عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2009-07-19, 11:51 AM
العباسي السلفي العباسي السلفي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-06-09
المشاركات: 54
افتراضي

وهذه ترجمته من سير أعلام النبلاء للذهبي :

المنصور الخليفة

أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي المنصور ، وأمه سلامة البربرية .

ولد في سنة خمس وتسعين أو نحوها . ضرب في الآفاق ورأى البلاد ، وطلب العلم.

قيل : كان في صباه يلقب بمدرك التراب.

وكان أسمر طويلا نحيفا مهيبا ، خفيف العارضين ، معرق الوجه ، رحب الجبهة ، كأن عينيه لسانان ناطقان ، تخالطه أبهة الملك بزي النساك ، تقبله القلوب ، وتتبعه العيون ، أقنى الأنف بن القنا ، يخضب بالسواد .

وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة ، ورأيا وحزما ، ودهاء وجبروتا، وكان جماعا للمال ، حريصا ، تاركا للهو واللعب ، كامل العقل ، بعيد الغور، حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم .

أباد جماعة كبارا حتى توطد له الملك ، ودانت له الأمم على ظلم فيه وقوة نفس ، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتدين في الجملة ، وتصون وصلاة وخير ، مع فصاحة وبلاغة وجلالة . وقد ولي بليدة من فارس لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة ، ثم عزله وضربه وصادره ، فلما استخلف قتله . وكان يلقب : أبا الدوانيق ، لتدنيقه ومحاسبته الصناع ، لما أنشأ بغداد .

وكان يبذل الأموال في الكوائن المخوفة ، ولا سيما لما خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة ، وأخوه إبراهيم بالبصرة .

قال أبو إسحاق الثعالبي : على شهرة المنصور بالبخل ، ذكر محمد بن سلام أنه لم يعط خليفة قبل المنصور عشرة آلاف ألف درهم ، دارت بها الصكاك ، وثبتت في الدواوين ، فإنه أعطى في يوم واحد ، كل واحد من عمومته عشرة آلاف ألف . وقيل : إنه خلف يوم موته في بيوت الأموال تسع مائة ألف ألف درهم ونيف .

زهير بن معاوية : حدثنا ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، سمع ابن عباس يقول : منا السفاح ، ومنا المنصور ، ومنا المهدي . إسناده جيد .

روى إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده : أن أباه قال : قال لنا المنصور : رأيت كأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عممني بعمامة كورها ثلاثة وعشرون ، وقال : خذها ، وأوصاني بأمته.

وعن المنصور قال : الملوك أربعة : معاوية ، وعبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وأنا.

حج المنصور مرات ، منها في خلافته مرتين ، وفي الثالثة مات ببئر ميمون قبل أن يدخل مكة.

أبو العيناء : حدثنا الأصمعي : أن المنصور صعد المنبر ، فشرع ، فقام رجل ، فقال : يا أمير المومنين، اذكر من أنت في ذكره . فقال : مرحبا ، لقد ذكرت جليلا ، وخوفت عظيما ، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له : اتق الله ، أخذته العزة بالإثم ، والموعظة منا بدت ، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فأحلف بالله : ما الله أردت ، إنما أردت أن يقال : قام ، فقال ، فعوقب ، فصبر، فأهون بها من قائلها ، واهتبلها من الله ، ويلك إني قد غفرتها ! . وعاد إلى خطبته كأنما يقرأ من كتاب .

قال مبارك الطبري : حدثنا أبو عبيد الله الوزير ، سمع المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.

وقيل: إن عمرو بن عبيد وعظ المنصور فأبكاه ، وكان يهاب عمرا ويكرمه ، وكان أمر له بمال فرده .

وقيل : إن عبد الصمد عمه قال : يا أمير المؤمنين، لقد هجمت بالعقوبة ، حتى كأنك لم تسمع بالعفو . قال : لأن بني أمية لم تبل رممهم ، وآل علي لم تغمد سيوفهم ، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقه ، ولا تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو .

وقيل : دخل عليه هشام بن عروة فقال : اقض ديني . قال : وكم هو ؟ .

قال : مائة ألف ، قال : وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مائة ألف ، ليس عندك قضاؤها ! ؟ قال : شب فتيان لي ، فأحببت أن أبوئهم ، وخشيت أن ينتشر علي أمرهم ، واتخذت لهم منازل ، وأولمت عليهم ، ثقة بالله وبأمير المؤمنين

قال : فردد عليه مائة ألف استكثارا لها ، ثم قال : قد أمرنا لك بعشرة آلاف . قال : فأعطني ما تعطي وأنت طيب النفس ، فقد سمعت أبي يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : من أعطى عطية وهو بها طيب النفس ، بورك للمعطي والمعطى .

قال : فإني طيب النفس بها . فأهوى ليقبل يده ، فمنعه ، وقال : إنا نكرمك عنها ، ونكرمها عن غيرك .

وعن الربيع الحاجب قال : درنا في الخزائن بعد موت المنصور ، أنا والمهدي فرأينا في بيت أربع مائة حب مسددة الرءوس ، فيها أكباد مملحة معدة للحصار.

وقيل رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعا ، فكلمته فقال: قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه

خَـلَقٌ ، وجيب قميصه مرقوع

وعن المدائني : أن المنصور لما احتضر قال : اللهم إني قد ارتكبت عظائم ، جرأة مني عليك ، وقد أطعتك في أحب الأشياء إليك ، شهادة أن لا إله إلا الله ، مَنًّا منك لا مَنًّا عليك ، ثم مات . وقيل : رأى ما يدل على قرب موته ، فسار للحج . وقيل : مات مبطونا، وعاش أربعا وستين سنة .

قال الصولي : دفن بين الحجون وبئر ميمون في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة .

قال عباد بن كثير لسفيان : قلت لأبي جعفر : أتؤمن بالله ؟ قال : نعم .

قلت : حدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من بني أمية ، فلئن صارت إليكم ظلما وغصبا ، فما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا ، ولئن كانت لبني أمية ، لقد أخذتم ما لا يحل لكم ، إذا دعيت غدا بنو أمية بالعدل ، جاءوا بعمر بن عبد العزيز ، وإذا دعيتم أنتم ، لم تجيئوا بأحد ، فكن أنت ذاك الأحد ، فقد مضت من خلافتك ست عشرة سنة . قال : ما أجد أعوانا . قلت : عونك علي بلا مرزئة ، أنت تعلم أن أبا أيوب المورياني يريد منك كل عام بيت مال ، وأنا أجيئك بمن يعمل بغير رزق ، آتيك بالأوزاعي ، وآتيك بالثوري ، وأنا أبلغك عن العامة . فقال : حتى أستكمل بناء بغداد ، وأوجه خلفك . فقال له سفيان : ولم ذكرتني له ؟ . قال : والله ما أردت إلا النصح . قال سفيان : ويل لمن دخل عليهم ، إذا لم يكن كبير العقل ، كثير الفهم ، كيف يكون فتنة عليهم وعلى الأمة .

قال نوبخت المجوسي : سجنت بالأهواز ، فرأيت المنصور وقد سجن -يعني وهو شاب- قال : فرأيت من هيبته وجلالته وحسنه ما لم أره لأحد ، فقلت : وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة ؟ فقال : لا ، ولكني من عرب المدينة . قال : فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته . فقال : أبو جعفر . قلت : وحق المجوسية لتملكن . قال : وما يدريك ! ؟ . قلت : هو كما أقول لك . وساق قصة . وقد كان المنصور يصغي إلى أقوال المنجمين ، وينفقون عليه ، وهذا من هناته مع فضيلته . وقد خرج عليه في أول ولايته عمه عبد الله بن علي فرماه بنظيره أبي مسلم صاحب الدولة ، وقال : لا أبالي أيهما أصيب . فانهزم عمه، وتلاشى أمره ، ثم فسد ما بينه وبين أبي مسلم ، فلم يزل يتحيل عليه ، حتى استأصله وتمكن .

ثم خرج عليه ابنا عبد الله بن حسن وكاد أن تزول دولته ، واستعد للهرب ، ثم قتلا في أربعين يوما ، وألقى عصاه ، واستقر .

وكان حاكما على ممالك الإسلام بأسرها ، سوى جزيرة الأندلس . وكان ينظر في حقير المال ويثمره ، ويجتهد بحيث إنه خلف في بيوت الأموال من النقدين أربعة عشر ألف ألف دينار ، فيما قيل ، وست مائة ألف ألف درهم ، وكان كثيرا ما يتشبه بالثلاثة في سياسته وحزمه ، وهم : معاوية ، وعبد الملك ، وهشام .

وقيل : إنه أحس شغبا عند قتله أبا مسلم ، فخرج بعد أن فرق الأموال ، وشغلهم برأسه ، فصعد المنبر وقال : أيها الناس ، لا تخرجوا من أنس الطاعة، إلى وحشة المعصية ، ولا تسروا غش الأئمة ، يظهر الله ذلك على فلتات الألسنة ، وسقطات الأفعال ، فإن من نازعنا عروة قميص الإمامة ، أوطأناه ما في هذا الغمد ، وإن أبا مسلم بايعنا على أنه إن نكث بيعتنا ، فقد أباح دمه لنا، ثم نكث ، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره ، ولم يمنعنا رعاية حقه من إقامة الحق عليه ، فلا تمشوا في ظلمة الباطل ، بعد سعيكم في ضياء الحق ، ولو علم بحقيقة حال أبي مسلم ، لعنفنا على إمهاله من أنكر منا قتله والسلام .
رد مع اقتباس