عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 2007-10-25, 07:36 PM
مجاهد مجاهد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-23
المشاركات: 141
افتراضي


<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
ب – الطعن في رواة الحديث<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
كثر القول في رواة الأحاديث النبوية في كتابات المستشرقين ووسائلهم الأخرى، ووضعوا مجموعة من هؤلاء الرواة الثقات موضع الشبهة والتشكيك في رواياتهم .... وكان على رأس قائمتهم عَلَمان كبيران ومن أعلام الرواية: هما الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، والإمام الزهري رحمه الله.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وكان جولد تسيهر من أوائل الذين كتب عنهما وافترى عليهما الفريات العظام، معتمدًا في ذلك على الخلافات التي نشبت بين المسلمين بعد الخلافة الراشدة، والفتن التي مزقت الصف الإسلامي، فاستغلها أمثال تسيهر وغيره ليطعنوا في أهم مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك بالطعن في رجال سنده. وهذه بعض الشبهات والتشكيكات التي أثارها المستشرق جولد تسيهر حول الإمام الزهري، وهي ليست كل الشبهات لأنها كثيرة، ولكننا نتناول هنا بعضها ونناقشها بموضوعية.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
يقول أجناس جولد تسيهر فيما يفتريه على الإمام الزهري: "ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم، وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث...إلخ"<SUP>(<SUP>[1]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>

ويقول أيضًا: "إن عبدالملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منها حديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" ومنها حديث: "الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة فيما سواه" وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزهري هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقًا لعبدالملك وكان يتردد عليه وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طرق الزهري فقط"<SUP>(<SUP>[2]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
إن هذه الفرية رددها هذا المستشرق وتبعه تلامذته من بعده، واقتنع بها كثير من أبناء المسلمين، وهي فرية قديمة حديثة تبنتها الرافضة للطعن في كل رواية وردت في العهد الأموي أو ممن كانوا تحت الولاية الأموية، إلا أن التاريخ والشواهد الكثيرة والأدلة العلمية الواضحة التي لا شبهة فيها ولا غبار عليها، قادرة على نفي هذا التشكيك في أعظم شخصية إسلامية كالإمام الزهري الذي اتصف بالحزم والثبات في المواقف، وكان من أوائل الذين خدموا السنة بروايتها وتدوينها، إلا أن أقلام هؤلاء الأعداء لا يتركون أحدًا من المخلصين من رجالات هذه الأمة، حتى يتحول التاريخ الإسلامي في أذهان المسلمين إلى مجرد صراع ونفاق وكذب، وبالتالي يكون هذا الدين كله مبنيا على أوهام وخرافات، ولكن هيهات لهؤلاء أن يدركوا أهدافهم ومآربهم، لأن الله تعالى حفظ هذا الدين بحفظ كتابه، على أيد أمينة وصادقة، وهذه الحقيقة تناقلتها الأجيال بعد الأجيال. <o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وجعل الله تعالى جيل الصحابة من خير الأجيال، ثم الذين يلونهم، لأنهم جيل القدوة وجيل الرفقة بالنبي r والرفقة بأصحابه، فمهما كاد هؤلاء وأذنابهم فلن يصلوا إلى الغبار الذي كان تطؤه أقدامهم الطاهرة، ومن أجل أن تدحض فرية هؤلاء القوم على عالم جليل مثل الإمام الزهري، الذي عاش مع الصحابة وسلك نهجهم، لا بد من توضيح بعض الأمور منها:<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
1 – الإمام الزهري هو الإمام محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، اتصف هذا العالم في عصره بالحرص الشديد على تلقي العلم والسعي الدؤوب من أجل الحصول عليه، كما اتصف بقوة الحفظ والذاكرة، واتصف بصفات أخرى كالكرم والسخاء والشجاعة وحسن الخلق، ومعروف عنه المواقف الثابتة لمن خالف شيئًا من الدين، وشهد له بذلك شيوخه وعلماء الأمة.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
2 – الأمانة التي اتصف بها الإمام الزهري، تجعل هذه الافتراءات ترتد على أصحابها وتقذف في عيونهم القذى وفي بصائرهم ضلالهم وحقدهم، إذ يتبين من خلال دراسة سيرة حياة هذا العالم أنه كان لا يقبل أدنى تنازل في أية جزئية من جزئيات الدين، فكيف لمن هذا شأنه أن يفتري على النبي r ويضع الأحاديث حسب أهواء الأمراء والخلفاء؟ ويكفي هنا أن نذكر أحد مواقفه العظيمة أمام أحد خلفاء بني أمية عندما أراد أن يؤول حديثًا في غير موضعه، حيث " دخل الزهري على الوليد بن عبدالملك فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدًا رعيته كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات. قال الزهري: باطل يا أمير المؤمنين، أنبيٌّ خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام: ( يا داوود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) [̃ص : 26]، فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا"<SUP>(<SUP>[3]</SUP>)</SUP>.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
3 – إن كبار العلماء في الدولة العباسية أخذوا عن الزهري جميع الأحاديث والروايات، ولم يذكر أن أحدهم قدح فيه، من أمثال الإمام أحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وغيرهم، رغم أنه كان من رجال بني أمية، الذين لم يسلموا من مهاجمة العباسيين لهم في معظم أمورهم، وهذا دليل كاف للردِّ على المفترين الذين افتروا على هذا العالم الجليل.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
4 – أما بالنسبة لكلام تسيهر على منع عبدالملك بن مروان الناس الحج، وبناء قبة الصخرة ليحج الناس إليها وأمره الإمام الزهري بوضع حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فإن هذا الكلام لا يستند إلى دليل علمي أو تاريخي، وإنما هو سرد مغلوط ومشبوه يراد منه كعادته إثارة التشكيك في التاريخ الإسلامي ورجالاته، وتنجلي الغمة، ويتضح الأمر من خلال الأمور التالية:<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
أ – أجمع المؤرخون قاطبة أمثال الطبري وابن خلدون وابن الأثير على أن الذي بنى قبة الصخرة هو الوليد بن عبدالملك، وليس عبدالملك بن مروان، وكان الناس يقفون عندها في يوم عرفة، حيث كانت عادة المسلمين في كثير من البلاد حيث كانوا يخرجون إلى أطراف المدينة في هذا اليوم ويشاركون إخوانهم الحجاج في هذا اليوم، بالرغم من أن كثيرًا من العلماء كرهوا هذا الفعل، فالأمر لم يكن مقتصرًا على قبة الصخرة وإنما كان في كل مكان.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ب – لو كان كلام جولد تسيهر صحيحًا على فعل عبدالملك بن مروان، لما سكت علماء الأمة من ذلك الوقت وإلى يومنا على ذلك، لأن منع الناس من الحج لبيت الله وإنشاء مكان آخر للحج فيه يعد كفرًا، لا يقبل التهاون معه والمجاملة فيه.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ج – يذكر المؤرخون أن الزهري لم يلتق بعبدالملك بن مروان في عهد ابن الزبير، وإنما كان أول لقاء بينهما بعد مقتل ابن الزبير حينما كان شابًا، وإن السنة التي ولد فيها الزهري كانت إحدى وخمسين أو ثمانية وخمسين، وكان مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين، فيكون عمر الزهري عشرين عامًا أو خمسة عشر عامًا، وغير معقول أن يشتهر الزهري في هذه السن المبكرة ثم يفتي بالحج إلى قبة الصخرة بدلاً من الكعبة؟.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
د - أما كلام تسيهر أن حديث "لا تشد الرحال" لم يروه غير الزهري فهذا باطل لا أصل له، فقد روي من طرق كثيرة غير طريق الزهري كما أخرجه البخاري ومسلم.<o:p></o:p>

<HR align=right width="33%" SIZE=1>([1]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، ص 206.<o:p></o:p>

([2]) المرجع السابق، ص191.<o:p></o:p>

([3]) العقد الفريد، شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي 1/20.<o:p></o:p>
رد مع اقتباس