أنصار السنة

أنصار السنة (https://www.ansarsunna.com/vb/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية (https://www.ansarsunna.com/vb/forumdisplay.php?f=43)
-   -   مع لا مية ابن الوردي / د. عثمان قدري مكانسي (https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=109140)

Nabil 2020-12-08 01:41 PM

مع لا مية ابن الوردي / د. عثمان قدري مكانسي
 
[SIZE="6"][B][FONT="Arial"][CENTER][COLOR="Navy"] مع لا مية ابن الوردي رحمه الله تعالى

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/CENTER]

[RIGHT][COLOR="Blue"]
قال صاحبي : لعلك قرأت لا مية زين الدين الوردي؟ .
قلت : وأنا معجب بها ، ففيها حِكم وعظات ، وخبرة واعية في الحياة لخصها صاحبها رحمه الله خفيفة على البحر الوافر ذي النغمة الموسيقية مقام " البيات " ، وما أقرؤها إلا هكذا- منغمة- أوقاتَ فراغي أو بين معارفي .
قال : أوَما وجدت فيها بعض الأفكار غير الناضجة ؟
قلت : ألا تذكر قول ابن برد :

[CENTER]ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ؟ * كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدّ معايبُه [/CENTER]

قال : ولكنها أخطاء شاعر كبير !..
قلت : تذكر قول الإمام مالك رضي الله عنه وهو في مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول منبهاً إلى الطبيعة البشرية الناقصة : " ما من رجل إلا أخذ منه ورُدّ عليه إلا صاحب هذا القبر " وأشار إلى حيث يثوي الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ,...
وأردفت متسائلاً : ثم قل لي يا صاحِ : أهي أخطاء فادحة ؟ إني لا أرى ما تقوله ، فهلا أفصحت فما كان يخطر ببالي ما تظنه؟ .
قال : ليست أخطاء بل مآخذ قد أكون المخطئ فيما فهمت ، إنما هي أفكار أود طرحها في لقائنا فأردت استثارتك ، وهذا أسلوب لقدح العقول وشحذ القرائح .
قلت : لا حاجة إذاً للخوض فيما نتفق ، فهات ما تظنه نقصاً أو أفكاراً غير ناضجة كما ذكرتَ، علني أوافقك عليه أو أناقشك في ما لم يرق لك .
قال فلنبدأ بالمقدمة :
[CENTER]اعتزل ذكر الأغاني والغزل * وقل الفصل وجانب من هزلْ
ودع الـذكـر لـأيـام الـصـبــا * فـلأيــام الصـبـــا نجــم أفــَـلْ
إن أهـنــا عـيشـة قـضـّيتـُهـا * فـنيـت لـذّاتهـا ، والإثـمُ حــلْ
واترك الغادة ، لا تحفل بهـا * تُمسِ في عـزّ رفـيع ، وتُجَـلْ[/CENTER]

فابن الوردي يدخل علينا بالأمر : اعتزل ودع واترك ولاتحفل .. والأمر الكثير منفـّر، لا أرتاح له . ويطلب إلينا أن نعتزل النغم والشدو ، وهو سجية من سجايا الإنسان التي جبل عليها ،، وربما أراد التخفيف منها لا تركها بالكليّة ، إلا أنه – برأيي لم يوفق في ذلك .. كما أنه يأمر بنسيان الماضي – أيام الصبا والجمال – ومن منا يرضى أن ينسى أحلى أيام حياته – الشباب - ؟ وعلام ينساه ، والشباب جنة الحياة ونسغها النضير المتفجر بالحيوية والقوة ؟! وهل الحياة إلا ذكرى وحاضر ومستقبل ؟ ولا يقوم الأخيران إلا على الماضي .. ولئن أفل الماضي إنه ليعيش فينا ، ونتنسمه مسكاً وريحانا .

ومَن قال إن الإثم ملازم أحلى أيام قضيناها ؟! وهل بالضرورة أن يكون السعد بما يغضب الله تعالى ؟! إنها لأفكار شيطانية لا يقول بها إلا من انغمس شبابـَه بالأخطاء ، فلما كبر وعقل ذهبت النشوة وجاءت الحسرة ، وقد كانت حياتنا في صبانا طيبة النشر عبقة الرائحة ، ولم يكن فيها إثم بفضل الله ورعايته ، إنما كانت في مرضاة الله وطاعته ، ولئن ذهبت لذّاتُ الشباب إن للكهولة والشيخوخة وكل مراحل الحياة لذاتٍ خاصة بها ، تناسبها ويسعد الإنسان بها . ولو ذهبتِ اللذاتُ كما يدّعي زين الدين ابن الوردي لانقلبت حياة الناس جحيماً . ولطلبوا الموت

وعلى هذا تراه يطلب التحول عن الغادة وعدم الاهتمام بها ، وكأن اللذات عنده مادية فقط ! ولمَ لا تكون الزوجة – مثلاً – غادة الرجل ؟ ولماذا ينصرف الرجل عن المرأة الصغيرة أو الكبيرة مادام يرى في نفسه الرجولة ؟ أليس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم منارات وقدوة في كل مناحي الحياة ؟! .

وتعال معي إلى أبياته التالية تخجل من التصوير الذي رسمه للغلام الأمرد في غير موضعه ، وسمّه إن شئت تكلفاً ولزوماً من الشاعر لا يلزم :

[CENTER]والـْـهُ عـن آلـة لـهــو أطـربـتْ * وعن الأمـرد مـرتجّ الكفـلْ
إن تبَدّى تنكسفْ شمسُ الضحى * وإذا ما ماس يُزري بالأسلْ
زاد إن قـِسـنــاه بالـبـدر ســنــا * أو عدلنـاه بغصن فـاعتـدل [/CENTER]

فهو يسمح لنفسه أن ينظر إلى ارتجاج كفل الفتى فيصورَه ، وإلى صباحة وجهه الأمرد ، وجعلَ جماله يفوق الضوء الشمس ، وميلانه في مشيته ممشوقاً يزري بليونة الرماح النضرة ، وهو أجمل من القمر.. و .. صور مبتذلة تثير التقزز ، وتقدح بالمعنى الذي يتلوه مباشرة :

[CENTER]وافتكـر في منتهى حسـن الذي * أنت تهـواه تجد أمراً جـلـلْ[/CENTER]

قد انتقل من الأسود إلى الأبيض مباشرة ، فأحرق الصورة الثانية بما أثار من شهوات في الصورة الأولى .
لم أكن أخالف صاحبي كثيراً فيما قاله ، فنحن من مدرسة نقدية واحدة ، وكثيراً ما سمع مني وسمعت منه ، فكنا متقاربين في النظرات ، نتغاضى عن ثانويات ما نختلف فيه .
قلت هات ، فأنا مصغ إليك .
قال : ويقول ابن الوردي في الدنيا :

[CENTER]اطـرح الـدنـيـا فمن عـاداتهـا * تخفُض العالي وتعطي من سفلْ
كم جهـولٍ بات فـيهـا مكـثـراً * وعــليـمٍ بـات مـنهــا فـي عـلـلْ
فـاتـرك الحيـلـة فيهــا واتـئـد * إنمـا الحـيـلـة في تـرك الحـيــلْ[/CENTER]

فالشاعر زين الدين يرى الدنيا على حقيقتها ، ويعلم أن الرزق مقسوم ، وليس للذكاء و" الفهلوية " دور في الحصول على الرزق ، والله تعالى يقول : { [COLOR="Green"]وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[/COLOR] (22)} [الذاريات]،
ويؤمن بقوله سبحانه : { [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[/COLOR] (37)} [آل عِمران] .
فيطلب الشاعر أن ندع الاهتمام بتحصيل المال ونبتعد عن التحايل له .
قلت : ثم ماذا؟
قال : يقول الشاعر بعدها :

[CENTER]اكتـم الأمريـن فـقـراً وغنى * واكسب الفلس وحاسب من بطلْ[/CENTER]

فنصح بالعمل والبحث عن المال !
قلت لم يتعدّ أن فعل ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم .
قال كيف ؟
قلت : ألم يأمر الشاب الذي طلب مساعدة - ورآه جلداً- أن يحتطب ، وقال صلى الله عليه وسلم:
" [COLOR="Magenta"] لأَن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل ، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره ، فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوه أو منعوه[/COLOR] "
ثم اقرأ ما قاله متألماً من عصره ومن أيامنا هذه - لو كان حياً – إذ رأى الناس يعظمون صاحب المال ويقدمونه على الفقير :

[CENTER]غيـر أني في زمان من يكن * فيـه ذا مـال هـو المولى الأجـلّ
واجب عنـد الـورى إكرامُـه * وقـلـيــل المـال فـيهـم يُســتـقــَلّ
[/CENTER]
ثم يعلن ما ينبغي أن يكون بحق : أن صاحب الفضل لا يعيبه قلة المال أبداً :

[CENTER]لا يضر الفضـلَ إقلالٌ كمـا * لا يضر الشمسَ إطبـاقُ الطفـلْ[/CENTER]

قال صاحبي : لم أكن أقصد التعالم أو النيل من الشاعر رحمه الله ، فحسبه كرامة أن أجرى الله تعالى قصيدته هذه بين الناس ، فعرفها القاصي والداني على مرِّ القرون ، وأفادوا منها ، إلا أنني أتساءل ليس غير، وأريد الوصول إلى الحق .
قلت هات غيرها يا صاح ،
فقال : ينهى الشاعر الناس أن يفخروا بجدودهم وأصولهم ، ويحضهم على الاعتماد على أنفسهم كي لا يكونوا خاملين فيقول :

[CENTER]لا تقل : أصلي وفصلي أبداً * إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسود المرءُ من غير أب * وبحسن السبك قد ينفى الدغل
قـيـمـة الإنـسـان ما يحـسنـه * أكثـرَ الإنـسانُ مـنـه أو أقــَلّ [/CENTER]

ثم تراه بعد ذلك يفخر أنه من نسل الصديق رضي الله عنه فيقول :

[CENTER]غـيـر أني أحمد اللهَ عـلى * نسـبي ، إذ بأبي بكـر اتصلْ[/CENTER]

قلت لا ضير أن يعتمد الرجل على نفسه ، ثم يحمد الله تعالى أنه ينتسب إلى رجل عظيم كالصديق رضي الله عنه ، فيكون قد جمع بين الحسنيين ، العمل الصالح والنسب الأصيل .
ثم رأيت صاحبي ينظر إليّ بعين العتب ، فقلت : مالك ؟
قال : شكوتُ من بعض الأفكار ابتداء وظننت ُ أنها غير ناضجة ليس إلا .
قلت : أبقيَ شيء ؟
قال : نعم ، واحدة .. ترى الشاعر ينصح ، ونصائحه رائعة ، إلا أنه يفخر بنفسه ويعتد بها مع تحد واضح ، وهذا من الناصح المعلم ممجوج ، كقوله :

[CENTER]أنـا مثـل المـاء سـهـلٌ سـائغ * ومتـى أســخـَنَ آذى وقـتــلْ
أنا كالخيـزور صعب كسـرُه * وهْـو لـَدنٌ كيفما شئت انفتل[/CENTER]

قلت : لا تنس يا صاح أن من نصائحه التي أعجبتنا أن يحني الإنسان رأسه للإعصار القوي المدمر ليسلم منه ، ينحني لا عن ذل وضعف إنما عن حكمة وتبصر حين قال :

[CENTER]جانب السلطان واحذر بطشه * لا تعـانـد مَن إذا قـال فعـلْ[/CENTER]

ومن ذلك مداراة السفيه وعدمُ مصادمته والصبرُ عليه ، أو الانتقالُ عنه دون مشاكل :

[CENTER]دار جار السوء بالصبر وإن * لم تجِدْ صبراً فما أحلى النقلْ[/CENTER]

فلربما ظن قارئ القصيدة ومن سمعها ضعفَ الشاعر وخورَه ، فهو ينفي عنه ذلك ، ويؤكده قولُ المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه :
" [COLOR="magenta"]ليس الشديد بالصّرَعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[/COLOR] . "
ألم يصبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بطل الأبطال على أذيَة قومه ، وإساءاتهم ؟ فلا بد من الصبر على الحياة والناس بقوة وحكمة وشجاعة ...[/COLOR][/RIGHT]

[/FONT][/B][/SIZE]


الساعة الآن »06:56 AM.

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة - فقط - لأهل السنة والجماعة