عرض مشاركة واحدة
  #137  
قديم 2011-05-19, 09:04 PM
ابو عبد الرحمن الدوسي ابو عبد الرحمن الدوسي غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-19
المشاركات: 315
افتراضي

كلاااام اعجبني روبما يفيد موضوعكم
خطأ بن لادن الاستراتيجي
كنت أقرأ حدة التصاعد في تفكير "القاعدة" وأتباعها من خلال المحاورات التي جرت بيني وبينهم في الإنترنت، وهذا التصاعد الذي يظهر من الأتباع ما هو إلا انعكاس لأفكار قادة التنظيم.
لم يكن الحادي عشر من سبتمبر إلا ثمرة الاتصال الذي حصل بين بن لادن وجماعة الجهاد المصرية، وأيمن الظواهري بوجه أخص، وهو بلا شك حدث استثنائي في التاريخ المعاصر، حيث توجه إلى ضرب القوة العظمى في صميمها.
فضرب البرجين هو ضربٌ لرمز الاقتصاد الأميركي، وتوجه الطائرة إلى البيت الأبيض هو ضرب لرمز السيادة والسياسة، وتوجه الطائرة لتضرب البنتاجون هو ضرب لمركز الأمن الذي يتحكم بكثير من الأحداث العالمية، وهذا ما جعل أميركا بعد تلك الضربات كالثور الهائج الذي لا يلوي على شيء.
لقد كان الخطأ الاستراتيجي المدمر للقاعدة وزعيمها هو أنها كانت تنظر إلى المصالح من منظور تنظيمي محدود، فالمصالح والمفاسد المتوقعة دائما تدرس من خلال انعكاساتها على التنظيم لا على عموم العالمين العربي والإسلامي، فهي أعلنت الحرب على أميركا وهي تدرك أن أفغانستان التي احتضنت بن لادن وجماعته، وتبوءوا فيها مكانة كبيرة ربما تسقط وتحتل بسبب هذه الهجمات.
ولكن الهدف هو "القتال" وتكرار التجربة السوفيتية في أفغانستان دون إدراك تغير الأوضاع العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرد القوة الغربية بالمشهد السياسي والاقتصادي العالمي، الذي يجعل الناس تتبع القوي المتفرد، وتحقق مصالحها من خلاله، وكان من نتيجة العملية - التي يغلب على ظني أنها كانت معلومة التفاصيل من قبل أميركا – أن احتل العراق، وسقطت أفغانستان، وجرت مآس كبيرة على المسلمين في كل مكان.
إن ضربة القاعدة لأميركا في 11/ 9، وما سبقها من تحرشات في نيروبي ودار السلام، وتفجير المدمرة كول كان افتئاتا على الأمة كلها، لأن رايات الحرب والسلام ليست خاضعة لأمزجة الأفراد وقرارات التنظيمات الصغيرة.
بل هي قرار سياسي يحتاج إلى نظر في العواقب، وموازنات سياسية ونظر في المآلات لا يمكن لأي تنظيم يجمع أناساً من شتى البلدان أن يقررها لدول شاسعة وذات قرارات وأوضاع مختلفة، ولكن هذا الأمر لم يشكل أي حيز في تفكير بن لادن وجماعته، وذلك للنظرة "التكفيرية" التي طرأت على بن لادن بعد تشكيل الجبهة العالمية مع الظواهري، وهذا يعني سقوط شرعية الرايات القائمة كلها ولا اعتبار حينئذ لأوضاعها سلباً أو إيجابا.
لقد كنت أقرأ حدة التصاعد في تفكير تنظيم القاعدة وأتباعه من خلال المحاورات التي جرت بيني وبينهم في الإنترنت، سواء في المنتديات الحوارية، أو في غرف البال توك التي امتدت من سنة 2000م إلى 2011 م، وهذا التصاعد الذي يظهر من الأتباع ما هو إلا انعكاس لأفكار قادة التنظيم.
فهم كانوا قبل غزو العراق سنة 2003م ينكرون أي نية لنقل المعركة داخل العالم الإسلامي، ويقررون أن الهدف هو قتال الأميركان، بل إنهم يغضبون حين نبين أن هذا الضخ العاطفي والتجييش والخطاب التعبوي بعد 11/ 9 سوف يجر المعركة إلى داخل العالم الإسلامي، وأن الأهداف الكبيرة إذا ضاقت فإن الناس تتوجه إلى الأهداف الأسهل، وكانوا على هذا الأمر حتى غزت أميركا العراق.
وبدأ بعض طلبة العلم منهم في تأصيل فكرة "الردة" للحكام بسبب موقفهم من أميركا، ثم صحونا على بداية التفجيرات داخل السعودية، والتذرع بالحجج الباطلة التي استسهلوا من خلالها سفك الدم الحرام، وترويع الآمنين والاستهانة بالممتلكات المحترمة، والفت في عضد البلد وإضعافه، وإشغاله بالجانب الأمني والذي بلا شك ينعكس مباشرة على التنمية والتقدم والنهضة.
إن إدراك الأهداف "السياسية" للقاعدة هو الذي يفكك تفكيرها، ويعرّف الناس بمنطلقاتها، وحينئذ يدرك الناس أن هذه الجماعات هي جماعات مسيسة، وأن الاتكاء على النصوص الشرعية.
وأقوال أهل العلم ما هو إلا لتبرير الوصول إلى الهدف السياسي، ومما يؤكد هذا تلك (الانتقائية) التي يمارسونها في تأصيل أفكارهم وطرح رؤاهم، فهم يأخذون من العلماء سواء السابقون أو اللاحقون ما يخدم فكرتهم وأجندتهم، ثم يضربون صفحاً عن أي قول أو رأي لعالم يقف أمام أفكارهم.
فيرقّون بعض القضايا الفقهية مثل (إخراج المشركين من جزيرة العرب) إلى أن تكون قضية عقدية توجب الولاء والبراء والقتال وسفك الدماء، ويجعلونها في وعي الأتباع من القضايا المصيرية التي تستحق أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيلها، وقد رأينا كيف أن هذا النص النبوي الكريم يوضع خلفية الخطب التي يلقيها بعض أتباع القاعدة في بياناتهم المرئية، وقل ذلك في قضية (التترس) و (التقنين) وغيرها من القضايا التي يدركون أنها فقهيا لا ترقى لأن تكون ذرائع للقتل والقتال.
لقد كان بن لادن وهو يقود تنظيم القاعدة يمارس ما يمارسه أي زعيم حزبي في كيفيه الاستحواذ على الأتباع، واستقطاب من يناسب من الشباب كل في مكانه، وكان الإنترنت الميدان الخصب الذي جند فيه آلاف الشباب الصغار، وطلبة العلم، والداعمين للتنظيم لوجستيا، ويبدو أن الجماعة المصرية التابعة لبن لادن كانت على حرفة كبيرة في عمليات التجهيز والتنظيم، وهي التي خدمت بن لادن خدمة كبيرة في رسم الهيكلية التنظيمية الأساسية التي كانت محدودة، ولكنها كانت فاعلة في بث الأفكار والتصريحات التي تصبح أفكارا يتبناها الآخرون دون شرط الانضمام فعليا إلى التنظيم، وهذا هو السبب الذي يفسر انتشارها في كل البلاد العربية والإسلامية.
وإذا أدركنا الهدف السياسي للقاعدة، أدركنا أنها كذلك تمارس مصالحها وتحالفاتها من منظور سياسي كذلك، فعلاقتها في إيران، وإيواء الأخيرة لقياداتها بعد ضربة أفغانستان وخاصة الزرقاوي وجماعته، ثم تسريحهم داخل العراق بعد الغزو، وتسهيل مرورهم من وإلى أفغانستان، وتسهيل الاتصالات بينهم وبين الأتباع داخل السعودية يدرك أنها تمارس ما يمارسه أي سياسي من النظر في المصالح السياسية حتى لو أدى إلى الإخلال ببعض المبادئ والقواعد الكبرى.
وهذا هو الذي سهل اختراق القاعدة من قوى أجنبية، وتوجيه تفكير أتباعها وحركيتهم إلى أن يكونوا وسائل سهلة وطيعة في يد الكثير من أصحاب الأجندات الخاصة والمناوئة للمملكة العربية السعودية ولكن الضربات التي وجهت للتنظيم أمنيا، أضعفت التنظيم وجعلته يتوجه إلى الأهداف الميسورة، وكلما زاد التضييق زادت مساحة التأويل في الأهداف التي لم يكونوا يرون شرعيتها.
إن موت بن لادن لاشك أن له انعكاسا كبيرا على التنظيم، فبموته فقد التنظيم رمزاً مقدساً، كانوا يستلهمون منه تجربة الماضي وفعل الحاضر، ويرون في بقائه الروح الدافقة التي تسري في عروقهم، وكل أمل الواحد من هؤلاء أن يجلس معه أو يهاتفه، ولكنه الآن أصبح صفحة من الماضي قد طويت، ومن الصعوبة أن يجدوا خليفة يقوم بنفس الدور، ويحمل نفس الكاريزما التي يحملها بن لادن، ولكن فكر الغلو والتطرف والعنف سوف يبقى يبحث عن الحدث السياسي الملتهب ليعيد ترتيب صفوفه من جديد وهذا يحملنا الدور الكبير حتى نحصن أجيالنا من نزعات الغلو والتنطع والتشدد والتكفير والاستهانة بالدماء والأموال.