عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2023-06-09, 10:43 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,059
افتراضي الضياء والنور / إعداد: د. أحمد محمد زين المنّاوي

الضياء والنور

إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي



عندما يأتي شخص قبل 1400 عام ويقول للناس إن القمر مظلم! سيكذبونه بالطبع.. لأن عيونهم تكذب ذلك.. عيونهم ترى نور القمر! أما أنت.. فلا بدّ من أنك ستصدقه.. لأنك درست ذلك في المدرسة! وعلوم عصرك أكدت لك ذلك..
ولكن.. ألا يبهرك معرفة هذا الرجل في عصر قديم بهذه المعلومة الحديثة؟!!
وعندما يقول هذا الرجل إنه ليس صاحب المعلومة..
وإن رسولًا قد أوحى له بها.. ألا نصدقه؟!! هذه أبسط البديهيات!
فما بالنا لو استطاع هذا الرجل أن يفرق لنا بين النور والضوء؟! وأن الشمس لها ضوء والقمر له نور؟! ثم أكد العلم الحديث ذلك.. ألا يزيدنا ذلك تصديقًا له؟!
إن الأعرابي الذي عاش في القرن السابع الميلادي في صحراء الجزيرة العربية، لا شك في أنه كان ينظر إلى السماء في ليلة منيرة، فيرى النجوم والقمر وأجرامًا أخرى وهي تتلألأ وتنير له الطريق، ولكنه بكل تأكيد لا يرى فرقًا بين نور القمر وسائر النجوم، إن لم يجزم عقله في ذلك الزمان الغابر بأن القمر أكثر نورًا وإضاءة من غيره من النجوم.
هذا هو الاعتقاد الذي كان سائدًا حتى القرن التاسع عشر، وبعدها اكتشف العلم خلاف هذا الفهم تمامًا، وأثبت أن هناك فرقًا جوهريًّا بين الضوء المنبعث من النجوم والنور المنعكس من القمر، وأن تلك النجوم أقوى إضاءة من القمر. ويتعجب المرء عندما يعلم أن هذا التفريق قد جاء التصريح به في كتاب الله المسطور قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام..

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)} [يونس]

نلاحظ من هذه الآية أن الضياء نُسب إلى الشمس، بينما نُسب النور إلى القمر. ونفهم من ذلك أن القرآن الكريم يفرّق بوضوح بين ما تبعثه الشمس من ضياء وما يعكسه القمر من نور. فالضياء صادر من جسم ملتهب مشتعل مضيء بذاته هو الشمس، والنور وصف لتلك الطاقة عندما تكون منعكسة من جسم معتم وهو القمر، وهذا الفرق الدقيق بين الضياء والنور لم يدركه العلماء إلا في القرنين الماضيين، بل حتى في زماننا هذا لا يزال كثير من الناس لا يدركونه.
وفي مواضع أخرى يصف القرآن الشمس بأنها سراج وهّاج، بينما يصف القمر بأنه منير..

{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)} [الفرقان]
{ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح]

وفي ذلك كلّه يؤكد القرآن أن هناك فرقًا بين ضياء الشمس ونور القمر. ولم يتوصل علم الفلك إلى حقيقة الضوء المنبثق من الشمس والنور المنعكس من القمر إلا عقب ابتكار المناظير وإجراء الدراسات العلمية على الأجرام السماوية، خلال القرنين الماضيين. فالشمس ما هي إلا نجم متلألئ يشع الطاقة ذاتيًّا، بينما القمر تابع للأرض ثابت الإضاءة يعكس الأشعة التي يتلقاها من الشمس والنجوم الأخرى. وفي ذلك سبق علمي مدهش للقرآن الكريم الذي فرّق بين الضوء المنبعث من الشمس والنور المنعكس من القمر، قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا، وفي وقت كان العالم كلّه يجهل هذه الحقيقة تمامًا.
لقد توصل العلم بعد قرون من نزول القرآن إلى أن الشمس وهي أقرب النجوم إلى الأرض تعد المصدر الأوّل للطاقة، وعليها يتوقف أمر استمرار الحياة على كوكب الأرض، الأمر الذي جعل العلماء يهتمون بها اهتمامًا بالغًا في بحوثهم ودراساتهم العلمية. ومن نتائج هذه البحوث والدراسات عرف العلماء أن الشمس عبارة عن كرة هائلة من الغازات المتقدة يبلغ حجمها أكثر من حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرّة، وهي عبارة عن مفاعل نووي عملاق يسبح في الفضاء بسرعة كبيرة، وله ضوء وطاقة وحرارة ذات أشكال شتى ومتغيرة في كمّها وكيفها، وهي ليست قرصًا مضيئًا ثابت الضياء، بل هي سراج وهاج، تمامًا كما وصفها القرآن.
ويعزى السبب في وجود هذه الطاقة الهائلة داخل الشمس إلى احتراق الهيدروجين وتحوله إلى هيليوم في باطن الشمس، حيث الكثافة المهولة والضغط العالي والحرارة المطلقة التي تصل في مركز الشمس إلى ما يقرب من عشرين مليون درجة مطلقة وهو القدر المطلوب لاندماج الهيدروجين والهيليوم وإنتاج الطاقة النووية على هيئة أشعة جاما التي ما تلبث أن تمتص بوساطة الغاز المحيط، فتنتج الطاقة الحرارية والضوئية بجميع أمواجها المرئية وغير المرئية، وتنبعث هذه الطاقة من السطح الخارجي في جميع الاتجاهات حول الشمس مكونة الطاقة الشمسية.
ويتكون الإشعاع الشمسي من أشعة الضوء المرئي التي تمكننا من رؤية الأشياء وألوانها بالعين المجردة، بالإضافة إلى أشعة الضوء غير المرئي المتمثلة في الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الحرارية المسماة الأشعة تحت الحمراء، ومن فضل الله على عباده أن جعل تركيب الغلاف الجوي للأرض بالقدر الذي يسمح فقط بنفاذ الإشعاع الشمسي اللازم لاستمرار الحياة، حيث ينفذ ضوء الشمس المرئي من الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، ولولا التوازن المعجز الذي حفظه الله تعالى لكمية الإشعاع الشمسي وتوزيعها الدقيق لما حدثت دورة الحرارة وما يترتب عليها من ظواهر كونية، مثل تكوين السحب والرياح والأمطار وغيرها، بهذه الصورة الرائعة التي تفي باحتياجات الأحياء.
أما بالنسبة إلى القمر فهو مجرد جسم معتم ليس ذاتي الإضاءة، وإنما هو عبارة عن مرآة عاكسة تعكس ضوء الشمس، فينير الأرض لسكانها ليلًا بضوء فضي خافت لا يذهب بسكينة الليل، ولا يزعج هؤلاء السكان. ويؤكد العلماء حقيقة أن قمرنا هو القمر الأكثر إنارة بين كل أقمار المجموعة الشمسية؛ وهو أمر يعزى إلى كبر حجمه وإلى قربه من كوكب الأرض، كما أن طوبوغرافيا سطح القمر تزيد من انعكاس الضوء الواقع عليه، أما أقمار الكواكب الأخرى فلا توصف بالمنيرة لأنها تكون بعيدة عن كواكبها كما تكون بعيدة عن الشمس. كما أودع الله تعالى في القمر قوانين فيزيائية دقيقة، إذ ثبت أنه يتحرك بنظام محكم ودقيق في ابتعاده واقترابه عن الأرض، كما ثبت أنه يعكس أشعة الشمس بنظام محسوب، فسبحان الله تعالى في إبداعه وفي عنايته بخلقه.
والقرآن الكريم يفرّق بين الشعاع الآتي من الشمس والشعاع الآتي من القمر، فيصف الشمس بأنها سراج ذاتي الطاقة ويشع بالضياء، وفي آيات أخرى توصف الشمس مرة بأنها سراج، ومرة بأنها سراج وهاج، أما القمر فلم يوصف إلا بالإنارة فقط. وفي هذا التفريق الدقيق بين ضوء الشمس ونور القمر قبل ما يزيد على ألف وأربعمئة عام يشهد للقرآن الكريم بالسبق العلمي، لأنه لم يكن هناك أحد على وجه الأرض يعلم بهذه الحقائق وقت نزول القرآن، حيث لم يتوصل العلم إليها بشكل حاسم إلا خلال القرنين الماضيين.

---------------------------------
المصدر: مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).

بتصرف وتلخيص عن موقع طريق القرآن
رد مع اقتباس