معجم طبقات المتكلمين في الرجال _ الطبقة الاولى نمودجا _

[ايوب نصر]

سابعا : وفاته و أولاده *
فقد الذهبي بصره قبل وفاته باربع سنين أو أكثر ، " و كان يغضب اذا قيل له : لو قدحت عينيك لأبصرت ، لأنه كان نزل فيها ماء ، و يقول : ليس هذا ماء ، انا ما زلت أعرف بصري ينقص قليلا قليلا الى ان تكامل عدمه ، و مات في ليلة الثالث من ذي القعدة سنة 748 " (1) .
و ترك الذهبي ثلاثة من أولاده عرفوا بالعلم و هم :
1_ ابنته أمة العزيز
2_ابنه أبو الدرداء عبد الله
3 _ ابنه شهاب الدين أبو هريرة عبد الرحمن














________________________
*بشار عواد ، مقدمة السير (1/93_94)
(1) الدرر الكامنة ( 5/68)

[ايوب نصر]

(2) الفوائد

[ايوب نصر]

كما أسلفا في مقدمة هذا البحث ، أن من بلغوا درجة أن يقبل قولهم في الرجال جرحا و تعديلا قليل مقارنة بعدد رواة الحديث عبر الزمن ، و لذلك فقد امتازت هذه القلة بمجموعة من الأمور اجتمعت فيها ، منها ما هو متعلق بالعلم و العدل و الاتقان ، و منها ما هو متعلق بالورع و الزهد ، و منها ما هو متعلق بقول الحق تحت أي ظرف و لو تحت السيف ، و منها ما هو متعلق باتباع السنة و اقتفاء الأثر ، و هذه الفوائد منها ما تم ذكره او الاشارة اليه في التراجم و منها ما وقفت عليه في كتب التراجم و لم انقل و سيذكر فقط في هذا المبحث .
و هذا المبحث سيتم تقسيمة على الشكل التالي :
* المحور الاول : ما يتعلق بالضبط و قول الحق و اتباع السنة
1_ العدل و الضبط و الاثقان
2_ القول بالحق
3_ اتباع السنة و الحرص عليها

* المحور الثاني : تعقبات الذهبي
* المحور الثالث : ما يتعلق بعلم المصطلح و مناهج المتكلمين في الرجال
1_ الامور المستفادة في علم
2_ أقسام المتكلمين في الرجال

[ايوب نصر]

* المحور الاول : ما يتعلق بالضبط و قول الحق و اتباع السنة

1 :_ العدل و الضبط و الاتقان :
ان المتتبع لتراجم و سير هؤلاء الأعلام ، فانه يقف على ما بلغوا اليه من أعلى درجات العدل و الضبط و الأثقان ، فالواحد منهم يفضل أن يخر من السماء على أن يكذب على رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و كلهم ثقة في نفسه رغم اختلاف درجات ضبطهم و اتقانهم ، و هذا أمر لا دخل لهم فيه و لا عتاب عليهم بسببه .
و قد تفاضلوا في درجات ضبطهم و اتقانهم لكن لم ينزل منهم أحد عن درجة " المقبول " ، و ما كان من قدح في ضبط أحدهم أو اتقانه فانه يجبر ، و مرده لأسباب و هي :
اولا : ما كان بسبب روايته عن راو لين الحديث او ضعيف ، كاسرائيل بن يونس ، و الذي لينه ابن المديني متابعا في ذلك ليشخه يحيى بن سعيد القطان ، لروايته عن ابن المهاجر و القتات و هما لينان ، و أما اسرائيل بن يونس فهو ثقة و احتج به الشيخان .
الثاني : ما كان لتعارض جرح أحد المتشددين مع تعديل أحد المعتدلين ، كفليح بن سليمان ، و الذي قال عنه ابن معين : ليس بالقوي ، و قال مرة : ضعيف . و قال فيه الدارقطني : لا بأس به . كما أن الشيخان احتجا به (1).
و منه ايضا ما كان حول شريط القاضي و حسم فيه الذهبي بتحقيق ماتع(2).
الثالث : ما كان بسبب رواية احدهم لبعض المناكير و الغرائب ، كما في نجد في بعض أحاديث يحيى ابن أيوب الغافقي ، و الذي رغم حفظه و اتقانه الا أن له مناكير و غرائب اجتنبها أرباب الصحاح(3) .
و هذه بعض الاسباب التي جعلت بعض المتكلمين فيهم ينزل بهم عن درجة المقبول من حيث الضبط و الاتقان ، و الله أعلم .
أما الأن و قد قضيت نحبي في الابانة عن الأسباب التي ظهرت لي من خلال تتبعي لتراجم هؤلاء الأعلام ، و التي جعلت بعضهم ينزل به عن درجة الاتقان و الضبط ، فاني أرجع لانقل بعض الامثلة التي تكشف ما بلغه رجال هذه الطبقة من الضبط و الاتقان .




______________________
(1)انظر ترجمة فليح
(2) انظر ترجمة شريح القاضي (3)انظر ترجمة يحيى بن ايوب الغافقي

[ايوب نصر]

و من الامثلة التي تدل على حفظ و اتقان رجال هذه الطبقة ، ما قاله شعبة بن الحجاج عن مسعر بن كدام : " كنا نسميه المصحف من اتقانه "(1) . و كذا ما قاله حماد بن سلمة عن شعبة : " اذا خالفني شعبة في الحديث صرت اليه "(2) . و أيضا ما قاله ابن المبارك عن سفيان الثوري ، حيث قال : " كتبت عن ألف و مائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان "(3). و منه أيضا ما قاله أحمد عن هشام الدستوائي : ما يكون أحد أثبت منه فعسى مثله"(4)
و أمثلة هذا كثيرة ، و نكتفي بهذا القدر تجنبا للاطالة ، و من أراد الرجوع اليها فقد تم ذكرها في التراجم بالفصل الثاني .

2 : القول بالحق
من الأمور المستفادة و التي لا يمكن ان يغفل عنها ، بل و يجب ذكرها ، و هي ما كان عليه هؤلاء الأعلام من القول بالحق و الجهر نصرة لدين الله ، و حياطة للأمة ، و حفاظا على سلامة عقيدتها .
فقد كان الواحد منهم لا يخاف في الله لومة لائم و لو كان تحت السيف ، فخلد الله ذكرهم و رفع شأنهم في الأولين و الأخرين ، و الدليل اننا نتدارسهم اليوم ، و نتبع أقوالهم في الجرح و التعديل و نأخذ بها من غير حرج نجده في صدورنا و لا ريبة تدخل على عقولنا ، صدقوا الله فصدقهم وعده و ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا غ– وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ))(5). و يكفي المرء صبرا أن يقول الحق .
و أمثلة هذا كثيرة ، منها ما نقلته في التراجم و منها ما اكتفيت فقط بالاشارة اليه كما في ترجمة الاوزاعي فيما كان بينه و بين عم السفاح عندما استدعاه بعدما انتهى من دماء بني أمية ، و هذه هي القصة كاملة اوردها هنا :







__________________

(1) انظر ترجمة مسعر
(2)انظر ترجمة شعبة
(3) انظر ترجمة سفيان الثوري
(4)انظر ترجمة هشام الدستوائي
(5) السجدة : 24

[ايوب نصر]

" الفريابي قال اجتمع سفيان والأوزاعي وعباد بن كثير بمكة فقال سفيان: يا أبا عمرو حدثنا حديثك مع عبد الله بن علي -يعني عم السفاح- فقال: لما قدم الشام وقَتَل بني أمية جلس يوما على سريره وعبي أصحابه أربعة
أصناف؛ صنف بالسيوف المسللة، وصنف معهم الجرزة، وصنف معهم الأعمدة، وصنف معهم الكافر كوب، ثم بعث إلي، فلما صرت إلى الباب انزلوني عن دابتي وأخذ اثنان بعضدي وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني بحيث يسمع كلامي، فقال لي: أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير. قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: قد كان بينك وبينهم عهود وكان ينبغي أن تفوا بها. قال: ويحك اجعلني وإياهم لا عهد بيننا، فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فذكرت مقامي بين يدي الله فلفظتها فقلت: دماؤهم عليك حرام. فغضب، وانتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، فقال لي: ويحك. ولم قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيب زانٍ، ونفس بنفس، وتارك لدينه" (1), قال: ويحك أوليس الأمر لنا ديانة؟ قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي؟ قلت: لو أوصى إليه لم حُكم الحكمين. فسكت وقد اجتمع غضبا، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يدي فقال بيده هكذا؛ أومى أن: أخرجوه، فخرجت فما أبعدت حتى لحقني فارس فنزلت وقلت: قد بعث ليأخذ رأسي أصلي ركعتين فكبرت فجاء وأنا أصلي فسلم وقال: إن الأمير بعث إليك هذه الدنانير قال: ففرقتها قبل أن أدخل بيتي "(2) ..
فالاوزاعي لم يهب الأمير أن قال له الحق ، و جعله يطلق لسانه به الا أن تذكر مقامه بين يدي ربي ، و أن عليه ان يقدم للمسألة جواب يومئذ ، فكان همه الأول و الأخير ان يرضي ربه مهما كان ما سيئول اليه الأمر. .
و من هذا أيضا ما ذكره الامام أحمد عن بن أبي ذئب من أنه دخل على المنصور فلم يهبه أن قال له الحق ، و : " الظلم ببابك فاش ، و أبو الجعفر أبو الجعفر " (3) . و قال أبو النعيم : " حججت عام حج أبو جعفر ومعه ابن ذئب ومالك فدعا ابن أبي ذئب فأقعده معه على دار الندوة فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد؟ قال: إنه ليتحرى العدل، فقال له ما تقول فيّ؟ وأعاد عليه فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر، قال فأخذ الربيع بلحيته فقال له أبو جعفر: كف يا بن اللخناء, وأمر له بثلاثمائة دينار "(4)
و من أمثلة هذا أيضا ما قاله الذهبي عن الثوري من أنه لم يكن يخاف في الله لومة لائم ، و أنه كان ينكر





______________________
(1) رواه البخاري كتاب الديات باب 6 رقم 6878. مسلم في كتاب القسامة باب حديث 25 .
(2) التذكرة (1/ 136)
(3)انظر ترجمة بن ابي ذئب (4) التذكرة (1/143_144)

[ايوب نصر]

على الحكام دون أن يرى الخروج عليه(1).
و هناك ملاحظة مهمة في كلام الذهبي عن الثوري وجب الاشارة عليها و هي قوله " كان ينكر على الحكام دون ان يرى الخروج عليهم " و هذه قمة القول بالحق مع قمة الاتباع ، و نفس الامر نجده في الامثلة التي سبقت فالاوزاعي صرح بالحق و هو عند السلطان و بين يديه و كذلك فعل ابن أبي ذئب ، و لم يقم أحدهم ينكر على الامام على المنابر او على ارصفة الطرقات محركا للقاعدة الشعبية مهيجا لعواطفها ، و انما اتبعوا السنة ، و ما راواه أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ان من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ))(2).

3 : اتباع السنة و التمسك بها
من الامور المستفادة من هذا التراجم و البادية للعيان دون ما حاجة للنظر و الاستنباط هي الحرص على اتباع السنة و اقتفاء الأثر ، و الشدة على كل من خالف ذلك مهما بلغ من الفقه و العلم و مهما علت منزلته بين الناس ، و قد مر بنا حرص بعض الأئمة على قول الحق و العدل عند السلطان و بين يديه لا التشهير به بين العامة ، و ما ذلك الا اقتاء منهم للاثار .
و قد وقع بعض هؤلاء الأئمة في بعض البدع كالقدر ، أو الارجاء ، أو التشيع الخفيف ( اي الثتليث بعلي _ رضي الله عنه _ ) ، كان ذلك نتيجة بعض الامور و هي :
اولا : أن تلك البدع كانت في أولها ، و كانت صغيرة فاغتر بها كل من دخل فيها ، فمنهم من استطاع الخروج منها بعد ذلك ، و منهم من لم يستطع . فمن أمثلة الاول نجد الماجشون و الذي قال عنه ابن معين : " و انما كان رجلا يقول بالقدر ثم تركه و أقبل على السنة "(3). و من أمثلة الثاني ورقاء بن عمر ، و الذي كان صاحب سنة الا ان فيه ارجاء(4).







____________________________
(1)انظر ترجمة الثوري
(2) اخرجه الترمذي ج2 رقم 2329 و طرقه عديدة و هو صحيح
(3) انظر ترجمة الماجشون
(4)انظر ترجمة ورقاء بن عمر

[ايوب نصر]

ثانيا : ان بعضهم في تلك البدع كان زلة نتيجة لتأويل فاسد و اجتهاد خاطئ ، و كل من وقع في تلك البدع يشتركون في هذا الأمر
ثالثا : ان منهم من رمي بالبدعة و لكن لم يثبت عليه ذلك ، كابن أبي ذئب و الذي رمي بالقدر و ما كان قدريا قط .
و هذه الامور لا تعفي من بيان ما وقعوا فيه ، و الرد عليهم باحترام و بأدب صيانة للدين و لعقائد المسلمين حتى لا يغتر الناس بتلك البدع . و لذلك نجد فرقا بين كلام العلماء عن هؤلاء الأعلام و بين كلامهم عن بعض رؤوس الضلالة و الذين وقعوا في البدع نتيجة انحراف لا زلة كابن ابي دؤاد و بشر المريسي و غيرهم ممن كانت أصولهم في الاصل مخالفة لما كان عليه سلف الأمة .
و نرجع الان لاعطاء بعض الامثلة الدالة على اتباع أعلام هذه الطبقة للسنة و اقتفائهم للأثار ، مع الشدة على من خالف ذلك ، فهذا الامام مالك يسئل عن الاستواء فيقول ": الاستواء معلوم ، و الكيف مجهول ، و الايمان به واجب ، و السؤال عنه بدعة" (1). و هذا ليس مجرد جواب على سؤال بل هو بيان لمنهج وجب اتباعه و العمل به .
و مما يظهر شدة الامام مالك ما قاله للقاضي أبو يوسف : " يا هذا اذا رأيتني أجلس لأهل الاهواء فتعال أجبك معهم " (2).
و من أمثلة ذلك أيضا نجد الماجشون فقد كان _ كما سبق معنا _ يقول بالقدر ، و رجع و أقبل على السنة و الأثار ، و قد نظر يوما في كلام الجهم بن صوان(3) فقال : هذا هدم بلا بناء ، و صفة بلا معنى "(4). و قد سئل يوما عما جحدت به الجهمية ؟ فقال : " أما بعد فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت الجهمية في صفة رب العظيم ، الذي فاتت عظمته الوصف و التقدير و كلت الألسن عن تفسير صفته ، و انحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلما تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، و انما أمروا بالنظر و التفكر فيما خلق . و انما يقال : كيف ؟ لمن لم يكن مرة ، ثم كان ، أما من لا يحول و لا يزل ، و ليس له مثل ، فانه لا يعلم كيف هو الا هو ، والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ،




______________________
(1)(2) انظر ترجمة مالك بن انس
(3) اليه تنسب الجهمية و هي نفسها الجبرية و هي فرقة على طرف النقيض مع القدرية في مسألة القدر فهي تعتبر ان ما يقع للانسان لا دخل له فيه و انما هو مجبور عليه ، كما انها تنفي الصفات و منها اخذت المعتزلة القول بخلق القران
(4)السير (7/312)

[ايوب نصر]

لا يكاد يراه صغرا ، يحول ويزول ، ولا يرى له بصر ولا سمع ، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه ، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها . فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا ، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران ، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى: (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ))(1) فقال : لا يرى يوم القيامة . . . وذكر فصلا طويلا في اقرار الصفات وإمرارها ، وترك التعرض لها "(2).
و كذلك زائد بن قدامة ، و الذي قال عنه أحمد العجيلي : " ثقة صاحب سنة ، لا يحدث أحدا حتى يسأل عنه ، فاذا كان صاحب سنة حدثه ، و الا لم يحدثه " (3). و جاء في ترجمة حماد بن زيد أن ابن مهدي قال عنه : " لم أرى أحد قط أعلى بالسنة منه ( أي : من حماد بن زيد ) " . و كان حماد يقول : " انم يدورون على ان يقولوا ليس في السماء الع _ يعني الجهمية _ " و قال : " القرآن كلام الله ، أنزله جبريل من عند رب العالمين "(4).
و من هذا أيضا ما قاله الثوري لشعيب بن حرب حين سأله ان يحدثه بحديث في السنة يجيب به اذا ما وقف بين يدي ربه و سأله فينجو شعيب و يؤخذ الثوري ، فقال الثوري : " كتب بسم الله الرحمن الرحيم، القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر، والإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص وتقدمه الشيخين -إلى أن قال: يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين، وحتى ترى أن إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر به، وحتى تؤمن بالقدر، وحتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماضِ إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أو عدل، فقلت: يا أبا عبد الله الصلاة كلها قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصلي إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة، إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن هذا فقل يا رب حدثني بهذا سفيان بن سعيد ثم خلّ بيني وبين ربي عز وجل"(5).






________________________
(1) السورة القيامة : 22_23
(2)السير (7/311_312)
(3)انظر ترجمة زائدة
(4)انظر ترجمة حماد بن زيد
(5) التذكرة (1/153)

[ايوب نصر]

* المبحث الثاني : تعقبات الذهبي

امتاز الذهبي في تصانيفه بالابتعاد عن الجمود و التقليد ، فتجده يرد أقوالا و يقبل أخرى ، و يعترض ، يتعقب على أراء من سبقه فينكرها ثارة و يرضاها ثارة أخرى ، حسب ما أوصله اليه اجتهاده ، و سنذكر هنا بعض تعقباته على بعض الأقوال و مناقشته لبعض ما تكلم به في الرجال .
اولا : تعقبه على الامام أحمد في ترجمة ابن أبي ذئب ، فبعدما نقل الذهبي قول أحمد : " بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث (( البيعان بالخيار ))(1) فقال يستتاب ، فان تاب ، و الا ضربت عنقه ...و هو أروع و أقول بالحق من مالك "(2).
فقال الذهبي متعقبا على أحمد بن حنبل : " لو كان ورعا كما ينبغي ، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم . فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث ; لأنه رآه منسوخا . وقيل : عمل به وحمل قوله : " حتى يتفرقا على التلفظ بالإيجاب والقبول ، فمالك في هذا الحديث ، وفي كل حديث ، له أجر ولا بد ، فإن أصاب ، ازداد أجرا آخر ، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية . وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه ، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه ، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه ، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد ، فلعلها لم تصح "(3).
و اريد ان أنبه على شيء جاء في كلام الذهبي و هو قوله : " كلام الأقران لا يعول عليه كثيرا " و هذه القاعدة ليست على اطلاقها ، بل هي مجرد عارض و انما الاصل هو قبول كلام الأقران حتى يعرض له ما يرده ، كأن يثبت ان الكلام لعداوة ، او لمصلحة دنيوية ، او لعصبية مذهبية ، او يكون المتكلم فيه من المعروفين بالعلم و ان يكون ثقة كمالك و الشافعي و غيرهما ، و هذا خاص بكل كلام في الرجال و ليس فقط بالاقران . و الان اتركك مع شيء كتبته قديما حول هذه القاعدة :





_________________________________
(1) اخرجة مالك ، كتاب البيوع ، باب بيع الخيار ، رقم 79
(2)انظر ترجمة ابن ابي ذئب
(3) انظر ترجمة ابن ابي ذئب و السير (7/142_143)

[أبو جهاد الأنصاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر ايوب

* المبحث الثاني : تعقبات الذهبي

امتاز الذهبي في تصانيفه بالابتعاد عن الجمود و التقليد ، فتجده يرد أقوالا و يقبل أخرى ، و يعترض ، يتعقب على أراء من سبقه فينكرها ثارة و يرضاها ثارة أخرى ، حسب ما أوصله اليه اجتهاده ، و سنذكر هنا بعض تعقباته على بعض الأقوال و مناقشته لبعض ما تكلم به في الرجال .
اولا : تعقبه على الامام أحمد في ترجمة ابن أبي ذئب ، فبعدما نقل الذهبي قول أحمد : " بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث (( البيعان بالخيار ))(1) فقال يستتاب ، فان تاب ، و الا ضربت عنقه ...و هو أروع و أقول بالحق من مالك "(2).
فقال الذهبي متعقبا على أحمد بن حنبل : " لو كان ورعا كما ينبغي ، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم . فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث ; لأنه رآه منسوخا . وقيل : عمل به وحمل قوله : " حتى يتفرقا على التلفظ بالإيجاب والقبول ، فمالك في هذا الحديث ، وفي كل حديث ، له أجر ولا بد ، فإن أصاب ، ازداد أجرا آخر ، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية . وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه ، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه ، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه ، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد ، فلعلها لم تصح "(3).
و اريد ان أنبه على شيء جاء في كلام الذهبي و هو قوله : " كلام الأقران لا يعول عليه كثيرا " و هذه القاعدة ليست على اطلاقها ، بل هي مجرد عارض و انما الاصل هو قبول كلام الأقران حتى يعرض له ما يرده ، كأن يثبت ان الكلام لعداوة ، او لمصلحة دنيوية ، او لعصبية مذهبية ، او يكون المتكلم فيه من المعروفين بالعلم و ان يكون ثقة كمالك و الشافعي و غيرهما ، و هذا خاص بكل كلام في الرجال و ليس فقط بالاقران . و الان اتركك مع شيء كتبته قديما حول هذه القاعدة :





_________________________________
(1) اخرجة مالك ، كتاب البيوع ، باب بيع الخيار ، رقم 79
(2)انظر ترجمة ابن ابي ذئب
(3) انظر ترجمة ابن ابي ذئب و السير (7/142_143)

فى هذا درس رائع لطلاب العلم، فرغم مضى قرون بين الإمامين أحمد والذهبى ، إلا أن آلة البحث العلمى لا تتوقف ولا تتقيد بزمان ولا بمكان وكلما بحث طالب العلم فلاشك أنه سيصل كل يوم إلى الجديد والمزيد. وهذا شأن العلم، لا يقبل التقليد ، ولا التقييد.

[ايوب نصر]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جهاد الأنصاري

فى هذا درس رائع لطلاب العلم، فرغم مضى قرون بين الإمامين أحمد والذهبى ، إلا أن آلة البحث العلمى لا تتوقف ولا تتقيد بزمان ولا بمكان وكلما بحث طالب العلم فلاشك أنه سيصل كل يوم إلى الجديد والمزيد. وهذا شأن العلم، لا يقبل التقليد ، ولا التقييد.

صدقت شيخي الحبيب
و ارجوا ان تقرا ما سياتي في المشاركتين القادمتين ، و التي فيها مناقشتي لكلام الامام الذهبي ، و هي تاكيد لما تفضلت به من ان العلم لا يقبل التقييد و لا التقليد

[ايوب نصر]

( المعروف عند المحدثين ان " المجهول " ينقسم الى ثلاث اقسام و هي :
لاول : مجهول العدالة ظاهرا و باطنا
الثاني : مجهول العدالة الباطنة
الثالث : مجهول العين

و اي راوي وجد فيه اي قسم من الاقسام الثلاثة فان هذا يعتبر جرحا له ،و سنتكلم عن القسم الثاني _ مجهول العدالة الباطنة _ ، و التي تنزل بحديث صاحبها عن درجة الصحة الى درجة الحسن ، و قد نقل ابن الصلاح رحمه الله الامام سليم بن ايوب قوله : " و لأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر ، و تفارق الشهادة فانها تكون عند الحكام و لا يتعذر عليهم ذلك ، فاعتبر فيها العدالة في الظاهر و الباطن "(1)
و علق علي هذا ابن الصلاح : " و يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم و تعذرت الخبرة الباطنة بهم ."(2)
و انظر معي الى قول ابن الصلاح : " في غير واحد من الرواة الذي تقادم بهم العهد .... " و هذا دليل على ان هذا الضرب قليل في كتب الحديث المشهورة ، و انما الاصل ان ينص على العدالة الباطنة ، و الا لما كان هناك شيء اسمه الجرح و التعديل ، لأن هذا الفن يخص النص على العدالة الباطنة ، و العدالة الباطنة لا يمكن معرفتها الا لمن اتيح له معاصرة الراوي .

و قد بوب الخطيب في الكفاية بابا تحت عنوان : " باب الرد على من زعم أن العدالة هي اظهار الاسلام و عدم الفسق الظاهر الطريق الى معرفة العدل المعلوم عدالته مع اسلامه ، و حصول أمانته و نزاهته و استقامة طرائقه ، لا سبيل اليها الا باختبار الأحوال ، و تتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة . و زعم أهل العراق أن العدالة هي اظهار الاسلام و سلامة المسلم من فسق ظاهر ، فمتى كانت هذه حاله وجب أن يكون عدلا )(3)





_______________________________
(1) (2) مقدمة ابن الصلاح ص 112
(3) الكفاية ص 81

[ايوب نصر]

و قبل أن ننقل ما جاء في هذا الباب ، فان العنوان وحده يبين فيه الخطيب _ رحمه الله _ أن الاسلام و عدم الفسق الظاهر لا يكفيان للقول بعدالة الراوي بل يجب معرفة عدالة الباطن ، و كما نقلنا عن ابن الصلاح ان هذا الامر لا يمكن التوصل اليه الا عن طريق من عاشر الراوي ، و أكد ذلك الخطيب كما في عنوان الباب و ذلك بنصه أان حصول الأمانة و النزاهة لا يستقيم الا باختبار الأحوال و اتباع الأفعال ، و هذا الأمر لا يكون متاحا الا لمن عاصر الراوي و عايشه .
و يقول الخطيب ايضا : " و يدل على ذلك أيضا اجماع الأمة على أنه لا يكفي في عدالة الشهود على ما يقتضي الحدود اظهار الاسلام ، دون تأمل أحوال الشهود و اختبارها ، و هذا يوجب اختبار حال المخبر عن رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و حال الشهود بجميع الحقوق ، بل قد قال كثير من الناس : انه يجب الاستظهار في البحث عن عدالة المخبر بأكثر ما يجب في عدالة الشهود ، فثبت بما ذكرناه أن العدالة شي زائد على ظهور الاسلام ، يحصل بتتبع الأفعال و اختبار الأحوال ، و الله اعلم )(1)
فكما هو واضح فان اختبار حال من يروي عن رسول الله اولى من اختبار حال الشهود ، و لا اعلم طريقة يختبر بها حال الرجال الا بالمعاصرة ، اذ كيف لمن جاء بعد الراوي ان يختبر حاله ؟؟؟.
يستفاد مما سبق ان الاقران اعلم ببعضهم من غيرهم لان العدالة في الباطن لا يمكن معرفتها الا عن طريق من عاصر الراوي و عايشه و اختبر حاله ) انتهى
ثانيا : تعقب الذهبي لحسم الخلاف الذي وقع حول شريك القاضي ، فقال : " كان شريك حسن الحديث إماما فقيها ومحدثا مكثرا ليس هو في الإتقان كحماد بن زيد. وقد استشهد به البخاري وخرج له مسلم متابعة. ووثقه يحيى بن معين "(2)
ثالثا : تعقبه على ابن المديني لتضعيفه اسرائيل بن يونس ، فقال : " مشى علي خلف أستاذه يحيى بن سعيد ، وقفا أثرهما أبو محمد بن حزم ، وقال : ضعيف . وعمد إلى أحاديثه التي في " الصحيحين " فردها ، ولم يحتج بها ، فلا يلتفت إلى ذلك ، بل هو ثقة . "(3). و قد جرحاه لروايته عن ابن مهاجر و القتات و هما لينان



_______________________________
(1) الكفاية ص 84
(2) التذكرة (1/170)
(3) السير (7/358)

[ايوب نصر]

* المحور الثالث : ما يتعلق بعلم المصطلح و مناهج المتكلمين في الرجال

1_ الامور المستفادة في علم المصطلح

من الامور المرتبطة بعلم الرجال ، علم مصطلح الحديث ، فعلم الرجال و التكلم فيهم جرحا و تعديلا هو باب من أبواب علم مصطلح الحديث ، و لذلك نجد أئمة علم المصطلح و من صنفوا فيه ذكروا ذلك في مصنفاتهم و ناقشوا قواعده و فصلوا فيها الى حد ما .
و لذلك فلا يجب ان نغفل على ذكر بعض الفوائد المستفادة في علم المصطلح و التي قد يكون لها ارتباط كبير بعلم الجرح و التعديل ، مثل ما يتعلق بالاسماء و الكنى ، و تشابهها ، و ألفاظ التحمل و الأداء ، و الان ابدء في سرد ما أستفيد من هذا البحث في هذا المبحث .
قد سبق معنا في " تعقبات الذهبي " أنه رد قول ابن المديني و ابن سعيد القطان في اسرائيل بن يونس ، و هنا رد جرحهما لاسرائيل لتصريحه _ اي الذهبي _ بأنه عرف سبب هذا الجرح و هو رواية اسرائيل عن ابن مهاجر و القتات و هما لينان ، و هذه من الحالات التي يقدم فيها التعديل على الجرح ، و ذلك بأن يصرح المعدل أنه يعرف سبب الجرح ، فلا يكون السبب ما يدعي جرح الراوي ، أو يكون الراوي وقع في خلط في أخر عمره فيصرح المعدل بذلك و هنا تقبل روايات الرواي التي رواها قبل اختلاطه ، و الله أعلم

اشترك حماد بن زيد و حماد سلمة ، في الاسم ، مع اشتراكهما أيضا في الرواية عن كثير من المشايخ ، و روى عنهما أيضا جماعة من المحدثين ، و هذا يسمى في علم المصطلح الحديثي ب " المتفق و المفترق" اي المتفق من حيث اللفظ و الخط ، و المفترق من حيث الاشخاص ، قد جعل له ابن الصلاح بابا في مقدمته و قسمه الى سبعة أقسام (1)، و افرده الخطيب بكتاب سماه " كتاب المتفق و المفترق " .
و قد يروى الراوي عن أحدهما و لا ينسبه فلا يمكن معرفة عن أيهما روى ، قال الذهبي : " فاذا عري السند من القرائن ( اي التي تدلنا عن اي الحمادين هو ) لم نقطع بأنه ابن زيد أو أنه ابن سلمة ، بل نتردد



_________________________
(1) انظر مقدمة ابن الصلاح ص 358

[ايوب نصر]

أو نقدره ابن سلمة ، و نقول : هذا الحديث على شرط مسلم ، اذ مسلم احتج بهما جميعا "(1)
اما القرينة التي يمكن ان تعرض فيمكن معها التمييز ايهما صاحب الرواية ، متعددة و منها ما قاله ابن الصلاح : " و مثاله : ما رويناه عن ابن خلاد القاضي الحافظ قال : اذا قال عارم : حدثنا حماد ، فهو حماد بن زيد ، و كذلك سليمان بن حرب . و اذا قال التبوكي : ثنا حماد ، فهو حماد بن سلمة ، و كذلك الحجاج بن منهال ."(2) او ان يصرح المحدث انه اذا قال : حماد ، فانه قصد احدهما ، و يذكر اسمه و من ذلك ما قاله ابن الصلاح : " ثم وجدت عن محمد بن يحيى الذهلي عن عفان قال : اذا قلت لكم : حدثنا حماد و لم انسبه فهو ابن سلمة "(3).
و من هذا الضرب أيضا ما يحدث ، اذا قال المحدث " حدثنا عبد الله " فهناك العبادلة و ابن الزبير و هناك ابن المبارك ، و " قال سلمة بن سليمان : اذا قيل بمكة عبد الله فهو ابن الزبير . و اذا قيل عبد الله بالمدينة فهو ابن عمر . و اذا قيل بالكوفة عبد الله فهو ابن مسعود ، و اذا قيل بالبصرة عبد الله فهو ابن عباس . و اذا قيل بخرسان عبد الله فهو ابن المبارك . و قال الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني : اذا قال المصري : عن عبد الله و لا ينسبه فهو ابن عمرو ابن العاص ، و اذا قال المكي : عن عبد الله و لا ينسبه فهو ابن عباس "(4).
و اقسام هذا الباب متعدده و بعضها يندرج تحت بعض ، و لا يسع الوقت و لا المكان للوقوف عندها ، و انما لكل مقال مقام .

من الامور المستفادة أيضا في علم مصطلح الحديث جواز اطلاق صيغة " أخبرنا " في الاجازة ، فقد جاء في ترجمة شعيب بن أبي حمزة : " سليمان بن الكوفي ، قال : قلت لأبي اليمان : ما لي أسمعك إذا ذكرت صفوان بن عمرو تقول : حدثنا صفوان ، وإذا ذكرت أبا بكر بن أبي مريم تقول : حدثنا أبو بكر ، وإذا ذكرت شعيب بن أبي حمزة ، قلت : أخبرنا شعيب ؟ فغضب ، فلما سكن ، قال لي : مرض شعيب مرضه الذي مات فيه ، فأتاه إسماعيل بن عياش ، وبقية بن الوليد ، ومحمد بن حمير في رجال من أهل حمص ، أنا أصغرهم ، فقالوا : كنا نحب أن نكتب عنك ، وكنت تمنعنا . فدعا بقفة له ، فقال : ما في هذه إلا ما سمعته من الزهري ، وكتبته ، وصححته ، فلم يخرج من يدي ، فإن أحببتم ، فاكتبوها . قالوا : فنقول ماذا ؟ قال : تقولون : أنبأنا شعيب ، وأخبرنا شعيب ، وإن أحببتم أن تكتبوها عن ابني ، فقد قرأتها عليه "(5)




____________________________
(1) السير (7/465)
(2)(3)(4) مقدمة ابن الصلاح ص : 362_364
(5) انظر ترجمة ابن أبي حمزة ص ، و السر (7/190)

[ايوب نصر]

فيستفاد منه جواز قول " أخبرنا " في الاجازة ، قال ابن الصلاح : و كان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له ( أخبرنا ) "(1).
و من الامور المهمة كذلك هي معرفة الكنى هؤلاء الأعلام ، وهو علم جليل خصه بعضهم بالتصنيف ، و من أمثلة ذلك ، ابراهيم بن طهمان و الذي يكنى بأبي سعيد(2) ، و شعيب بن أبي خمزة و الذي يكنى بأبي بشر الاموي (3) ، و شعبة بن الحجاج و الذي يكنى بابي بسطام(4).

2_ أقسام المتكلمين في الرجال

ينبغي لكل طالب علم مشتغل بعلم الرجال عامة و علم الجرح و التعديل خاصة ، ان يكون على علم بأن المتكلمين في الرجال هم على ثلاثة أقسام ذكرهم الذهبي في مطلع كتابه " من يؤتمن قوله الرجال " ، و اخذها عنه السخاوي ايضا .
قال الذهبي : " و الكل( اي المتكلمون في الرجال ) أيضا على ثلاثة أقسام :
1_ قسم منهم متعنت في الجرح ، متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطتين و الثلاث ، و يلين بذلك حديثه ، فهذا اذا وثق شخصا فعض عليه بناجذيك ، و تمسك بتوثيقه ، و اذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ، فان وافقه ، و لم يوثق ذلك أحد من الحذاق ، فهو ضعيف ، و ان وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يقبل تجريحه الا مفسرا ، ، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا : هو ضعيف ، و لم يوضح سبب ضعفه ، و غيره قد وثقه ، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه ، و هو الى الحسن أقرب . و ابن معين ، و أبو حاتم و الجوزجاني : متعنتون
2_ و قسم في مقابلة هؤلاء ، كأبي عيسى الترمذي ، و أبي عبد الله الحاكم ، و أبي بكر البيهقي : متساهلون.






__________________________________
(1)مقدمة ابن الصلاح ص
(2) انظر ترجمة ابراهيم ابن طهمان
(3)انظر ترجمة شعيب بن ابي حمزة
(4)السير(7/206)

[ايوب نصر]

3_ و قسم كالبخاري و أحمد بن حنبل ، و أبي زرعة ، و ابن عدي : معتدلون منصفون . "(1)
و قبل أن أنتقل الى تصنيف هؤلاء المتكلمين في الرجال على حسب ما ظهر لي ، فاني اريد ان اشير الى أمور جاءت في كلام الذهبي .
اولا : هناك من اذا تعارض جرح متعنت مع تعديل معتدل فانه يعمد مباشرة الى رد كلام المجرح المتعنت ، و الذهبي لم يجعل هذا على اطلاقه و انما قيده بأمرين : فأما أحدهما : ان يكون المعدل من الحذاق ، و أما الاخر : ألا يكون الجرح مفسرا .
ثانيا : اذا لم يفسر المجرح المتعنت جرحه للرواي ، و وثق الراوي احد الحذاق ، فان هذا يحدث ريبة تجعلنا ننزل حديث الراوي عن درجة الصحيح الى درجة الحسن ، الى ان يقدم المجرح تفسيره للجرح ، أو يصرح المعدل بمعرفته للسبب . و الله اعلى و أعلم .
ثالثا : الذهبي لا يقصد هنا المتكلم فيهم ممن اشتهروا بين الناس بالعلم و العدل و الاعتناء بالطلب ، فهؤلاء لا يقبل فيهم الكلام الا و مرفوقا بدليل

و أما الان فاني اضع ما توصلت اليه حول أقسام هؤلاء الأعلام في الجرح و التعديل ، و هذه بعض المفاتيح الخاصة بهذا التصنيف :
1_ انني صنفتهم على حسب اقسام الذهبي و هي : متشددون ، متساهلون ، معتدلون .
2_ هناك من يجعلها خمسة أقسام ، فيضيف الى ما سبق ذكره : معتدلون مع بعض التساهل ، و معتدلون مع بعض التشدد . لانه هناك من المتكلمين في الرجال من هو معتدل في الجرح متثبت في التعديل ، و هناك من هو متعنت في الجرح متساهل في التعديل . فمن كان متثبتا فقط أو متعنتا فقط جعلته مع المتشددين .

أولا : المتشددون :
1_ عمرو بن الحارث جاء في ترجمته " كان عزيز الحديث "(2)



_______________________________
(1) من يؤتمن قوله في الرجال ص 181_182
(2)انظر ترجمة عمرو ابن الحارث ص

[ايوب نصر]

2_ شعبة بن الحجاج ، جرح بأسباب غير مقبولة في الجرح(1). و قال عنه السخاوي : " كان مثبتا لا يكاد يروي الا عن ثقة و كذلك مالك "(2)
3_ مالك بن أنس ، انظر قول السخاوي أعلاه
4_عبيد الله بن عمرو الرقي ، ألقى الكثير من حديث ابن عقيل مع انه مقبول ، و زعم أنه سمعه مع رجل لا يثق به(3)
5_ شعيب بن أبي حمزة ، كان ضنينا في الحديث (4)
6 _ زائدة بن قدامة ، لا يحدث صاحب بدعة ، مع ان في المسألة تفصيل(5)
7 _ سفيان الثوري ، قال أحمد : " المتثبتون في الحديث أربعة : سفيان ، شعبة ، زهير ، زائدة "(6)
8 _ زهير بن معاوية ، قول أحمد أعلاه
9_ ابن أبي ذئب ، قال ابن معين : و كل من روى عنه ابن أبي ذئب ثقة الا جابر البياضي

ثانيا : المتساهلون
1_ اسرائيل بن يونس ، كان يروى عن اشخاص فيهم لين
2_ يحيى بن أيوب الغافقي ، روى غرائب و مناكير









_________________________________
(1) انظر الكفاية باب " ذكربعض اخبار من استفسر في الجرح ....." ص 110
(2)المتكلمون في الرجل ص 97_98
(3)انظر ترجمة عبيد الله
(4) انظر ترجمة شعيب بن أبي حمزة
(5)(6)انظر ترجمة زائدة

[ايوب نصر]

ثالثا : المعتدلون
1_ الأوزاعي ، و مما وقفت عليه قوله في يزيد بن أبي زياد أنه ضعيف ، و قد وافق المعتدلين كأحمد و غيره
2_ شعيب بن أبي حمزة ، الذين اجاز لهم في مرض موته و درجات اغلبهم من المقبولين(1)





















_________________________
(1) انظر ترجمة شعيب بن ابي حمزة