أنصار السنة  
جديد المواضيع





للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > القسم العام > حوارات عامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #21  
قديم 2012-11-13, 11:06 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(2)

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ – 124


الدلالة , والإيضاح القوي التأثير . فنأخذ في استعراض هذا النسق العالي في ظل هذا البيان المنير:


الدرس الأول:
إمامة إبراهيم وشرط الإمامة في ذريته .


وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ..

يقول الله تعالى للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] : اذكر ما كان من ابتلاء الله لإبراهيم بكلمات من الأوامر والتكاليف , فأتمهن وفاء وقضاء . . وقد شهد الله لإبراهيم في موضع آخر بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي يرضى الله عنه فيستحق شهادته الجليلة : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى -37 النجم ). . وهو مقام عظيم ذلك المقام الذي بلغه إبراهيم . مقام الوفاء والتوفية بشهادة الله عز وجل .

والإنسان بضعفه وقصوره لا يوفي ولا يستقيم !

عندئذ استحق إبراهيم تلك البشرى . أو تلك الثقة:

قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً.

إماما يتخذونه قدوة , ويقودهم إلى الله , ويقدمهم إلى الخير , ويكونون له تبعا , وتكون له فيهم قيادة .

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي.

وجاءه الرد من ربه الذي ابتلاه واصطفاه , يقرر القاعدة الكبرى التي أسلفنا . . إن الإمامة لمن يستحقونها بالعمل والشعور , وبالصلاح والإيمان , وليست وراثة أصلاب وأنساب .

فالقربى ليست وشيجة لحم ودم , إنما هي وشيجة دين وعقيدة..
ودعوى القرابة والدم والجنس والقوم تصطدم اصطداما أساسيا بالتصور الإيماني الصحيح:

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ..

والظلم أنواع وألوان:ظلم النفس بالشرك , وظلم الناس بالبغي .

والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة : امامة الرسالة , وإمامة الخلافة , وإمامة الصلاة .

فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها .
ومن ظلم - أي لون من الظلم - فقد جرد نفسه من حق الإمامة وأسقط حقه فيها ; بكل معنى من معانيها .
وهذا الذي قيل لإبراهيم - عليه السلام - وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض ...( في ظلال القرآن )


*********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 2012-11-16, 11:09 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(3)

المسجد الحرام أمن للعابدين.

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

لقد أراد الله تعالى البيت "الكعبة" مثابة يثوب إليها الناس جميعا , فلا يروعهم أحد ; بل يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم . فهو ذاته أمن وطمأنينة وسلام .
ولقد أمروا أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى - ومقام إبراهيم يشير هنا إلى البيت كله وهذا ما نختاره في تفسيره ..

فاتخاذ البيت قبلة للمسلمين هو الأمر الطبيعي , الذي لا يثير اعتراضا . وهو أولى قبلة يتوجه إليها المسلمون , ورثة إبراهيم بالإيمان والتوحيد الصحيح , بما أنه بيت الله , لا بيت أحد من الناس . وقد عهد الله تعالى - صاحب البيت - إلى عبدين من عباده صالحين أن يقوما بتطهيره وإعداده للطائفين والعاكفين والركع السجود - أي للحجاج الوافدين عليه , وأهله العاكفين فيه , والذين يصلون فيه ويركعون ويسجدون..

فحتى إبراهيم وإسماعيل لم يكن البيت ملكا لهما , فيورث بالنسب عنهما , إنما كانا سادنين له بأمر ربهما , لإعداده لقصاده وعباده من المؤمنين .

**********


تأدب "إبراهيم" عليه السلام في دعائه لله تعالى.

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

ومرة أخرى يؤكد دعاء إبراهيم صفة الأمن للبيت . ومرة أخرى يؤكد معنى الوراثة للفضل والخير . .

إن إبراهيم قد أفاد من عظة ربه له في الأولى . لقد وعى منذ أن قال له رب العزة : ( قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ). .


فقد وعى إبراهيم عليه السلام هذا الدرس . . فهو هنا , في دعائه أن يرزق الله أهل هذا البلد من الثمرات , يحترس ويستثني ويحدد من يعني :
(مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ). .

إنه إبراهيم الأواه الحليم القانت المستقيم , يتأدب بالأدب الذي علمه ربه , فيراعيه في طلبه ودعائه . . وعندئذ يجيئه رد ربه مكملا ومبينا عن الشطر الآخر الذي سكت عنه . شطر الذين لا يؤمنون , ومصيرهم الأليم. .-1
( قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ). .

فلما دعا "إبراهيم" عليه السلام, لأهل مكة بالرزق, وقيده بالمؤمن, وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر, والعاصي والطائع, قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾ أي : أرزقهم كلهم, مسلمهم وكافرهم،

أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله, ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة،

وأما الكافر, فيتمتع فيها قليلا ﴿ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ ﴾ أي : ألجئه وأخرجه مكرها ﴿ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾-2

وهكذا نتعلم أدب الدعاء إلى الله تعالى..

اللهم نسألك علما نافعا وقلبا خاشعا ورزقا واسعا وعملا متقبلا والسلامة من كل مكروه وسوء.

********
1- في ظلال القرآن
2- تفسير السعدي

وإلى لقادم قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 2012-11-20, 09:01 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(4)

دعاء إبراهيم وإسماعيل
عند بناء البيت


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)


يرسم المشهد تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقياه من ربهما بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود . . يرسمه مشهودا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

إنهما أمامنا حاضران , نكاد نسمع صوتيهما يبتهلان:

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

فالدعاء حاضر نسمعه كأنه يقع اللحظة حي شاخص متحرك .

تفيض منه الحياة . . وهذا من معجزات القرآن العظيم.

وماذا في ثنايا الدعاء ? إنه أدب النبوة , وإيمان النبوة , وشعور النبوة بقيمة العقيدة في هذا الوجود . وهو الأدب والإيمان والشعور الذي يريد القرآن أن يعلمه لورثة الأنبياء , وأن يعمقه في قلوبهم ومشاعرهم بهذا الإيحاء:

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

إنه طلب القبول . . هذه هي الغاية . . فهو عمل خالص لله . الاتجاه به في قنوت وخشوع إلى الله . والغاية المرتجاة من ورائه هي الرضى والقبول . . والرجاء في قبوله متعلق بأن الله سميع للدعاء ...

*********

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

إنه رجاء العون من ربهما في الهداية إلى الإسلام ; والشعور بأن قلبيهما بين أصبعين من أصابع الرحمن ; وأن الهدى هداه , وأنه لا حول لهما ولا قوة إلا بالله...

فهما يتجهان ويرغبان , والله المستعان .

ثم هو طابع الأمة المسلمة . . التضامن . . تضامن الأجيال في العقيدة: -1

وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ.
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.


أي : علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ.
يحتمل أن يكون المراد بالمناسك : أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها , كما يدل عليه عموم اللفظ .
لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج , تغليبا عرفيا ، فيكون حاصل دعائهما , يرجع إلى التوفيق للعلم النافع , والعمل الصالح ، ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة .-2

فقالا : وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ..

1- في ظلال القرآن
2- تفسير السعدي

*********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 2012-12-15, 09:47 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(5)

الدعوة المستجابة ورسالة الإسلام

واستكمالا لقافلة النور ( أنبياء الله ) نعيش اليوم مع دعوة إبراهيم وإسماعيل بإرسال رسولا من العرب يبلغ آيات الله للعالمين, ويبين لهم شريعة ربهم ويهديهم إلى مكارم الأخلاق...

ونستمع إلى تلك الدعوات.

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ – 129

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ – 130

إنها دعوة تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن . إن أمر العقيدة هو شغله الشاغل , وهو همه الأول . وشعور إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - بقيمة النعمة التي أسبغها الله عليهما . . نعمة الإيمان . . تدفعهما إلى الحرص عليها في عقبهما , وإلى دعاء الله ربهما ألا يحرم ذريتهما هذا الإنعام الذي لا يكافئه إنعام .

لقد دعوا الله ربهما أن يرزق ذريتهما من الثمرات ولم ينسيا أن يدعواه ليرزقهم من الإيمان ; وأن يريهم جميعا مناسكهم , ويبين لهم عباداتهم , وأن يتوب عليهم . بما أنه هو التواب الرحيم .

ثم ألا يتركهم بلا هداية في أجيالهم البعيدة:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.

وكانت الاستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل هي بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بعد قرون وقرون .

بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل , يتلو عليهم آيات الله , ويعلمهم الكتاب والحكمة ويطهرهم من الأرجاس والأدناس .

إن الدعوة المستجابة تستجاب , ولكنها تتحقق في أوانها الذي يقدره الله بحكمته . غير أن الناس يستعجلون ! وغير الواصلين يملون ويقنطون !

وبعد فإن لهذا الدعاء دلالته ووزنه فيما كان يشجر بين اليهود والمسلمين من نزاع عنيف متعدد الأطراف .
إن إبراهيم وإسماعيل اللذين عهد الله إليهما برفع قواعد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين , وهما أصل سادني البيت من قريش . .

إنهما يقولان باللسان الصريح :

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

كما يقولان باللسان الصريح :

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.

وهما بهذا وذاك يؤكدان أن وراثة الأمة المسلمة لإمامة إبراهيم , ووراثتها للبيت الحرام سواء .

وإذن فهو بيت الأمة المسلمة الذي تتجه إليه , وهي أولى به من المشركين.

وهو أولى بها من قبلة اليهود والمسيحيين..

وإذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى , ويدعي دعاواه العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة , ومن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش . .

فليسمع : إن إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة , قال له ربه :

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

ولما أن دعا إبراهيم لأهل البلد بالرزق والبركة خص بدعوته :

مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.

وحين قام هو وإسماعيل بأمر ربهما في بناء البيت وتطهيره كانت دعوتهما : أن يكونا مسلمين لله , وأن يجعل الله من ذريتهما أمة مسلمة , وأن يبعث في أهل بيته رسولا منهم . . فاستجاب الله لهما , وأرسل من أهل البيت محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) , وحقق على يديه الأمة المسلمة القائمة بأمر الله . الوارثة لدين الله . (في ظلال القرآن)

*********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 2012-12-26, 12:15 AM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(6)

الإسلام في وصية إبراهيم ويعقوب
(عليهما السلام)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - 130
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - 131
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - 132
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ - 133

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ - 134


ورد في تفسير السعدي:

أي: ما يرغب ﴿
عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ بعد ما عرف من فضله ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أي: جهلها وامتهنها, وباعها بصفقة المغبون،

كما أنه لا أرشد وأكمل, ممن رغب في ملة إبراهيم، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال : ﴿
وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ أي: اخترناه ووفقناه للأعمال, التي صار بها من المصطفين الأخيار.

﴿
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الذين لهم أعلى الدرجات.

﴿
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ﴾ امتثالا لربه ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة فكان التوحيد لله نعته.

ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه , وتوارثت فيهم , حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه.

هذه هي ملة إبراهيم . . الإسلام الخالص الصريح . . لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه , سفيه عليها ,


فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم,

قال: ﴿
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه.

ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم, ومن بعده يعقوب, قال تعالى منكرا عليهم:
﴿
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ﴾ أي: حضورا ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار, ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ ؟

فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا : ﴿
نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ فلا نشرك به شيئا, ولا نعدل به أحدا، ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فجمعوا بين التوحيد والعمل.

ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب, لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا, فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية, لا باليهودية.

وها هي ذي الفرصة سانحة , فقد جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعوهم إلى الإسلام , وهو ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم عليه السلام . (في ظلال القرآن)


********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 2012-12-31, 10:56 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(7)

ملة إبراهيم
(عليه السلام)

وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ -135

أي: دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم, زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال.
قل لهم مجيبا جوابا شافيا : ﴿
بَلْ ﴾ نتبع ﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ أي : مقبلا على الله, معرضا عما سواه, قائما بالتوحيد, تاركا للشرك والتنديد.
فهذا الذي في اتباعه الهداية, وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية. (تفسير السعدي)

********

الدعوة الإلهية للمسلمين لإعلان الوحدة الكبرى للدين , من لدن إبراهيم أبي الأنبياء إلى عيسى بن مريم..

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ – 136

هذه الآية الكريمة, قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به.
واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام, بهذه الأصول, وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام, وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها،

فهي من الإيمان, وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان, دخل فيه ما ذكر،
وكذلك الإسلام, إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما, كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق،

والإسلام, اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة،

فقوله تعالى : ﴿
قُولُوا ﴾ أي : بألسنتكم, متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام, المترتب عليه الثواب والجزاء،

فكما أن النطق باللسان, بدون اعتقاد القلب, نفاق وكفر، فالقول الخالي من العمل عمل القلب, عديم التأثير, قليل الفائدة,

وفي قوله : ﴿
قُولُوا ﴾ إشارة إلى الإعلان بالعقيدة, والصدع بها, والدعوة لها, إذ هي أصل الدين وأساسه.
وفي قوله : ﴿
آمَنَّا ﴾ ونحوه مما فيه صدور الفعل, منسوبا إلى جميع الأمة, إشارة إلى أنه يجب على الأمة, الاعتصام بحبل الله جميعا, والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا, وعملهم متحدا, وفي ضمنه النهي عن الافتراق، وفيه : أن المؤمنين كالجسد الواحد.


وقوله : ﴿
آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ أي : بأنه سبحانه الموجود, الواحد الأحد, المتصف بكل صفة كمال, والمنزه عن كل نقص وعيب, المستحق لإفراده بالعبادة كلها, وعدم الإشراك به في شيء منها, بوجه من الوجوه.

﴿
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى : ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ -113 النساء ﴾ فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله, من صفات الباري, وصفات رسله, واليوم الآخر, والغيوب الماضية والمستقبلة, والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية, وأحكام الجزاء وغير ذلك.


﴿
وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ إلى آخر الآية، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا, ما نص عليه في الآية, لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار. فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب, أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل, وجب الإيمان به مفصلا.

وقوله: ﴿
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين, التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين.

فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره، فيفرقون بين الرسل والكتب,
بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به، وينقض تكذيبهم تصديقهم،

فإن الرسول الذي زعموا, أنهم قد آمنوا به, قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كذبوا محمدا, فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به, فيكون كفرا برسولهم.

وفي قوله : ﴿
وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ دلالة على أن عطية الدين, هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية.

لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع.

وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله, ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه, ليس لهم من الأمر شيء.

وفي قوله : ﴿
مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده, أن ينزل عليهم الكتب, ويرسل إليهم الرسل, فلا تقتضي ربوبيته, تركهم سدى ولا هملا.

﴿
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ أي: خاضعون لعظمته, منقادون لعبادته, بباطننا وظاهرنا, مخلصون له العبادة.

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة:

توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات،

واشتملت على الإيمان بجميع الرسل, وجميع الكتب، وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك،

وعلى تعليم الباري عباده, كيف يقولون, ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة،

فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.

وبهذا ندرك قيمة الرسل فهم كوكبة النور الإيماني عبر العصور , إلى أن أتم الله تعالى نوره للبشرية ببعثة خير البرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

***********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 2013-01-07, 10:05 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(8)

جدال إبراهيم مع الملك الكافر


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – 258



نشاهد اليوم حوارا بين إبراهيم - عليه السلام - وملك في أيامه يجادله في الله تعالى....
لا يذكر السياق اسمه , لأن ذكر اسمه لا يزيد من العبرة التي تمثلها الآية شيئا .
وهذا الحوار يعرض علينا في أسلوب التعجيب من هذا المجادل , الذي حاج إبراهيم في ربه ;

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا إنما كان منكرا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده ,
كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له اندادا ينسبون إليها فاعلية وعملا في حياتهم !

وكذلك كان منكرا أن الحاكمية لله وحده , فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع . ( في ظلال القرآن )

إن هذا الملك المنكر المتعنت إنما ينكر ويتعنت للسبب الذي كان ينبغي من أجله أن يؤمن ويشكر . هذا السبب هو ( أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ). . وجعل في يده السلطان !

لقد كان ينبغي أن يشكر ويعترف , لولا أن الملك يطغي ويبطر من لا يقدرون نعمة الله , ولا يدركون مصدر الإنعام . ومن ثم يضعون الكفر في موضع الشكر ; ويضلون بالسبب الذي كان ينبغي أن يكونوا به مهتدين ! فهم حاكمون لأن الله حكمهم ,

وهو لم يخولهم استعباد الناس بقسرهم على شرائع من عندهم . فهم كالناس عبيد لله , يتلقون مثلهم الشريعة من الله , ولا يستقلون دونه بحكم ولا تشريع فهم خلفاء لا أصلاء !

ومن ثم يعجب الله من أمر ذلك الطاغية وهو يعرضه على نبيه:

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ? ). .

ألم تر ? إنه تعبير التشنيع والتفظيع ; وإن الإنكار والاستنكار لينطلقان من بنائه اللفظي وبنائه المعنوي سواء .

فالفعلة منكرة حقا : أن يأتي الجدال بسبب النعمة والعطاء !
وأن يدعي عبد لنفسه ما هو من اختصاص الرب , وأن يستقل حاكم بحكم الناس بهواه دون أن يستمد قانونه من الله تعالى خالق الكون.

( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). .

والإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكرورتان في كل لحظة , المعروضتان لحس الإنسان وعقله . وهما - في الوقت نفسه - السر الذي يحير , والذي يلجيء الإدراك البشري الجاء إلى مصدر آخر غير بشري . وإلى أمر آخر غير أمر المخاليق . ولا بد من الالتجاء إلى الألوهية القادرة على الإنشاء والإفناء لحل هذا اللغز الذي يعجز عنه كل الأحياء .

إننا لا نعرف شيئا عن حقيقة الحياة وحقيقة الموت حتى اللحظة الحاضرة . ولكننا ندرك مظاهرهما في الأحياء والأموات . ونحن ملزمون أن نكل مصدر الحياة والموت إلى قوة ليست من جنس القوى التي نعرفها على الإطلاق . .

ولكنها هي قوة الله الحي القيوم. .

ومن ثم عرف إبراهيم - عليه السلام - ربه بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد , ولا يمكن أن يزعمها أحد , وقال وهذا الملك يسأله عمن يدين له بالربوبية ويراه مصدر الحكم والتشريع غيره . . قال : ربي الذي يحيي ويميت فهو من ثم الذي يحكم ويشرع .

فذلك عمل الرب المتفرد الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه .

ولكن الذي حاج إبراهيم في ربه رأى في كونه حاكما لقومه وقادرا على إنفاذ أمره فيهم بالحياة والموت مظهرا من مظاهر الربوبية .

فقال لإبراهيم : أنا سيد هؤلاء القوم وأنا المتصرف في شأنهم , فأنا إذن الرب الذي يجب عليك أن تخضع له , وتسلم بحاكميته: ( قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ) !

عند ذلك لم يرد إبراهيم - عليه السلام - أن يسترسل في جدل حول معنى الإحياء والإماتة مع رجل يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة . حقيقة منح الحياة وسلبها . هذا السر الذي لم تدرك منه البشرية حتى اليوم شيئا .

. وعندئذ عدل عن هذه السنة الكونية الخفية , إلى سنة أخرى ظاهرة مرئية ; وعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله : ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). . إلى طريقة التحدي , وطلب تغيير سنة الله لمن ينكر ويتعنت ويجادل في الله ; ليريه أن الرب ليس حاكم قوم في ركن من الأرض , إنما هو مصرف هذا الكون كله . ومن ربوبيته هذه للكون يتعين أن يكون هو رب الناس المشرع لهم:

( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). .

وهي حقيقة كونية مكرورة كذلك ; تطالع الأنظار والمدارك كل يوم ; ولا تتخلف مرة ولا تتأخر . وهي شاهد يخاطب الفطرة - حتى ولو لم يعرف الإنسان شيئا عن تركيب هذا الكون , ولم يتعلم شيئا من حقائق الفلك ونظرياته - والرسالات تخاطب فطرة الكائن البشري في أية مرحلة من مراحل نموه العقلي والثقافي والاجتماعي , لتأخذ بيده من الموضع الذي هو فيه . ومن ثم كان هذا التحدي الذي يخاطب الفطرة كما يتحدث بلسان الواقع الذي لا يقبل الجدل : ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ). .

فالتحدي قائم , والأمر ظاهر , ولا سبيل إلى سوء الفهم , أو الجدال والمراء . . وكان التسليم أولى والإيمان أجدر . ولكن الكبر عن الرجوع إلى الحق يمسك بالذي كفر , فيبهت ويبلس ويتحير . ولا يهديه الله إلى الحق لأنه لم يتلمس الهداية , ولم يرغب في الحق ; ولم يلتزم القصد والعدل:

( وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). .

**********
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 2013-01-10, 03:31 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم


أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(9)

إبراهيم ومعاينة إحياء الموتى


وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى,
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ؟
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي,
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – 260



نعيش اليوم مع أعظم دلالة حسية على قدرة الله تعالى وإحيائه الموتى للبعث والجزاء،

أخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى، لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى،

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى,

إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره ; وليس طلبا للبرهان أو تقوية للإيمان .
إنما هو أمر آخر , له مذاق آخر . . إنه أمر الشوق الروحي , إلى ملابسة السر الإلهي , في أثناء وقوعه العملي .
ومذاق هذه التجربة في الكيان البشري مذاق آخر غير مذاق الإيمان بالغيب ولو كان هو إيمان إبراهيم الخليل , الذي يقول لربه , ويقول له ربه . وليس وراء هذا إيمان , ولا برهان للإيمان .

ولكنه أراد أن يرى يد القدرة وهي تعمل ; ليحصل على مذاق هذه الملابسة فيستروح بها , ويتنفس في جوها , ويعيش معها . . وهي أمر آخر غير الإيمان الذي ليس بعده إيمان..


فلهذا قال الله له : ﴿
أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ﴾ وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان،

ولقد استجاب الله لهذ الشوق والتطلع في قلب إبراهيم , ومنحه التجربة الذاتية المباشرة:

فقال له ربه ﴿
فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ﴾ أي : ضمهن ليكون ذلك بمرأى منك ومشاهدة وعلى يديك.

﴿
ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ﴾ أي : مزقهن، اخلط أجزاءهن بعضها ببعض، واجعل على كل جبل، أي : من الجبال التي في القرب منه، جزء من تلك الأجزاء ﴿ ثم ادعهن يأتينك سعيا ﴾ أي : تحصل لهن حياة كاملة بأمر الله، ويأتينك في هذه القوة وسرعة الطيران،

ورأى إبراهيم السر الإلهي يقع بين يديه . وهو السر الذي يقع في كل لحظة . ولا يرى الناس إلا آثاره بعد تمامه . إنه سر هبة الحياة . الحياة التي جاءت أول مرة بعد أن لم تكن ; والتي تنشأ مرات لا حصر لها في كل حي جديد .

فنرى الأطفال يخرجون إلى الحياة بعد أن كانوا لا شئ..
وترى الفرخ يخرج من البيض حيا ولم يكن شئ..
وها نرى مع نبي الله إبراهيم الطيور تعود للحياة بعد ذبحها وتقطيعها..

رأى إبراهيم هذا السر يقع بين يديه . . طيور فارقتها الحياة , وتفرقت مزقها في أماكن متباعدة . تدب فيها الحياة مرة أخرى , وتعود إليه سعيا !
كيف ؟؟
هذا هو السر الذي يعلو على التكوين البشري إدراكه .

﴿
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين -75 الأنعام

فالإنسان قد يراه كما رآه إبراهيم . وقد يصدق به كما يصدق به كل مؤمن . ولكنه لا يدرك طبيعته ولا يعرف طريقته...

إنه من أمر الله . والناس لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء . وهو لم يشأ أن يحيطوا بهذا الطرف من علمه , لأنه أكبر منهم ..ولا حاجة لهم به في خلافتهم على الأرض.

ثم قال تعالى : ﴿
واعلم أن الله عزيز حكيم ﴾ أي : ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات، فلم يستعص عليه شيء منها، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله..

وهكذا ندرك اليقين وعين اليقين مع نبي الله إبراهيم , فهي صورة حية نعيش معها وتعيش معها الأجيال إلى يوم القيامة.

*********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 2013-02-05, 10:30 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنعام
(10)

تجلية عقيدة التوحيد في مناظرة
نبي الله ( إبراهيم ) مع المشركين



وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ – 73

قوله الحق في جميع مخلوقاته . . فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع ولا يضر من خلقه . ومن يتبعون قول غيره كذلك في التفسير للوجود وتشريعه للحياة . في أي اتجاه .

إن الملك لله وحده , وأنه لا سلطان إلا سلطانه , ولا إرادة إلا إرادته . . فأولى للبشرية- العائدة إلى ربها حتما- الاستسلام له في الدنيا طائعين, أن يستسلموا قبل أن يستسلموا لسلطانه المطلق يوم ينفخ في الصور .

هذه الحقائق تعرض قبل مشاهدة اللقاء الحي بين إبراهيم عليه السلام وقومه , والمناظرة القوية أمام الملأ وأمام عبدة الأصنام وعبدة الكواكب والنجوم ..
والمناقشة الواضحة الصريحة التي يقر بها العقل والفطرة السليمة..


**********

إبراهيم يقيم الحجة على قومه

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83


إنها قصة الفطرة مع الحق والباطل . وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم ;
ولا يجامل على حسابها أبا ولا أسرة ولا عشيرة ولا قوما . . كما وقف إبراهيم من أبيه وقومه هذه الوقفه الصلبة الحاسمة الصريحة :

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ – 74

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ – 75

وتجهر بكلمة الحق وتصدع , حينما يكون الأمر هو أمر العقيدة ,

كلمة يقولها إبراهيم - عليه السلام - لأبيه . وإبراهيم هو الأواه الحليم الرضي الخلق السمح اللين , كما ترد أوصافه في القرآن الكريم . ولكنها العقيدة هنا .

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ.

والعقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة , وفوق مشاعر الحلم والسماحة . وإبراهيم هو القدوة التي أمر الله المسلمين من بنيه أن يتأسوا بها . والقصة تعرض لتكون أسوة ومثالا . .

وكذلك استحق إبراهيم - عليه السلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون , والدلائل الموحية بالهدى في الوجود...


وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

بمثل هذه الفطرة السليمة , وهذه البصيرة المفتوحة ; وعلى هذا النحو من الخلوص للحق , ومن إنكار الباطل في قوة . .
نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون , ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود , ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب . لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة , إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . .

وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام . وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله . وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون . . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . .

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83


مصدر تفسير هذا اللقاء
(في ظلال القرآن)

************

نستكمل تلك المناظرة الحية في اللقاء القادم
بإذن الله تعالى..


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 2013-02-12, 10:35 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنعام
(11)

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ


فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ – 76

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ – 77

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – 78

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - 79


التوجه لعباد الكواكب بالمناظرة أولا

﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ أي : أظلم ﴿ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره، ولهذا - والله أعلم - قال من قال : إنه الزهرة.

﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ أي : على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية ؟
وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟
فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان.

﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ أي: غاب ذلك الكوكب ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ أي : الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه،
أما ذلك الكوكب له مسار محدد يسير فيه طبقا لقانون وضعه الله له..فذلك الكوكب مخلوق مثلي ومثلك تماما لا يملك من أمره شئ..
فمن أين يستحق العبادة ؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل ؟!
وبذلك أبطل عبادة الكواكب..

ثم ذهب لعباد القمر ...

﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾ أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ تنزلا ومجاراة الخصم.
﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
فالقمر مسير في مداره كذلك لا يملك من أمره شئ ولا يملك لأي مخلوق ضر ولا نفع .. فيجب أن نتضرع إلى الخالق الحق أن يهدينا. وإلا لكنا من الضالين التائهين عن المعبود الحق.
وبذلك أسقط عبادة القمر..

ثم ذهب لعباد الشمس...

﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ من الكوكب ومن القمر.
﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾ أي غابت وأنها مسخرة في مدارها لا تستطيع الضر أو النفع..
وهكذا أسقط عبادة الشمس..

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلان جميع الشركاء من أصنام وكواكب والقمر والشمس.

﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ﴾ أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه.
سبحان الله العلي العظيم ...ما أعظم ذلك الدين القيم ملة إبراهيم..

﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان..


وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ – 80

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ - 81

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ – 82

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - 83

وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه, عليم بهم.

كانت مصادر التفسير لهذا اللقاء :
( التفسير الميسر – تفسير السعدي )


**********

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #31  
قديم 2013-02-23, 12:35 AM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

[align=center]

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة هود
(12)

لقاء الملائكة بإبراهيم عليه السلام

نعيش اليوم مع نبي الله " إبراهيم عليه السلام " وضيوفه الكرام من الملائكة , نسمعهم , ونرى الحوار الحي بينهم ..ونشاهد كرم الضيافة , ونلاحظ البشرى والرحمة والبركة على إبراهيم وأله...
وإعلامه بإهلاك قوم لوط الذين خالفوا الفطرة واتبعوا الشذوذ ..

*******

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ - 69

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ -70

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ – 71

قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – 72

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ – 73

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ – 74

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ – 75

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ – 76


*******

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ﴾ من الملائكة الكرام، رسولنا ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الخليل ﴿ بِالْبُشْرَى ﴾ أي : بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾ أي : سلموا عليه، ورد عليهم السلام.

ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء, لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية.

﴿ فَمَا لَبِثَ ﴾ إبراهيم لما دخلوا عليه ﴿ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا،
فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون ؟.

﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ أي: إلى تلك الضيافة ﴿ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم.

فـ ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ أي : إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.

وامرأة إبراهيم ﴿ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾ حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا.

﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ فتعجبت من ذلك.
و ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ فهذان مانعان من وجود الولد ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾...

﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه ، لأهل هذا البيت المبارك...

﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ أي : لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته، وهي: الزيادة من خيره وإحسانه ﴿ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط.

مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها.

﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ الذي أصابه من خيفة أضيافه ﴿ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ﴾ بالولد، التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط ، وقال لهم : ﴿
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ – 32 العنكبوت )

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾ أي : ذو خلق حسن وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين.
﴿ أَوَّاهٌ ﴾ أي : متضرع إلى الله في جميع الأوقات، ﴿ مُنِيبٌ ﴾ أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته ، والإقبال عليه , والإعراض عمن سواه ، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم.

فقيل له : ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ الجدال ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ بهلاكهم ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ فلا فائدة في جدالك.

مصدر التفسير في هذا اللقاء ( تفسير السعدي )
************

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

[/align]
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 2013-03-01, 11:38 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنبياء
(12)

تحمل أمانة الدعوة وتحمل التبعات

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ – 51 إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ – 52 قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ – 53 قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – 54 قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ – 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – 56

********

( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل , وكنا به عالمين ). .
آتينا رشده أي الهداية إلى التوحيد , وكنا عالمين بحاله وباستعداده لحمل الأمانة التي يحملها المرسلون .

( إذ قال لأبيه وقومه : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ? ). .

فكانت قولته هذه دليل رشده . . سمى تلك الأحجار والخشب باسمها : ( هذه التماثيل ) ولم يقل إنها آلهة , واستنكر أن يعكفوا عليها بالعبادة .
و كلمة ( عاكفون ) تفيد الانكباب الدائم المستمر . و هم لايقضون وقتهم كله في عبادتها . ولكنهم يتعلقون بها . فهو عكوف معنوي لا زمني . وهو يسخف هذا التعلق ويبشعه بتصويرهم منكبين أبدا على هذه التماثيل !
فكان جوابهم وحجتهم أن ( قالوا : وجدنا آباءنا لها عابدين ) !

وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة , في مقابل حرية الإيمان , وانطلاقه للنظر والتدبر , وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية .

فالإيمان بالله طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية , والوراثات المتحجرة التى لا تقوم على دليل :
( قال : لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ). .

وما كانت عبادة الآباء لتكسب هذه التماثيل قيمة ليست لها , ولا لتخلع عليها قداسة لا تستحقها . فالقيم لا تنبع من تقليد الآباء وتقديسهم , إنما تنبع من التقويم المتحرر الطليق .

وعندما واجههم إبراهيم بهذه الطلاقة في التقدير , وبهذه الصراحة في الحكم , راحوا يسألون :
( قالوا : أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ? ). .

وهو سؤال المزعزع العقيدة , الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه , لأنه لم يتدبره ولم يتحقق منه . ولكنه كذلك معطل الفكر والروح بتأثير الوهم والتقليد . فهو لا يدري أي الأقوال حق . والعبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل !

وهذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل والضمير .

فأما إبراهيم فهو مستيقن واثق عارف بربه , متمثل له في خاطره وفكره , يقولها كلمة المؤمن المطمئن لإيمانه :

( قال : بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن , وأنا على ذلكم من الشاهدين ).
فهو رب واحد . رب الناس ورب السماوات والأرض . ربوبيته ناشئة عن كونه الخالق . فهما صفتان لا تنفكان : ( بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ). .

فهذه هي العقيدة المستقيمة الناصعة , لا كما يعتقد المشركون أن الآلهة أرباب , في الوقت الذي يقرون أنها لا تخلق , وأن الخالق هو الله . ثم هم يعبدون تلك الآلهة التي لا تخلق شيئا وهم يعلمون !

إنه واثق وثوق الذي يشهد على واقع لا شك فيه : ( وأنا على ذلكم من الشاهدين ). . وإبراهيم - عليه السلام - لم يشهد خلق السماوات والأرض , ولم يشهد خلق نفسه ولا قومه . . ولكن الأمر من الوضوح والثبوت إلى حد أن يشهد المؤمنون عليه واثقين . .

إن كل ما في الكون لينطق بوحدة الخالق المدبر . وإن كل ما في كيان الإنسان ليهتف به إلى الإقرار بوحدانية الخالق المدبر , وبوحدة الناموس الذي يدبر الكون ويصرفه .

*********

كيف تعامل إبراهيم –عليه السلام- مع تلك الأصنام ؟؟ وكيف تحمل تبعات الوقوف وحده أمام عبدة الأصنام ؟؟

هذا ما نراه في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.

كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء ( في ظلال القرآن )

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 2013-03-16, 12:15 AM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنبياء
(13)

المواجهة الفعالة
والمحاكمة العلنية لخليل الله (إبراهيم)


عشنا في اللقاء السابق مع نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يحاول أن يقنع قومه بعقيدة التوحيد والتوجه الصحيح للعبادة وأن لا تكون إلا لخالق هذا الكون ( الله سبحانه وتعالى ) ولكن كان من قومه العناد والتمسك بعبادة الأصنام...
واليوم بعون من الله تعالى نعاين موقف إبراهيم عليه السلام من عناد قومه ومن الأصنام التي تعبد من دون الله تعالى..


قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ – 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – 56

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ – 57 فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ – 58

قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ – 59 قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ – 60 قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ – 61 قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ – 62


يعلن إبراهيم لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار . أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه :

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ..

ويترك ما اعتزمه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه . . ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه . ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا . فتركوه !
ولكنه كان صادق القول .. فها هو يذهب إلى معبدهم حيث الأصنام التي لا تضر ولا تنفع..

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ..

وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة . . إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم ( لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة ! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها , فيرجعون إلى صوابهم , ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت .


وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير ! ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها : إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا . وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها ?

لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال , لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير , ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر .

فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطم آلهتهم , وصنع بها هذا الصنيع :
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ..

عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة هذه التماثيل , ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها !

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ..


وهناك احتمال أن يكون قولهم: ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ )
يقصد به إلى تصغير شأنه بدليل تجهيلهم لأمره في قولهم : ( يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) للتقليل من أهميته , وإفادة أنه مجهول لا خطر له...

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ..

وقد قصدوا إلى التشهير به , وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد !

بدء المحاكمة

قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.. ؟

فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة . فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم , وهو فرد وحده وهم كثير . ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر , وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون :

********
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء ( في ظلال القرأن )

وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 2013-03-29, 03:39 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنبياء
(14)


بدء المحاكمة

قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.. ؟

فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة . فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم , وهو فرد وحده وهم كثير . ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر , وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون :

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ - 63

والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر . فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم - عليه السلام - والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون .

فالأمر أيسر من هذا بكثير ! إنما أراد أن يقول لهم : إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا . فهي جماد لا إدراك له أصلا .

وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل . فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم إن هذا التمثال هو الذي حطمها !

فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ..!

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا , وردهم إلى شيء من التدبر والتفكر:

فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ – 64

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف , وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم . وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم , وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون .

وصاح الغوغاء وسدنة الأصنام وضجت القاعة بالأصوات.

ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام , وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ - 65

وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس , وكانت الثانية نكسة على الرؤوس ; كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب . .

كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر . أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير . وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم .

وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون ?!

ومن ثم يجبههم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم . لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم :

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ – 66 أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ – 67

وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر , وغيظ النفس , والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف .

ونتوقف لنسمع النطق بالحكم في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى..

*******
مصدر التفسير في هذا اللقاء ( في ظلال القرأن )

دمتم في رعاية الله وأمنه.
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.


رد مع اقتباس
  #35  
قديم 2013-04-05, 09:45 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الأنبياء
(15)

النطق بالحكم

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)

أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل , فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ :

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ.

فيالها من آلهة ينصرها عبادها , وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ; ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا !

*******

الإنتصار من الله تعالى
لإبراهيم عليه السلام.

ولكن كلمة أخرى قد قيلت من خالق هذا الكون . . فأبطلت كل قول , وأحبطت كل كيد . ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد :

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)

والمشهود المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية ....
فالذي قال للنار : كوني حارقة . هو الذي قال لها : كوني بردا وسلاما . وهي الكلمة الواحدة التي تنشيء مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول . مألوفا للبشر أو غير مألوف .

وما كان تحويل النار بردا وسلاما على إبراهيم إلا مثلا تقع نظائره في صور شتى . ولكنها قد لا تهز المشاعر كما يهزها هذا المثل الظاهر الجاهر .
فكم من ضيقات وكربات تحيط بالأشخاص والجماعات من شأنها أن تكون القاصمة القاضية , وإن هي إلا لفتة صغيرة , فإذا هي تحيي ولا تميت , وتنعش ولا تخمد , وتعود بالخير على المؤمنين والدعاة في الدنيا والأخرة.

*******

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)


وقد روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب "بالنمرود" وهو ملك الآراميين بالعراق . وأنه قد هلك هو والملأ من قومه بعذاب من عند الله .

تختلف الروايات في تفصيلاته , فالمهم أن الله قد أنجى إبراهيم من الكيد الذي أريد به , وباء الكائدون له بخسارة ما بعدها خسارة...

فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ.

هكذا على وجه الإطلاق دون تحديد !

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ..

وهي أرض الشام التي هاجر إليها هو وابن أخيه لوط . فكانت مهبط الوحي فترة طويلة , ومبعث الرسل من نسل إبراهيم . وفيها الأرض المقدسة . وثاني الحرمين . وفيها بركة الخصب والرزق , إلى جانب بركة الوحي والنبوة جيلا بعد جيل .

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ.

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ.

لقد ترك إبراهيم - عليه السلام - وطنا وأهلا وقوما . فعوضه الله الأرض المباركة وطنا خيرا من وطنه . وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلا خيرا من أهله . وعوضه من ذرية ابنه إسماعيل أمة عظيمة العدد قوما خيرا من قومه . وجعل من نسله خير البرية ( رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ) وأئمة يهدون الناس بأمر الله, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

وأوحى إليهم أن يفعلوا الخيرات على اختلافها , وأن يقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة . وكانوا طائعين لله عابدين . . فنعم العوض , ونعم الجزاء , ونعمت الخاتمة التي قسمها الله لإبراهيم . لقد ابتلاه بالضراء فصبر , فكانت الخاتمة الكريمة اللائقة بصبره الجميل...

انها حياة نابضة نشاهدها من خلال آيات القرآن العظيم لتكون لنا نورا على الطريق إلى الله تعالى.

مصادر التفسير لهذا اللقاء (في ظلال القرآن)

********

دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى..

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 2013-04-06, 11:47 AM
الخالوقه الخالوقه غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-03-23
المشاركات: 5
افتراضي

شكرا لكم على هذا الموضوع الجميل
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 2013-04-13, 11:09 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الصافات
(16)

قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ

نستكمل بعون الله تعالى تلكم المسيرة الطاهرة لنبي الله (إبراهيم عليه السلام) ..فبعد أن نجاه الله تعالى من النار, عزم على الهجرة إلى الله تعالى..

لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه . لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم , وأراد الله أن يكونوا هم الأسفلين ; ونجاه من كيدهم أجمعين .
عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة ; وطوى صفحة لينشر صفحة:


وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ – 99 رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ – 100 فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ – 101

هكذا . . إني ذاهب إلى ربي . . إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض , وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء , طارحاً وراءه كل شيء , مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً . موقن أن ربه سيهديه , وسيرعى خطاه , وينقلها في الطريق المستقيم .

إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال , ومن وضع إلى وضع , ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .

وكان إبراهيم عليه السلام حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له ; وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى , والصحبة والمعرفة . وكل مألوف له في ماضي حياته , وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها , والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم....
فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه . اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح :

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ.

واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد , الذي ترك وراءه كل شيء , وجاء إليه بقلب سليم . .

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ.

هو إسماعيل عليه السلام - كما يرجح سياق السيرة والسورة - وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام , الذي يصفه ربه بأنه حليم .

والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن العظيم أمام المثل الموحي الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم عليه السلام . .

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ – 102

******

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.


يالله ! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم . .
هذا إبراهيم الشيخ عليه السلام . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه .
فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم .
وها هو ذا ما يكاد يأنس به , وصباه يتفتح , ويبلغ معه السعي , ويرافقه في الحياة . . ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد , حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية .

فماذا ? إنه لا يتردد , ولا يخالجه إلا شعور الطاعة , ولا يخطر له إلا خاطر التسليم . . نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً , ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه . . وهذا يكفي . . هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه . . لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ?!

ولكنه لا يلبي في انزعاج , ولا يستسلم في جزع , ولا يطيع في اضطراب . . كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:

قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.

فهي كلمات المالك لأعصابه , المطمئن للأمر الذي يواجهه , والواثق بأنه يؤدي واجبه . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن , الذي لا يهوله الأمر فيؤديه , في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي , ويستريح من ثقله على أعصابه !

والأمر شاق - ما في ذلك شك - فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته . . إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ? يتولى ذبحه . . وهو - مع هذا - يتلقى الأمر هذا التلقي , ويعرض على ابنه هذا العرض ; ويطلب إليه أن يتروى في أمره , وأن يرى فيه رأيه !

إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه . وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا .

ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً , لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة , وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم !

إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ; وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى . .

فماذا يكون من أمر الغلام , الذي يعرض عليه الذبح , تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ?
إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:

قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
.
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين . .

( يَا أَبَتِ ) . . في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته .
( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) . . فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب .

ثم هو الأدب مع الله , ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ; والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية , ومساعدته على الطاعة :

سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة .
ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً . . إنما أرجع الفضل كله لله تعالى إن هو أعانه على ما يطلب إليه , وأصبره على ما يراد به :

ونستكمل هذه المشاهد الحية بعون الله تعالى في اللقاء القادم.

كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء:
( في ظلال القرآن )


*******

فإلى الملتقى إن شاء الله تعالى..

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 2013-04-19, 04:06 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الصافات
(17)


سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

يا للأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !
ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ :

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ – 103

ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . .
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً .

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ – 104

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – 105

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ – 106

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ – 107

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ – 108

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ – 109

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - 110 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ – 111

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ – 112


قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه , ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة .

وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم !

ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت .
يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل !


وقيل له : ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ). . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى , ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم عليه السلام , الذي تتبع ملته , والذي ترث نسبه وعقيدته .

ولتدرك الأمة طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ?
ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا , ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !

ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء , إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه , فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها . .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.

فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.

سلام عليه من ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

كذلك نجزيهم بالبلاء . . والوفاء . والذكر . والسلام . والتكريم .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.

وهذا جزاء الإيمان . وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين .

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ.

ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته . ويباركه ويبارك إسحاق . ويجعل إسحاق نبياً من الصالحين :

وتتلاحق من بعدهما ذريتهما . ولكن وراثة هذه الذرية لهما ليست وراثة الدم والنسب إنما هي وراثة الملة والمنهج : فمن اتبع فهو محسن . ومن انحرف فهو ظالم لا ينفعه نسب قريب أو بعيد...

كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء:
( في ظلال القرآن )

*******

فإلى الملتقى إن شاء الله تعالى..
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 2013-05-10, 07:23 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(موسى عليه السلام)
وبعض آيات من سورة القصص
(1)

قصة موسى عليه السلام

إن هناك قوة واحدة في هذا الوجود ,هي قوة الله ; وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون , هي قيمة الإيمان .
فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه , ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة ,
ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولو ساندته جميع القوى,
ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله , ومن فقد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلا .

وهذه المقدمة ضرورية لنفهم القصة ونعيش معها مطمئنين في سير أحداثها العظيمة بدءا بقتل الذكور من المواليد وإنتهاءا بفلق البحر ونجاة نبي الله موسى ومن معه وهلاك فرعون وجنوده..

*******

تبدأ قصة موسى عليه السلام منذ ولادته ...

فجنود فرعون في كل مكان بمصر يبحثون عن أي طفل يولد لبني إسرائيل فيقتلوه حذرا من أنه سوف يولد في هذا العام مولود يضيع على يديه ملك فرعون .

لقد علا فرعون في الأرض , واتخذ أهلها شيعا , واستضعف بني إسرائيل , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , وهو على حذر منهم , وهو قابض على أعناقهم .

ولكن قوة فرعون وجبروته , وحذره ويقظته , لا تغني عنه شيئا ;
بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير , المجرد من كل قوة وحيلة ,

فموسى في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية , وتدفع عنه السوء , وتعمي عنه العيون , وتتحدى به فرعون وجنده تحديا ظاهرا , فتدفع به إلى حجره , وتدخل به عليه عرينه , بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه , مكفوف الأذى عنه , يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه !

لقد بغى فرعون على بني إسرائيل واستطال بجبروت الحكم والسلطان..
تدخلت يد القدرة فوضعت حدا للبغي والفساد , حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد .

ونعيش مع المشاهد الحية لقصة من أعظم القصص على وجه الأرض وهي نموذج حي لكفاح الأنبياء في موجهة الكفر والشرك ختمها سيد الرسل سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه..

********

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
(4)


الجو العام قبل ولادة موسى عليه السلام

إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا , يستضعف طائفة منهم , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة , ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض , ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون . .

ولا يعرف على وجه التحديد من هو الفرعون الذي تجري حوادث القصة في عهده , فالتحديد التاريخي ليس هدفا من أهداف القصة القرآنية ; ولا يزيد في دلالتها شيئا . ويكفي أن نعلم أن هذا كان بعد زمان يوسف - عليه السلام - الذي استقدم أباه وإخوته . وأبوه يعقوب وهو " إسرائيل " وهؤلاء كانوا ذريته . وقد تكاثروا في مصر وأصبحوا شعبا كبيرا .

فلما كان ذلك الفرعون الطاغية ( علا في الأرض ) وتكبر وتجبر , وجعل أهل مصر شيعا , كل طائفة في شأن من شئونه . ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل , لأن لهم عقيدة غير عقيدته هو وقومه ; فهم يدينون بدين جدهم إبراهيم وأبيهم يعقوب ; ومهما يكن قد وقع في عقيدتهم من فساد وانحراف , فقد بقي لها أصل الاعتقاد بإله واحد ; وإنكار ألوهية فرعون والوثنية الفرعونية جميعا .

وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطرا على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر ; ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف , فقد يصبحون إلبا عليه مع جيرانه الذين كانت تقوم بينهم وبين الفراعنة الحروب , فابتكر عندئذ طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه من هذه الطائفة التي لا تعبده ولا تعتقد بألوهيته ,

تلك هي تسخيرهم في الشاق الخطر من الأعمال , واستذلالهم وتعذيبهم بشتى أنواع العذاب . وبعد ذلك كله تذبيح الذكور من أطفالهم عند ولادتهم , واستبقاء الإناث كي لا يتكاثر عدد الرجال فيهم . وبذلك يضعف قوتهم بنقص عدد الذكور وزيادة عدد الإناث , فوق ما يصبه عليهم من نكال وعذاب .

وروي أنه وكل بالحوامل من نسائهم قوابل مولدات يخبرنه بمواليد بني إسرائيل , ليبادر بذبح الذكور , فور ولادتهم حسب خطته الجهنمية الخبيثة , التي لا تستشعر رحمة بأطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا خطيئة .

هذه هي الظروف التي تجري فيها قصة موسى - عليه السلام - عند ولادته , كما وردت في سورة القصص :

*******

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)


فهؤلا ء المستضعفون الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير , فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم , ويسومهم سوء العذاب والنكال . وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه ; فيبث عليهم العيون والأرصاد , ويتعقب نسلهم من الذكور فيذبحهم..

هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد ; وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيدا ولا تابعين ; وأن يورثهم الأرض المباركة التي أعطاهم إياها عندما استحقوها بعد ذلك بالإيمان والصلاح..

وأن يمكن لهم فيها فيجعلهم أقوياء راسخي الأقدام مطمئنين . وأن يحقق ما يحذره فرعون وهامان وجنودهما , وما يتخذون الحيطة دونه , وهم لا يشعرون !

*******

هكذا يعلن السياق قبل أن يأخذ في عرض القصة ذاتها . يعلن واقع الحال , وما هو مقدر في المآل .
ويرسم بهذا الإعلان حقيقة الأمر للقصة قبل أن تبدأ في العرض.

والقلوب معلقة بأحداثها ومجرياتها , وما ستنتهي إليه , وكيف تصل إلى تلك النهاية التي أعلنها قبل البدء في عرضها .

ومن ثم تنبض القصة بالحياة ; وكأنها تعرض لأول مرة ..


ودل ذلك العرض أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزا والصلاح حسيرا ; ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال .
عندئذ تتدخل يد القدرة واضحة متحدية , بلا ستار من الخلق , ولا سبب من قوى الأرض , لتضع حد للشر والفساد .

وقد قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا - 57 القصص . فاعتذروا عن عدم اتباعهم الهدى بخوفهم من تخطف الناس لهم , لو تحولوا عن عقائدهم القديمة التي من أجلها يخضع الناس لهم , ويعظمون البيت الحرام ويدينون للقائمين عليه .

فساق الله إليهم في هذه السورة قصة موسى وفرعون , تبين لهم أين يكون الأمن وأين تكون المخافة ; وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله , ولو فقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ; وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ..

وبذلك ندرك أهداف القصة في تربية العقيدة وجعل القلب معلق بقوة الله تعالى الذي له ما في السماوات والأرض فالكل مكشوف لديه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء..

******
وإن شاء الله تعالى نعيش مع المشاهد الحية للقصة في اللقاء القادم..

دمتم في رعاية الله وأمنه
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 2013-05-12, 10:39 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(موسى عليه السلام)
وبعض آيات من سورة القصص
(2)

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ..

تبدأ القصة في سورة القصص منذ ميلاد موسى عليه السلام, ذلك أن الحلقة الأولى من قصة موسى , والظروف القاسية التي ولد فيها ; وتجرده في طفولته من كل قوة ومن كل حيلة ; وضعف قومه واستذلالهم في يد فرعون . .

ذلك كله هو الذي يؤدي إلى الهدف الرئيسي من القصة ; ويبرز يد القدرة ظاهرة متحدية تعمل وحدها بدون ستار من البشر ; وتضرب الظلم والطغيان والبغي ضربة مباشرة عندما يعجز عن ضربها البشر ; وتنصر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ; وتمكن للمعذبين الذين لا حيلة لهم ولا وقاية .

وهو المعنى الذي كانت القلة المسلمة المستضعفة في مكة في حاجة إلى تقريره وتثبيته ; وكانت الكثرة المشركة الباغية الطاغية في حاجة إلى معرفته واستيقانه .

إن الشر حين يتمحض يحمل سبب هلاكه في ذاته ; والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر ; بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم , فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم , وتربيهم , وتجعلهم أئمة , وتجعلهم الوارثين .

حفظ الله لموسى الرضيع وإعادته إلى أمه .

تبدأ القصة . ويبدأ التحدي وتنكشف يد القدرة تعمل واضحة بلا ستار:
لقد ولد موسى في ظل تلك الأوضاع القاسية التي رسمها قبل البدء في القصة ; ولد والخطر محدق به , والموت يتلفت عليه , والشفرة مشرعة على عنقه , تهم أن تحتز رأسه . .

وها هي ذي أمه حائرة به , خائفة عليه , تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين , وترجف أن تتناول عنقه السكين ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة , عاجزة عن حمايته , عاجزة عن إخفائه , عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه ; عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة . .

ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة .

هنا تتدخل يد القدرة , فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة , وتلقي في روعها كيف تعمل , وتوحي إليها بالتصرف :

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)


يا لله ! يا للقدرة ! يا أم موسى أرضعيه . فإذا خفت عليه وهو في حضنك . وهو في رعايتك . إذا خفت عليه وفي فمه ثديك , وهو تحت عينيك . إذا خفت عليه ( فألقيه في اليم )!!

( ولا تخافي ولا تحزني ) إنه هنا . أو في اليم . . في رعاية التي لا خوف معها . اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها . اليد التي تجعل النار بردا وسلاما , وتجعل البحر ملجأ ومناما . اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب .

( إنا رادوه إليك ). فلا خوف على حياته ولا حزن على بعده .( وجاعلوه من المرسلين ). .
وتلك بشارة الغد , ووعد الله أصدق القائلين .

هذا هو المشهد الأول في القصة . مشهد الأم الحائرة الخائفة القلقة الملهوفة تتلقى الإيحاء المطمئن المبشر المثبت المريح .

وينزل هذا الإيحاء على القلب المؤمن الواجف المحرور بردا وسلاما .

وينتقل المشهد مع موسى وهو في التابوت وقد أمر اليم أن ينقله إلى الساحل حيث قصر فرعون.

قال تعالى في سورة طه : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ .
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ.


وتمر الخواطر في رأس الإنسان العادي ..
أهذا هو الأمن ? أهذا هو الوعد ? أهذه هي البشارة ?

وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون ?

وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون ? وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون ?

نعم ! ولكنها القدرة تتحدى بطريقة واضحة جلية .
تتحدى فرعون وهامان وجنودهما . إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفا على ملكهم وعرشهم وذواتهم . ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر . .

فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر . وأي طفل ? إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين !

ها هي ذي يد القدرة تلقيه في أيديهم مجردا من كل قوة ومن كل حيلة , عاجزا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد !

ها هي ذي يد القدرة تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفاح المتجبر , ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل , وفي أحضان نسائهم الوالدات !

لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً.

ليكون لهم عدوا يتحداهم وحزنا يدخل الهم على قلوبهم :

إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ.

ولكن كيف ? كيف وها هو ذا بين أيديهم , مجردا من كل قوة , مجردا من كل حيلة ? لندع السياق يجيب :

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.

لقد اقتحمت به يد القدرة على فرعون قلب امرأته , بعد ما اقتحمت به عليه حصنه . لقد حمته بالمحبة . ذلك الستار الرقيق الشفيف .
لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال . حمته بالحب الحاني في قلب امرأة .
قال تعالى في سورة طه : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي - 39

وتحدت يد القدرة به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره . . وهان فرعون على الله أن يحمي منه الطفل الضعيف بغير هذا الستار الشفيف !

قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ..

وهو الذي تدفع به يد القدرة إليهم ليكون لهم عدوا وحزنا - فيما عدا المرأة وأي مؤمن أخر.

لَا تَقْتُلُوهُ ..

***********
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء
( في ظلال القرآن )


وإلى الملتقى إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot 
 سحب مجاري   translation office near me   كورة سيتي kooracity   زيوت امزويل AMSOIL   ايجار سيارات مع سائق في ماربيا   اشتراك شاهد رياضه   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض   ربح المال من الانترنت 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 شركة تنظيف منازل بالرياض   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   زيادة متابعين تيك توك حقيقيين   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd