عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2012-05-29, 12:02 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,065
افتراضي تاريخ مدرسة التفسير في عهد النبي/أ.أحمد الحسن الربابعة/ق3

تاريخ مدرسة التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

الأستاذ أحمد الحسن الربابعة

القسم الثالث

وإذ قد اتضح لنا من الآية والحديث والآثار مقدار ارتباط السنة بالكتاب ارتباط المبين بالمبين، فَلْنُبَيِّنْ بعد ذلك أَوْجُه هذا البيان. فنقول: أوجه بيان السنة ما يلي:

الوجه الأول: بيان المجمل في القرآن وتوضيح المشكل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق. فمن الأول تكتب أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج (الزركشي، البرهان في علوم القرآن، المصدر السابق، ج 2، ص. 184 ) ، ومثاله قولـه تعالى: { وأقيموا الصلاة ...(56)}(النور) ، فجاءت السُّنَّةُ تبين مواقيتها فقال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).
ومن الثاني تفسيره للخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...(187)}(البقرة) بأنه بياض النهار وسواد الليل.
ومن الثالث تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم(77)}(الأنعام) بالشرك.
ومن الرابع مثاله قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ..(38)}(المائدة)، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها اليد اليمنى من الرسغ.

الوجه الثاني: بيان معنى لفظ أو متعلقه، كبيان المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى(عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 247) .

الوجه الثالث: بيان أحكام زائده على ما جاء في القرآن الكريم كتحريم نكاح المرأة على عمتها وكقوله تعالى: { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ...(23)}(النساء).

الوجه الرابع: بيان النسخ، أي تنسخ السنة حكماً في القرآن. وهذا عند الشافعية غير وارد مطلقاً (عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 248؛ الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 40 ) . مثاله قوله تعالى: { الوصية للوالدين والأقربين ...(182)}(البقرة). قال جمهور العلماء: ما نسخها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ).

الوجه الخامس: بيان تأكيد. وذلك مثل قوله تعالى: { وعاشروهن بالمعروف..(19) }(النساء)،( دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 248 ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( استوصوا بالنساء خيراً ).
وقد عرض الإمام ابن الوزير لهذا الموضوع في إيثار الحق أيضاً فقال (القرضاوي، المرجعية العليا في الإسلام، المرجع السابق، ص. 51 ) : »النوع الثاني: التفسير النبوي، وهو مقبول بالنص والإجماع. قال تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا (7)}(الحشر) «.

ج. المصدر الثالث: من مصادر التفسير في عصر الصحابة الاجتهاد وقوة الاستنباط. وهذه خطوة ثالثة في المنهج كان الصحابة يلجأون إليها إذا لم يجدوا ضالتهم في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (خالد إبراهيم الفتياني، محاضرات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 214 ) .

كان الصحابة رضوان الله عليهم يفسرون القرآن بالرأي والاجتهاد، وذلك إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكثير من الصحابـة كان يفسر بعض آي القرآن بهذا الطريق مستعيناً على ذلك بما يأتي (المرجع نفسه، ص. 214؛ القطان، مباحث في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 336؛ الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 41 ) :

أولاً: معرفة أوضاع اللغة وأسرارها؛
ثانياً: معرفة عادات العرب؛
ثالثاً: معرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن؛
رابعاً: قوة الفهم وسعة الإدراك.

هذه هي أدوات الفهم والاستنباط التي استعان بها الصحابة على فهم كثير من آيات القرآن، وهذا هو مبلغ أثرها في الكشف عن غوامضه وأسراره(عبيدات، دراسات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 248) .

د. المصدر الرابع: أهل الكتاب من اليهود والنصارى
المصدر الرابع للتفسير في عهد الصحابة هو أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وذلك أن القرآن الكريم يتفق مع التوراة في بعض المسائل، وبالأخص في قصص القرآن، أي قصص الأنبياء وما يتعلق بالأمم الغابرة؛ وكذلك يشتمل القرآن على مواضع وردت في "الإنجيل"، كقصة ميلاد عيسى عليه السلام ومعجزاته(الفتياني، محاضرات في علوم القرآن، المرجع السابق، ص. 213؛ الذهبي، التفسير المفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 43).
غير أن القرآن الكريم اتخذ نهجاً يخالف منهج "التوراة" و"الإنجيل"، فلم يتعرض لتفاصيل جزئيات المسائل ولم يستوف القصة من جميع نواحيها، بل اقتصر من ذلك على موضع العبرة فقط.
ولما كانت العقول دائماً تميل إلى الاستيفاء والاستقصاء، جعل بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يرجعون في استيفاء هذه القصص التي لم يتعرض لها القرآن من جميع نواحيها إلى من دخل في دينهم من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهم من علماء اليهود والنصارى.
وهذا بالضرورة كان في ما ليس عندهم فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لو ثبت شيء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يعدلون عنه إلى غيره مهما كان المأخوذ عنه. والله أعلم.

3. قيمة التفسير المأثور عن الصحابة وحكمه
من التفسير المعتمد والمقبول تفسير الصحابة. وذلك لأن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ قد اجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ونهلوا من معينه الصافي وشاهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا أسباب النزول وله من صفاء نفوسهم وسلامة خطتهم وعلوّ منزلتهم في الفصاحة والبيان ما يؤهلهم من الفهم الصحيح السليم لكلام الله(الصابوني، التبيان في علوم القرآن، المصدر السابق، ص. 70 ) .

وأطلق الحاكم في "المستدرك" أن تفسير الصحابة الذي شهد الوحي له حكم المرفوع، فكأنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعزا هذا القول للشيخين، إذ يقول في "المستدرك": »ليعلم طالب الحديث أن التفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل ـ عند الشيخين ـ حديث مسند(السيوطي، تدريب الراوي، ص. 66 )«، ولكن قيد ابن الصلاح والنووي هذا الإطلاق بما يرجع إلى أسباب النزول وكان جمال للرأي فيه.
ونحن نجد الحاكم نفسه قد صرح في معرفة علوم الحديث بما ذهب إليه ابن الصلاح. فالحاكم قيد في معرفة علوم الحديث ما أطلقه في "المستدرك"، فاعتمد الناس ما قيد وتركوا ما أطلق. وعلل السيوطي في "التدريب" إطلاق الحاكم بأنه كان حريصاً على جمع الصحيح في "المستدرك"( الذهبي، التفسير والمفسرون، المصدر السابق، ج 1، ص. 64 ) حتى أورد فيه ما ليس من شرط المرفوع، ثم اعترض بعد ذلك على الحاكم بحيث عَدَّ الحديث المذكور عن أبي هريرة من الموقوف؛ وليس كذلك، لأنه يتعلق بذكر الآخرة. وهذا لا مدخل للرأي فيه، فهو من قبيل المرفوع(المرجع نفسه).

ويرى بعض العلماء وجوب الأخذ بتفسير الصحابي، لأنه من باب الرؤية لا بالرأي(القرضاوي، المرجعية العليا، المرجع السابق، ص. 53 )، واعتبروه من باب المرفوع حكماً، وخالفهم آخرون؛ بل إن أبا عبد الله الحاكم اعتبر تفسير الصحابي مرفوعاً في كتاب وموقوفاً في آخر.

وبعد هذا كله، نخلص إلى هذه النتائج (الذهبي، التفسير والمفسرون، المرجع السابق، ج 1، ص. 65 ) :
الأول: تفسير الصحابي له حكم المرفوع إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول وكل ما ليس للرأي فيه جمال. أما ما يكون للرأي فيه جمال، فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
الثاني: ما حكم عليه بأنه من قبيل المرفوع لا يجوز رده اتفاقاً، بل يأخذه المفسر ولا يعدل عنه إلى غيره بأيِّ حال؛
الثالث: ما حكم عليه بالوقف تختلف فيه أنظار العلماء(المرجع نفسه، ج 1، ص. 65 ): فذهب فريق إلى أن الموقوف على الصحابي من التفسير لا يجب الأخذ به، لأنه لما لم يرفعه علم أنه اجتهد فيه. والمجتهد يخطئ ويصيب، والصحابة في اجتهادهم كسائر المجتهدين.
وذهب فريق آخر إلى أنه يجب الأخذ به والرجوع إليه، لظن سماعهم له من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنهم إذا فسروا برأيهم فرأيهم أصوب ولأنهم أدرى منَّا بكتاب الله ولبركة الصحبة والتخلق بأخلاق النبوة.
وقال الحافظ ابن كثير في مقدمة "تفسيره:
وحينئذ إذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم(ابن كثير، تفسير القرآن، المصدر السابق، ج 1، ص. 4 ).
وهذا الرأي الأخير تميل إليه النفس، ويطمئن إليه القلب، لما ذكر. والله أعلم.

4. مميزات التفسير في هذه المرحلة:

يمتاز التفسير في هذه المرحلة بالمميزات التالية:
أ ـ لم يفسر القرآن جميعه، وإنما فسر بعضُه، وهو ما غمض فهمه. وهذا الغموض كان يزداد كلما بعد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. فكان التفسير يتزايد تبعاً لتزايد هذا الغموض، إلى أن تم تفسير آيات القرآن جميعها؛
ب ـ قلة الاختلاف بينهم في فهم معانيه؛
ج ـ كانوا كثيراً ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يلزمون أنفسهم بتفهم معانيه تفصيلاً: فيكفي أن يفهموا من مثل قوله تعالى: { وفاكهة وأبّاً (31)}(عبس) أنه تعداد لنعم الله تعالى على عباده؛
د ـ الاقتصار على توضيح المعنى اللغوي الذي فهموه بأخصر لفظ مثل قولهم في قوله تعالى { غير متجانف لإثم...(3)}(المائدة) : أي غير متعرض لمعصية. فإن زادوا على ذلك، فما عرفوه من أسباب النزول؛
هـ ـ ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعدم وجود الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظراً لاتحادهم في العقيدة ولأن الاختلاف المذهبي لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم؛
و ـ لم يدون شيء من التفسير في هذا العصر، لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني. نعم ! أثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم، فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند الله تعالى؛
ز ـ اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءاً منه وفرعاً من فروعه، ولم يتخذ التفسير له شكلاً منظماً، بل كانت هذه التفسيرات تروى منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث: فحديث صلاة بجانب حديث جهاد بجانب حديث ميراث بجانب حديث في تفسير آية.

وليس لمعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس، فإنه لا تصح نسبته إليه، بل جمعه الفيروزابادي ونسبه إليه، معتمداً في ذلك على رواية واهية، وهي رواية محمد بن مروان السدى عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وهذه هي سلسلة الكذب.

يتبع
رد مع اقتباس