كيف تم ذلك ؟؟
 

عرضت لي الليلة اغراض حركتني الى حمل كتاب " اباطيل و اسمار " ، و مسح ما علق به من غبار ، و قد انقضت سنتان على اخر مرة لمسته فيها ، و اخذت اقلب بصري في رسالة الكتاب ، و التي اثبتها الاديب الاريب _ رحمه الله _ في بداية كتابه ، حتى انتهيت الى قوله : ( فهذه الفصول التي كتبتها ، ترفع اللثام عن شيء من هذه القصة التي تجري أحداثها في أخطر ميدان من ميادين هذا الصراع ، و هو ميدان « الثقافة » و « الأدب » و « الفكر » جميعا . و يزيده خطرا : أن الذين تولوا كِبر هذا الصراع ، و الذين ورثوهم من خلفهم ، إنما هم رجال منا ، من بني جلدتنا ، من أنفسنا ، ينطقون بلساننا ، و ينظرون بأعيننا ، و يسيرون بيننا آمنين ، بميثاق الأخوة في الأرض ، أو في الدين ، أو في اللغة ، أو في الجنس ) و انتهى الى ذهني ما كان مؤخرا من اقرار الفرنسية لغة لتدريس العلوم بالمرحلة الثانوية ، و كيف عمل على ذلك رجال من وراء الستر المسدلة ، و قد سبق اشرت الى هذه النقطة في مقالاتي ، التي كتبتها قبل سنة ، و التي سميتها " العربية الشريفة و العامية "(1) و ادرت الكلام عليها ، فاقمت حجتي على ادعائي و اظهرت برهاني على اقوالي.

لم نجد امة سلكت سبيل امة غيرها و احرزت السبق و التقدم و الريادة ، و انما تكون تابعة ذليلة ، منحطة القدر صغيرة القيمة ، و قد عشنا زمنا و قضينا طورا نجرب في المناهج و نختبر السبل ، فلم نحقق ريادة و لم نحرز سبقا ، و كل ما حققناه و قدرنا عليه هو ان نقول كلما احرزت امة او دولة تقدما علميا : ان لغتها هي لغة العلم ، فاذا راينا دولة اخرى حققت شيئا قلنا في لغتها مثل الذي قلناه في التي سبقتها .

عندما يخرج احدهم و يقول انه يجب ايلاج العربية و جعل نصيب لها في البحث العلمي لانها لغتنا و لغة كتابنا ، ثم يقول هو نفسه ، في يوم اقرار الفرنسية لغة لتعليم الشعب العلمية في المرحلة الثانوية : ان هذا اليوم هو يوم مشهود ، فلك حينها ، يا صاحبي ، ان تعجب كل العجب.


ان ضرورة تدريس اللغات الى جميع ابناء المغاربة ،بل الى جميع بني ادم باختلاف مللهم و نحلهم و اوطانهم و توجهاتهم بل و الى جميع الدواب و الانعام ، لا يختلف فيه عاقلان ، لكن هناك فرق بين تدريس اللغات و بين التدريس باللغات ، فلا تجد عاقلا ، يحترم عقله و يحترم عقول الناس، يزعم ان تدريس الرياضيات او الفيزياء بلغة معينة سيساهم في تعلم تلك اللغة .

و انا لم احمل القلم هذه المرة لبيان قوة العربية و اظهار كمالها و ضعف غيرها و نقصانه ، لا يا صاحبي لم احمل القلم لهذا الغرض و لم اجعله نصب عيني و انا اكتب هذه الكلمات ، و ذلك ان من خالفونا الراي و اقروا القرار لم يقيموا على رايهم حجة و لم يقدموا على ادعائهم برهانا ، و انما حملته لالمح لاشياء علمها من علمها و جهلها من جهلها ، و لو انه تمت الدعوة الى تدريس العلوم بالانجليزبة ، لوجدنا الاعذار و لقلنا : ان من كثرة ترويج اهل الباطل لبضاعتم الكاسدة اصبحت هذه البضاعة مسلمة من المسلمات و ضرورة من الضرورات.

ان دعوات الاصلاح و التجديد و التطوير التي ظهرت في العالم العربي قبل ما بزيد عن قرن من الزمان ، لم يقدم اصحابها و لا من حملوا هم الدعوة اليها و التروبج لها اي شيء معتبر يصح الاحتجاج به في ميزان العقل و النظر و التجريب ، و مجمل دعوتهم يدور على ترديد الكلمات الرنانة التي تلوكها الالسن و تتلمضها الافواه

ان ما حصل من اقرار لهذا القرار و المصادقة عليه ،و ما صاحبه من تغير للاراء تبديل للمواقف ، يؤكد ما رميته من طرف خفي قبل سنة تقريبا حين انشأت مقالات العربية الشريفة و العامية ، و هذا نصه : ( و لكن السؤال : لما كل هذا التواطئ على الغض من ذكر العربية و الحط من قدرها ؟؟؟ مع ان معرض الكلام و معرض النقاش هو حول ادخال العامية في العربية ، و ليس هل العربية لغة علم او لا ، و هذا ان كنا سنفسره بامر ، فلا يمكن تفسيره الا بان نقول : ان المتكلم ياتي بفكرة مسبقة يريد تفجيرها في وجوهنا ، اما الان او لاحقا .) (2)

لقد بارت و كسدت لغات من قبل ، و تبور و تكسد لغات اليوم ، و ستبور و تكسد لغات في الغد ، و تبقى العربية كما هي كاملة ثابتة ، لا ترتعد فرائصها و لا يهتز طرفها ، و ان لم يدافع عنها احد ، و لن تسقط هنا حتى تقوم لها قائمة و يشتد عودها في مكان اخر ، بعز عزيز و ذل ذليل ، و ما ذلك الا وعد ربنا الذي وعدنا ، و دليل ذلك هو التاريخ ، فقد سقطت لغاتو لم تسقط العربية الشريفة ، و قد تكسرت عليها كل المعاول ، و ما الذل الذي تعيشه امتنا اليوم ، و من قبل ، الا باهمال لغتنا .
و اما دفاعنا عنها ما هو الا ابراء للذمة و طمع في الاجر و تزود بشيء نحتج به عن انفسنا اذا ما سئلنا ، يوم لقاء ربنا ماذا قدمنا لديننا و للغتنا


******************
(1) هذا رابطها ان شئت مراجعتها
[url]https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=97539[/url]

(2) انظر المقالة الثالثة

كتب: الخميس 6 ذو الحجة 1440 (08/08/2019)