ازدواجية الرافضة بين خطابهم السياسي وتقريرهم العقائدي: محمد باقر الصدر ومقتدى الصدر أنموذجان

[نمر]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فقد انتشر في هذه الأيام الخطاب الذي ألقاه الزعيم الرافضة مقتدى الصدر مورداً بعض عبارات الثناء على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كما في قوله:[ وأين أمة أبي بكر وأين أمة عمرَ وأين أمة عثمان وأين أمة علي ، أهذا يرضيهم ؟!!! ]

وقوله:[ كيف بنا إذا رآنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسب عمراً أو رآنا نسب علياً ].
وقد طار به أهل السنة فرحاً ظانين أنه بشارة خير متمثلة بالموقف الإيجابي له من الخلفاء مخالفاً به الثابت من مذهبهم من تكفير الخلفاء الراشدين وبغضهم !!!

ولذا رأيت من الضروري التعليق على ذلك بياناً للحق وتبصيراً لأهل السنة كيلا ينجرفوا وراء بريق الخطابات السياسية التي يراعى فيها ما لا يراعى في تقريراتهم العقائدية التي تكون بين أبناء جلدتهم حصرياً ..

فقد سبق مقتدى الصدر بهذه الازدواجية سلفه الصدري ومرجعهم الكبير محمد باقر الصدر حيث مارس تلك الازدواجية بحرفية متقنة ، وإليكم
البيان لكل منهما وكما يلي:

أولاً:ازدواجية مرجعهم محمد باقر الصدر:

فقد مارس الازدواجية في عدة مواضع منها:

الموضع الأول: موقفه من الخلفاء الراشدين

فقد مارس هذه الازدواجية بجلاء ووضوح حيث مدحهم في خطاباته السياسية ثم عاد وانتكس فطعن بهم وبشرعية خلافتهم في تقريراته العقائدية وكما يلي:

1- أثنى عليهم وزكى خلافتهم بقيامها على الإسلام والعدل وذلك في إحدى خطاباته السياسية التي أوردوها في مقدمة كتاب ( مباحث الأصول / تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر لسيد كاظم الحائري ) ( 1 / 151-153 ) حيث قال:[ وأريد أن أقولها لكم - يا أبناء عليّ والحسين ، وأبناء أبي بكر وعمر : أنّ المعركة ليست بين الشّيعة والحكم السّني . إنّ الحكم السنّيّ الَّذي مثله الخلفاء الرّاشدون ، والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل ، حمل علي السّيف للدّفاع عنه ، إذ حارب جنديا في حروب الرّدة تحت لواء الخليفة الأول ( أبي بكر ) ].

2- بعد أن وصف الخلفاء بالراشدين وخلافتهم بالقيام على الإسلام والعدل في الخطاب السياسي تعالوا معي لنرى ماذا قال عنهم في تقريراته العقائدية وذلك في كتابه ( فدك في التاريخ ) وكما يلي:

أ- وصف الصديق بالخوف والجبن حين زعم بأنه لم يختر البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش - في غزوة بدر - إلا من أجل ضمان السلامة من القتل ، لأنها أبعد نقطة عن الأعداء ، فقال ص127:[ وأن الصديق رضى عنه الله هو الذي التجأ إلى مركز القيادة العليا الذي كان محاطا بعدة من أبطال الأنصار لحمايته حتى يطمئن بذلك عن غوائل الحرب ].

وكرر اتهامه بالخوف والجبن فقال ص128:[ وليس لدي من تفسير معقول للموقف إلا أن يكون قد وقف إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكسب بذلك موقفا هو في طبيعته أبعد نقاط المعركة عن الخطر لاحتفاف العدد المخلص في الجهاد يومئذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وليس هذا ببعيد لأننا عرفنا من ذوق الصديق أنه كان يحب أن يكون إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحرب لأن مركز النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المركز المصون الذي تتوفر جميع القوى الإسلامية على حراسته والذب عنه ].

وأكده مرة أخرى فقال عن الصديق ص 125: [ وشخصية اكتفت من الجهاد المقدس بالوقوف في الخط الحربي الأخير - العريش-].

ب- اتهم الصديق بشراء ذمم الصحابة بالمال لتثبيت خلافته فقال ص 89 :[ فلا غرابة في أن ينتزع من أهل البيت أموالهم المهمة ليركز بذلك حكومته ، أو أن يخشى من علي عليه السلام أن يصرف حاصلات فدك وغير فدك على الدعوة إلى نفسه. وكيف نستغرب ذلك من رجل كالصديق وهو الذي قد اتخذ المال وسيلة من وسائل الأغراء ، واكتساب الأصوات ].

ج- بعد أن طعن بشخص الصديق انتقل إلى الطعن بخلافته زاعماً عدم شرعيتها بكونها خلافة لم تباركها السماء ولم يرضَ بها المسلمون ، فقال ص 138:[ ومعنى هذا أن الحاكمين زفوا إلى المسلمين خلافة لم تباركها السماء ولا رضي بها المسلمون ] ويقصد بها خلافة الصديق حيث قال قبلها بأسطر:[ تلك هي خلافة الصديق (رضي الله تعالى عنه) عندما خرج من السقيفة ].

د- بعد زعمه بأن خلافة الصديق لم تباركها السماء صرح بأنها خلافة ليس لها لون شرعي ذقسق7، فقال ص186: [ والنقطة الاولى التي نؤاخذ الصديق عليها هي وقوفه موقف الحاكم في المسألة مع أن خلافته لم تكتسب لونا شرعيا ].
الموضع الثاني: فتواه بوجوب مؤازرة الحكم السني والجهاد من أجله

فنجده يقول بأن علماء الشيعة قد أفتوا بوجوب الجهاد من أجل الحكم السني الحامل لراية الإسلام حيث قال في :[ إنّ الحكم السّنّيّ الَّذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشّيعة - قبل نصف قرن - بوجوب الجهاد من أجله ، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ، ومن أجل حماية الحكم السنّيّ الذي كان يقوم على أساس الإسلام ].

فهل صدق في قوله هذا ؟! وهل طبق علماء الشيعة هذا في مؤازرة الحكم السني القائم بالدولة العثمانية أم أعلنوا وجوب قتاله وإخراجه من العراق ؟!

تعالوا معي لتجدوا الجواب جلياً في كلام آيتهم العظمى عبد الحسين شرف الدين صاحب المراجعات حيث تفاخر بجهاد علماء الشيعة للدولة العثمانية القائمة على الخلافة الإسلامية وذلك في كتابه ( أجوبة مسائل جار الله ) ص 65-66 حيث قال:[ والحرب قد بانت لها الحقائق * وظهرت من بعدها مصادق - وشهدت يوم دارت رحاها العالمية ، بأن علماء الإمامية ، كانوا في ساحتها من أرسخ المجاهدين قدما ، وأعلاهم همما ، وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة ، قد لبسوا يوم القرنة في العراق للحرب لامتها وأدرعوا لها بدرعها ، وكان في مقدمتهم الإمامان المجاهدان الشيخ فتح الله المدعو شيخ الشريعة الأصفهاني ، والشريف الوحيد السيد محمد سعيد الحبوبي الحسيني ، وهما يومئذ من أجل مجتهدي الشيعة في العراق ، ومن أكبر شيوخ الإسلام على الإطلاق ، وكان الشيخ قد أربى على الثمانين ، والسيد قد ذرف عليها ، فلم يمنعهما ضعف الشيخوخة ، ودقة عظمها ، ورقة جلدها ، عن قيادة ذلك الجيش اللهام ، المحتشد من العلماء الأعلام ، والفضلاء الكرام ، والأبرار الأخيار من أهل السوابق في نصرة الإسلام ، وقد أبلوا في الجهاد بلاء حسنا لم يكن له نظير ، حتى جاءهم من العدو ما لا قبل لهم به ، فتحرفوا للقتال ، وتحيزوا إلى فئتهم يستنفرونها للكفاح ، فكان ما كان من سقوط العثمانيين وانجلائهم عن العراق ، فقضى الشيخ والسيد نحبهما أسفا ولهفا ، وماتا وجدا وكمدا ، فلحقا بالشهداء ، وكانا من السعداء في دار البقاء ، رفع الله درجتهما كما شرف خاتمتهما ].

ثانياً: مقتدى الصدر

وهذا ليس من أهل العلم كما يعلم به من تتبع أحواله فهو عاجز عن الكلام خمس دقائق ارتجالاً - وليس القراءة في ورقة - دون ركاكة أو أخطاء ، فضلاً عن تأليفه كتاب عقائدي كي ننظر ماذا سيقول بحق الخلفاء الراشدين في تقريراته العقائدية ، ولكنه لا يملك سوى السير على خطى أسلافه كمرجعهم محمد باقر الصدر الذي يفتخرون بالنسبة إليه ، وقد رأينا قبح ازدواجيته في الموقف تجاه الخلفاء الراشدين ومن الحكم السني !!!

ولكن بالرغم من عدم وجود مصنفات عقائدية لمقتدى الصدر إلا أني وقفت على بعض الملاحظات التي توحي بتلك الازدواجية المقيتة تجاه الخلفاء الراشدين ، وإليكم أبرزها:

1- قال في الدقيقة [ ( 3:02 ) - ( 3:12 ) ] ما نصه:[ فياترى هل كان هذا ما يريده منا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين الأخيار ؟! ]
وهذه العبارة يعرفها من له اطلاع على عقيدة الشيعة بردة الصحابة إلا نفر قليل منهم ، ولذا لا يعممون الترضي لكل الصحابة بل يخصونه بمن لم يرتد منهم وينعوتهم بالمنتجبين ، وقطعاً هو يقصد به عدم دخول الخلفاء الراشدين فيه لأنهم عنده من المرتدين وليس المنتجبين ..

فبالرغم من حرصه الشديد في خطابه السياسي على كسب أهل السنة وعدم إثارتهم إلا أن عقيدة التشيع - بردة الصحابة إلا نفر قليل منهم - تظهر على فلتات اللسان !!!

2- لو تأمل المنصف في المقطع بالصورة والصوت وتحديداً في الدقيقة ( 4:06 ) والدقيقة ( 10:39 ) ، سيجد أنه يضع خلف ظهره كتاب ( بحار الأنوار ) لعلامتهم محمد باقر المجلسي ، وهذا الكتاب يحتوي على طامات بتكفير الخلفاء ولعنهم بأسمائهم الصريحة وإليكم بعضها:

أ- قال المجلسي ( 30 / 399 ):[ أقول : الأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما وثواب لعنهم والبراءة منهم ، وما يتضمن بدعهم أكثر من أن يذكر في هذا المجلد أو في مجلدات شتى ، وفيما أوردنا كفاية لمن أراد الله هدايته إلى الصراط المستقيم ].

ب- قال ( 23 / 360 ):[ ويدل الخبر على كفر المخالفين وخلودهم في النار ].

ج- قال ( 65 / 281 ):[ قوله " ومن زعم " يدل على أن القول بعدم كفر المخالف كفر أو قريب منه ].

فيا مقتدى أما كان يسعك أن تضع كتاباً آخر غير البحار كي تنطلي الازدواجية بصورة أفضل من هذه الصورة المفضوحة التي سبقك بها مرجعكم ومقتداكم محمد باقر الصدر ؟!!!


منقول