ياسر محمد
2011-12-13, 06:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيبنا محمد بن عبد الله و على أله و صحبه أجمعين . و بعد :
فلما ضعفت حجة أهل البدع و الضلال عن النيل من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب القائمة على الكتاب والسنة و بطل سحرهم الذي أرادوا به صرف الناس عن الحق الذي دعا إليه من التوحيد الخالص و السنة الصافية , لم يبق إلا التشويش عليه بما يعلم أهل العلم تهافته و بطلانه , صدا لعوام الناس عنه و تشويها لصورته لديهم , ومن ذلك أنهم يدعون أن الشيخ و دعوته هم المقصودون بقرن الشيطان الذي يطلع من نجد الوارد في الأحاديث , موهمين الناس أن نجدا هي نجد المعروفة اليوم , و الحق كما قد بينه غير واحد من العلماء أن المقصود بنجد في الحديث العراق وليس نجدا المعروفة اليوم و هذا هو المناسب للواقع فإن أعظم الفتن و أكبر البدع إنما ظهرت في العراق , ففيه قتل الحسين رضي الله عنه ومنه ظهر الخوارج و الشيعة الروافض والمعتزلة و غير ذلك مما لا نزال نراه و نسمعه إلى يومنا هذا.
ويكفي لإثبات هذا الأمر عند أهل الإنصاف ما رواه سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " اللهم بارك لنا في مكتنا ، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا فيشامنا ، و بارك لنا في صاعنا ، و بارك لنا في مدنا ، فقال رجل : يا رسول الله ! و في عراقنا ، فأعرض عنه ، فرددها ثلاثا ، كل ذلك يقول الرجل : و في عراقنا ، فيعرض عنه ، فقال : بها الزلازل و الفتن ، و فيها يطلع قرن الشيطان " . و قد صححه الألباني في الصحيحة ( 5 / 302)و قال : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
و روى الإمام أحمد في المسند قال : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ يَؤُمُّ الْعِرَاقَ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ .
لكنني لن أتحدث هنا عن المقصود بنجد , فقد أفاض غيري في بيان ذلك بما يكفي و يشفي , و إنما سأبين إن شاء الله تعالى معنى قرن الشيطان الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
فلنتأمل الآن هذه الأحاديث :
1 - روى الإمام مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ .
2- و روى أيضا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا .
3- و روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع قال قلت له : رأيت ابن عمر يصلي يوم النحر في أول النهار ؟ قال : لا ، ولا في غير يوم النحر حتى ترتفع الشمس ، قال : وكان ابن عمر يقول : أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ، وأما أنا فلا أنهى أحدا أن يصلي ليلا أو نهارا لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وقال : انه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس ، فلا يتحرى أحد طلوع الشمس ولا غروبها .
4- وقال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن بلال قال لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس لانها تغرب في قرن الشيطان.
إن هذه النصوص تدل بوضوح على المعاني التالية :
- قرن الشيطان قرن حقيقي يطلع و يقارن الشمس أحيانا و يفارقها أحيانا أخرى , و هذا الوصف لا ينطبق على أي رجل مهما كان إلا على الشيطان نفسه .
- طلوع قرن الشيطان يكون مع كل طلوع و غروب للشمس و هذا يكون كل يوم زمن النبي صلى الله عليه و سلم و قبله و بعده إلى يوم القيامة , فكيف ينطبق هذا على رجل عاش في القرن الثاني عشر من الهجرة لمدة محدودة ثم توفي رحمه الله .
- النهي عن الصلاة وقت الشروق و الغروب لأن الشمس تطلع و تغرب بين قرني الشيطان , فكيف يكون المقصود بعد هذا أن طلوع قرن الشيطان هو ظهور الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله إلا إذا كان الشيخ موجودا زمن النبي صلى الله عليه و سلم و إلى قيام الساعة و هذا باطل .
ومما يؤكد ذلك أن العلماء المتقدمين الذين تكلموا في معنى قرن الشيطان لم يقل أحد منهم إنه رجل معين سيخرج من نجد و لا من غيرها .
و قد نقل صاحب عون المعبود الأقوال في ذلك عند شرحه لحديث العلاء عن أنس المتقدم , فقال " ( بَيْن قَرْنَيْ شَيْطَان ) : أَيْ قَرِيبًا مِنْ الْغُرُوب قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله عَلَى وُجُوه ، فَقَالَ قَائِل مَعْنَاهُ مُقَارَنَة الشَّيْطَان الشَّمْس عِنْد دُنُوّهَا لِلْغُرُوبِ عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّ الشَّيْطَان يُقَارِنهَا إِذَا طَلَعَتْ فَإِذَا اِرْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اِسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا ، فَحُرِّمَتْ الصَّلَاة فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَى قَرْن الشَّيْطَان قُوَّته مِنْ قَوْلك أَنَا مُقْرِن لِهَذَا الْأَمْر أَيْ مُطِيق لَهُ قَوِيّ عَلَيْهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أَيْ مُطِيقِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يَقْوَى أَمْره فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِأَنَّهُ يُسَوِّل لِعَبَدَةِ الشَّمْس أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة . وَقِيلَ قَرْنه حِزْبه وَأَصْحَابه الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْس يُقَال هَؤُلَاءِ قَرْن أَيْ شُيُوخًا جَاءُوا بَعْد قَرْن مَضَوْا . وَقِيلَ إِنَّ هَذَا تَمْثِيل وَتَشْبِيه ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيل الشَّيْطَان لَهُمْ وَتَسْوِيفه وَتَزْيِينه ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ ، وَذَوَات الْقُرُون ، إِنَّمَا تُعَالِج الْأَشْيَاء وَتَدْفَعهَا بِقُرُونِهَا فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا دَفَعُوا الصَّلَاة وَأَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتهَا بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَان لَهُمْ حَتَّى اِصْفَرَّتْ الشَّمْس صَارَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا تُعَالِجهُ ذَوَات الْقُرُون وَتُدَافِعهُ بِأَرْوَاقِهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِيهِ خَامِس قَالَهُ بَعْض أَهْل الْعِلْم . وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَان يُقَابِل الشَّمْس حِين طُلُوعهَا وَيَنْتَصِب دُونهَا حَتَّى يَكُون طُلُوعهَا بَيْن قَرْنَيْهِ وَهُمَا جَانِبَا رَأْسه فَيَنْقَلِب سُجُود الْكُفَّار عِبَادَة لَهُ . اِنْتَهَى كَلَام الْخَطَّابِيِّ . وَهَذَا الْوَجْه الْخَامِس رَجَّحَهُ شَيْخنَا الْعَلَامَة الدَّهْلَوِيُّ "
أقول : وما رجحه العلامة الدهلوي هو الأقرب إلى مضمون الأحاديث الثابتة الموضحة لمعنى قرن الشيطان كما مر معنا .
و قد خص النبي صلى الله عليه و سلم نجدا- بادية العراق - بالكلام لأنها في جهة الشرق بالنسبة للمدينة النبوية المشرفة و المشرق هو الجهة التي تطلع منها الشمس و قرن الشيطان يقارن الشمس عند شروقها .
و لهذا جاءت أحاديث أخرى بلفظ المشرق أو مطلع الشمس بدل نجد أو العراق مما يدل على إرادة جهة الشرق حيث تطلع الشمس .
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد قال حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا وَيَمَنِنَا وَشَامِنَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَقَالَ مِنْ هَاهُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ مِنْ هَاهُنَا الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ .
وما رواه مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ .
و بهذا يتجلى لكل منصف أن قرن الشيطان لا يمكن أن يقصد به لا الشيخ ابن عبد الوهاب و لا دعوته , أما من كان مذهبه "عنزة و لو طارت " فأمره إلى الله. و يأبى الله إلا أن يتم نوره .
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيبنا محمد بن عبد الله و على أله و صحبه أجمعين . و بعد :
فلما ضعفت حجة أهل البدع و الضلال عن النيل من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب القائمة على الكتاب والسنة و بطل سحرهم الذي أرادوا به صرف الناس عن الحق الذي دعا إليه من التوحيد الخالص و السنة الصافية , لم يبق إلا التشويش عليه بما يعلم أهل العلم تهافته و بطلانه , صدا لعوام الناس عنه و تشويها لصورته لديهم , ومن ذلك أنهم يدعون أن الشيخ و دعوته هم المقصودون بقرن الشيطان الذي يطلع من نجد الوارد في الأحاديث , موهمين الناس أن نجدا هي نجد المعروفة اليوم , و الحق كما قد بينه غير واحد من العلماء أن المقصود بنجد في الحديث العراق وليس نجدا المعروفة اليوم و هذا هو المناسب للواقع فإن أعظم الفتن و أكبر البدع إنما ظهرت في العراق , ففيه قتل الحسين رضي الله عنه ومنه ظهر الخوارج و الشيعة الروافض والمعتزلة و غير ذلك مما لا نزال نراه و نسمعه إلى يومنا هذا.
ويكفي لإثبات هذا الأمر عند أهل الإنصاف ما رواه سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " اللهم بارك لنا في مكتنا ، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا فيشامنا ، و بارك لنا في صاعنا ، و بارك لنا في مدنا ، فقال رجل : يا رسول الله ! و في عراقنا ، فأعرض عنه ، فرددها ثلاثا ، كل ذلك يقول الرجل : و في عراقنا ، فيعرض عنه ، فقال : بها الزلازل و الفتن ، و فيها يطلع قرن الشيطان " . و قد صححه الألباني في الصحيحة ( 5 / 302)و قال : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
و روى الإمام أحمد في المسند قال : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ يَؤُمُّ الْعِرَاقَ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ .
لكنني لن أتحدث هنا عن المقصود بنجد , فقد أفاض غيري في بيان ذلك بما يكفي و يشفي , و إنما سأبين إن شاء الله تعالى معنى قرن الشيطان الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
فلنتأمل الآن هذه الأحاديث :
1 - روى الإمام مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ .
2- و روى أيضا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا .
3- و روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع قال قلت له : رأيت ابن عمر يصلي يوم النحر في أول النهار ؟ قال : لا ، ولا في غير يوم النحر حتى ترتفع الشمس ، قال : وكان ابن عمر يقول : أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ، وأما أنا فلا أنهى أحدا أن يصلي ليلا أو نهارا لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وقال : انه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس ، فلا يتحرى أحد طلوع الشمس ولا غروبها .
4- وقال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن بلال قال لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس لانها تغرب في قرن الشيطان.
إن هذه النصوص تدل بوضوح على المعاني التالية :
- قرن الشيطان قرن حقيقي يطلع و يقارن الشمس أحيانا و يفارقها أحيانا أخرى , و هذا الوصف لا ينطبق على أي رجل مهما كان إلا على الشيطان نفسه .
- طلوع قرن الشيطان يكون مع كل طلوع و غروب للشمس و هذا يكون كل يوم زمن النبي صلى الله عليه و سلم و قبله و بعده إلى يوم القيامة , فكيف ينطبق هذا على رجل عاش في القرن الثاني عشر من الهجرة لمدة محدودة ثم توفي رحمه الله .
- النهي عن الصلاة وقت الشروق و الغروب لأن الشمس تطلع و تغرب بين قرني الشيطان , فكيف يكون المقصود بعد هذا أن طلوع قرن الشيطان هو ظهور الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله إلا إذا كان الشيخ موجودا زمن النبي صلى الله عليه و سلم و إلى قيام الساعة و هذا باطل .
ومما يؤكد ذلك أن العلماء المتقدمين الذين تكلموا في معنى قرن الشيطان لم يقل أحد منهم إنه رجل معين سيخرج من نجد و لا من غيرها .
و قد نقل صاحب عون المعبود الأقوال في ذلك عند شرحه لحديث العلاء عن أنس المتقدم , فقال " ( بَيْن قَرْنَيْ شَيْطَان ) : أَيْ قَرِيبًا مِنْ الْغُرُوب قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله عَلَى وُجُوه ، فَقَالَ قَائِل مَعْنَاهُ مُقَارَنَة الشَّيْطَان الشَّمْس عِنْد دُنُوّهَا لِلْغُرُوبِ عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّ الشَّيْطَان يُقَارِنهَا إِذَا طَلَعَتْ فَإِذَا اِرْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اِسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا ، فَحُرِّمَتْ الصَّلَاة فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَى قَرْن الشَّيْطَان قُوَّته مِنْ قَوْلك أَنَا مُقْرِن لِهَذَا الْأَمْر أَيْ مُطِيق لَهُ قَوِيّ عَلَيْهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أَيْ مُطِيقِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يَقْوَى أَمْره فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِأَنَّهُ يُسَوِّل لِعَبَدَةِ الشَّمْس أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة . وَقِيلَ قَرْنه حِزْبه وَأَصْحَابه الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْس يُقَال هَؤُلَاءِ قَرْن أَيْ شُيُوخًا جَاءُوا بَعْد قَرْن مَضَوْا . وَقِيلَ إِنَّ هَذَا تَمْثِيل وَتَشْبِيه ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيل الشَّيْطَان لَهُمْ وَتَسْوِيفه وَتَزْيِينه ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ ، وَذَوَات الْقُرُون ، إِنَّمَا تُعَالِج الْأَشْيَاء وَتَدْفَعهَا بِقُرُونِهَا فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا دَفَعُوا الصَّلَاة وَأَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتهَا بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَان لَهُمْ حَتَّى اِصْفَرَّتْ الشَّمْس صَارَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا تُعَالِجهُ ذَوَات الْقُرُون وَتُدَافِعهُ بِأَرْوَاقِهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِيهِ خَامِس قَالَهُ بَعْض أَهْل الْعِلْم . وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَان يُقَابِل الشَّمْس حِين طُلُوعهَا وَيَنْتَصِب دُونهَا حَتَّى يَكُون طُلُوعهَا بَيْن قَرْنَيْهِ وَهُمَا جَانِبَا رَأْسه فَيَنْقَلِب سُجُود الْكُفَّار عِبَادَة لَهُ . اِنْتَهَى كَلَام الْخَطَّابِيِّ . وَهَذَا الْوَجْه الْخَامِس رَجَّحَهُ شَيْخنَا الْعَلَامَة الدَّهْلَوِيُّ "
أقول : وما رجحه العلامة الدهلوي هو الأقرب إلى مضمون الأحاديث الثابتة الموضحة لمعنى قرن الشيطان كما مر معنا .
و قد خص النبي صلى الله عليه و سلم نجدا- بادية العراق - بالكلام لأنها في جهة الشرق بالنسبة للمدينة النبوية المشرفة و المشرق هو الجهة التي تطلع منها الشمس و قرن الشيطان يقارن الشمس عند شروقها .
و لهذا جاءت أحاديث أخرى بلفظ المشرق أو مطلع الشمس بدل نجد أو العراق مما يدل على إرادة جهة الشرق حيث تطلع الشمس .
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد قال حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا وَيَمَنِنَا وَشَامِنَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَقَالَ مِنْ هَاهُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ مِنْ هَاهُنَا الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ .
وما رواه مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ .
و بهذا يتجلى لكل منصف أن قرن الشيطان لا يمكن أن يقصد به لا الشيخ ابن عبد الوهاب و لا دعوته , أما من كان مذهبه "عنزة و لو طارت " فأمره إلى الله. و يأبى الله إلا أن يتم نوره .
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات