عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2012-05-28, 11:42 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,065
افتراضي تاريخ مدرسة التفسير في عهد النبي/أ.أحمد الحسن الربابعة/ق2

تاريخ مدرسة التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

الأستاذ أحمد الحسن الربابعة

القسم الثاني


ثانياً: التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:

1. فهم النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم وتفاوت الصحابة في فهمه:
كان طبيعياً أن يفهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن جملة وتفصيلاً، بعد أن تكفل الله تعالى له بالحفظ والبيان: { إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه(19)}(القيامة)؛ كما كان طبيعياً أن يفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم في جملته من حيث ظاهره وأحكامه. أما فهمه تفصيلاً ومعرفة دقائق باطنه، فهذا غير ميسور لهم بمجرد معرفتهم للغة القرآن؛ بل لابد لهم من البحث والنظر والرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن القرآن فيه المجمل والمشكل والمتشابه وغير ذلك (الذهبي، التفسير والمفسرون ج 1، ص. 26) مما لا بد في معرفته من أمور أخرى يرجع إليها.
وقد كان الصحابة يتفاوتون في فهم القرآن الكريم، لأنهم لم يكونوا على مستوى واحد ودرجة واحدة في فهم معاني القرآن، بل تفاوتت مراتبهم (محمد علي الصابوني، التبيان في علوم القرآن، ص. 70) وأشكل على بعضهم ما كان يظهر للبعض الآخر. وأما السبب في ذلك، فيرجع إلى ما يلي:

1 ـ تفاوت في الفروق الفردية والقوة العقلية والمدركات؛
2 ـ تفاوت العلم بأسباب النزول، فلم يلموا بها جميعاً؛
3 ـ تفاوت العلم في معاني الكلمات واللغة؛
4 ـ تفاوتهم في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن منهم من أسلم متأخراً أو كان كثير الأسفار أو مجاهداً في سبيل الله، أو مشتغلاً بأرض أو تجارة أو غياب (محمد سالم عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 241) .

ولهذا السبب لم يكن الصحابة على درجة واحدة في فهم القرآن الكريم: فقد يغيب عن واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
مما يشهد لهذا الذي ذهبنا إليه كلمة { أبّاً } في قوله تعالى: { وفاكهة وأبّاً (31)}(عبس) وذلك أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر { وفاكهة وأبّاً }، فقال: »هذه الفاكهة فقد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو تكيف يا عمر «!(الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 26؛ السيوطي، الإتقان، المصدر السابق، ج 2، ص. 174؛ عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 241).
وما أخرجه أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يتخاصمنا في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، والآخر يقول: أنا ابتدأتها (الإتقان، المصدر السابق، ج 2، ص. 26؛ صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 290) .
وكذلك قصة عدي بن حاتم في فهمه لقوله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...(187) }(البقرة) ، فأخذ عقالاً أبيض وآخر أسود وكان ينظر إليهما فلم يستبينا. فلما أصبح، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بشأنه؛ فعرَّض بقلة فهمه المراد (الإمام البخاري، صحيح البخاري، ج 6، ص. 56؛ عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 241) .
مما تقدم نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من مارس التفسير وعلمه للصحابة رضوان الله عليهم. أما الصحابة، فهم الطبقة الأولى في تاريخ علماء التفسير، وهم الأساس والأصل اللذان قام عليهما نشأة علم التفسير (البوطي ، من روائع القرآن،ص 86).
قال مسروق: »جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجدتهم كالإخاذ، يعني الغدير. فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم « (السيوطي، الإتقان، المصدر السابق، ج 2، ص. 176؛ عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 242 ) والله أعلم.

2. المنهج الذي سلكه الصحابة في التفسير
كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفهمون القرآن كذلك، لأنه نزل بلغتهم وإن كانوا لا يفهمون وقائعه. يقول ابن خلدون في "مقدمته: »إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمون القرآن ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه «،( القطان، مباحث في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 334 ) ولكنهم مع هذا كانوا يتفاوتون في الفهم، فقد يغيب عن واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
لم يكن للصحابة أن يجرؤوا على التفسير ملتجئين في الدرجة الأولى إلى الفهم والاجتهاد والرأي، وإنما هناك منهج معين ومحدد يلتزمونه في تفسيرهم.
فالصحابة في هذا العصر يعتمدون في تفسيرهم للقرآن الكريم على أربعة مصادر (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 28؛ خالد إبراهيم الفتياني، محاضرات في علوم القرآن، ص. 212؛ عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 242) :

الأول: القرآن؛
الثاني : النبي صلى الله عليه وسلم؛
الثالث: الإجتهاد وقوة الاستنباط؛
الرابع : أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
ونوضح كل مصدر من هذه المصادر الأربعة فنقول:

أ. المصدر الأول: القرآن الكريم:

فالناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد اشتمل على الإيجاز والإطناب، وعلى الإجمال والتبيين، وعلى الإطلاق والتقييد، وعلى العموم والخصوص.
لهذا لابد لمن يتعرض لتفسير كتاب الله تعالى، أن ينظر في القرآن أولاً فيجمع ما تكرر منه في موضوع واحد ويقابل الآيات بعضها ببعض وبهذا يكون قد فسر القرآن بالقرآن، وفهم مراد الله بما جاء من الله.
وعلى هذا ضمن تفسير القرآن بالقرآن: أي يشرح ما جاء موجزاً في القرآن بما جاء في موضع آخر مشبهاً (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 28) ، وذلك كقصة آدم وإبليس: جاءت مختصرة في بعض المواضع، وجاءت مشبهة مطولة في موضع آخر.
ومن تفسير القرآن بالقرآن أن يحمل المجمل على المبين ليفسر به. وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن: فمن ذلك تفسير قوله تعالى: { وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم..(28)} (غافر) بأنه العذاب الأدنى المعجل في الدنيا لقوله تعالى في آخر السورة: { فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون (77)}(غافر) ؛ ومن قوله تعالى:
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه..(37)}(البقرة) جاء تفسير الكلمات في آية أخرى هي: { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين(23)}(الأعراف) ؛ ومن قوله تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة(3)}(الدخان) فسرت الليلة بقوله تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة القدر (1)}(القدر) .

ومن تفسير القرآن بالقرآن حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 30) . فالأول أثلة عند بعض العلماء: آية الظهار مع آية القتل. ففي كفارة الظهار قال تعالى: { فتحرير رقبة...(3) }(المجادلة) ، وفي كفارة القتل قال تعالى: { فتحرير رقبة مؤمنة..(94)}(النساء) ، فيحمل المطلق في الآية الأولى على المقيد في الآية الثانية، بمجرد ورود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع عند هذا البعض من العلماء (السيوطي، الإتقان، المرجع السابق، ج 4، ص. 473 ).
ومن الثاني مثل قوله تعالى: { من يعمل سوءاً يجز به...(123)}(النساء) ، فإن ما فيها من عموم خصص بمثل قوله: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير(30)}(الشورى) .
ومن تفسير القرآن حمل بعض القراءات على غيرها. فبعض القراءات تختلف مع غيرها في اللفظ وتتفق في المعنى. فقراءة ابن مسعود رضي الله عنه { أو يكون لك بيت من ذهب } تفسر لفظ »الزخرف« في القراءة المشهورة { أو يكون لك بيت من زخرف ..(93)}(الإسراء).
ومما يؤكد أن القراءات مرجع مهم من مراجع تفسير القرآن بالقرآن ما روي عن مجامعه أنه قال: »لو كنت ما احتجت أن أسأله عن كتبي مما سألته عنه« (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 30) فهذا هو تفسير القرآن بالقرآن.

ب. المصدر الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليفسر لهم ما أشكل عليهم فهمه من آيات القرآن الكريم. وذلك، لأن القرآن والحديث متعاضدان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)(أبو داود، سنن أبي داود، ج 5، ص. 11؛ أبو عيسى محمد بن سودة، سنن الترمذي، ج 5، ص. 37) .
ولم يكن همّ الصحابة حفظ ألفاظ القرآن فحسب، بل جمعوا إلى حفظ اللفظ فهم المعنى وتدبر المراد والعمل بمقتضى ما تضمنه من الأحكام والآداب. قال أبو عبد الرحمن السلمي: »حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل«(محمد بن محمد أبو شهب، المدخل لدراسة القرآن الكريم، ص. 28) .

والذي يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير باباً من الأبواب التي اشتملت عليها وذكرت فيه كثيراً من التفسير المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما عن عدي بن حيان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7)}(الفاتحة) إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين هم النصارى(ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص. 26؛ الشوكاني، فتح القدير، ج 1، ص. 28).


ومن أجود ما قيل في تفسير القرآن بالقرآن ما ذكر الإمام المجتهد المحقق محمد بن إبراهيم اليمني ـ الشهير بابن الوزير ـ في كتابه القيم "إيثار الحق على الخلق". قال رحمه الله (يوسف القرضاوي، المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة، المرجع السابق، ص. 46 ) : تفسير القرآن بالقرآن، وذلك حيث يتكرر ذكر الشيء، ويكون بعض الآيات أكثر بياناً وتفصيلاً. وقد جمع من هذا القبيل تفسير مفرد ذكره الشيخ تقي الدين، يعني دقيق العيد في "شرح العمدة....". وقد يذكر المفسرون منه أشياء متفرقة. والله أعلم.
وما رواه الترمذي وغيره عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نزل قوله تعالى: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى..(238)}(البقرة) : الصلاة الوسطى صلاة العصر (أبو عيسى محمد بن سودة، سنن الترمذي، المرجع السابق، ج 5، ص. 45 ) ؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم ناراً)(عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 245).
وما أخرجه الترمذي وابن جرير عن أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { وألزمهم كلمة التقوى...(26)}(الفتح)« ، قال: لا إله إلا الله.
وكذلك قوله تعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..(60)}(الأنفال) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعد أن قرأ الآية (ألا وإن القوة الرمي ، القوة بالرمي ) (ابن كثير، تفسير، المرجع السابق، ج 2، ص. 318؛ الشوكاني، فتح القدير، المرجع السابق، ج 2، ص. 410 ، صحيح مسلم 1917).

ثم اختلف العلماء في المقدار الذي فسره الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن على ثلاثة أقوال هي:

1 ـ قال بعضهم إنه فسر آيات معدودة، وهم الخوبي والسيوطي (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 35 )؛
2 ـ وقال بعضهم إنه فسر كل القرآن، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية؛
3 ـ وقال بعضهم إنه فسر ما دعت الحاجة إليه وما سألوه عنه. وهذا هو القول الراجح (عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 246) .
قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه هي (محمد علي الحسن، المنار في علوم القرآن، ص. 153 ) :

أ ـ وجه تعرفه العرب من كلامها؛
ب ـ وتفسير لا يعذب أحد بجهالته؛
ج ـ وتفسير تعرفه العلماء؛
د ـ وتفسير لا يعلمه إلاّ الله.

فالأول لا يحتاج إلى التفسير؛
والثاني: مثاله وجوب الصلاة وبيان الحلال والحرام؛
والثالث: هو الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان المجمل وتخصيص العامّ؛
والرابع: لم يفسره النبي صلى الله عليه وسلم ، كقيام الساعة والروح والغيب.

يتبع
رد مع اقتباس