أنصار السنة - راي الاستاذ في المستشرقين

[SIZE="5"]استمعت قبل ايام لتسجيل لاحد الباحثين يزعم فيه ان الاستاذ شاكرا ، كان له راي في المستشرقين ، غير الذي اعره و تعرفه ، و غير الذي نجده متواترا في كتبه ، و انه رحمه الله ، لم يكن يزري بهم و يحط من قدرهم الا اذا استغضب ، و اما اذا لم يستغضب فانه ينصفهم و ينزلهم منازلهم ، و حجته انه تتبع الاحالات التي في كتب الاستاذ فوجده يحيل كثيرا الى كتب القوم ، و نحن نعرف ان الاستاذ شاكرا ، كان حاد الطبع ، و لكن لم نعلم عنه يوما انه كان متقلب المزاج ، الا ان تكون منزلتهم الطبيعية التي ينزلهم اياها الاستاذ ، و هو في حالة من سكون الطبع و هدوء النفس ،هي ازدراء ارائهم و تسفيه عقولهم ، فهنا نتفق مع الاخ الباحث في الذي ذهب اليه .

و قد رايت ان انقل راي الاستاذ في القوم ، من كتاب كتبه و هو على حالة من الهدوء و السكون ، فلم يكن خلال كتابته يعرض لشيء غير بيان منهجه و شرحه ، و كتاب " رسالة في الطريق الى ثقافتنا " و الذي كتبه مقدمة للطبعة الثانية لكتابه عن المتنبي .

و سانقل لك هنا فقرة واحدة ، دون غيرها ، لان غيرها يدور في فلكها و معناها سواء في فقرات المقدمة او في فقرات المقدمات التي وضعها للكتب التي حققها ، و ساعود بعد نقلها لك لبيان ما فيها باختصار شديد ، و ذلك اني اكتب اليك الان على عجل مني .

يقول ، رحمه الله ، " والمستشرق فتى أعجمي، ناشئ في لسان أمته وتعليم بلاده، مغروس في آدابها وثقافتها، حتى استوى رجلًا في العشرين من عمره أو 25، فهو قادر أو مفترض أنه قادر تمام القدرة على التفكير والنظر، ومؤهل أو مفترض أيضًا أنه مؤهل أن ينزل في ثقافته ميدان المنهج وما قبل المنهج بقدم ثابتة. نعم، هذا ممكن أن يكون كذلك؛ ولكن هذا الفتى يتحول فجأة عن سلوك هذه الطريق ليبدأ في تعليم لغة أخرى، (هي العربية هنا)، مفارقة كل المفارقة للسان الذي نشأ فيه صغيرًا، ولثقافته التى ارتضع لبانها يافعًا، يدخل قسم اللغات الشرقية في جامعة من جامعات الأعاجم، فيبتديء تعلم ألف باء تاء، ويتلقى العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وشعرها وسائر آدابها وتواريخها عن أعجمي مثه! وبلسان غير عربي، ثم يستمع إلى محاضر في آداب العرب أو أشعارها أو تاريخها أو دينها أو سياستها بلسان غير عربي، ويقضي في ذلك بعض سنوات قلائل، ثم يخرج لنا مستشرقًا يفتي في اللسان العربي، والتاريخ العربي، والدين العربي! عجب وفوق العجب!! " ص 66/67
فهذه الفقرة تكشف عن الراي الصحيح للاستاذ في المستشرقين ، و هو على حالة ، كما اسلفنا ، من الهدوء و السكون ، فعلى هذا الراي الذي تحمله الينا هذه الفقرة من كلام الاستاذ ، فان كل عمل للقوم بدلوا فيه اجتهادهم و مثابرتهم ، و ادى بهم الى ان يكونوا حكما في دين العرب و لسان العرب و تاريخ العرب و ثقافة العرب و علوم العرب ، فانه محط ازدراء و تسفيه من الشيخ ، و ذلك للدوافع التي ذكرها ، و هذا لا يختلف فيه ذو عقل سليم و فكر مستقيم .

اما ما يكون من الاحالة الى بعض كتبهم ، فان هذا لا يعتد به في اظهار رايه الصحيح في القوم ، فهناك استثناءات ، ثم ان الحق الذي نحن عليه في ديننا ان نقر للمخالف بصواب رايه اذا اصاب فيه ، و لو كان في الغباء مستشرقا .

ثم اني رايت الاستاذ ينصف القوم و يثني على كتاباتهم ، من ناحية توجيهها الى المثقف الاوروبي ، فيقول " و المستشرق لا يذم لانه فعل كل ذلك ، لانه بلا ادنى شك قد ادى ما عليه لبني جلدته احسن اداء و اتمه ، و نصر اهل دينه و اخلص لهم كل اخلاص " فهذه هي الناحية التي مدح فيها الاستاذ القوم ، و هو في الوقت حينه يدور حول الافتاء لنا في ديننا و لساننا و تاريخنا و علومنا ، و لكنهم حين وجهوا دراساتهم الى قومهم لحماية عقولهم(1) ، كتبوها و هم يعرفون نوعية العقول التي كتبوا لها ذلك الهراء ، فلا يمكن لعربي مسلم ان يقبل ، و مثلا ، ان الحور في القران يقصد بها الاشجار ، لكن هكذا شاء غباء المستشرقين ، و هكذا شاء بعض انصاف المتقفين و المتأبين من بني جلدتنا ان ياخذوا بهذا القول و يقبلوا بهذه الفتوى من اشخاص لا يطيقون حتى قرائة نص عربي مقرر لثلاميذ السنوات الدراسة الابتدائية ، فضلا على ان يقولوا قولهم في علوم الامة ، مما انتجه رجالها و حملة الاقلام من ابنائها و قداح زناد الفكر من اعلامها ، عبر قرون طويلة متطاولة من الزمان

فالاستاذ شاكر ، رحمه الله ، كان رايه ثابتا في المستشرقين ، لا يتبدل و لا يتغير ، و لا يخضع للمزاج ، و انما كان رايه فيهم يقوم على علم بحالهم و منتهى علمهم ، و علم بما تقوم عليه ثقافة امته و طرق بلوغ اصولها ، و لهذا ابى على نفسه و على ابناء امته ان يقبلوا منهم الكلام في علوم الامة ، و ان يجعلوهم في ذلك حكما يرجع اليه .

*********
(1) الامر يتعلق بصاعة العقل الموحد و قد سبق و اشرت اليها في عدة مقالات

كتب: الاثنين 18 جمادى الآخر 1442 ( 09/02/2021)[/SIZE]