عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2013-02-27, 02:21 PM
أبو سفيان الأثري أبو سفيان الأثري غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-01-04
المشاركات: 100
افتراضي

المبحث الأول وجوب تحكيم الشريعه وصلته بأصول الدين


مما عمت به البلوى في هذا الزمان ظن كثير من الناس تأثرًا بالفكر الإرجائي المعاصر أن مساله تحكيم شريعه الله من أمور العمل، وكل ما يتعلق بها إنما هو من قبيل المعاصي التي لا تخرج صاحبها عن الإيمان ما لم يكن جاحدًا.

وقد جاءت الأدله كثيره جدًا ومتنوعه على أن تحكيم الشريعه من أسس العقيده ومن مفرادت التوحيد ومن لوازم الشهادتين؛ بل وهي أصل الدين، نذكر من ذلك القليل إذ ليس المراد الإستقصاء فالقرآن مليء بذلك:


أولا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الربوبية

قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

قال العز بن عبد السلام رحمه الله:
"وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الديني والدنيوي، فما من خير إلا هو جالبه، وما من ضير إلا هو سالبه، وليس بعض العباد بأن يكون مطاعا بأولى من البعض، إذ ليس لأحد منهم إنعام بشيء مما ذكرته في حق الإله، وكذلك لا حكم إلا له". (1)
فبنى مسأله إفراد الله بالطاعه على تفرده بالربوبيه.


وقال جل وعلا {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68].

قال ابن القيم رحمه الله في قوله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} "فكما أنه هو المتفرد بالخلق، فهو المتفرد بالاختيار؛ فليس لأحد أن يخلق ولا يختار سواه" ثم قال "نزه نفسه سبحانه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم فقال {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولم يكن شركهم مقتضيا لإثبات خالق سواه، حتى نزه نفسه عنه. فتأمله فإنه في غاية اللطف" وقال "فإذا تأملت أحوال هذا الخلق رأيت هذا الاختيار والتخصيص فيه، دالا على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته. وأنه الله الذي لا إله إلا هو، فلا شريك له يخلق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبر كتدبيره". (2)

وقال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب". (3)

وقال القاسمي رحمه الله: "وقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ} أي تنزيها لله الذي لا يزاحم اختياره اختيار {وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}" (4)
فمن نازع الله في اختياره فقد نازعه في ربوبيته.


وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبه: 31].

قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي بينا في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه - عن قوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا } كيف اتخذوهم أربابا؟ وأجابه صلى الله عليه وسلم أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم، وبذلك الاتباع اتخذوهم أربابا". (5)


وقال الشيخ العثيمين رحمه الله:
"إن الحكم بما أنزل الله -تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في ما أنزل الله أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى". (6)



ثانيًا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الألوهيه


قال تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40].

قال الشنقيطي رحمه الله:
"فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تُشرك في حكمه أحدا} بصيغة النهي.
وقال في الإشراك به في عبادته: { فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه - إن شاء الله -.
وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه.
وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: 40] وقوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسق: 67] وقوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وقوله {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وقوله تعالى {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] وقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] وقوله تعالى {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]. والآيات بمثل ذلك كثيرة". (7)


ثالثًا صلة تحكيم الشريعة بتوحيد الأسماء والصفات


ورد اسم الله الحكم في آيه واحده وهي قوله تعالى:
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114].

قال الطبري رحمه الله: "أي قل: فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه، لأنه لا حكم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه" . (8)


وورد اسم الله الحاكم بصيغه الجمع وأفعل التفضيل في خمس آيات منها:

قوله تعالى {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109].
وقوله تعالى {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 7-8].

فمن آمن بأن الله سبحانه وتعالى خير الحاكمين وأحكم الحاكمين امتثل حكمه وخضع لأمره.


وورد اسم الله الحكيم في أربعة وتسعين آيه منها:

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 224].
وقوله جل وعلا {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [البقرة: 228، 240] و [المائدة: 38].
ويلاحظ في الآيات السابقة مجيء اسم الله الحكيم تعليلا لأحكام شرعيه، والحكيم معناه كما قال الحليمي "الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب" (9)

فمن آمن بإسمه جل وعلا "الحكيم" لن ينازعه في تشريعه لعلمه أن الله لا يأمر إلا بما فيه الصلاح.


والعبوديه لله بهذه الأسماء إنما تكون بالخضوع لشرعه، وعدم منازعته في أمره، وقد بين الإمام الشنقيطي رحمه الل،ه أن الله سبحانه وتعالى بصفاته العظيمه يستحق ان يكون له الحكم، فهل يوجد في البشر من له مثل صفات خالقه ليشارك ربه في الحكم، - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا - فقال رحمه الله في كلام ماتع لن تجد له مثيل:

"اعلم أن الله جل وعلا بَيَّن في آيات كثيرة صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة التي سنوضحها الآن - إن شاء الله - ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع، سبحان الله وتعالى عن ذلك.

فإن كانت تنطبق عليهم - ولن تكون - فليتبع تشريعهم، وإن ظهر يقينا أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية، سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته أو حكمه أو ملكه.

فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] ثم قال مبينا صفات من له الحكم {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى: 10-12].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السماوات والأرض - أي خالقهما ومخترعهما - على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجا، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة في قوله تعالى {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} الآية ، وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه له مقاليد السماوات والأرض، وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر - أي يضيقه على من يشاء - وهو بكل شيء عليم؟!
فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقبلوا تشريعا من كافر خسيس حقير جاهل.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل المسموعات وبصره بكل المبصرات؟ وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟
سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأنه الإله الواحد؟ وأن كل شيء هالك إلا وجهه؟ وأن الخلائق يرجعون إليه؟
تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين النظم الشيطانية من يستحق أن يوصف في أعظم كتاب سماوي بأنه العلي الكبير؟!
سبحانك ربنا وتعاليت عن كل ما لا يليق بكمالك وجلالك.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40].
فهل في أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الإله المعبود وحده، وأن عبادته وحده هي الدين القيم؟
سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

ومنها قوله تعالى {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
فهل في أولئك المشرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه بما أنزل الله وأنه مخالف لاتباع الهوى؟ وأن من تولى عنه أصابه الله ببعض ذنوبه؟ لأن الذنوب لا يؤاخذ بجميعها إلا في الآخرة؟ وأنه لا حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟
سبحان ربنا وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.

ومنها قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 114].
فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي أنزل هذا الكتاب مفصلا، الذي يشهد أهل الكتاب أنه منزل من ربك بالحق، وبأنه تمت كلماته صدقا وعدلا - أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام - وأنه لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم؟
سبحان ربنا، ما أعظمه، وما أجل شأنه.

ولما كان التشريع وجميع الأحكام - شرعية كانت أو كونية قدرية - من خصائص الربوبية - كما دلت عليه الآيات المذكورة - كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربا، وأشركه مع الله.
والآيات الدالة على هذا كثيرة". (10)



رابعًا صلة تحكيم الشريعة بأصل بالإيمان


قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 59-61] إلى قوله {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء 64].

وقال جل وعلا {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 46-51]

وقال سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب 36]

ودلالة الآيات واضحة على ارتباط التحاكم إلى شرع الله بأصل الإيمان - وسيأتي مزيد تفصيل في المبحث الثالث بإذن الله – فنرجيء الكلام عن هذه الآيات لحينها بإذن الله، وأكتفي في هذا الموضع بنقل عن إمامين في تقرير هذه المساله:


قال الإمام المروزي رحمه الله في شرح حديث جبريل عليه السلام: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله» وما ذكر معه كلام جامع مختصر له غور، وقد أوهمت المرجئة في تفسيره فتأولوه على غير تأويله، قلة معرفة منهم بلسان العرب، وغور كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قد أعطي جوامع الكلم وفواتحه، واختصر له الحديث اختصارا صلى الله عليه وسلم.
أما قوله: «الإيمان أن تؤمن بالله» أن توحده وتصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمر، مجانبا للاستنكاب والاستكبار والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت مساخطه". (11)

فجعل من الإيمان بالله الخضوع لأوامر الله جل وعلا والعزم على أدائها وترك العناد والإستكبار.


وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60]
والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره" . (12)



خامسًا صلة تحكيم الشريعة بأصل الإسلام


فالإسلام أصله الإستسلام والإنقياد، قال تعالى {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 85] أي استسلم وانقاد.

أما شرعًا فهو الإستسلام لله بالتوحيد والخضوع له بالطاعه والخلوص من الشرك.

قال ابن جرير في تفسير قوله جل في علاه {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}[البقرة: 112]:
"وأما قوله: {مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره، وأصل الإسلام: الاستسلام؛ لأنه مِن استسلمت لأمره، وهو الخضوع لأمره، وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه". (13)

وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى مخبرًا عن إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128]:
"يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك، ولا في العبادة غيرك، وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الإسلام الخضوع لله بالطاعة". (14)

وقال في تأويل قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]:
"وكذلك الإسلام، وهو الانقياد بالتذلل والخشوع، والفعل منه أسلم، بمعنى: دخل في السلم، وهو الانقياد بالخضوع وترك الممانعة، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} إن الطاعة التي هي الطاعة عنده الطاعة له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذلة، وانقيادها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذللها له بذلك من غير استكبار عليه ولا انحراف عنه دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودية والألوهية". (15)


وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
"فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت". (16)

ولأن الطبري شيخ المفسرين وهو حجه في اللغه والقراءات فنزيد في النقل عنه في هذه المسألة: يقول رحمه في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] بعد ذكر خلاف العلماء في تفسيرها والقراءات فيها: "فإن قيل فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام؟ قيل: وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه، وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله {كافة} من صفة السلم، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به. فقد صرح عكرمة، بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء من حدوده". (17)



سادسًا صلة تحكيم الشريعة بالشهادتين


أما شهادة ان لا إله إلا الله فقد سبق في أدلة توحيد الألوهية أما شهادة محمد رسول الله:

فقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31-32].

قال ابن كثير رحمه الله في قوله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}:
"هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، ثم قال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: باتباعكم للرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته.
ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ} أي: خالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء -بل المرسلون، بل أولو العزم منهم-في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته". (18)


وقال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء 65].

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"وأما شهادة أن محمدا رسول الله فكثير من الناس لا يفهمها على حقيقتها، وحكموا القوانين الوضعية وأعرضوا عن شريعة الله، ولم يبالوا بها، جهلا بها أو تجاهلا لها. إن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان برسول الله - عليه الصلاة والسلام -، وطاعته في أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فالواجب على جميع المسلمين، وعلى جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكموا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}" (19)

وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تيسير العزيز الحميد:
"نبه في هذا الباب على ما تضمنه التوحيد، واستلزمه من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع، إذ هذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، ولازمها الذي لا بد منه لكل مؤمن، فإن من عرف أن لا إله إلا الله، فلا بد من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن شهد أن لا إله إلا الله، ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النّزاع، فقد كذب في شهادته". (20)

وقد نقلت قول الشيخ ابن باز رحمه الله:
"والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره". (21)



يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]
"فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم" . (22)


تم بفضل الله المبحث الأول.



ـــــــــــــــــــــــ


(1) قواعد الأحكام (158/2).

(2) انظر زاد المعاد (40/1-43).

(3) تفسير القرآن العظيم (251/6).

(4) محاسن التأويل (535/7).

(5) أضواء البيان (56/7).

(6) فتاوى أركان الإسلام (ص143).

(7) أضواء البيان (48/7).

(8) جامع البيان (506/9).

(9) المنهاج (191/1).

(10) انظر (أضواء البيان 49/7-53).

(11) تعظيم قدر الصلاة (392/1-393).

(12) رسالة وجوب تحكيم الشريعة (ص 6-7).

(13) جامع البيان (431/2).

(14) المصدر السابق (565/2).

(15) المصدر السابق (280/5-281، مختصرًا).

(16) الرساله التدمريه (ص 169).

(17) جامع البيان (599/3-600، بتصرف)، وانظر التشريع العام أحواله وأحكامه، عبد الرحمن المحمود (ص 21-22).

(18) تفسير القرآن العظيم (32/2 بتصرف).

(19) مجموع الفتاوى (337/2).

(20) تيسير العزيز الحميد (ص 480).

(21) رسالة وجوب تحكيم الشريعه (ص 7).

(22) أعلام الموقعين (51/1).
__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1).

قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28).

رد مع اقتباس