عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2011-08-17, 11:02 AM
أحب رسول الله أحب رسول الله غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2008-05-21
المشاركات: 126
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الحسن الأشعري مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد :
لا يشك باحث منصف في كون التأويل بمفهومه العلمي لعب دورا مهما في إثراء النص الديني، وأسهم إلى حد كبير في تكوين منظومة تشريعية شاملة تواكب النزعة التجديدية للإسلام، وتستوعب جميع النظريات التي أبدعها مفكرو الإسلام في هذا المجال...
لكن وعلى الرغم من كل هذا فقد أخل التأويل بروح النص الديني، وأضر بمقاصده الجوهرية، حيث استغلت تيارات محسوبة على الإسلام هذا الفضاء المعرفي، فعمدت إلى تقسيم القرآن الكريم إلى ظاهر وباطن، وتحت هذا التقسيم عرف المسلمون نظريات غريبة عن روح الثقافة الإسلامية الأصيلة حملتها إلينا بعض التفاسير التي تصدر عن منهج باطني ملئ بالرموز والإشارات، لم تحترم شروط قراءة النص الديني، ولا لغته التداولية، كما تسربت إلى العالم الإسلامي نظريات فلسفية إشراقية لم يعرفها الفكر الإسلامي الأصيل في أطواره الأولى.
وعلى هذا النهج غير القويم سار دعاة الخطاب الفلسفي الإسلامي في محاولاتهم التوفيقية أو التلفيقية بين النص الديني – النقل- والفلسفة الإغريقية – العقل- معتقدين أنهما يعبران عن حقيقة واحدة، حتى أصبح التأويل قانونا لا غنى عنه لتحقيق هذا الهدف غير النبيل، عند أصحاب هذا الخطاب العليل. وهذه الحقيقة يشير إليها ابن رشد على سبيل القطع "... أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي وهذه القضية لا يشك فيها مسلم ولا يرتاب بها مؤمن".(1)
مفهوم التأويل:
التأويل مصدر " تفعيل " فعله الماضي "أول" من آل يؤول إلى كذا إذا صار إليه، فالتأويل: التصيير، وأولته تأويلا إذا صيرته إليه، فآل وتأول، وهو مطاوع أولته.(2)
كما يدل لفظ "التأويل" في وضعه اللغوي على عدة معان تؤول إلى المرجع والمصير والعاقبة والتفسير والبيان والتدبر والارتداد...
فإذا رجعنا إلى "تهذيب اللغة" كأقدم معجم لغوي نجده يحدد مدلول هذا اللفظ في الرجوع من الأول، وأصله آل يؤول أولا.(3)
أما صاحب معجم مقاييس اللغة فتفيد مادة "أول" عنده المرجع والعاقبة: آل يؤول أي رجع، وتأويل الكلام أي عاقبته وما يؤول إليه، ويجعل من ذلك قوله تعالى:
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53].
أي ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم.(4)
كما يفيد لفظ "التأويل" عند صاحب مختار الصحاح معنى التفسير، أي تفسير ما يؤول إليه الشيء، وأولته وتأويله بمعنى واحد.(5) وهذا المدلول نفسه نجده عند الجواهري.(6)
في حين استثمر صاحب القاموس المحيط جميع المعاني المتعلقة بمادة "أول" غير أنه جعل لفظ "التأويل" أو "التأول" مختصا بتدبر الكلام وتقديره وتفسيره، ومنه التأويل الذي هو عبارة الرؤيا.(7)
وإذا ما انتقلنا إلى الإمام الطبري الذي أطلق اسم "التأويل" على تفسيره نجده يحدد مدلول هذا اللفظ في كلام العرب بأنه "التفسير والمرجع والمصير، وأصله من آل الشيء إلى كذا إذا صار ورجع، يؤول أولا، وأولته أنا إذا صيرته إليه. ويفسر قوله تعالى: }ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً{ [النساء: 58] و[الإسراء: 35]، بالجزاء. وذلك لأن الجزاء هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه.(8)
إذن التأويل على مستوى الدلالة اللغوية يرتد إلى الجذر "آل" فآل إليه، رجع وآل عنه ارتد، ولما كان المآل إلى الشيء أو الارتداد عنه لا يكون إلا بعد إدراك معناه وفهم مقاصده، قالوا: امتدادا لكلمة "آل" أول الكلام تأويلا، وتأوله: دبره وقدره وفسره.(9)
المدلول الاصطلاحي للفظ التأويل:
يرتبط لفظ "التأويل" عند علماء العقيدة بالنصوص العقدية المتشابهة – آيات الصفات من الكتاب والسنة- التي يوحي ظاهرها بمشابهة الذات الإلهية المقدسة للحوادث أو الممكنات التي من صفاتها أن لها صورة وجسما، وهي مؤلفة من أجزاء ولها زمان خاص ومكان خاص. والله سبحانه وتعالى لا يشبهها في شيء من هذا ولا من غيره، لأنه – كما يقول الإمام الأشعري- " لو أشبهها لكان حكمه في الحدث حكمها، ولو أشبهها لم يخل من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها، فإن أشبهها من جميع الجهات كان محدثا مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها من بعضها كان محدثا من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدَث لم يزل قديما وقد قال الله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]
وقال:
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]".(10)
وعلى هذا الأساس يعرف التأويل عند الأشاعرة بأنه: "حمل اللفظ على خلاف ظاهره مع بيان المعنى المراد، فيحكم المكلف بأن اللفظ مصروف عن ظاهره قطعا. ثم يؤول اللفظ تأويلا تفصيليا بأن يبين فيه المعنى الذي يظن أنه المقصود من اللفظ" ويقابل هذا المدلول لفظ "التفويض" الذي يعني صرف اللفظ عن ظاهره، مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه، بل يترك ويفوض علمه إلى الله تعالى بأن يقول: الله أعلم بمراده.(11) كما يحدد لفظ التأويل بصرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، إذا كان المحتمل الذي يراه – المؤول- موافقا الكتاب والسنة.(12)
ويحدد الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك لفظ التأويل بأنه:" صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله".(13)
وهو عند ابن رشد: "إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب..."(14)
التأويل بين السلف والخلف:
اعلم أن مذهب السلف وهم الذين كانوا من أهل العلم قبل القرن الثالث الهجري، وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم، والخلف وهم من كان من العلماء بعد نهاية القرن الثالث الهجري قائم على صرف النصوص المتشابهة عن ظواهرها المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع قطعا، استنادا إلى آيات محكمات.
وإذا كان السلف والخلف يتفقون على صرف النصوص عن ظواهرها المستحلية، فإن السلف يفوضون معاني هذه المتشابهات إلى الله تعالى وحده بعد تنزيهه عن ظواهرها، وهذا ضرب من التأويل الإجمالي للنصوص المتشابهة، فإن الخلف اختاروا التأويل التفصيلي للنصوص المتشابهة، أي حمل اللفظ على معنى يسوغ في اللغة العربية ويليق بالله تعالى. بمعنى أن ما فعله الأشاعرة وهم من الخلف إزاء هذه المشكلة هو الاستمرار على مذهب أهل السنة والجماعة مع :" تأويل المتشابه من الكتاب والسنة وتخريجه على ما عرف في كلام العرب من فنون مجازاتها، وضروب بلاغاتها مما يوافق عليه النقل والشرع ويسلمه العقل والطبع."(15)
لقد استطاع الإمام الأشعري بمنهجه الوسطي المتجدد الذي وظفه في الدفاع عن العقائد الدينية السنية الجماعية أن يتدرج بمفكري هذه العقائد من مستوى النظرة الضيقة للنصوص العقدية أو القراءة الحرفية لتلك للنصوص التي تنتهي حتما إلى تكريس عقيدة التجسيم المرفوضة إسلاميا إلى مستوى عال من التفكير العقلاني المسدد الذي يحقق التنزيه في صورة تفصيلية متعالية.
وإذا كانت آي القرآن الكريم تنقسم إلى قسمين:
قسم محكم تأويله بتنزيله، ويفهم المراد منه بظاهرة وذاته.
قسم لا يوقف على معناه إلا بالرد إلى المحكم لفهم معناه فإن الأحاديث النبوية جارية هذا المجرى، ومنزلة هذا التنزيل كما يقول الإمام الحافظ أبو بكر ابن فورك. (16)
شروط التأويل:
انطلاقا من قيمة النص القرآني بوصفه كلام الله تعالى فإن أئمة الفكر الأشعري لم يقابلوا نصوصه بأي إنكار أو تأويل تعسفي، بل قرروا أن الواجبات كلها بالسمع تجب... كما أنهم لم يسرفوا ولم يتوغلوا في التأويل العقلي، ولم يوسعوا دائرته من غير ضرورة، بل ضلوا مرتبطين بالنص الديني يحاولون فهمه في ضوء نصوص أخرى، وباعتماد شواهد لغوية وضوابط شرعية صارمة نشير إلى بعض منها:
الظاهر هو الأصل: لقد قرر علماء العقيدة أن النصوص تحمل على ظاهرها، ولا يعدل عن الظاهرة إلا لضرورة. وفي جميع الحالات ضرورة قيام الدليل القاطع على أن ظاهره محال ممتنع.
كثرة الاستعمال واشتهاره: ينبغي توجيه معاني القرآن الكريم إلى المعنى الظاهر المشتهر استعماله بين الناس في زمان الرسالة، ولا يجوز توجيهها إلى المعنى الخفي المستعمل على قلة.
احتمال اللفظ لما صرف له: من شروط التأويل الصحيح أن يكون اللفظ محتملا للمعنى الذي صرف إليه. ومن ثَمَّ لا يجوز تأويل النص القرآني عن طريق حمله على تأويل لا يحتمله اللفظ. وهذا الشرط يقتضي أن يكون المؤول على اطلاع واسع بلغة العرب وأساليبها...
أن يدل السياق على المعنى المصروف إليه: يقول الإمام الطبري:" فتوجيه الكلام إلى ما كان نظيرا لما في سياق الآية أولى من توجيهه إلى ما كان منعدلا عنه"(17)
أن لا يخالف التأويل أصلا شرعيا ثابتا: فحمل اللفظ على معنى مخالف لما قد تبين في أصول الدين أو قواعد الشرع، وغير جار على وفق قواعد العقل واللغة يعد تأويلا باطلا، وهاذ متفق عليه.(18)
أن يكون المعني المصروف إليه اللفظ مما يصح في أوصافه تعالى من غير اقتضاء تشبيه أو إضافة إلى ما يليق بالله جل ذكره إليه.(19)
أن يكون المتأول أهلا لذلك: وهذا الشرط يتعلق بممارس فعل التأويل الذي يتعين أن يكون متصفا بالفضيلة الخلقية والعلمية، خبيرا باللغة العربية وأساليبها، عالما بأصول الشرع وأحكامه...(20)
أن تكون ثمة ضرورة شرعية تدعو إلى التأويل: بأن نخشى على إنسان مسلم من ذهاب عقيدته. وإلا فالتمسك بذهب السلف الذي يعني تفويض معاني النصوص المتشابهة إلى الله تعالى وحده بعد تنزيهه عن ظواهرها المستحيلة أولى من فعل التأويل.(21)
---------------
المراجع:
( 1) فصل المقال لابن رشد، ص: 98.
( 2) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن قيم الجوزية، 1/175.
( 3) تهذيب اللغة للأزهري، مادة أول، 15/437، تحقيق إبراهيم الأبياري.
( 4) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، 1/160، تحقيق.د. عبد السلام هارون.
( 5) مختار الصحاح للرازي، مادة " أول".
( 6) تاج اللغة للجواهري، باب اللام والألف، 4/1626.
( 7) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، باب اللام مع الألف، 3/341.
( 8) جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري، 1/184. دار الكتب العلمية، 1997.
( 9) التأويل: دراسة في آفاق المصطلح، د. عبد القادر الرباعي، دراسة منشورة ضمن مجلة عالم الفكر الكويتية المجلد 31 أكتوبر – ديسمبر 2002 ص: 150.
( 10) اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، ص: 84.
( 11) شرح جوهرة التوحيد، للباجوري، ص: 149.
( 12) التعريفات للجرجاني، باب التاء، ص: 22.
( 13) الحدود ي الأصول لأبي بكر محمد بن الحسن بن فورك الإصبهاني، ص 146.
( 14) فصل المقال ، لابن رشد، ص: 97.
( 15) الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، للشيخ أبي العباس أحمد بن خالد الناصري، 1/140
( 16) مشكل الحديث وبيانه، ص: 41-42
( 17) تفسير الطبري، 6/91.
( 18) البرهان أصول الفقه للجويني، 1/536
( 19) مشكل الحديث وبيانه، للإمام أبي بكر بن فورك، ص 44.
( 20) التأويل اللغوي في القرآن الكريم، دراسة دلالية، د. حسين حامد الصالح، ص: 80، 98
( 21) شرح جوهرة التوحيد، للإمام الباجوري، ص 154.

طيب وما الحد بين التأويل والتعطيل؟؟؟
رد مع اقتباس