخطاب و يطلب منه المدد فكان محمد يرد بصوت خفيف لا يسمعه غير هذا الأستاذ لينبهه : الله أقدر من زيد .
و مع الزمن ترك الأستاذ تلك العادة ثم استدعاه و نصحه بالرفق فيما هو مقبل عليه مع الحلم في دعوة الناس لأن تغيير ما ألفه الناس و إن كان باطلاً يحتاج إلى علم مقرون بحلم و شجاعة.

2- و عندما كان يطلب العلم في مكة كان يجلس في حلقة أحد المشايخ الذي أعجب به وبذكائه و كان هذا الشيخ إذا قام من كرسيه بعد انتهاء الدرس يقول : يا كعبة الله . فأراد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يلفت نظر الشيخ و برفق لهذا الخطأ العقدي . فجاء إليه يوماً مبكراً و قبل وصول الطلاب و قال له : أريد أن أقرأ عليك شيئاً من حفظي في القرآن فرحب الشيخ بذلك : فقرأ عليه سورة قريش فلما وصل إلى الآية : { فليعبدوا رب هذا البيت } قرأها فليعبدوا هذا البيت فرد عليه الشيخ الخطأ و صحح له و لكنه أعادها ثلاثاً بنفس الخطأ فقال له الشيخ : أنت ذكي فلماذا كررت الخطأ و هذا لا يصح لأن العبادة لله لا للبيت فقال : يا شيخ معذرة فقد تأثرت بك . فقال عجيب و ماذا قلت ؟ فأخبره بما يقول كلما قام . قال الشيخ هذا خطأ و قد قلدت غيري فيه من دون روية و استغفر الله من ذلك . و أبطل هذه العادة . ثم قال له : سيكون لك شأن و لكن عليك بالتحمل و الصبر .
3- أما في الزبير بالعراق فقد آذوه و طردوه لأنه أنكر عليهم التمسح و التوسل بقبر الزبير بن العوام الذي سميت البلدة باسمه .
4-و عندما كان يدرس تلاميذه في الدرعية التوحيد و أيقن أنهم قد أدركوا ذلك أراد اختبارهم و كان بعد صلاة الفجر فقال في أول الدرس لطلابه لقد سمعت ضجة ليلة البارحة في أحد أحياء المدينة و صباحاً فماذا ترون قد حصل ؟ فاهتم التلاميذ بالمساهمة و الحماسة إذ لعله سارق أو مجرم أو شخص يتعدى على أعراض الناس .
و في اليوم التالي : سألهم هل عرفتم الأمر و ماذا ترون جزاءه . فقالوا : لم نعرف و لكن يجب أن يجازى بأقصى العقوبات الرادعة .
فقال الشيخ محمد مهوناً الأمر أمامهم ليعرف نتائجه في نفوسهم : أما أنا فقد عرفت : ذلك أن امرأة نذرت أن تذبح ديكاً أسود للجن إن عوفي ابنها من مرض لم به و قد عوفي فتعاونت مع زوجها على ذبح الديك فهرب منهم و صاروا يلاحقونه من سطوح المنازل حتى أمسكوه و ذبحوه بدون تسمية للجن كما أخبرها بذلك أحد المتعاطين للسحر .
فهدأت ثائرة الطلاب . فلما رأى هذا منهم . قال : إنكم لم تعرفوا التوحيد الذي درستم . لما كانت المسألة جريمة يعاقب عليها الشرع بالحد الموضح نوعه في كتب الفقه أهمكم الأمر و تحمستم له و لما أصبح الموضوع يتعلق بالعقيدة هدأتم بينما الأول معصية أما الثاني فشرك و الشرك يقول الله فيه{إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(سورة النساء آية 48)
إذاً سنعيد دراسة التوحيد من جديد ثم جاءته فكرة إعداد كتاب التوحيد و تقريره على طلابه من تلك الحادثة .

لقد نتج عن دعوة الشيخ أمور منها :
بالنسبة لمن يريد أن يسترشد فإنه قد كتب بعضهم للشيخ مستوضحاً عما وصله من أخبار الشيخ و مستجلباً للإجابة عن الشبهات التي نسبت للشيخ ووصل إليهم علمهم .

و رسائل الشيخ التي أشرنا إليها من قبل تنبئ عن ذلك و لذا فإن من فطنة الشيخ أن يخبرهم بأسماء من أشاعها من طلبة العلم في زمانه و يوضح لهم ما يجب عليهم .

أما العلماء الذين يريدون الوصول للحقيقة فكانت كتاباتهم للشيخ تتسم بعمق النظرة و تركيز السؤال حيث يحكمون على الشيخ من إجابته المدعومة بالدليل الشرعي نقلا من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقلاً بما هو مدرك و محسوس . و هؤلاء الطلاب في الغالب الأعم عندما يتبين لهم الحق يتبعونه و يركنون إليه و تعتبر بمثابة التعليم لهم و الإرشاد كما في رسالته إلى محمد بن عيد من مطاوعة ثرمداء (8) و رسالته إلى البكيلي في اليمن (9) و رسالته إلى عبد الله بن سحيم مطوع المجمعة (10) و غيرها .

أما الحكام الذين هدفهم حقيقة الدفاع عن دين الله ورد الشبهات التي تثار حوله فإنهم يتخذون المناظرة طريقاً للوصول للهدف و لا يجري المناظرة إلا من لديه استعداد بالرجوع للحق إذا استبان له كما حصل لهذه الدعوة مع علماء مكة التي جرت على إثرها مناظرة بين علماء مكة و علماء من الدرعية منهم الشيخ محمد بن معمر , و الشيخ عبد العزيز الحصين . وقد كانت النتيجة قناعة علماء مكة بسلامة منهج هذه الدعوة و صحة الخط الذي تسير فيه (11) و مع ملوك المغرب فقد كتب الشيخ محمد رسالة لأهل المغرب (12) ثم رسالة أخرى قال عنها أبو العباس الناصري في كتابه التاريخي " الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى " و في هذه المدة أيضاً و صل كتاب عبد الله بن سعود الوهابي النابغ بجزيرة العرب , المتغلب على الحرمين الشريفين المظهر لمذهبه فيها إلى فاس المحروسة بكتاب لأن ابن سعود لما استولى على الحرمين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق و الشام و مصر و المغرب يدعوا الناس إلى اتباع مذهبه و التمسك بدعوته ... ثم شكك المؤلف هل الرسالة أصلها لتونس حيث بعث مفتيها نسخة إلى فاس . أم أنها موجهة للسلطان المولى سليمان العلوي بالقصد إلا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس (13) .

و من باب الإيضاح : فإن هذه الرسالة قد بعثها الإمام سعود بن عبد العزيز بع أن استولى على المدينة في عام 1220 هـ لأن الشيخ محمد قد توفي في عام 1206 هـ
و قد وجدت نسخة من هذه الرسالة منشورة باللغة العربية في صحيفة ( اسلاميكا ) الألمانية ISLAMICA العدد الأول المجلد السابع الصادر في عام 1935 م ضمن مقال مطول باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية بالمغرب .

و هذه الرسالة لشرح حقيقة التوحيد و ما تنطوي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و تقع في ثلاث صفحات (14)
و لقد كان لهذه الرسالة صدى لدى حكام المغرب العلويين الذين قامت دولتهم لمحاربة النصارى و النهوض بالمغرب الأقصى منذ عام 1631 م الموافق لعام 1041 هـ (15) .

ففي عام 1226 هـ - يقول الناصري : - وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي الذي جرت العادة بخروجه من فاس على هيئة بديعة من الاحتفال ... و كانت الملوك تعتني بذلك و تختار له أصناف الناس من العلماء و الأعيان و التجار و القاضي و شيخ الركب و غير ذلك مما يضاهي ركب مصر و الشام و غيرهما فوجد السلطان ولده المذكور في جماعة من علماء المغرب و أعيانه مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل بن العباس بن كيران , و الفقيه الشريف البركة المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي , و العلامة الفقيه الشهير أبي عبد الله محمد العربي السواحلي و غيرهم من علماء المغرب (16) إلى أن قال : و لما اجتمع (17) بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم و جلس معه كجلوس أحد أصحابه و حاشيته و كان الذي تولى الكلام عه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة و أي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا فقال القاضي : بلغنا أنكم تقولون الاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى : فقال لهم : معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم , و الكيف مجهول و السؤال عنه بدعة فهل في هذا مخالفة ؟ قالوا : لا . و بمثل هذا نحن أيضاً نقول ثم قال القاضي : و بلغنا أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم و حياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام في قبورهم , فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد و رفع صوته بالصلاة عليه . و قال معاذ الله إنما نقول إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره و كذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء ثم قال القاضي : و بلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم و زيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصححاح التي لا يمكن إنكارها فقال معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا و هل منعناكم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها و آدابها و إنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية و يطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية و إنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الأموات و تذكر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور ثم يدعو له بالمغفرة و يستشفع به إلى الله تعالى (18) و يسأل الله تعالى المتفرد بالإعطاء و المنع هذا قول إمامنا أحمد ابن حنبل رضى الله عنه و لما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة فأين مخالفة السنة في هذا القدر . ثم قال صاحب الجيش : هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ثم سألنا الباقي أفراداً فاتفق خبرهم على ذلك (19) .

ثم قال المؤلف : و أقول بأن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك و لأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت و حذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة و تغالي العوام في ذلك و أغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (20)
و قد نشأ عن اهتمام ملوك المغرب بالاتجاه السليم في العقيدة لأنهم يبحثون عن الحكمة التي ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها أن رأينا منهم اهتماماً كبيراً بتنقية العقيدة :

1- فهذا السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان في كتابه تاريخ إفريقيا الشمالية تعريب محمد المزالي و البشير بن سلامة بقوله : و كان سيدي محمد و هو التقى الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية و تأييد عائلة آل سعود لها و قد أعجب بصرامتها و كان يؤثر عنه قوله : " إني مالكي المذهب و هابي العقيدة " و مضت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين حسب رأيه و المحللة لمذهب الأشعرية و تهديم بعض الزوايا مثل زاوية بوجاة (21)
و قد توفي هذا السلطان في شهر رجب من عام 1204 هـ (22)

2- و السلطان سليمان التي مرت بنا مناظرته قد أحب هذه الدعوة و عمل جاهداً على إصلاح وضع المغرب برسالته التي عمم و بمحاربته للطرق الصوفية المنحرفة " المربوطية (23) و كانت وفاته عام 1238 هـ كما قال بذلك الناصري في كتابه الاستقصاء بعد أن أثنى على ديانته و سيرته و حرصه على محاربة الإلحاد و البدع (24).

3- و السلطان الحسن الأول في عام 1300 هـ وجه رسالة إلى الشعب المغربي يودع فيها القرن . و يتحدث عن ضرورة الرجوع على الكتاب و السنة و محاربة البدع و يرغب في حسن العقيدة كما قال بذلك الدكتور عباس الجراري في محاضرة ألقاها بجامعة الرياض سنة 1399 هـ حيث قال : إنه عاش في السنوات الأولى لهذا القرن في المغرب مع الدعوة السلفية على أيد أحد كبار العلماء المحدثين المغاربة و هو الشيخ أبو شعيب الدكالي الذي أقام بمكة مدة تزيد على عشر سنين و قام بتدريس الحديث في الحرم المكي ثم عاد على المغرب حيث أصبح زعيماً للحركة السلفية لمدة تزيد على ربع قرن و بشر بالفكرة السلفية و حارب البدع و الضلالات (25).

هذا على جانب اهتمام المسلمين بها في كل مكان و تحقيق طلبة العلم من صدق الهدف و بعدها عن مسارب البدع و الخرافات التي أنكرها علماء الإسلام في كل مكان .

و لقد زاد الأمر وضوحاً أن الناس في كل مكان ما كانوا ليقتنعوا إلا بما هو واضح يدعمه الدليل فوضح أمامهم أن محمد بن عبد الوهاب كغيره من الدعاة المصلحين جاء ليجدد الدعوة و ينقي العقيدة من الفساد الذي أدخل عليها نتيجة الجهل أداء للأمانة و نصحاً للأمة ليعيد الناس بأعمالهم و اعتقادهم إلى منهج السلف الصالح منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نهاية القرن الثالث الهجري حيث بدأت البدع تدخل الصف الإسلامي نتيجة غلبة الأمم و التأثر بثقافات و أفكار الأمم و الأخرى في معتقداتها و لضعف العلماء في أداء الأمانة .

و تعتبر الدولة الفاطمية التي ناوأها أهل المغرب في القرن الرابع الهجري فاتجه شر في تاريخ البدع في المجتمع الإسلامي و قد أبان عن أعمالهم ابن عذارى المراكشي في تاريخه البيان المغرب في تاريخ الأندلس و المغرب و أتى بالشيء الكثير من سيرهم و أعمالهم حيث يرى أنهم ليسوا من نسل فاطمة الزهراء و إنما يعودون إلى اليهود و أنهم من اصل غير شرعي حيث اتصلوا بابن الحلاج و أخذوا عنه هذا المعتقد (26)

و بعــد

فإذا كان الفقهاء رحمهم الله يقولون :
الأصل براءة الذمة و رجال القانون في العصر الحاضر كلمتهم المعهودة تقول : المجرم برئ حتى تثبت إدانته , و أصدق من ذلك قول الله عز وجل :
{ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } (سورة الحجرات آية 6)
فإن من مهمات طالب العلم عدم الانسياق خلف كل قول من دون تحقيق أو تثبت لأن زلة العالم كبيرة و انسياقه خلف آراء أصحاب الأهواء يزري بمكانته و يقدح في عدالته فلقد جاء في الأثر : إذا جاءك الخصم قد فقئت عينه فلا تحكم له فلعل الآخر قد فقئت عيناه.

ذلك أن الخصومة في الرأي أو المعتقد أو الحقوق مداولة بين الطرفين فلا يصح أن يؤخذ الحكم من جانب و يترك الجانب الآخر و إلا أصبح في الحكم تحيز .
و إصدار الحكم عدالة يجب التثبت منها و التروي في نتيجتها حتى لا تكون جائرة لأن منهجنا في الإسلام حفظ اللسان من الزلل و الأعمال من الخطأ .
و ميزان ذلك الحفظ , عرض كل أمر على كتاب الله و سنة رسوله الكريم : { فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله و الرسول } (سورة النساء آية 59) و الحق أحق أن يتبع .
يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله : -
لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة , هذا لرغبته رحمه الله عدم إيجاد نفرة في المجتمع الإسلامي أفراداً و جماعات
و لئن كانت هذه التسمية – الاصطلاحية – خطأ في النسبة و المعتقد كما كانت الآراء المنسوبة للشيخ محمد و أتباعه خطأ و تبرأوا من ذلك كتابة و مناقشة , فإن المتتبعين لذهه العقيدة السلفية هم أعرف بما تعنيه من دلالات واضحة من مصدري التشريع في دين الإسلام : كتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم و لذا لم يتبرموا من هذا اللقب لإدراكهم بأن ما قيل ما هو إلا محض افتراء لا يثبت بالنقاش و المحاورة فهم متبعون للمحجة البيضاء التي ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , وهي مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم و عمله و تقريره , وبعد التوثق من ذلك صحة و سنداً .

فهذا عمران بن رضوان , وهو من مسلمي خارج الجزيرة , وعلماء بلدة لنجه , عندما بلغته هذه الدعوة و تحقق عنها مدحها بقصيدة جاء فيها هذا البيت (27).

إن كان تابع أحمد متوهباً *** فأنا المقر بأنني وهابي

و ما ذلك غلا هذا اللقب كما قال العالم العراقي محمد بهجت الأثري : من وحي أعداء الإسلام , و الذين كانوا يظنون أن العالم الإسلامي قد صار جثة هامدة لا حراك بها و لابد أن تكون الدول الاستعمارية هي الوارثة لأرضه و كنوزه و معادنه و خيراته , فوضعت هذه الدعوة الجديدة التي انبعثت من قلب جزيرة العرب مدوية لجمع شمل المسلمين و إنقاذهم من المهالك في ثورة الطائفية التي تزيد أرقام الطوائف رقماً جديداً أي عكست الحال فنبزتها بالوهابية و أذاعت هذا النبز الأنباء الذائعة الشهرة فتلقفته الأسماع و رددته الألسن و راق الدولة العثمانية هذا النبز فأجرته عل ألسنة الدراويش و مرتزقة طعام التكايا و الزوايا من تنابلة السلطان و أفرطت في إلقاء الشبهات عليه و تشويهه و لا سيما بعد استفحال شأنه و قيام الدولة العربية الإسلامية في جزيرة العرب على أساسه و قواعده (28).
و لقد رأيت من المناسبات أن أختم هذه الرسالة الموجزة بكتابين : أحدهما أرسله الشيخ سليمان بن عبد الوهاب إلى ثلاثة من علماء المجمعة و الآخر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأهل القصيم إلا أن تأريخهما بكل أسف لم يكن واضحاً . في هذا الكتاب يوضح الشيخ محمد منهجه في الدعوة حيث طلب مني بعض علماء موريتانيا ذلك عندما زرت بلادهم في شعبان عام 1407 هـ و ذلك من باب إفادة القارئ و فتح المجال أمامه ليستوثق بنفسه و يحكم و يوازن من غير أن يفرض عليه رأي لم يقتنع به و قد جعلتهما ملحقاً و ما أردت إلا الإصلاح و التوفيق من الله العزيز الحكيم .
الملحـق : -
أولاً : -
وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من رسائل الشيخ محمد التي بعث لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته للاطمئنان عن اتجاهه و الرد عليه إذا كان مخالفاً لآراء العلماء لأن الناس هناك لم يستجيبوا لدعوته إلا بعد دراسة و تمحيص و هذا من مهمة العلماء في استجلاء الحقيقة ورد المعتدي ببصيرة و إدراك .

و هذا هو نص هذه الرسالة ... و لها نظائر مع كل من سأله أو أشبه في أمره ... و تكون النتيجة الاستجابة لمن يريد الحق لأنهم لم يجدوا لدى الشيخ ما يخالف شرع الله أو يغاير ما عليه أعلام أمة الإسلام من المصادر الموثوقة .

رسالة الشيخ إلى أهل القصيم
لما سألوه عن عقيدته: (29)

بسم الله الرحمن الرحيم

أشهد الله و من حضرني من الملائكة و أشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة و الجماعة من الإيمان بالله و ملائكته و كتبه ورسله و البعث بعد الموت , و الإيمان بالقدر خيره و شره , و من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف و لا تعطيل بل أعتقد أن الله سبحانه و تعالى ليس كمثله شئ و هو السميع العليم , فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه و لا أحرف الكلم عن مواضعه , و لأا ألحد في أسمائه و آياته و لا أكيف و لا أمثل صفاته تعالى , بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له و لا كفؤ له , ولا ند له , ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه و بغيره و أصدق قيلاً , و أحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف و التمثيل : و عما نفاه عنه النافون من أهل التحريف و التعطيل فقال { سبحن ربك رب العزة عما يصفون  و سلام على المرسلين } (الصافات الآيات 180 – 182) الفرقة الناجية وسط باب أفعاله تعالى بين القدرية و الجبرية و هم في باب و عيد الله بين المرجئة و الوعيدية , وهم وسط في باب الإيمان و الدين بين الحرورية و المعتزلة , و بين المرجئة و الجهمية و هم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض و الخوارج .

و أعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ إليه و يعود : و أنه تكلم به حقيقة و أنزله على عبده و رسوله و أمينه على وحيه و سفيره بينه و بين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و أومن بأن الله فعال لما يريد و لا يكون شئ إلا بإرادته و لا يخرج شئ عن مشيئته و ليس شئ في العالم يخرج عن تقديره و لا يصدر إلا عن تدبيره و لا محيد لأحد عن القدر المحدود و لا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور .
و أعتقد الإيمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت , فأومن بفتنة القبر و نعيمه و بإعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً تدنو منهم الشمس و تنصب الموازين و توزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون و تنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه و آخذ كتابه بشماله .

و أومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة و ماؤه أشد بياضاً من اللبن و أحلى من العسل , و آنيته عدد نجوم السماء , من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً و أومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم .

و أومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم و أنه شافع و أول مشفع و لا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع و الضلال و لكنها لا تكون إلا من بعد الإذن و الرضى كما قال تعالى { و لا يشفعون إلا لمن ارتضى } (سورة الأنبياء آية 28) و قال تعالى : { و من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (سورة البقرة آية 255) و قال : { و كم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى } (سورة النجم آية 26) و هو لا يرضى إلا التوحيد , ولا يأذن إلا لأهله , و أما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } (سورة المدثر آية 48)
و أومن بأن الجنة و النار مخلوقتان و أنهما موجودتان و أنهما لا يفنيان و أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر في رؤيته .
و أومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين و المرسلين , و لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته و يشهد بنبوته و أن أفضل أمته أبو بكر الصديق , ثم عمر الفاروق , ثم عثمان ذو النورين , ثم علي المرتضى , ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم . و أتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و اذكر محاسنهم و أترضى عنهم و استغفر لهم و أكف عن مساويهم و أسكت عما شجر بينهم و اعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى : { و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم } (سورة الحشر آية 10) و أترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء و اقر بكرامات الأولياء و ما لهم من المكاشفات , إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً و لا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله , ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن و أخاف على المسيء و لا أكفر أحداً من المسلمين بذنب و لا أخرجه من دائرة الإسلام وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً و صلاة الجماعة خلفهم جائزة و الجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر و لا عدل عادل و أرى وجوب السمع و الطاعة لأئمة المسلمين برهم و فاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله و من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس و رضوا به و غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت له طاعته و حرم الخروج عليه و أرى هجر أهل البدع و مباينتهم حتى يتوبوا و أحكم عليهم بالدين و أكل سرائرهم إلى الله و أعتقد أن كل محدثة في الإسلام بدعة.

و اعتقد أن الإيمان قول باللسان و عمل يعمل , بالأركان و اعتقاد بالجان , يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و هو بضع و سبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , و أرى وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدة وجيزة حررتها و أنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي و الله على ما نقول وكيل .
ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم و أنه قبلها و صدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم , و الله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها و لم يأت أكثرها على بالي ( فمنها ) قوله : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة و إني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ و إني أدعي الاجتهاد و إني خارج عن التقليد و إني أقول إن اختلاف العلماء نقمة و إني أكفر من توسل بالصالحين و إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق و غني لو اقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها و لو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها و جعلت لها ميزاباً من خشب و إني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم و غني أنكر زيارة قبر الوالدين و غيرهما و إني أكفر من حلف بغير الله و إني أكفر ابن الفارض و ابن عربي و إني أحرق دلائل الخيرات و روض الرياحين و أسميه روض الشياطين .
جوابي عن هذه المسائل :
أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم . وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم و يسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب و قول الزور قال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } (سورة النحل آية 105) بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة و عيسى و عزيراً في النار فأنزل الله في ذلك { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } (سورة الأنبياء آية 101)

و أما المسائل الأخر و هي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله و أني أعرف من يأتيني بمعناها و أني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله و أخذ النذر لأجل ذلك و أن الذبح لغير الله كفر و الذبيحة حرام . فهذه المسائل حق و أنا قائل بها ولي عليها دلائل من كلام الله و كلام رسوله و من أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة و إذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة إن شاء الله .
ثـم اعملوا و تـدبروا قوله تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة } (سورة الحجرات آية 6)
ثانياً :
قال صاحب كتاب مصباح الظلام بعد اعتراضه على نسب لسليمان بن عبد الوهاب من رد على أخيه هذا و قد من الله وقت تسويد هذا بالوقوف على رسالة لسليمان فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول و أنه قد اســتبان له التوحيد و الإيمان و ندم على فرط من الضلال و الطغيان و هذا نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم
من سليمان بن عبد الوهاب إلى الأخوان : حمد محمد التويجري و أحمد و محمد ابنا عثمان بن شبانه (30) .
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته ( و بعد ) فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو و أذكركم ما من الله به علينا و عليكم من معرفة دينه و معرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده و بصرنا به من العمى و أنقذنا من الضلالة و أذكركم بعد أن جيتونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه وابتهاجكم به و ثنائكم على الله الذي أنقذكم و هذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا و كل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم . و الحمد لله على ذلك . وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم و أحضكم و لكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق و اتباعنا سبل الشيطان و مجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى .
و الآن معلومكم لم يبق من أعمارنا إلا اليسير و الأيام معدودة و الأنفاس محسوبة و المأمول منا أن نقوم لله و نفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال و أن يكون ذلك لله وحده لا شريك له لا لما سواه لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى و سيئات ما بقى .
و معلومكم عظم الجهاد في سبيل الله و ما يكفر من الذنوب و أن الجهاد باليد و اللسان و القلب و المال و تفهمون أجر من هدى الله به رجلاً واحداً .
و المطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن , و أن تقوموا لله قيام صدق و أن تبينوا للناس الحق على وجهه و أن تصرحوا لهم تصريحاً بينما بما كنتم عليه أولاً من الغي و الضلال . فيا إخواني الله الله . فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات و عدنا الناس من السفهاء و المجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا .
و أنتم رؤساء الدين و الدنيا في مكانكم أعز من الشيخ و العوام كلهم تبع لكم . فاحمدوا الله على ذلك و لا تعتلوا بشيء من الموانع .
و تعلمون أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لابد أن يرى ما يكره و لكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر كما حكى عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه فلا أحق من أن تحبوا لله و تبغضوا لله و توالوا لله و تعادوا لله .
و ترى يعرض في هذا أمور شيطانية : و هي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين و ربما يلقى الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق , و أن له ملحظ دنيوي و هذا أمر ما يطلع عليه إلا الله فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوا منه ووالوه فإذا ظهر من أحد شر و إدبار عن الدين فعادوه و اكرهوه و لو أحب حبيب .
و جامع الأمر في هذا : أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له ومن رحمته بعث لنا يأمرنا بما خلقنا له و بين لنا طريقه و أعظم ما نهانا عنه الشرك بالله و عداوة أهله و أمرنا بتبيين الحق و تبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول فهو أخوك و لو أبغض بغيض . ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك و لو ولدك أو أخوك .
و هذا شئ أذكركموه مع أني بحمد الله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس و أن تذاكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا و منكم أولاً و أن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل فلا أحق من ذلك و لا لكم عذر لأن اليوم الدين و الدنيا و لله الحمد مجتمعه في ذلك فتذاكروا ما كنتم فيه أولاً في أمور الدنيا من الخوف و الأذى و اعتلاء الظلمة و الفسقة عليكم . ثم رفع الله ذلك كله بالدين و جعلكم السادة و القادة و ذلك من آثار من دعوة شيخ الإسلام و علم الهداة الأعلام .
ثم أيضاً مت من الله به عليكم من الدين انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار الدعوة الإسلامية كون البدو تجري عليهم أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة و أكثرهم متكلمون بالإسلام ومنهم من أتى بأركانه و مع معرفتنا أنه كذب بحرف من القرآن كفر و لو كان عابداً و أن من استهزأ بالدين أو بشئ منه فهو كافر و أن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات و هذا كله مجتمع في البدو و أزيد و نجري عليهم أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان .

فيا إخواني تأملوا و تذكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك و أنا أكثرت عليكم الكلام لوثوقي بكم إنكم ما تشكون في شئ فيما تحاذرون و نصيحتي لكم و لنفسي و العمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار و أن تجأروا إلى الله تعالى و أن يعيذكم من شرور أنفسكم و سيئات أعمالكم و أن يهديكم على الصراط المستقيم الذي عليه رسله و أنبياؤه و عباده و الصالحون و أن يعيذكم من مضلات الفتن فالحق وضح و أبلولج و ماذا بعد الحق إلا الضلال .

فالله الله ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير و الشر فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر حد من الناس يرميكم بشر و صرتم كالأعلام هداية للحيران فإن الله سبحانه و تعالى هو المسؤول أن يهدينا و إياكم سبل السلام .
و الشيخ و عياله و عيالنا طيبين و لله الحمد و يسلمون عليكم و سلموا لنا على من يعز عليكم و السلام . و صلي الله على محمد ة آله و صحبه و سلم . اللهم اغفر لكاتبها و لوالديه و لذريته و لمن نظر فيه فدعا له بالمغفرة و للمسلمين و للمسلمات أجمعين .
ثم ذكر أنهم أجابوه برسالة ينبغي أن تذكر لما فيها من جواب حسن ثم ذكرها بعد ذلك .

ثالثاً :
و لعل مما يفيد في الموضوع إيراد رسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قبل وفاته لأهالي المغرب يوضح فيها ما يدعو إليه من إخلاص العبادة لله و تنقية التوحيد .... مما يفيد أن الجذور الحسنة و القناعة مهدت للاتفاق بين رأي الإمام إبراهيم بعد المناظرة بين علماء المغرب بزعامة المولى إبراهيم و بين علماء نجد برئاسة الإمام سعود بن عبد العزيز في مكة المكرمة عام 1226 هـ و حصول القناعة بسلامة ما يدعا إليه و نفي الشبهات عن الشيخ محمد مما يتبرأ منه هو و العلماء بمكة و هذا نصها : -

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله من يطع الله و رسوله فقد رشد ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و لن يضر إلا نفسه و لن يضر الله شيئاً و صلي الله على محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً أما بعد .
فقد قال الله تعالى { قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين } (سورة يوسف آية 108)
و قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم } (سورة آل عمران آية 31)
و قال تعالى { و ما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (سورة الحشر آية 7)
و قال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً } (سورة المائدة آية 3)

فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين و أتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم و امرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا و ترك البدع و التفرق و الاختلاف فقال تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون } (سورة الأعراف آية 3)
و قال تعالى { و أن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } (سورة الأنعام آية 153)

و الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر و ذراعاً بذراع و ثبت في الصحيحين و غيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ و أخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي .
إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله و التوجه إلى الموتى و سؤالهم النصر على الأعداء و قضاء الحاجات و تفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض و السماء و كذلك التقرب إليهم بالنذور و ذبح القربان و الاستغاثة بهم في كشف الشدائد و جلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله .
و صرف شئ من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك و لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً كما قال تعالى : { فأعبد الله مخلصاً له الدين  ألا لله الدين الخالص و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار } (سورة الزمر آية 2 , 3)
فاخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه و أخبر أن المشركين يدعون الملائكة و الأنبياء و الصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى و يشفعوا لهم عنده و أخبر أنه لا يهدي من كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى و كفرهم فقال : ( إن الله لا يهدي من كاذب كفار )
و قال تعالى : { و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ق أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات و لا في الأرض سبحانه و تعالى عما يشركون } (سورة يونس آية 18)

فأخبر أن من جعل بينه و بين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم و أشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى : { قل لله الشفاعة جميعاً } (سورة الزمر آية 44)
فلا يشفع أحد إلا بإذنه كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (سورة البقرة آية 255)
و قال تعالى : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً } (سورة طه آية 109)
و هو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى : { و لا يشفعون إلا من ارتضى } (سورة الأنبياء آية 28)
و قال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و ما لهم فيها من شرك و ما له منهم من ظهير و لا تنفع الشفاعة عنده غلا لمن ارتضى } (سورة سبأ آية 22 , 23)
فالشفاعة حق و لا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى : { و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } (سورة الجن آية 18)
و قال : { و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (سورة يونس آية 106)
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو سيد الشفعاء و صاحب المقام المحمود و آدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله و صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع ابتداء بل : " يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك , و قل يسمع و سل تعط و اشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة " فكيف بغيره من الأنبياء و الأولياء .

و هذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين قد اجمع عليه السلف الصالح من الصحابة و التابعين و الأئمة الأربعة و غيرهم ممن سلك سبيلهم و درج على منهجهم .

و أما ما صدر من سؤال الأنبياء و الأولياء بعد موتهم و تعظيم قبورهم ببناء القباب عليها و السرج و الصلاة عندها و اتخاذها أعياداً و جعل السدنة و النذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم و حذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " و هو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية و سد كل طرق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر و أن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر , و ثبت فيه أيضاً أنه بعث على بن أبي طالب رضي الله عنه و أمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه و لا تمثالاً إلا طمسه و لهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم .

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا و بين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا و قاتلونا و استحلوا دماءنا و أموالنا حتى نصرنا الله عليهم و ظفرنا بهم و هو الذي ندعوا الناس إليه و نقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله و سنة رسوله و إجماع السلف الصالح من الأئمة ممثلين لقوله سبحانه و تعالى : { و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله } (سورة الأنفال آية 39)
فمن لم يجب الدعوة بالحجة و البيان قاتلناه بالسلف و السنان كما قال : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز } (سورة الحديد آية 25)
و ندعوا الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع و إيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان و حج بيت الله الحرام و نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر كما قال : { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أمروا بالمعرف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور } (سورة الحج آية 41)

فهذا الذي نعتقد و ندين لله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا و عليه ما علينا .
و نعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة و أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك و صلي الله على محمد (31)

رابعاً : دور الملك عبد العزيز في تصحيح الخطأ:
الملك عبد العزيز عندما دخل مكة المكرمة عام 1343 هـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية ثم بعد أن إنظوت المدينة وجده على لواء الدولة الجديدة بقيادة الملك عبد العزيز , وقامت أصوات أجنبية عديدة تتهمه بأمور عديدة هو منها براء .... فقالوا إن مذهبه وهابي و انه مذهب خامس و إنه امتهن قدسية الحرمين و أنهم ضربوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقنابل و انتهكوا الأعراض و لا يحبون النبي و لا يصلون عليه و غير هذا من الأكاذيب التي تكررت من قبل , فجاء مجموعة من علماء أهل الحديث و حجوا وزاروا مسجد الرسول , وبان لهم كذب تلك الادعاءات و قد عادوا إلى الهند ليردوا على الافتراءات و ليبينوا حقيقة ما رأوا و عقدوا مؤتمرين رداً على مؤتمر لكنؤ , و مؤتمر دلهي , وتحدثت الصحف التي في مقدمتها : أهل الحديث , و أخبار محمدي , وزمنيدار , عن حقيقة حال الملك عبد العزيز , و ما أحدثه في الحرمين من إصلاحات مع اهتمامه بأمن الحجاج و راحتهم و سلامة عقيدته و حماسته لدين الله.

و لكي يوضح للمسلمين حقيقة العقيدة التي هو متمسك بها نراه يرسل الكتب و يتحدث في وفود الحجاج سنوياً و كان من كلامه ما جاء في خطابه الذي ألقاه في القصر الملكي بمكة يوم غرة ذو الحجة عام 1347 هـ الموافق 11 مايو عام 1929 م بعنوان " هذه عقيدتنا " جاء فيها قوله :--
يسموننا " بالوهابيين " و يسمون مذهبنا " الوهابي " باعتبار أنه مذهب خامس و هذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض .
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة و لم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح جاءت في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و ما كان عليه السلف الصالح .
و نحن نحترم الأئمة الأربعة و لا فرق عندنا بين مالك و الشافعي و أحمد و أبي حنيفة و كلهم محترمون في نظرنا و نحن في الفقه نأخذ بالمذهب الحنبلي .

هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعوا إليها و هذه هي عقيدتنا و هي عقيدة مبنية على توحيد الله عز و جل خالصة من كل شائبة منزهة عن كل بدعة فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعوا إليها و هي التي تنجينا مما نحن فيه من محن و أوصاب .
أما التجديد الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصل إلى غاية و لا يدنينا من السعادة الأخروية .

إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و ما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة .
إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا و عقيدتنا و إنا نبغي مرضاة الله عز وجل و من عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه و هو ناصره فالمسلمون لا يعوزون التجدد و إنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح .
و لقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانغمسوا في حمأة الشرور و الآثام فخذلهم الله جل شأنه ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل و هوان و لو كانوا متمسكين بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لما أصابهم ما أصابهم من محن و آثام و لما أضاعوا عزهم و فخارهم .

لقد خرجت و أنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا و من القوة البشرية و قد تألب الأعداء علي و لكن بفضل الله و قوته تغلبت على أعدائي و فتحت كل هذه البلاد .

إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله و سن رسوله صلى الله عليه وسلم و من خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة و هذه المصائب إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب يأتي أجنبي إلى بلد ما فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين فيعمل عمله بمفرده فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه و يمدونه بآرائهم و أعمالهم ؟؟! .

كلا ثم كلا فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا و مصيبتنا إن هؤلاء الأعوان هم أعداء الله و أعداء أنفسهم .

إذاً فاللوم واقع على المسلمين وحدهم لا على الأجانب إن البناء المتين لا يؤثر فيه شئ مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول و كذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم و تمزيق كلمتهم .

في بلاد العرب و الإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب و الإسلام و ضربها في الصميم و إلحاق الأذى بنا و لكن لم يتم لهم ذلك إن شاء الله و فينا عرق ينبض .

إن المسلمين بخير إذا اتفقوا و عملوا بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتقدم المسلمون للعمل بذلك فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله و سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم و بما جاء فيها و الدعوة إلى التوحيد الخالص فإنني حينذاك أتقدم و أسير و إياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه و في كل حركة يقومون بها .

و الله إنني لا أحب الملك و أبهته و لا أبغي إلا مرضاة الله و الدعوة إلى التوحيد ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك و ليتفقوا فإنني أسير و وقتئذ معهم لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم (32)

و في 23 المحرم عام 1348 هـ الموافق أول يوليو عام 1929 م جاء في أحد خطاباته:

قد علمتم أن بعض الناس قد شذ عن طرق الهداية و تنكب الطريق المستقيم ووقع في أحابيل الشيطان بفعل الدسائس التي يكيدها بعض من يدعون الإسلام ويتظاهرون بالغيرة على الإسلام و الله يشهد أن الدين منهم براء و براء من أعمالهم لقد قلت و ما زلت أقول :

إنني لا أخشى من الأجانب قدر ما أخشى من بعض المسلمين فالأجانب أمرهم معروف و في الاستطاعة الحذر منهم و في الإمكان الاستعداد لصد هجماتهم و إحباط دسائسهم و أضف إلى ذلك أنهم لا يقدرون على محاربتنا باسم الإسلام أما بعض المسلمين فهم ما زالوا يكيدون لنجد و أهل نجد باسم الإسلام و المسلمين و يحاربون إخوانهم المسلمين باسم الإسلام منذ عصور .

كانت الدولة العثمانية و قد كانت أقرب الناس بصفتها دولة الإسلام فحاربتنا باسم الإسلام و المسلمين محاربات شديدة و أحاطت بنا من كل جانب حاربنا مدحت باشا من جهات القطيف و الأحساء و سيرت علينا من الحجاز و اليمن قوات عظيمة و كذلك سارت جيوشها من الشمال فحاصرتنا من كل جانب للقضاء علينا و ضربنا في الصميم حاربتنا باعتبار " الوهابية " مذهباً جديداً , و ابن عبد الوهاب جاء ببدعة جديدة و أن " الوهابيين " تجب محاربتهم إلى غير ذلك من الأقوال المنمقة التي انطلت عل أصحاب العقول السذج من الدهماء فانخدعوا و أتعادوا لأقوالها و لكن الله نصرنا عليهم .

و كذلك فعل غيرهم في هذا الزمان فحوصرنا من كل جانب و أرادوا القضاء علينا باسم الدين أيضاً و لكن الله نصرنا عليهم و جعل كلمته هي العليا و قد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب و الإيمان الذي في الصدور و يعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا و أجسامنا و حسب بل ملك علينا قلوبنا و جوارحنا و لم نتخذ التوحيد آله لقضاء مآرب شخصية أو لجر مغنم و إنما تمسكاً به عن عقيدة راسخة و إيمان قوي و لتجعل كلمة الله هي العليا (33)

و لا يسعني بعد ذلك الجهد المتواضع إلا أن أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم و أن ينفع به طلاب العلم و المعرفة .

و الحمد لله رب العالمين و صلي الله و سلم على سيدنا و نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
رد مع اقتباس