المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطاعة والنشوز


معاوية فهمي إبراهيم مصطفى
2020-05-04, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-

(( الطاعة والنشوز ))
وقائع ظلم بعض الزوجات لا ينكرها منصف، لكن التعميم بقصر الظلم على المرأة دون الرجل مجحف، كما أن الحديث عن رفع الظلم يشوبه الكثير من الخلط والتشنج، بين الفكر الديني المحافظ الذي يتهم بعض المنتمين إليه أية محاولات للتصحيح بعيدا عن الإطار التقليدي بالتغريب، وبين تيار مقابل يؤمن بعموميات الإسلام، ويجد أن كثيرا من الجزيئات تتنافى مع هذه العموميات. والقياس الصحيح يقتضي طرحها أو تأويلها تأويلات يراها المحافظون تأويلات لا سند لها.

والسطور التالية هي نتاج بحث ونقاشات علمية أسأل الله أن يجعلها إشراقة لحراك تأصيلي يجمع بين المختلفين ويؤلف بينهم بما يخدم الشريعة، وينفع الناس.

القوامة والرجولة

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء: 34.

ربط القرآن القوامة بالفضل والإنفاق، وفي هذا إشارة إلى أن أحكام العلاقة بين الزوجين مرتبطة بعللها التشريعية ارتباطا وثيقا، بحيث يدور الحكم مع علته وجودا وعدما، ولئن كان الفقهاء يسقطون حق القوامة للزوج حال عدم قدرته على الإنفاق أفليس مقتضى السياق القرآني أن يسقط هذا الحق حال عدم تحقق الزوج بالصفات المعنوية للقوامة؟.

وقد نقل الإمام أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط عن بعض المفسرين قولهم: الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالا، أي إن تحققوا بصفات الرجولة.

فالقوامة مظهر السواء النفسي لدى الرجل، والآية الكريمة تخبر عن حال الأسرة في قمة سوائها وتكاملها الإنساني الذي يفضل فيه الرجل المرأة في جوانب بحسب طبيعته، كما تفضل فيه المرأة الرجل في جوانب أخرى بحسب طبيعتها، ولعل في التعبير القرآني: {بما فضل الله بعضهم على بعض} إشارة إلى ذلك، مع أن ما يتبادر إلى الذهن أولا أن يكون التعليل: بما فضلهم الله به.

طاعة الزوج.. إشكالية اللفظ


تسكن المرأة إلى الرجل متى تحقق بمقتضيات الرجولة، من رجاحة عقل وسعة خلق، وأمر الأسرة -بل أمره هو كما هو أمرها- شورى بينهما، يرعيان بيتهما كل بحسب ما يلائم طبيعته، وترجح كفة العناية بالمنزل والأولاد لدى المرأة على كفة المسئوليات والنشاطات خارج المنزل وذلك وفقا لطبيعتها، والعكس لدى الرجل وذلك وفقا لطبيعته، مع إثبات حق كل منهما في النصيب الذي يوائم حاجاته من الكفة الأخرى.

بالمعروف تسير الحياة بينهما، لا يمنعها من ممارسة حياتها بيسر دون عنت داخل المنزل وخارجه ما دامت لا تخل بحقه أو الحق العام للأسرة، ومن ثم فإن الحديث عن حق الزوج في (الحبس)، وإطلاق ذلك، يحتاج إلى مراجعة. يقول الإمام ابن عبد البر في كتابه التمهيد شرح موطأ الإمام مالك في شرح حديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله": وإن لم يكن للرجل أن يمنع امرأته المسجد إذا استأذنته في الخروج إليه، كان أوكد أن يجب عليه ألا يمنعها من زيارة من في زيارته صلة رحمها، ولا من شيء لها فيه فضل أو إقامة سنة.

فإذا ما حصل النزاع لأمر طارئ، قدمت المصلحة العامة لأجل استقرار الحياة بينهما، فإذا كان الرجل متصفا بأخلاق القوامة، كان له الفصل فيما طرأ، بعد أخذه بأسباب التشاور الحق، والمراجعة الهادئة المنصفة، التي تعترف للمرأة بحقها الأساسي في رعاية شئون حياتهما.

في هذه المساحة يأتي لفظ طاعة الزوج شرعا، وهي مساحة اقتضتها الفطرة السوية، والحكمة في تسيير الحياة الزوجية، كشركة لا بد لها من قائد حصيف متمكن من أخلاقيات القيادة. فيكون المقصود بالطاعة هو: الاعتراف بحق الرجل المتحقق بصفات القوامة في القيادة فيما يخص مصلحة الأسرة.
نشوز الزوجين

فإذا نشزت الزوجة -أي ارتفعت وتعالت- عن معاملة زوجها بالمعروف أو نشز الزوج كذلك، فما العمل؟.

ذكر القرآن هذين النشوزين في السورة ذاتها، لكن اللافت أن الآية التي تحدثت عن نشوز الزوجة وضعت تدابير للإصلاح، أما الآية التي تحدثت عن نشوز الزوج لم تضع تدابير مكافئة.

ويجيب عن ذلك النظر إلى سياق الآية التي ورد فيها ذكر نشوز المرأة، وهي آية القوامة، فالقرآن قابل بين الصالحات القانتات الحافظات للغيب وبين الناشزات، وهذه المقابلة تدلنا على أن المراد نوع خاص من النشوز، وهو نشوز الزوجة التي لا تحفظ زوجها بالغيب، وترتكب الفاحشة المبينة أي الزنا، يؤكد هذا الفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ونص الحديث: ".. ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون..." رواه الترمذي وصححه.

الحبس والضرب للزانيات
ذكر القرآن في آية القوامة الصورة الأرقى للرجل والمرأة، ثم وجه الرجل القوّام إلى كيفية التعامل مع المرأة الخائنة، حتى لكأن أخلاقيات القوامة أكثر ما تظهر هي في ضبط سلوك الرجل مع الصورة الأكثر تشوها للمرأة، وهي من ثبت له زناها: {واللاتي تخافون نشوزهن} فالخوف هنا بمعنى اليقين في خصوص الهجر في المضجع والضرب كما رجح الجمهور، واستدلوا له لغة، ولأن فيهما إيذاء أشد من الوعظ فلا يُلجأ إليهما إلا إذا حصل اليقين بوقوع النشوز. ويؤيد ذلك الحديث المذكور آنفا.

ووضع القرآن الكريم تدابير تتنوع بين اللين ودرجات مختلفة من الشدة، بحيث لا يلجأ إلى أشدها وهو الضرب إلا إذا فشلت أي وسيلة سواه للإصلاح، ثم لا يحق له اللجوء إليه دون دراسة متعقلة لجدواه، إذ هي وسيلة غرضها التأديب لا تشوبها شائبة من الرغبة في الانتقام.

وإن ثبت لديه أو ترجح -وهو الرجل السوي العاقل- عدم فائدتها في الإصلاح فليس له الإقدام عليها، وإلا كان معتديا بغير حق، كما نص على ذلك الشافعية والمالكية، فالضرب هنا وسيلة اضطرارية يتم اللجوء إليها ترجيحا لمصلحة الأسرة من باب ارتكاب أخف الضررين، فالضرب غير المبرح -أي غير الشاق الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة- ضرر لكن إذا كان سببا للإصلاح فإن في تركه ضررا أعظم يتمثل في جعل الزوجة تتردى في خطيئتها، أو تمزيق الأسرة.

ولنا هنا وقفة مع معنى الهجر في المضجع، وقد اختلفت تأويلات العلماء في بيانه، فمن ذلك قول الجمهور: هو ترك الدخول عليهن، والإقامة عندهن، وقيل: يهجرها في الفراش ورجح الإمام الطبري أن الهجر في الآية مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به البعير، يقال: هجر البعير أي ربطه، قال: "... فاستوثقوا منهن رباطا في مضاجعهن يعني في منازلهن وبيوتهن التي يضطجعن فيها..."، وذلك أن هجر الناشز في البيت أو الفراش لا يمثل ضغطا عليها إذ هي نافرة أصلا من الرجل، لكن مثل هذا الاستيثاق هو الوسيلة الضاغطة التي تردعها عن نشوزها.

وإذا كان الإمام الطبري قد أثبت الربط بالهجار على حقيقته، أفلا يصح أن نحمله على معنى مجازي وهو الحبس؟ فإذا صح ذلك يكون في الآية دليل آخر على أن الحبس استثناء يلجأ إليه الزوج في مثل هذه الحالة الشاذة وليس حقا أصليا يحجر به على المرأة.

نشوز الرجل
هكذا تعامل القرآن مع أقصى صورة لنشوز المرأة، وماعدا ذلك تحدث عن الحكمين حال الشقاق الظاهر بين الزوجين، في الآية التي تلي آية القوامة، وتحدث أيضا عن الإصلاح حال نشوز الرجل، وإعراضه عن زوجته، وتعاليه عليها بمنعها حقها في حسن العشرة، ودعا الطرفين إلى التنازل عن بعض حقهما، لأجل أن لا تنفصم عرى الأسرة، وذم أصحاب النفوس الشحيحة، التي لا تبذل الصلح ولا تقدم ما به يتحقق الوئام: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} النساء 128.
§§§§§§§§§§§§§§§