المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تفرطوا في


معاوية فهمي إبراهيم مصطفى
2018-10-26, 07:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيـــــــم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-

(( لا تفرطوا في جنب الله ))
حينما يكون المؤمن في مجتمع فاسد شارد، في مجتمع ترتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق، في مجتمع يكثر فيه الكذب والنفاق، في مجتمع تحكمه المصالح لا المبادئ، مجتمع يعلو فيه الفُجَّار، ويبتعد المستقيمون عن الأضواء، إذا كان المؤمن في مثل هذا المجتمع فله أن يعتزله لأن الله عز وجل يقول :


وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا

[الكهف:16]


لهذا قال عليه الصلاة والسلام في حديثه عن آخر الزمان:

((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر

بدينه من الفتن)) .

[ أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري ]


لذلك ما لم تشعر بالغربة في مجتمع الفساد والتفلت، ما لم تشعر بالغربة في مجتمع النفاق والمعاصي والآثام، لن تكون مؤمناً. يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:


(( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. ))

[ أخرجه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة]


ولكن أين "الكهف" في أيامنا هذه؟ إنه المسجد، إنه البيت. يقول عليه الصلاة والسلام:


((إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة. ))


وقد فسر علماء الحديث خاصة النفس أنهم أقرباؤك وجيرانك وأصحابك، أي عليك بمن تثق بهم، ودع عنك أمر العامة، وهذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام في زمن الفتن، يدعوك إلى أن تكون حذراً من الناس إذا رأيت: (( شحًا مطاعًا وهوىً متبعًا )). والشح المطاع هنا هوالمادة التي أصبحت في أيامنا هذه إلهاً يُعبد من دون الله. هناك من يبيع دينه وعرضه بعرض من الدنيا قليل، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً. فإذا كنت في مثل هذا المجتمع فكن مع المؤمنين الصادقين لأن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذّ في النار. يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:


((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.))


قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

[المائدة:24-25]


والفاسقون هم الغارقون في شهواتهم ونفاقهم ومصالحهم، الغارقون في التنافس على الدنيا وفي ظلمهم للفقير. وقد يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان فقط. فإذا كان الإنسان من القلة المؤمنة فهذه نعمة لا تقدر بثمن، أما إذا كان من الكثرة الكافرة فهذه مصيبة خطيرة. هذا الكلام الدقيق يعلمنا أنك إذا كنت في مجتمع فاسد فعليك ألا تنصهر فيه بل أن يكون لك مجتمعك الخاص بك. انظر إلي اليهود، أؤلئك الذين شُتِتوا في الآفاق حتى أنهم سُموا "شذّاذ الآفاق"، في أي مكان في الأرض لديهم حارة اسمها حارة اليهود، يحافظون على قوميتهم وعلى دينهم وعلى لغتهم، ويا حبذا لو قلد المسلمون هؤلاء إذا سافروا بعيداً عن أوطانهم.


إذا فسد المسلمون استحقوا أن يتخلى الله عنهم وألا ينصرهم على أعدائهم، بل استحقوا أن يسلط عليهم أعداءهم فينتهكون حرماتهم ويفقرونهم ويضلونهم ويفسدونهم ويذلونهم، فماذا عليك أن تفعل أنت أيها المؤمن؟ عليك أولاً أن تأمر بالعروف وتنهى من المنكر ومن ثم عليك نفسك.


يا أيها الذين آمنوا في أي وقت من الأوقات، وفي أي عصر من العصور، وفي أي ظرف من الظروف، أؤمروا بما أمر به الله وانهوا عما نهى عنه ثم عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وإذا كنتم مع الله مستقيمين على أمره فلكم معاملة خاصة. يقول الله عز وجل:


وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

[الأنبياء:88]


إذا كنت في مجتمع التفلت فعليك بالتوبة إلى الله وطاعته ولك معاملة خاصة منه لأن زوال الكون أهون على الله من أن يذهب الطائع مع العاصي. الطائع إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإن الله ينجيه. أما إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر وقال: "علي نفسي" فمن بعد ذلك الهلاك. لذلك حينما أرسل الله الملائكة لإهلاك قرية قالوا: "يا رب، إن فيها رجلاً صالحًا"، قال: "به فابدؤوا"، قالوا: "ولمَ يا رب؟" قال: "لأنه كان لا يتمعر وجه لمنكر رآه".

الله عز وجل يبين لنا أنه لا يُهلك إلا القرية التي ليس فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذه حقائق ينبغي أن تكون مسقطة على واقعنا اليوم.


وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا

[الإسراء:8]


أيها المسلمون... أيها العرب... عودوا إلى الله يعود الله لنصركم لأن الله لا ينصر القوم الفاسقين، لا ينصر القوم المنحرفين المنافقين العصاة. إن الله ينصر عباده المؤمنين. فما نزل بلاء إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة. ما يجري في الساحة العربية والإسلامية شيء مؤلم جداً. وأحياناً يبالغ أعداؤنا في إذلال المسلمين وفي إفقارهم وفي إضلالهم وفي إفسادهم. ولكن اللهُ مع الحقِّ، فإذا أردنا أن نسترجع ما لنا من مكانة عند الله فعلينا بطاعته والعودة إليه.

والحمد لله رب العالمين.
***********