عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2012-07-16, 11:53 PM
آية.ثقة آية.ثقة غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-01-30
المشاركات: 302
افتراضي


بناء الكعبة وتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم قي وضع الحجر:
و لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخامسة والثلاثين من عمره وقع أمر مهم وهو أن قريشا قررت إعادة بناء الكعبة ، وذلك أن الكعبة قد تساقطت بعض حجارتها ، وكان قد جاءها سيل شديد أثر في بنيانها كثيرا ، واختلفوا هل يرممون البيت أو يهدمونه ويبنونه من جديد ، فمن قائل يهدم ويبنى من جديد ، ومن قائل بل يرمم ، وذلك أنهم خشوا إذا هدموا البيت أن يصابوا بأذى ، وذلك لأن أمر أبرهة قريب جدا ، وكثير منهم قد عاصروا وقت أبرهة وعرفوا ونظروا ما وقع لأبرهة وجيشه حيث أرادوا ذلك البيت المقدس عند الله تبارك وتعالى . فقام الوليد بن المغيرة وقال : والله لنهدمنّه ولنبنينّه من جديد . فقالوا: إنا نخاف أن نصاب بأذى . فقال : وأي أذى وأنتم إنما أردتم الخير . فقالوا : فابدأ أنت . قال : نعم . فجاء الوليد إلى الكعبة ورفع الفأس وقال: اللهم لن تُرَعْ. (يعني :لا تخف يا رب لا نريد إيذاءك ،وإنما نريد الخير . وهذا لا شك يدل على جهلهم بالله تبارك وتعالى) . الشاهد أنه بعد ذلك قام فضرب ثم انتظر قلم يُصَبْ بأذى .فقال : أيها الناس اهدموا . فقالوا : لا ، حتى تصبح وأنت سليم . قال : نعم . فذهب الناس إلى منامهم . فلما أصبح ولم يصب بأذى ، فقاموا جميعا وهدموا البيت الحرام ولكنهم لمّا هدموا البيت وأرادوا إعادة بنائه ، قالوا : لا يدخل في بنائه إلا مال طيب فلا يقبل مال ربا ، ولا ميسر ، ولا مهر بغي ، ولا مال مسروق. وهذا شيء عجيب ،هم على كفرهم يعرفون المال الحلال من المال الحرام . الشاهد إن المال الذي جمعوه كان قليلا لم يكف لبناء الكعبة ، فبنوا الكعبة على ما هي عليه الآن ، ثم جعلوا هذا السور أو هذا القوس الذي نراه والذي يسميه الكثيرون من الناس حجر إسماعيل وليس لإسماعيل عليه الصلاة والسلام حجر ، بل هو الحجر أو الجذر كما كان يسميه أهل مكة ، وهذا الحجر يعتبر من مكة ،ستة أذرع من الميزاب إلى الحجر هذه كلها كانت تعتبر من داخل الكعبة ، ولذلك إذا أردنا أن نطوف حول الكعبة لا يجوز لنا أن نطوف من داخل الحجر ، لأننا مطالبون أن نطوف حول الكعبة لا أن نطوف في الكعبة . وكان للكعبة بابان فجعلوا لها بابا واحدا ، وكان الباب ملاصقا للأرض فرفعوه حتى يدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، "وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذر" أمن البيت هو ؟ (الجذر قلنا هو الحجر) . قال : نعم . قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال: إن قومك أثّرت بهم النفقة . وقالت: فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال: فعلى ذلك قومك ، ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ، أن أدخل الجذر في البيت أن ألصق بابه بالأرض"رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما.
وذلك من النبي صلى الله عليه وسلم عليم الحكمة إذ أن قريشا ستقول : انظروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم يدّعي أنه مرسل من الله ، أول ما فتح مكة هدم بيت الله . ولذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الحكمة أن يؤخر هذا الأمر ، ولكن هل تأخر هذا الأمر كثيرا ؟ إنه لم يتأخر كثيرا . وذلك أنه في خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه ، وذلك في سنة خمسة وستين من هجرة النبي صلى الله علي وسلم ، أو سنة أربع وستين للهجرة قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فأدخل الحجر في الكعبة ،ووسع الكعبة وأطال بنيانها ، وأنزل الباب إلى الأرض ، وجعل للكعبة بابين ، كل ذلك كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه رحمه الله تبارك وتعالى.
قال عطاء إنّ عبد الله بن الزبير جمع الناس فقال :"أيها الناس أشيروا علي في الكعبة ، أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها . (وذلك بعد أن ضربت الكعبة أراد عبد الله بن الزبير أن يصلحها رضي الله عنه وأرضاه) يقول: فقال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم .(فابن عباس كان رأيه أن تترك الكعبة ولا يدخل الحجر فيها ، وأن ترمم فقط) . فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه.(أي يجدده من جديد) فكيف بيت ربكم، إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري . فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها . فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد إليها أمر من السماء (أيضا خشوا أن يقع أمر من السماء إذا أراد أحد أن يهدم الكعبة ) فصعد رجل وألقى من البيت حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تابعوا فنقضوا البيت حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ، وقال بن الزبير :إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يُقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت لها بابا يدخلوا الناس منه وبابا يخرجون منه . قال عبد الله بن الزبير : فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس . قال : فزاد فيه خمسة أذرع كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر حتى أدّى أسًّا نظر الناس إليه(أي الأساس ، أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنى عليه البناء) وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع (يعني عبد الله بن الزبير زادها طولا وعرضا رضي الله عنه وأرضاه ) وجعل للكعبة بابين ، أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه .
فلما قتل عبد الله بن الزبير وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك (أي بما فعل ابن الزبير ببيت الله تبارك وتعالى) ويخبره بأن ابن الزبير قد وضع البناء على أس (أي على أساس) نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك:إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء فأما ما زاد من طوله فأقره (أي من ارتفع الكعبة أقره) وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه ، فنقضه وأعاده إلى بنائه. وهذا أمر عجيب ، عبد الله بن الزبير رضي الله عنه نفـّذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم . عبد المالك بن مروان لما استخلف ظن أن عبد الله بن الزبير إنما زاد هذا من عند نفسه فأمر بنقضه وأعاد الكعبة كما كانت زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك لما وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان قال عبد الملك : ما أظن أن أبا خبي (يعني عبد الله بن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها (أي قول النبي صلى الله عليه وسلم : لولا أن قومكِ حديث عهد بجاهلية ) فقال الحارث : بلى أنا سمعته منها . فقال عبد الملك : سمعتها تقول ماذا؟ قال : قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن قومك استقصروا من بنيان البيت فلولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا من قومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه . فأراها قريبا من سبعة أذرع . وأنه كذلك قال: ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيا ، وهل تدرين (أي النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة) وهل تدرين لِما كان قومك رفعوا الباب ؟ قالت :قلت:لا . قال :تـَعَجُزَا ألاَّ يدخلها إلا من أرادوا ، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي (أي يصعد الدرج) حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط". فقال عبد الملك للحارث : أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم .قال: فنكش عبد الملك ساعة بعصاه (أي صار يضرب بالعصا في الأرض) ثم قال: وددت أني تركته وما تحملت.وقال كذلك: لو كنتُ سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى أبن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه.
وفي عهد الدولة العباسية قيل في عهد المهدي أو الرشيد أو عهد أبي جعفر المنصور ،أراد الخليفة أن يعيد بناء الكعبة وأن يدخل الحجر فيها مرة ثانية . فسُئل الإمام مالك .سأله الخليفة قال : ما تقول : فقال الإمام مالك: لا تفعل . قال:لما؟ قال أخشى أن يتخذه الملوك لعبة ، هذا يهدم وهذا يبني . فتركه (أي الخليفة) وبقي على حاله إلى يومنا هذا . فإن قال قائل : هل نعيده الآن ونبنيه كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ونجعل بابه في الأرض وندخل الحجر فيه كما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فنقول : هذا مصيره إلى أهل العلم هم الذين (العلماء) هم الذين يتكلمون في هذا الأمر ويجتمعون ثم ينظرون في هذا الأمر ، فإن أرادوا ذلك فالأمر إليهم ، وليس لنا أن نتكلم في هذا.
بعد أن بَنَتْ قريش الكعبة ، وجعلت القوس الذي هو الحجر كما قلنا ، أرادوا وضع الحجر الأسود في مكانه ، فتنازعوا ، كل يريد أن يتشرّف بوضع الحجر في مكانه . فقالوا : نحكم فينا أول داخل علينا . فقدر الله تبارك وتعالى أن يكون أول داخل عليهم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقالوا : هذا الأمين . فنزع رداءه وطلب من رؤساء القبائل أن يحمل كل واحد منهم بالطرف حتى وصل الحجر إلى الكعبة ، ثم حمله النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه في مكانه . وقد جاء في الحديث أن الحجر الأسود نزل من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، سوّدته خطايا بني آدم . رواه الإمام الترمذي في جامعه.
رد مع اقتباس