معاوية فهمي إبراهيم مصطفى
2020-11-23, 04:16 PM
صفة النار
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( صفة النار ))
صفة النار - الجزء الاول
صفة النار
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].
الله تبارك وتعالى خلق الجنة وجعلها داراً للثواب لمن آمن به وأطاعه .. وخلق النار وجعلها داراً للعقاب لمن كفر به وعصاه.
وجعل سبحانه الخير والنعيم كله بحذافيره في الجنة .. وجعل الشر والعذاب كله بحذافيره في النار.
والنار هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة.
والنار واحدة في الذات، متعددة في الصفات.
* أشهر أسماء النار:
للنار أسماء كثيرة بحسب ما فيها من ألوان العذاب، وهذه أشهر أسمائها:
النار: كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].
جهنم: كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140].
الجحيم: كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 10].
السعير: كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} ... [الأحزاب: 64].
الهاوية: كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة: 8 - 11].
سقر: كما قال سبحانه: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} ... [القمر: 48].
الحطمة: كما قال سبحانه: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)} ... [الهمزة: 4 - 6].
لظى: كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} [المعارج: 15 - 17].
دار البوار: كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29].
* مكان النار:
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)} [المطففين: 7].
وقال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} [التين: 4 - 6].
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: « .. وأمَّا الكَافرُ فَإذَا قُبضتْ نَفسُهُ، وذَُهِبً بهَا إلى بَابِ الأَرْضِ، يَقولُ خَزنَةُ الأَرْضِ: مَا وَجَدْنا رِِيحاً أنتنَ منْ هذهِ، فتبلغُ بهَا إلى الأَرضِ السُّفلَى» أخرجه الحاكم وابن حبان
فالجنة تحت العرش .. فوق السماء السابعة .. والنار تحت الأرض السابعة .. قد جمعت بين الضيق والسفول.
* عدد أبواب النار:
أبواب النار سبعة .. وكل باب أسفل من الآخر .. ولكل باب من أبواب النار جزء مقسوم من أهلها بحسب أعمالهم.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} ... [الحجر: 43، 44].
وأبواب النار مغلقة على أهلها:
فمع الحرارة البليغة في النار .. أهلها محبوسون فيها .. قد يئسوا من الخروج منها.
قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 5 - 9].
وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 20].
* مجيء النار في عرصات القيامة:
قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)} [الفجر: 21 - 23].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» أخرجه مسلم
* قعر النار:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صل الله عليه وسلم -، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صل الله عليه وسلم -: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟». قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: «(هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» أخرجه مسلم
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ» أخرجه مسلم
* وقود النار:
وقود النار يوم القيامة الناس والحجارة العظيمة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
وقال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} ... [الأنبياء: 98].
* قوة حرارة النار:
قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ». قَالُوا: وَاللهِ! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» متفق عليه
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» متفق عليه
* دركات النار:
الجنة درجات بعضها فوق بعض .. والنار دركات بعضها أسفل من بعض .. والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؛ لغلظ كفرهم .. وتمكنهم من أذى المؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: ««نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ» متفق عليه (1).
* صفة ظل النار:
أهل النار في سموم وحميم .. وظل شديد الحرارة .. ومن فوقهم ظلل من النار .. ومن تحتهم ظلل .. فظل نار جهنم لا ظليل ولا يغني من اللهب.
قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} [الواقعة: 41 - 44].
وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} ... [الزمر: 16].
وقال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات: 30، 31].
* خزنة النار:
مالك خازن النار .. وخزنة جهنم تسعة عشر من الملائكة.
قال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} ... [الزخرف: 77، 78].
وقال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر: 26 - 31].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49، 50].
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
* عظمة خلق أهل النار:
يكون جسد الكافر يوم القيامة بحسب ما صدر منه من كفر وأعمال سيئة في الدنيا .. وبحسب ما أفسد وأضل من الناس .. فضرسه مثل أحد .. وغلظ جلده مسيرة ثلاث ليال .. وما بين منكبيه مسير ثلاثة أيام .. ومقعده من النار ما بين المدينة والربذة.
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الْكَافِرِ، أوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ» أخرجه مسلم
وقال - صل الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ» متفق عليه
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ» أخرجه أحمد والحاكم
* صفة وجوه أهل النار:
وجوه أهل النار يوم القيامة سوداء .. مظلمة .. باسرة .. كالحة .. خاشعة .. ذليلة .. مغبرة .. عليها قترة.
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)} [الزمر: 60].
وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} [القيامة: 24، 25].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون: 103، 104].
وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس: 40 - 42].
* ورود الناس النار:
جميع الخلائق سيردون النار مؤمنهم وكافرهم .. برهم وفاجرهم .. حُكمٌ حتَّمه الله على نفسه .. وأوعد به عباده .. فلا بدَّ من نفوذه .. ثم ينجي الله المتقين .. ويذر الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي فيها جثياً .. فيسقط الكفار في النار.
ويمر المؤمنون والمنافقون على الصراط على قدر أعمالهم .. فينجو المؤمنون .. ويهوي المنافقون إلى الدرك الأسفل من النار.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} ... [مريم: 71، 72].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم - في حديث الرؤية، وصفة المرور على الصراط: «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ! سَلِّمْ سَلِّم».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الْجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفق عليه
* أول من يعبر الصراط:
أول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته.
قال النبي - صل الله عليه وسلم - في حديث الرؤية: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ» متفق عليه
* بعث النار:
قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفًا» متفق عليه
* أول من تسعر بهم النار:
أول من تسعر بهم النار ثلاثة .. وهم الذين يراؤون الناس بأعمالهم كالمقاتل في الجهاد، والعالم، والمنفق .. فهؤلاء لما كانت أعمالهم غير خالصة لله كانوا أول من تسعر بهم النار.
قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ألْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ألْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأعْطَاهُ مِنْ أصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ ألْقِيَ فِي النَّارِ» أخرجه مسلم .
* أهل النار المخلدون:
أهل النار المخلدون هم كل كافر .. ومشرك .. ومستكبر .. ومنافق.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} ... [البقرة: 39].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البينة: 6].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَأهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْتَغُونَ أهْلا وَلا مَالا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِي إِلا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أهْلِكَ وَمَالِكَ». وَذَكَرَ الْبُخْلَ أوِ الْكَذِبَ «وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ» أخرجه مسلم .
***
صفة النار - الجزء الثانى
كيفية دخول أهل النار النار:
يساق أهل النار إلى النار سوقاً عنيفاً .. ويضربون بالسياط الموجعة من الزبانية الغلاظ الشداد إلى شر محبس .. وأفظع موضع .. وهي جهنم التي جمعت كل عذاب وشقاء وألم كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر: 71، 72].
وتساق كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها وتشاكل سعيها .. يلعن بعضهم بعضاً .. ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال سبحانه: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25].
وأهل النار يدخلونها من مكان ضيق .. مقرنين في السلاسل والأغلال كما قال سبحانه: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13، 14].
ويُدفع أهل النار إليها دفعاً .. ويساقون إليها سوقاً عنيفاً لامتناعهم من دخولها: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} [الطور: 13، 14].
ويسحبون في النار على وجوههم كما قال سبحانه: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48].
ويسلسل كل أهل عمل من المجرمين بسلاسل من نار .. فيقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها كما قال سبحانه: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)} [إبراهيم: 49 - 51].
ويُّحشر الكفار إلى النار على وجوههم .. تسحبهم ملائكة العذاب على وجوههم .. وتجرهم إلى جهنم الجامعة لكل عذاب وعقوبة.
فما أشد عقوبة هؤلاء الكفار: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)} [الفرقان: 34].
* اضطراب النار يوم القيامة:
النار يوم القيامة إذا رأت أهلها اشتد سعيرها .. واشتد زفيرها .. وتغيظت على أهلها .. وغضبت عليهم؛ لغضب خالقها .. وزاد لهبها وحرارتها بحسب زيادة كفر أهلها وشرهم.
قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} ... [الفرقان: 11، 12].
ولا تزال جهنم تطلب الزيادة من المجرمين العاصين غضباً لربها .. وغيظاً على الكافرين كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30].
وإذا ألقي أهل النار فيها سمعوا لها صوتاً عالياً فظيعاً من شدة غيظها على الكفار، فما الظن بما تفعل بهم إذا دخلوا في جوفها؟.
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [الملك: 6 - 8].
وهي نار يَحْطِم بعضها بعضاً .. وتَحْطِم كل من يدخلها .. وتَنْفُذُ من الأجسام إلى القلوب .. فهل ينجو الكافر والعاصي من شدة لهيبها وإحراقها؟.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 4 - 9].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي
* أكثر أهل النار:
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «أُرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». َ قِيل: أيَكْفُرْنَ بِالله؟ قال: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» متفق عليه
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفًا» متفق عليه
* أشد أهل النار عذاباً:
أشد أهل النار عذاباً إبليس، وهو أول من يكسى حلة من النار؛ لأنه إمام كل كفر وشرك وشر، فما عصي الله إلا على يديه وبسببه، ثم الأخبث فالأخبث من نوابه في الأرض ودعاته، كفرعون وقارون وأمثالهما.
قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق: 24 - 26].
وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45، 46].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88].
وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم: 68 - 70].
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» متفق عليه
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي
أهون أهل النار عذاباً:
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ» متفق عليه
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أهْوَنُ أهْلِ النَّارِ عَذَابًا أبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» أخرجه مسلم
* ما يقال لأهون أهل النار عذاباً:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36، 37].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ الله تَعَالَى لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فَأبَيْتَ إِلا أنْ تُشْرِكَ بِي» متفق عليه
* أشد عذاب أهل النار:
العذاب في النار نوعان:
عذاب على الأبدان بالنار والإحراق .. وعذاب على الأرواح بالإهانة والصغار .. وحجابهم عن رؤية ربهم.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36].
وقال الله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام: 124].
وقال الله تعالى عن أهل النار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطففين: 15، 16].
والعذاب في جهنم أنواع ودرجات، وشدته وخفته بحسب الكفر والذنوب.
فهناك عذاب على ظاهر الجسد .. وهناك عذاب على باطن الجسد .. وهناك عذاب على الأعضاء والجوارح .. وهناك عذاب تملأ الأحشاء فيه جحيماً وناراً .. وهناك عذاب الإهانة والصغار .. وهو أشد وأعظم .. وهناك عذاب كعذاب الكفار .. وهناك عذاب منقطع كعذاب عصاة الموحدين .. وهناك عذاب غايظ .. وهناك عذاب خفيف .. وليس في النار خفيف .. ولكنه عذاب دون عذاب.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56].
وقال تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} ... [الأنعام: 124].
* سلاسل جهنم وأغلالها ومقامعها:
خلق الله في جهنم سلاسل يُقرن بها كل كافر ومثله .. وأغلالاً تُغَلّ بها أيدي الكفار والعصاة إلى أعناقهم، ويوثقون بها .. ومقامع يُضربون بها.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4].
وما أشد حسرة الكافر حين يؤمر به إلى جهنم .. ويقال للزبانية الغلاظ الشداد: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} [الحاقة: 30 - 32].
فيجعل في عنقه غلاً يخنقه .. ثم يقلب على جمر جهنم ولهبها .. ثم يُنظم في سلسلة من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة .. ذرعها سبعون ذراعاً .. تدخل في دبره .. وتخرج من فمه .. ويعلق فيها .. فلا يزال يعذب هذا العذاب العظيم.
والسبب الذي أوصله إلى هذه المكانة .. وهذه الحال .. كفره بربه .. ومعاندة رسله: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} [الحاقة: 33 - 37].
وفي جهنم من النكال والعذاب الشديد .. والألم الموجع .. والطعام الكريه المر ما تقشعر لهوله الأبدان .. وتتفطر له الأكباد .. وتذهل منه العقول كما قال سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزمل: 12، 13].
ويضرب الكفار بمقامع من حديد في النار كما قال سبحانه: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج: 21، 22].
ويُقرن الكفار مع أمثالهم وشياطينهم بالسلاسل .. وتغل أيديهم إلى أعناقهم .. ثم يسحبون في الحميم الذي اشتد غليانه وحره .. ثم يوقد عليهم اللهب العظيم .. ويُسجرون في النار .. ثم يوبخون على شركهم وكذبهم.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)} [غافر: 70 - 74].
§§§§§§§§§§§§§§§§§
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( صفة النار ))
صفة النار - الجزء الاول
صفة النار
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].
الله تبارك وتعالى خلق الجنة وجعلها داراً للثواب لمن آمن به وأطاعه .. وخلق النار وجعلها داراً للعقاب لمن كفر به وعصاه.
وجعل سبحانه الخير والنعيم كله بحذافيره في الجنة .. وجعل الشر والعذاب كله بحذافيره في النار.
والنار هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة.
والنار واحدة في الذات، متعددة في الصفات.
* أشهر أسماء النار:
للنار أسماء كثيرة بحسب ما فيها من ألوان العذاب، وهذه أشهر أسمائها:
النار: كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].
جهنم: كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140].
الجحيم: كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 10].
السعير: كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} ... [الأحزاب: 64].
الهاوية: كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة: 8 - 11].
سقر: كما قال سبحانه: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} ... [القمر: 48].
الحطمة: كما قال سبحانه: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)} ... [الهمزة: 4 - 6].
لظى: كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} [المعارج: 15 - 17].
دار البوار: كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29].
* مكان النار:
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)} [المطففين: 7].
وقال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} [التين: 4 - 6].
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: « .. وأمَّا الكَافرُ فَإذَا قُبضتْ نَفسُهُ، وذَُهِبً بهَا إلى بَابِ الأَرْضِ، يَقولُ خَزنَةُ الأَرْضِ: مَا وَجَدْنا رِِيحاً أنتنَ منْ هذهِ، فتبلغُ بهَا إلى الأَرضِ السُّفلَى» أخرجه الحاكم وابن حبان
فالجنة تحت العرش .. فوق السماء السابعة .. والنار تحت الأرض السابعة .. قد جمعت بين الضيق والسفول.
* عدد أبواب النار:
أبواب النار سبعة .. وكل باب أسفل من الآخر .. ولكل باب من أبواب النار جزء مقسوم من أهلها بحسب أعمالهم.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} ... [الحجر: 43، 44].
وأبواب النار مغلقة على أهلها:
فمع الحرارة البليغة في النار .. أهلها محبوسون فيها .. قد يئسوا من الخروج منها.
قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 5 - 9].
وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 20].
* مجيء النار في عرصات القيامة:
قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)} [الفجر: 21 - 23].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» أخرجه مسلم
* قعر النار:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صل الله عليه وسلم -، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صل الله عليه وسلم -: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟». قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: «(هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» أخرجه مسلم
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ» أخرجه مسلم
* وقود النار:
وقود النار يوم القيامة الناس والحجارة العظيمة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
وقال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} ... [الأنبياء: 98].
* قوة حرارة النار:
قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ». قَالُوا: وَاللهِ! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» متفق عليه
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» متفق عليه
* دركات النار:
الجنة درجات بعضها فوق بعض .. والنار دركات بعضها أسفل من بعض .. والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؛ لغلظ كفرهم .. وتمكنهم من أذى المؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: ««نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ» متفق عليه (1).
* صفة ظل النار:
أهل النار في سموم وحميم .. وظل شديد الحرارة .. ومن فوقهم ظلل من النار .. ومن تحتهم ظلل .. فظل نار جهنم لا ظليل ولا يغني من اللهب.
قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} [الواقعة: 41 - 44].
وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} ... [الزمر: 16].
وقال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات: 30، 31].
* خزنة النار:
مالك خازن النار .. وخزنة جهنم تسعة عشر من الملائكة.
قال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} ... [الزخرف: 77، 78].
وقال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر: 26 - 31].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49، 50].
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
* عظمة خلق أهل النار:
يكون جسد الكافر يوم القيامة بحسب ما صدر منه من كفر وأعمال سيئة في الدنيا .. وبحسب ما أفسد وأضل من الناس .. فضرسه مثل أحد .. وغلظ جلده مسيرة ثلاث ليال .. وما بين منكبيه مسير ثلاثة أيام .. ومقعده من النار ما بين المدينة والربذة.
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الْكَافِرِ، أوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ» أخرجه مسلم
وقال - صل الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ» متفق عليه
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ» أخرجه أحمد والحاكم
* صفة وجوه أهل النار:
وجوه أهل النار يوم القيامة سوداء .. مظلمة .. باسرة .. كالحة .. خاشعة .. ذليلة .. مغبرة .. عليها قترة.
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)} [الزمر: 60].
وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} [القيامة: 24، 25].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون: 103، 104].
وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس: 40 - 42].
* ورود الناس النار:
جميع الخلائق سيردون النار مؤمنهم وكافرهم .. برهم وفاجرهم .. حُكمٌ حتَّمه الله على نفسه .. وأوعد به عباده .. فلا بدَّ من نفوذه .. ثم ينجي الله المتقين .. ويذر الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي فيها جثياً .. فيسقط الكفار في النار.
ويمر المؤمنون والمنافقون على الصراط على قدر أعمالهم .. فينجو المؤمنون .. ويهوي المنافقون إلى الدرك الأسفل من النار.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} ... [مريم: 71، 72].
وقال النبي - صل الله عليه وسلم - في حديث الرؤية، وصفة المرور على الصراط: «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ! سَلِّمْ سَلِّم».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الْجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفق عليه
* أول من يعبر الصراط:
أول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته.
قال النبي - صل الله عليه وسلم - في حديث الرؤية: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ» متفق عليه
* بعث النار:
قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفًا» متفق عليه
* أول من تسعر بهم النار:
أول من تسعر بهم النار ثلاثة .. وهم الذين يراؤون الناس بأعمالهم كالمقاتل في الجهاد، والعالم، والمنفق .. فهؤلاء لما كانت أعمالهم غير خالصة لله كانوا أول من تسعر بهم النار.
قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ألْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ألْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأعْطَاهُ مِنْ أصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ ألْقِيَ فِي النَّارِ» أخرجه مسلم .
* أهل النار المخلدون:
أهل النار المخلدون هم كل كافر .. ومشرك .. ومستكبر .. ومنافق.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} ... [البقرة: 39].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البينة: 6].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَأهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْتَغُونَ أهْلا وَلا مَالا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِي إِلا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أهْلِكَ وَمَالِكَ». وَذَكَرَ الْبُخْلَ أوِ الْكَذِبَ «وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ» أخرجه مسلم .
***
صفة النار - الجزء الثانى
كيفية دخول أهل النار النار:
يساق أهل النار إلى النار سوقاً عنيفاً .. ويضربون بالسياط الموجعة من الزبانية الغلاظ الشداد إلى شر محبس .. وأفظع موضع .. وهي جهنم التي جمعت كل عذاب وشقاء وألم كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر: 71، 72].
وتساق كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها وتشاكل سعيها .. يلعن بعضهم بعضاً .. ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال سبحانه: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25].
وأهل النار يدخلونها من مكان ضيق .. مقرنين في السلاسل والأغلال كما قال سبحانه: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13، 14].
ويُدفع أهل النار إليها دفعاً .. ويساقون إليها سوقاً عنيفاً لامتناعهم من دخولها: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} [الطور: 13، 14].
ويسحبون في النار على وجوههم كما قال سبحانه: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48].
ويسلسل كل أهل عمل من المجرمين بسلاسل من نار .. فيقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها كما قال سبحانه: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)} [إبراهيم: 49 - 51].
ويُّحشر الكفار إلى النار على وجوههم .. تسحبهم ملائكة العذاب على وجوههم .. وتجرهم إلى جهنم الجامعة لكل عذاب وعقوبة.
فما أشد عقوبة هؤلاء الكفار: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)} [الفرقان: 34].
* اضطراب النار يوم القيامة:
النار يوم القيامة إذا رأت أهلها اشتد سعيرها .. واشتد زفيرها .. وتغيظت على أهلها .. وغضبت عليهم؛ لغضب خالقها .. وزاد لهبها وحرارتها بحسب زيادة كفر أهلها وشرهم.
قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} ... [الفرقان: 11، 12].
ولا تزال جهنم تطلب الزيادة من المجرمين العاصين غضباً لربها .. وغيظاً على الكافرين كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30].
وإذا ألقي أهل النار فيها سمعوا لها صوتاً عالياً فظيعاً من شدة غيظها على الكفار، فما الظن بما تفعل بهم إذا دخلوا في جوفها؟.
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [الملك: 6 - 8].
وهي نار يَحْطِم بعضها بعضاً .. وتَحْطِم كل من يدخلها .. وتَنْفُذُ من الأجسام إلى القلوب .. فهل ينجو الكافر والعاصي من شدة لهيبها وإحراقها؟.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 4 - 9].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي
* أكثر أهل النار:
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «أُرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». َ قِيل: أيَكْفُرْنَ بِالله؟ قال: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» متفق عليه
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفًا» متفق عليه
* أشد أهل النار عذاباً:
أشد أهل النار عذاباً إبليس، وهو أول من يكسى حلة من النار؛ لأنه إمام كل كفر وشرك وشر، فما عصي الله إلا على يديه وبسببه، ثم الأخبث فالأخبث من نوابه في الأرض ودعاته، كفرعون وقارون وأمثالهما.
قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق: 24 - 26].
وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45، 46].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88].
وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم: 68 - 70].
وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» متفق عليه
وقال النبي - صل الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي
أهون أهل النار عذاباً:
قال النبي - صل الله عليه وسلم -: «إِنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ» متفق عليه
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أهْوَنُ أهْلِ النَّارِ عَذَابًا أبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» أخرجه مسلم
* ما يقال لأهون أهل النار عذاباً:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36، 37].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ الله تَعَالَى لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فَأبَيْتَ إِلا أنْ تُشْرِكَ بِي» متفق عليه
* أشد عذاب أهل النار:
العذاب في النار نوعان:
عذاب على الأبدان بالنار والإحراق .. وعذاب على الأرواح بالإهانة والصغار .. وحجابهم عن رؤية ربهم.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36].
وقال الله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام: 124].
وقال الله تعالى عن أهل النار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطففين: 15، 16].
والعذاب في جهنم أنواع ودرجات، وشدته وخفته بحسب الكفر والذنوب.
فهناك عذاب على ظاهر الجسد .. وهناك عذاب على باطن الجسد .. وهناك عذاب على الأعضاء والجوارح .. وهناك عذاب تملأ الأحشاء فيه جحيماً وناراً .. وهناك عذاب الإهانة والصغار .. وهو أشد وأعظم .. وهناك عذاب كعذاب الكفار .. وهناك عذاب منقطع كعذاب عصاة الموحدين .. وهناك عذاب غايظ .. وهناك عذاب خفيف .. وليس في النار خفيف .. ولكنه عذاب دون عذاب.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56].
وقال تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} ... [الأنعام: 124].
* سلاسل جهنم وأغلالها ومقامعها:
خلق الله في جهنم سلاسل يُقرن بها كل كافر ومثله .. وأغلالاً تُغَلّ بها أيدي الكفار والعصاة إلى أعناقهم، ويوثقون بها .. ومقامع يُضربون بها.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4].
وما أشد حسرة الكافر حين يؤمر به إلى جهنم .. ويقال للزبانية الغلاظ الشداد: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} [الحاقة: 30 - 32].
فيجعل في عنقه غلاً يخنقه .. ثم يقلب على جمر جهنم ولهبها .. ثم يُنظم في سلسلة من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة .. ذرعها سبعون ذراعاً .. تدخل في دبره .. وتخرج من فمه .. ويعلق فيها .. فلا يزال يعذب هذا العذاب العظيم.
والسبب الذي أوصله إلى هذه المكانة .. وهذه الحال .. كفره بربه .. ومعاندة رسله: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} [الحاقة: 33 - 37].
وفي جهنم من النكال والعذاب الشديد .. والألم الموجع .. والطعام الكريه المر ما تقشعر لهوله الأبدان .. وتتفطر له الأكباد .. وتذهل منه العقول كما قال سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزمل: 12، 13].
ويضرب الكفار بمقامع من حديد في النار كما قال سبحانه: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج: 21، 22].
ويُقرن الكفار مع أمثالهم وشياطينهم بالسلاسل .. وتغل أيديهم إلى أعناقهم .. ثم يسحبون في الحميم الذي اشتد غليانه وحره .. ثم يوقد عليهم اللهب العظيم .. ويُسجرون في النار .. ثم يوبخون على شركهم وكذبهم.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)} [غافر: 70 - 74].
§§§§§§§§§§§§§§§§§