عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2009-06-17, 11:37 AM
صهيب صهيب غير متواجد حالياً
محاور
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-16
المشاركات: 6,291
افتراضي تخريج حديث أنا مدينة العلم



تخريج حديث
( أَنَا مَدِينـةُ العلمِ ، وعَليٌّ بَابها )
بقلم
خليفة الكواري
بسم الله الرحمن الرحيم
( مقدمة الطبعة الثانية )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أمّا بعد
فقد قمت بنشر هذا البحث وهو: ( تخريج حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ) في مجلة علمية بجامعة قطر ، والآن أعيد نشره مرة أخرى وقد أضفت عليه بعض التعديلات والزيادات وتصحيح الأخطاء التي وقعت مني في تلك الطبعة ، والتي لا يخلو منها كل إنسان .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحـمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آلـه وصحبه ومن والاه.
أَمَّـا بـعد ، فهذا تـخريج حـديث: ( أَنا مَـدينةُ العلمِ ، وعلي بَابـها ) ، وهـو حديثٌ قد تنازع العلماءُ فيه ، فهو ما بين مصحح ، ومُضَعف له ، ومن هو حاكم عليه بالوضع.
فأمّا مَن صَـحَحَه:
فأبو عبد الله الحاكم في: ( مـستدركه ).
وأَمّا من حَسَنه:
1. فالحـافظ العلائي في كتابـه:
( النقد الصحيح لما اعترض عليه من أَحاديث المصابيح ).
2. والحافظ ابن حجر في فُتْيا له.
قال السيوطي: سئل شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر عن هذا الحديث في فتيا ، فقال: ( هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال إنه صحيح ، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات ، وقال: إنه كذب ، والصواب خلاف قولهما معاً ، وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ، ولا ينحط إلى الكذب ، وبيان ذلك يستدعي طولاً ، ولكن هذا هو المعتمد في ذلك ).
3. والسخاوي في: ( المقاصد الحسنة ).
4. والشوكاني في: ( الفوائد المجموعة ).
وأَمّا مَن ضَعفه أو حكم عليه بالوضع:
1. فالإمام البخاري ، فإنَّه أنكره ، وقال: ( ليس له وجه صحيح ).
2. وقال الترمـذي: ( حديثٌ غريبٌ مـنكرٌ ).
3. وقال ابن حبان: ( هذا شيء لا أصل لـه من حديث ابن عباس ، ولا مجاهد ، ولا الأعمش ، ولا أبو معاوية حدّث به ، وكل من حدّث بهذا المتن ، فإنما سرقه من أبي الصلت هذا ، وإن أقلب إسناده ) ، وقال أيضاً: ( وهذا خبر لا أصل له عن النبي عليه الصلاة والسلام ).
4. وقال العقيلي: ( ولا يصح في هذا المتن حديث ).
5. وقال الدارقطني: ( الحديث مضطرب غير ثابت ).
6. وحكم عليه بالوضع كل من: ابن الجوزي ، والذهـبي ، وشيـخ الإسـلام ابن تيمية ، والعلامة عبد الرحمن المعلمي ، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
ولـمّا حصل لهذا الحديث مثل هذا الاختلاف ، أحببت أن أبحث فيه بحثاً مطولاً مـتتبعاً فيه طرقه ، سائلاً المولى ـ سبحانه وتعالى ـ التوفيق والسداد ، كما أسأله ـ عز وجل ـ الإخلاص والصدق في العمل.

وقد ألف الناس في هذا الحـديث مؤلفات ، فمن هذه المؤلفات:
1. جزء فيه طرق حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ( ت: 911 ).
2. جواب إلى عبد الرحمن بن محمد بن نهشل الخيمي حول حديث: ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ).
لقطب الدين لطف الله بن محمد بن غياث بن الشجاع الظفيري ( ت: 1035 ).
3. بحث في حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
لإبراهيم بن عبد القادر الكوكباني ( ت: 1223 ).
4. جواب على معنى حديث: أنا مدينة العلم ، وعلي بابها.
للإمام محمد بن علي الشوكاني ( ت: 1250 ).
قام بتحقيقه: محمد صبحي حسن حلاق.
5. فتح الملك العلي بصـحة حديث: باب مدينة العلم علي.
لأحمد بن محمد بن الصديق الغماري ( ت: 1380 ) ، وهو مطبوع.
6. حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
طرقه ؛ مرتبته ؛ الأقوال فيه ؛ الترجيح.
لحسن بن فرحان المالكي.
7. إتمام النعمة بتصحيح حديث: علي باب دار الحكمة.
لحسن الحسيني آل المجدد الشيرازي الشيعي.
نشره في مجلة: ( تراثنا ) العدد: ( 52 ) ، ولـه في هذا الجزء أخطاء وأوهام ، وقلة علم في قواعد الجرح والتعديل ، وهو أقرب ما يكون حاطب ليل ، وقد بينت بعض ما عنده وتركت الكثير ، لأن ذلك يستدعي أن أقوم بشرح قاعدة قاعدة ، ولا طاقة لي في ذلك ، والله المستعان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو عبد العزيز خليفة الكواري.
11 من ذي الحجة, 1420هـ
kalkuwari@hotmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلـه وصحبه ومن ولاه ، وبعد، فحديث: ( أنا مـدينة العلم ، وعلي بابها ) ، قد روي عن أربعة من الصحابة وهم: ابن عباس ، وعلي بن أبي طالب ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ـ ـ أجمعين.

فأَمّا رواية ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
رواها الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ورواها سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
فأمّا رواية الأعمش فرواها: أَََبو معاوية محمد بن خازم الضرير ، وعيسى بن يونس ، وأَبو الفَتح سعيد بن عقبة الكوفي.
فهذه ثلاث طرق ، ودونك التفصيل:
الأولى: طريق أبي معاوية محمد بن خازم الضرير ، عن الأعمش:
وقد روي عن أبي معاوية من وجوه عدة نذكرها:
الوجه الأول: عبد السلام بن صالح بن سليمان بن مَيْسَرة ، أبو الصلت ، الهروي.
أخرجه ابن محـرز في: ( مـعرفة الرجال ) ، وابن عدي في: ( الكامل ) ، والطبراني في: ( المعجم الكبير ) ، من طريقين ، والحاكم في: ( الـمستدرك ) ، والطبري في: ( تهذيب الآثار ) ، والخطيب البغدادي في: ( تاريخـه ) ، ومن طريق الخطيب ، ابن الجوزي في: ( الموضوعات ) ، وابن المغازلي في: ( المناقب ) ، وأبو الخير الطالقاني في: ( كتاب الأربعين المنتقى ) ، والخوارزمي في: ( المناقب ) ، وفي: ( مقتل الحسين ) ، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح ، عن أبـي معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً:
( أَنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أَرَادَ العلم ، فليأت بابه ).
أقـول: هذا إسناد معلول بعدة علل:
الأولى: تدليس الأعمش.
والأعمش معروف بكثرة التدليس ، وصفه به غير واحد من العلماء ، وقد جعله الحافظ ابن حـجر في الطبقة الثانية من طبقات كتابه: ( طبقات المدلسين ) ، وحقه أن يكون في الطبقة الثالثة ، فإنّ الأعمش مكثرٌ من التدليس مشهورٌ به ، وربما أسقط الراوي الضعيف من بين الثقتين.
قال عثمان الدارمي: سـمعت يحيى ، وسئل عن الرجل يُلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين ، يوصل الحديث ثقة عن ثقة ، ويقول: أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يُحَسّن الحديث بذلك ؟ فقال: ( لا يفعل ، لعل الحديث عن كذّاب ليس بشيء ، فإذا هو قد حسّنه وثَبته ، ولكن يُحدّث به كما روي ).
قال عثمان الدارمي: وكان الأعمش ربما فَعَلَ ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: ( ظاهر هذا تدليس التسوية ، وما علمت أحداً ذكر الأعمش بذلك فَيُسْتَفَاد ).
أقـول: وهذا يؤكد ما قلته أن الأعمش من حقه أن يكون في الطبقة الثالثة.
وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ: ( وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه لكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلا ًيكون ضعيفاً في الرواية ، أو صغير السن ، ويحسن الحديث بذلك ، وكان سليمان الأعمش ، وسفيان الثوري ، وبقية بن الوليد ، يفعلون مثل هذا ).
وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: ( قد كره أهل العلم بالحديث مثل: شعبة وغيرهِ التدليسَ في الحديث ، وهو قبيحٌ ومهانةٌ ، والتدليس على ضربين: فإن كان تدليساً عن ثقةٍ،لم يحتج أن يوقف على شيءٍ ، وقُبل منه ، ومن كان يدلس عن غير ثقةٍ ،لم يُقبل منه الحديث إذا أرسله حتى يقول: حدثني فلان ، أو سـمعت ، فنحن نقبل تدليس ابن عيينة، ونظرائه لأنه يـحيل على ملئ ثقة ، ولا نقبل من الأعمش ، تدليسه لأنه يحيل على غير ملئ ، والأعمشُ إذا سألته عمن هذا ؟ قال: عن موسى بن طريف ، وعَباية بن ربعي، وابن عيينة إذا وقفته قال: عن ابن جريج ، ومعمر ونظرائهما فهذا الفرق بين
التدليسين ).
ولهذا نرى الإمام البخاري قد أعل خبراً يرويه الأعمش ، عن سالم ، مما يتعلق بالتشيع ، فقال: ( والأعمش لا يدرى ، سمع هذا من سالم أم لا ؟
حدثنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، أنّه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب ، اتخذوها ديناً ) .
ولا يشك أحد أن هذا الحديث يتعلق بالتشيع !!
وقال عبد الله بن نمير: سمعت الأعمش يقول: حدثت بأحاديث على التعجب ، فبلغني أن قوماً اتخذوها ديناً ، لا عُدتُ لشيء منها ).
وقد جعل الحـافظ ابن حجر الأعـمش في الطـبقة الثـالثة من كتابه:
( النكت على ابن الصلاح ) ، وبالطبع فهو مخالف لما في كتابه: ( طبقات المدليسين )، كما سبق ، ولعله لم يستحضر ما كتبه في كتابه: ( النكت ) ، أو حصل له بعض التردد ، فرأى أن بعض العلماء قد احتمل تدليسه ، وبعضهم توقف فيه ، ولعل ذلك وقع في شيوخه الذين أكثر عنهم الأعمش ، كما قال الحـافظ الذهبي:
( وهو يدلس ، وربما دلّس عن ضعيفٍ ، ولا يدرى به ، فمتى قال: حدّثنا ، فلا كلام ، ومتى قال: عن ، تطرق إليه احتمال التدليس إلاّ في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم ، وابن أبي وائل ، وأبي صالح السمّان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال ).
وهاهو الحافظ ابن حجر نفسه قد أعل خبراً فيه عنعنة الأعمش ، مما يبين لك أن من يقبل عنعنة الأعمش مطلقاً قد خالف منهج العلماء ، قال الحافظ:
( وأصح ما ورد في ذم بيع العينة ما رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال: أتى علينا زمان…، صححه ابن القطان بعد أن أخرجه من الزهد لأحمد ، كأنه لم يقف على المسند ، وله طريق أخرى عند أبي داود أيضاً من طريق عطاء الخرساني ، عن نافع ، عن ابن عمر.
قلت: وعندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول ، لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً ، لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء ).

أقـول: ويتأكد تدليس الأعمش هنا ، ويشتد في هذا الخبر خاصّة لأنه عن مجاهد ، وهو مقل عنه ؛ وليس هو من شـيوخه الذين أكثر عـنهم ، وقد نـص ابن المديني ـ رحمه الله ـ، أن روايات الأعمش عن مجاهد لا تثبت منها إلاّ ما قال فيها: ( سمعت ) ، لأن أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات ، وأبو يحيى القتات ضعيف كما هو معروف.
قال يعقوب بن شيبة في: ( مـسنده ) : ليس يصح للأعمش عن مجاهد إلاّ أحاديث يسيرة ، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد قال: ( لا يثبت منها إلاّ ما قال: سـمعت ، هي نـحو من عشرة ، وإنما أحاديث مجاهد عنده ، عن أبي يحيى القتات ).
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه في أحاديث الأعمش ، عن مجاهد: ( قال أبو بكر بن عياش عنه: حدثنيه ليث ، عن مجاهد ).
وليث ضعيف.
وقال يحيى بن سعيد: كتبت عن الأعمش أحاديث عن مجاهد كلها ملزقة لم يسمعها ).
وقال يحيى بن مـعين: ( الأعمش سمع من مجاهد ، وكل شيء يرويه عنـه لم يسمع ، إنما مرسلة مُدلَسة ).
وقال أبو حاتم الرازي: ( الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد مدلس ).
فهذا هو كلام علماء الجرح والتعديل ، علماء العلل في تدليس الأعمش وخاصة في أحاديثه التي يرويها عن مجاهد ولم يصرح فيها بـالسماع ، أو التحديث.
ولذا فإنه يجب التثبت من هذا الخبر ، ولا بد من أن نقف على ما يرفع علة التدليس ، ولا يقال: إن الأعمش في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين ، كما قال بعضهم فلا يضر تدليسه ، وقد عرفت ـ فيما سبق ـ أن من يقبل تدليسه على الإطلاق ، قد خالف منهج العلماء في ذلك ، كيف وقد نص العلماء على أن أحاديثه عن مجاهد عامتها مرسلة مُدَلّسَة إلاّ ما صرح فيها بالسماع ، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات وليث بن أبي سليم .
وخاصة إن هذا الخبر مما يتعلق بالتشيع وقد سبق أنه كان يحدث الأحاديث على وجه التعجب اتخذها أقوامٌ ديناً .
فالأخبار التي تأتي عن الأعمش غير مصرحة منه بالسماع وكانت تلك الأخبار مما تتعلق بالتشيع فلا بد من التصريح بالسماع ، لما عرف عن الأعمش أنه كان يدلس عن الضعفاء والهلكى ، والله أعلم .

الثانية: تفرد أبي معاوية محمد بن خازم الضرير بهذا الخبر.
أقول: تَفَردُ أبي معاوية بهذا الخبر عن الأعمش مع وجود الحفاظ من
أصحاب الأعمش كيحيى القطان ، والثوري ، وشعبة ، وغيرهم يوقع الريبة في النفس من هذا الخبر ، وإن تابعه عيسى بن يونس ، وسعيد بن عقبة الكوفي ـ كما سيأتي ـ ، إلاّ أن في صحة الإسـناد إليهما نظر.

الثالثة: رجـوع أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن التحديث بـهذا الخبر.
روى ابن مـحرز عن يحيى بن مـعين ، أنه قال: ( أخبرني ابن نـمير ، قال: حـدّث بـه أبو مـعاوية قـديماً ، ثم كف عنه ).
قال العلامـة المعلمي ـ رحمه الله ـ: ( ويتأكد وهن الخبر بأن من يثبته عن أبي معاوية يقول: إنه حدّث به قديماً ثم كـف عـنه ، فلو لا أنه علم وهنه لما كف عنه ).
فهذه ثلاث علل تعل بها جميع الطرق أو الوجوه التي رويت عن أبـي معاوية عن الأعمش ، عن مـجاهد ، فضلاً عمّا في بعض هذه الطرق من الكذابين والوضاعين.

الرابعة: عبد السلام بن صالح الهـروي ، أبو الصلت.
أقول: وهذه علة رابعة أيضاً وهي أن في إسناد هذا الخبر عبد السلام بن صالح الهروي، وهو متروك الحديث ، ودونك أقوال العلماء فيه حتى تكون على بينة من الأمر ، وقصدي من هذا أن بعضهم تمسك بتوثيق ابن معين لـه ، ولذا فمن صحح الحديث أو حسنه اعتمد على توثيق ابن معين لـه ، مع عدم النظر إلى من طعن فيه من أكابر العلماء:
1. قال الإمـام أحمد: ( روى أحاديث مناكير ).
2. وقال الجوزجاني: ( كان زائغاً عن الحـق ، مائلاً عن القصد ، سـمعت من حدثني عن بعض الأئمة أنه قال فيه: هو أكذب من روث حمار الدجال ، وكان قديماً متلوثاً في الأقذار ).
3. وأمـر أبو زرعة الرازي أن يضرب على حديثه ، وقال: ( لا أحـدث عنـه ، ولا أرضاه ).
4. وقال ابن أبي حاتم الرازي سألت أبي عنه فقال: ( لم يكن عندي بصدوقٍ ، وهو ضعيفٌ ) ، ولم يحدّثني عنه.
5. وقال النسائي: ( ليس بثقة ).
6. وقال الساجي: ( يحدث بمناكير ، هو عندهم ضعيف ).
7. وقال العقيلي: ( كان رافضياً خـبيثاً ) ، وقـال أيضاً: ( كذّاب ).
8. وقال ابن حبان: ( يروي عن حماد بن زيد ، وأهل العراق العجائب في فضائل علي ، وأهل بيته ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ).
9. واتهمه ابن عدي في: ( الكامل ).
10. وقال الدارقطني: ( كان رافضياً خـبيثاً ) وقال أيضاً: ( روى حديث: الإيمان إقرار بالقول ، وهو متهم بوضعه لم يحدث به إلاّ من سرقه منه ، فهو الابتداء في هذا الحديث ).
11. ونقل الحافظ ابن حجر عن الحاكم أنـه قال: ( روى مناكير ).
12. وقال النقاش: ( روى مناكير ).
13. وقال أبو نعيم الأصبهاني: ( يروي عن حماد بن زيد ، وأبي معاوية ، وعباد بن العوام ، وغيرهم أحاديث منكرة ).
14. وقال الحافظ الخليلي: ( مـشهور روى عنه الكبار ، وليس بقويٍ عندهم ).
15. وكذّبه واتهمه بالوضع محمد بن طاهر ، وابن الجوزي.
16. ووهاه الذهبي في عـدة مواضـع من كـتبه ، وقال في المغني: ( متروك الحديث ) ، وقال في سير أعلام النبلاء: ( له فضل وجلالة ، فيا ليته ثقة ) ، وقال أيضاً: ( له عدة أحاديث منكرة ) ، وقال في تلخيص المستدرك معقباً على قول الحـاكم حين قال: ( ثقـة مأمون ) ، قال: ( لا والله لا ثقة ولا مأمون ).
17. وقال الزيلعي: ( متروك ) ، وفي موضع آخر: ( ضعيفٌ جداً ).
18. وقال ابن رجب: ( متروك ).
19. وقال ابن عبد الهادي: ( متروك الحديث ).
20. وقال الحافظ ابن حجر في الدراية: ( ضعيف ، يسرق الحديث ) ، وقال في تخريج أحاديث الكشاف: ( متروك ) ، وخالف في التـقريب فتساهل فقال: (صـدوق لـه مناكير ، وكان يتشيع ، وأفرط العقيلي فقال: كذاب ) !!!.
هكذا قال ـ رحمه الله ـ ، وهذا عجيب منه ، كيـف يتـهمه بالـسرقة ، ويقول عـنه: ( متروك ) ، ثم يقول: ( صدوق له ، مناكير....).
وقد قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي ـ رحمه الله ـ: ( وأتعجب من الحافظ ابن حجر: يذكر في ترجمة علي بن موسى من التهـذيب تلك البلايـا وأنـه تـفرد بـها عنه أبو الصلت ، ثم يقول في ترجمة علي من التقريب: صدوق والخلل ممن روى عنه ، والذي روى عنه هو أبو الصلت ، ومع ذلك يقول في ترجمة أبي الصلت من التقريب: صدوق له مناكير ، وكان يتشيع ، وأفرط العقيلي فقال: كذّاب ).
21. وقال البوصيري: ( متفق على ضعفـه ، واتهمه بعضهم ).

أقـول: هذا ما وقفت عليه من أقوال العلماء فيه ، وخلاصـة أمره كما ترى أنه متروك.
وأما ما نُقل عن أبي داود أنه قال: ( كان ضابطاً ، ورأيت ابن معين عنده ) ، فإنما ذلك في عبد السلام بن مطهر ، وليس هو الهروي.
وقد وهم الشيخ الغماري في جعله عبد السلام بن صالح الهروي.
وكل من حسّن من أمر عبد السلام الهروي ، أو وثقه ، فلتوثيق ابن معين له ، لكن كان ابن مـعين في بداية أمره لا يعرفـه ، وينكر حديثه جداً ، ثم عرفه بعد ذلك ، ووثقه بمتابع الفيدي له ـ كما سيأتي ـ، لكن كانت معرفته لأبي الصلت قاصرة ، كما ستعلم.
روى الخطيب البغدادي في: ( تاريخه ) ، عن عبد الخالق بن منصـور قال: وسألت يحيى بن معين عن أبي الصلت ؟ فقال: ( ما أعرفـه ) ، قلت له: إنه يروي حديث الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس: ( أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ) .
فقال: ( ما هذا الحديث بشيء ).
وروى أيضاً ، مـن طـريق: يحيى بن أحمد بن زياد قال: وسألته ـ يعني: يحيى بن معين ـ، عن حديث أبي معاوية الذي رواه عبد السلام الهـروي عنه ، عن الأعمش ، حديث ابن عباس ، فأنكره جداً.
ويحيى بن أحمد بن زياد تَرْجَم له الحافظ الذهبي في: ( تاريخ الإسلام ) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
ثم جاءت رواية ابن الجنيد تبين أنه عرفه ، لكن ما زال ينكر هذه الأحاديث التي يرويها.
قال ابن الجُنَيْـد: سألت يحيى بن مـعين عن أبي الصلت الهروي ؟ فقال: ( قد سـمع وما أعرفه بالكذب ) ، قلت: فحـديث الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ؟ قال: ( ما سـمعت به قط، وما بلغني إلاّ عنه ).
وقال: سـمعت يحيى وذكر أبا الصلت الهروي فقال: ( لم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب ، وهذه الأحاديث التي يرويها ما نعرفها ).
ثم لما وجد ابن معين من يتابعه في رواية هذا الحديث ، وهو الفيدي، وثقه.
قال الدوري : سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي ؟ فقال:
( ثقة ) ، فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية ، عن الأعمش:
( أنا مـدينة العلم ) ؟ فقال: ( قد حدّث بـه محمد بن جعفر الفيدي ، وهو ثقة مأمون ).
وروى الحاكم عن أحمد بن سـهل الفقيه القباني ـ إمام عصره ببخارى ـ، قال: سـمعت صالح بن محمد بن حـبيب يقول: وسـئل عن أبي الصلت الهروي، فقال: دخل يحيى بن مـعين ونحن مـعه على أبي الصلت فسلّم عليه ، فلما خرج تبعته فقلت له: ما تقول: رحمك الله في أبي الصلت ؟
قال: ( هو صدوق ) ، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش ، عن مـجاهد ، عن ابن عـباس ، عن النبي : ( أنا مـدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأتها من بـابها ) ، فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي ، عن أبي معاوية ، عن الأعـمش ، كما رواه أبو الصلت ).
وروى الخطيب البغدادي من طريق: عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال: سـمعت أبي يقول: سألت يحيى بن مـعين عن أبي الصلت الهروي فقال: ( ثقة صدوق ، إلاّ أنه يتشيع ).
وعـمر بن الحسن بن علي له ترجمة في: ( اللسان ) ، وضعّفـه ابن حجر في: ( الإصـابة ).
وأبوه الحسن بن علي بن مالك ، قال عنه ابن المنادي: ( به أدنى لين ).
قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ موجهاً لروايات ابن مـعين هذه:
( أحسب عبد الخالق سأل يحيى بن مـعين عن حال أبي الصلت قديماً ، ولم يكن يحيى إذ ذاك يعرفه ، ثم عرفه بعد ، فأجاب إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن حاله ، وأمّا حـديث الأعمش فـإن أبا الصـلت كان يـرويه عـن أبي معاوية عنه فأنكره أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين من حديث أبي معاوية ، ثم بحث عنه فوجد غير أبي الصلت قد رواه عن أبي معاوية ).
ثم جاءت رواية ابن محرز توضح موقف ابن مـعين أكثر وتبينه.
قال ابن مـحرز سـألت يحيى بن مـعين عن أبي الصلت عبد السلام بن صـالح الـهروي ؟ فقال: ( ليس ممن يكذب ) ، فقيل لـه: في حديث أبي مـعاوية ، عن الأعمش ، عن مـجاهد ، عن ابن عباس: ( أنا مـدينة العلم ، وعلي بابها ) ، فقال: ( هو من حديث أبي معاوية ، أخبرني ابن نـمير قال: حدّث به أبو مـعاوية قديماً ثم كف عنه ).
وكان أبو الصلت رجلاً موسراً ، يطلب هذه الأحاديث ، ويكرم المشايخ ، وكانوا يحدثونه بها.
إذاً بيّن ابن معين أن هذا الحديث هو من حديث أبي معاوية ، وأن أبا الصلت أخـذه عن أبي معاوية ، وكان أبو الصلت يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ فيحدثونه بها.
ولهذا لما سـأل القاسم بن عبد الرحمن الأنـباري ابن معين عن هذا الحديث ؟ فقال: ( هو صحيح ).
وأكـد الخطيب البغدادي بأن ابن معين أراد بالصحة أي: صحة إسناده إلى أبـي معاوية ، أي: أنه ثبت إسناده إلى أبي معاوية بمتابعة الفيدي لأبي الصلت.
قال الخطيب البغدادي ـ موجهاً لرواية الأنباري ـ:
( أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية ، وليس بباطل ، إذ قد رواه غير واحد عنه ).
أقـول: إذاً ، استدل ابن مـعين ـ رحمه الله ـ على توثيق عبد السلام الهروي بمتابعة محمد بن جعفر الفيدي ، والفيدي موثق عند ابن مـعين فارتفعت تهمة التفرد والكذب بهذا الحديث عـن أبي الصـلت ، ولـذا قال ابن معين: ( هو من حديث أبي معاوية ) ، وأكد على ذلك ودللّ عليه بأن ابن نمير أخبره أن أبا معاوية حدّث به قديماً ثم كف عنه ، فوثق ابن مـعين أبا الصلت الهروي بمتابعة الفيدي لـه، وبما أخبره ابن نمير ، ثم كان كل من سأله عن حال أبي الصلت الهروي قال: ( ثقة ) ، فإذا سئل عن حديث أبي معاوية قال: ( ما تريدون من هذا المسكين ؟ أليس قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي ، عن أبي معاوية ).
ولهذا قال الخطيب البغدادي في تصحيح ابن معين للحديث: ( أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية ، وليس بباطل ).
فانحصرت العلة عند ابن مـعين والخطيب البغدادي في أبي معاوية ومن فوقه ، وهذا هو الصحيح ـ إن شاء الله تعالى ـ ، ليس كمن فهم أنهما يصححان الحديث
.
يتبع
__________________
قال الله تعالى:وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ .أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ



رد مع اقتباس