حفيدة الحميراء
2009-06-18, 04:27 AM
http://upload.traidnt.net/upfiles/Tqi93201.gif
(http://upload.traidnt.net/)
أهمية الإسناد مقالٌ ماتعٌ للدكتور ماهر ياسين الفحل
أهمية الإسناد :
إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف هَذِهِ الأمة بشرف الإسناد ، وَمَنَّ عَلَيْهَا بسلسلة الإسناد واتصاله، فهو خصيصة فاضلةٌ لهذه الأمة وليس لغيرها من الأمم السابقة ، وَقَدْ أسند الْخَطِيْب في كتاب " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (1)
إلى مُحَمَّد بن حاتم بن المظفر قَالَ :
(( إنّ الله أَكْرَمَ هَذِهِ الأمة وشرّفها وفضّلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسنادٌ ،
وإنما هِيَ صحف في أيديهم وَقَدْ خلطوا بكتبهم أخبارهم ، وليس عندهم تمييز بَيْنَ ما نزل من التوراة والإنجيل مِمَّا جاءهم بِهِ أنبياؤهم ، وتمييز بَيْنَ ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار الَّتِيْ أخذوا عن غَيْر الثقات .
وهذه الأمة إنما تنُصّ الْحَدِيْث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حَتَّى تتناهى أخبارهم ، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حَتَّى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط والأطول مجالسةً لِمَنْ فوقه ممن كَانَ أقل مجالسةً .
ثُمَّ يكتبون الْحَدِيْث من عشرين وجهاً وأكثر حَتَّى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً.فهذا من أعظم نعم الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأمة )) .
وَقَالَ أبو علي الجياني ( 2) :
(( خصّ الله تَعَالَى هَذِهِ الأمة بثلاثة أشياء لَمْ يعطها مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الأمم : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب )) (3) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وَقَالَ الْحَاكِم النيسابوري :
(( فلولا الإسناد وطلب هَذِهِ الطائفة لَهُ ، وكثرة مواظبتهم عَلَى حفظه لدرس منار الإِسْلاَم ، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فِيْهِ بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد ، فإنَّ الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فِيْهَا كانت مبتراً ، كَمَا حَدَّثَنَا أبو العباس مُحَمَّد بن يعقوب (4)،
قَالَ : حَدَّثَنَا العباس بن مُحَمَّد الدوري (5)،
قَالَ : حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأسود ، قَالَ : حَدَّثَنَا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني (6)، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية ، قَالَ حَدَّثَنَا عتبة بن أبي حكيم (7)، أنه كَانَ عِنْدَ إسحاق بن أبي فروة ، وعنده الزهري ، قَالَ: فجعل ابن أبي فروة يقول: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ الزهري : قاتلك الله يا ابن أبي فروة ، ما أجرأك عَلَى الله ، ألا (8) تسند حديثك ؟ تُحَدِّثُنا بأحاديث ليس لها خُطُم (9) ، ولا أَزِمَّة (10) )) (11) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
هكذا أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ – منذ الصدر الأول – ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية ؛ إِذْ هُوَ دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط .
وكذلك أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ أنه لا يمكن نقد الْمَتْن نقداً صحيحاً إلا من طريق البحث في الإسناد ، ومعرفة حلقات الإسناد والرواة النقلة ، فلا صحة لمتن إلا بثبوت إسناده .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وأعظم مثال عَلَى اهتمام المسلمين بالإسناد هُوَ ما ورثوه لنا من التراث الضخم الكبير الهائل ، وما سخروا للإسناد من ثروة علمية في كتب الرجال .
والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث ، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح ، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة ، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اشتد الاهتمام بنظام الإسناد ، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات ، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد ، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة ، وكتاب " الرحلة في طلب الْحَدِيْث " (12)
للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ .
وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية (13) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله : (( تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم )) (14).
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً ؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة ، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع ، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا ، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها ؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ هِيَ مَعْرِفَة صحة الْحَدِيْث أو ضعفه ، فمدار قبول الْحَدِيْث غالباً عَلَى إسناده ، قَالَ القاضي عياض : (( اعلم أولاً أنّ مدار الْحَدِيْث عَلَى الإسناد فِيْهِ تتبين صحته ويظهر اتصاله ))(15).
وَقَالَ ابن الأثير (16) : (( اعلم أنّ الإسناد في الْحَدِيْث هُوَ الأصل ، وعليه الاعتماد ، وبه تعرف صحته وسقمه )) (17) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين .
قَالَ سفيان الثوري : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) (18) .
وهذا أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج (19) يقول : (( إنما يعلم صحة الْحَدِيْث بصحة الإسناد )) (20) .
وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك : (( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء )) (21).
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ من أجل أن لا ينضاف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث ؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف ، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة رضي الله عنهم إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ – كَمَا اهتموا بالإسناد – بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد ، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي ؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة ، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) (22) .
ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى ؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها ، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى ، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث ، وتأتي البقية في سند آخر ؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل : (( الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً )) (23) .
وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي (24) : (( الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات )) (25) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
ويعرف – أَيْضاً – بجمع الطرق : الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً ، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح ،
فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة . قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه " الجامع الصَّحِيْح " :
(( وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار ، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك ؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام ، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ ما وصفنا من الزيادة ، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن ، ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيأته إذا ضاق ذَلِكَ أسلم )) (26)
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
<!-- / message -->
(http://upload.traidnt.net/)
أهمية الإسناد مقالٌ ماتعٌ للدكتور ماهر ياسين الفحل
أهمية الإسناد :
إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف هَذِهِ الأمة بشرف الإسناد ، وَمَنَّ عَلَيْهَا بسلسلة الإسناد واتصاله، فهو خصيصة فاضلةٌ لهذه الأمة وليس لغيرها من الأمم السابقة ، وَقَدْ أسند الْخَطِيْب في كتاب " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (1)
إلى مُحَمَّد بن حاتم بن المظفر قَالَ :
(( إنّ الله أَكْرَمَ هَذِهِ الأمة وشرّفها وفضّلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسنادٌ ،
وإنما هِيَ صحف في أيديهم وَقَدْ خلطوا بكتبهم أخبارهم ، وليس عندهم تمييز بَيْنَ ما نزل من التوراة والإنجيل مِمَّا جاءهم بِهِ أنبياؤهم ، وتمييز بَيْنَ ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار الَّتِيْ أخذوا عن غَيْر الثقات .
وهذه الأمة إنما تنُصّ الْحَدِيْث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حَتَّى تتناهى أخبارهم ، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حَتَّى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط والأطول مجالسةً لِمَنْ فوقه ممن كَانَ أقل مجالسةً .
ثُمَّ يكتبون الْحَدِيْث من عشرين وجهاً وأكثر حَتَّى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً.فهذا من أعظم نعم الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأمة )) .
وَقَالَ أبو علي الجياني ( 2) :
(( خصّ الله تَعَالَى هَذِهِ الأمة بثلاثة أشياء لَمْ يعطها مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الأمم : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب )) (3) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وَقَالَ الْحَاكِم النيسابوري :
(( فلولا الإسناد وطلب هَذِهِ الطائفة لَهُ ، وكثرة مواظبتهم عَلَى حفظه لدرس منار الإِسْلاَم ، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فِيْهِ بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد ، فإنَّ الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فِيْهَا كانت مبتراً ، كَمَا حَدَّثَنَا أبو العباس مُحَمَّد بن يعقوب (4)،
قَالَ : حَدَّثَنَا العباس بن مُحَمَّد الدوري (5)،
قَالَ : حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأسود ، قَالَ : حَدَّثَنَا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني (6)، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية ، قَالَ حَدَّثَنَا عتبة بن أبي حكيم (7)، أنه كَانَ عِنْدَ إسحاق بن أبي فروة ، وعنده الزهري ، قَالَ: فجعل ابن أبي فروة يقول: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ الزهري : قاتلك الله يا ابن أبي فروة ، ما أجرأك عَلَى الله ، ألا (8) تسند حديثك ؟ تُحَدِّثُنا بأحاديث ليس لها خُطُم (9) ، ولا أَزِمَّة (10) )) (11) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
هكذا أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ – منذ الصدر الأول – ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية ؛ إِذْ هُوَ دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط .
وكذلك أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ أنه لا يمكن نقد الْمَتْن نقداً صحيحاً إلا من طريق البحث في الإسناد ، ومعرفة حلقات الإسناد والرواة النقلة ، فلا صحة لمتن إلا بثبوت إسناده .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وأعظم مثال عَلَى اهتمام المسلمين بالإسناد هُوَ ما ورثوه لنا من التراث الضخم الكبير الهائل ، وما سخروا للإسناد من ثروة علمية في كتب الرجال .
والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث ، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح ، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة ، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اشتد الاهتمام بنظام الإسناد ، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات ، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد ، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة ، وكتاب " الرحلة في طلب الْحَدِيْث " (12)
للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ .
وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية (13) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله : (( تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم )) (14).
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً ؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة ، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع ، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا ، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها ؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ هِيَ مَعْرِفَة صحة الْحَدِيْث أو ضعفه ، فمدار قبول الْحَدِيْث غالباً عَلَى إسناده ، قَالَ القاضي عياض : (( اعلم أولاً أنّ مدار الْحَدِيْث عَلَى الإسناد فِيْهِ تتبين صحته ويظهر اتصاله ))(15).
وَقَالَ ابن الأثير (16) : (( اعلم أنّ الإسناد في الْحَدِيْث هُوَ الأصل ، وعليه الاعتماد ، وبه تعرف صحته وسقمه )) (17) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين .
قَالَ سفيان الثوري : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) (18) .
وهذا أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج (19) يقول : (( إنما يعلم صحة الْحَدِيْث بصحة الإسناد )) (20) .
وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك : (( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء )) (21).
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ من أجل أن لا ينضاف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث ؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف ، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة رضي الله عنهم إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ – كَمَا اهتموا بالإسناد – بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد ، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي ؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة ، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) (22) .
ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى ؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها ، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى ، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث ، وتأتي البقية في سند آخر ؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل : (( الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً )) (23) .
وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي (24) : (( الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات )) (25) .
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
ويعرف – أَيْضاً – بجمع الطرق : الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً ، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح ،
فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة . قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه " الجامع الصَّحِيْح " :
(( وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار ، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك ؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام ، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ ما وصفنا من الزيادة ، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن ، ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيأته إذا ضاق ذَلِكَ أسلم )) (26)
http://www.mnarat.net/vb/imgcache/3290.imgcache (http://upload.traidnt.net/)
<!-- / message -->