عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2013-03-01, 06:15 PM
أبو سفيان الأثري أبو سفيان الأثري غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-01-04
المشاركات: 100
افتراضي

القسم الثاني التشريع العام المخالف لما أنزل الله



هذا القسم أحد حالات الحكم بغير ما أنزل الله الداخلة ضمن حالات الكفر الأكبر المخرج من المله بإجماع العلماء كما سيأتي إن شاء الله، وقد تبين من المبحث الأول أن الحكم والتشريع وما يتبع ذلك حق خالص لله جل وعلا وهو من مفرادات الربيوبيه - ونقلنا في ذلك كلام الشنقيطي في صفات من له الحكم - وأن من نازع الله في حق التشريع فقد نازعه في ربوبيته، فيرجع في هذا للمبحث الأول.

وهذا القسم مخرج من المله من وجوه:

أحدها: منازعة الله في ربوبيته، والتعدي على حق من حقوقه جل وعلا وهو حق الحكم والتشريع حيث ادعاه لنفسه، وهذا شرك في الربوبية، وهو عين ما فعله أحبار اليهود إذ جعلوا لأنفسهم حق التشريع.

الثاني: رفض شريعه الله، واستبدلها بغيرها.

الثالث: تفضيل زباله أفكار الناس على أحكام الله جل وعلا، إذ لو لم يفضلها لما جعلها تشريع عام يلزم به الأخرين.

الرابع: التعديل على أحكام الله.

الخامس: اصدار تشريعات عامة تكون لها السيادة في الأمة بدلا من سيادة الكتاب والسنة وتصبح هي المرجع في الحكم عند التنازع ، ويقدم العمل بها على العمل بأحكام الشريعة المطهرة، فجعل سيادة القانون الوثني أعلى من سيادة الله ورسوله؛ وكما سيأتي أن هذا من أعظم الكفر.


ولذلك نجد كثير من أهل العلم جعل هذا القسم مستلزم لكفر الإعتقاد كما سبق عن العثيمين رحمه الله أنه قال:
"من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أواحتقاراً له، أواعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه". (1)

وصوره هذا القسم - التشريع العام - والفرق بينه وبين الحكم في قضية معينة ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله:
"فإن الحاكم إذا كان دَيِّنًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص.
وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله: فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين الذي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم". (2)

نجد أن شيخ الإسلام رحمه الله حكم على القاضي الذي يحكم في قضية معينة بخلاف الحق الذي يعلمه أنه من أهل النار لحديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور القضاة ثلاثة (3) ولم يدخل في ذلك من حكم في دين الإسلام حكمًا عامًا وهذه الصوره التي هي التشريع العام، كمن أباح الربا ولم يعاقب عليه وأباح الخمر ولم يعاقب عليها وأباح الزنا ولم يعاقب عليه إلا في حالات معينة، كذلك منع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وأطلق العنان لمن أراد التطاول على الدين وأهله، عطل حدود الله بل وعدل عليها وكل هذا جعله في اطار تشريع عام ألزم الناس بالتحاكم إليه؛ وجعل سيادة هذا القانون فوق سيادة الشرع، وهذت ما قاله ابن تيمية رحمه الله "وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله: فهذا لون آخر . يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين الذي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم".


فينبغي التفريق بين هاتين الصورتين، من حكم في قضيه معينه بغير ما أنزل الله لشهوة أو رشوة لكنه لم يجعل حكمه تشريعًا عامًا، ومن استبدل شرع الله بالقوانين الطاغوتية الوثنية وجعلها تشريعًا عامًا يُرجع إليه عند النزاع وأحكامه فوق أحكام الكتاب والسنه؛ فهذه الصوره لا يشك أحد في كفر فاعلها!

لذلك نجد الشيخ العثيمين رحمه الله بعد أن ذكر أن الحكم بغير ما أنزل الله قسمين، الأول كفر أكبر مخرج من المله والثاني كفر أصغر سُئل "هل هناك فرق في المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله وبين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا؟

فأجاب بقوله: نعم هناك فرق فإن المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق وإنما هي من القسم الأول فقط". (4)

أي أن التشريع العام ليس فيه كفر أكبر وكفر أصغر، لا تقسيم فيه؛ إنما هو كفر أكبر منقل من المله فقط، وهذا محل اتفاق أهل العلم، لم يخالف في ذلك إلا المرجئه وأذنابهم من مطية الطواغيت فليس عندهم كفر إلا الإستحلال فقط! ولا عبرة بقولهم.

وقد فصل الشيخ العثيمين رحمه الله قوله هذا في موضع أخر فقال:
"إن الذين يحكمون القوانين الآن، ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هم بمؤمنين؛ ليسوا بمؤمنين، لقول الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء: 65] ولقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر؛ حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله ـ وهم يعلمون بحكم الله ـ وإلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] ، فلا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى؛ لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله، فالشرع لا يتبعض، إما تؤمن به جميعاً، وإما أن تكفر به جميعاً، وإذا آمنت ببعض وكفرت ببعض، فأنت كافر بالجميع، لأن حالك تقول: إنك لا تؤمن إلا بما لا يخالف هواك. وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به. هذا هو الكفر. فأنت بذلك اتبعت الهوى، واتخذت هواك إلهاً من دون الله". (5)

وتأمل قوله "وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر؛ حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله ـ وهم يعلمون بحكم الله ـ وإلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله". إلى أخر ما قال رحمه الله، فافهم هذا الفرق وعض عليه بالنواجذ، يسلم لك دينك.


وتأكيد ذلك قول الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]:
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير". (6)

وما أشبه اليوم بالبارحة فالأن عندهم ياسق أخر لكن تغير اسمه إلى الدستور بعض أحكامه من الشريعة الإسلامية وأخرى من القانون الفرنسي وغيرها من اليوناني وبعضه وفق زبالة أفكار البشر وصاروا يقدمونه على الكتاب والسنة؛ فمثلا حكم الخمر في الإسلام حرام عندهم لاقيمة لحكم الإسلام فالخمر في الدستور مباح فتباع في الطرقات ولا يستطيع أحد الإنكار، ويقدمون حكم الدستور على حكم الله ورسوله، الربا في الإسلام حرام، أما في الياسق فمباح وهكذا، فيقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله، فالسيادة في دينهم للدستور والقسم عندهم على احترام الدستور، أما احترام القرآن والسنة وقول الله وقول رسوله فليس في دينهم، فكما قال ابن كثير "فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير"

يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله معقبًا على كلام ابن كثير السابق:
" أفيجوز مع هذا أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس من تشريعات أوروبا الوثنيّة الملحدة؟ بل تشريع تدخله الاهواء والآراء الباطلة يغيّرونه ويبدّلونه كما يشاءون، ولا يبالي واضعه أوافق شريعة الاسلام أو خالفها؟" إلى أن قال "أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن - لذلك القانون الوضعي، الذي وضعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا؛ أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأنّ أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذلك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري!"
ثم قال رحمه الله "إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بوّاح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امروٌ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه". (7)


وقد نقل سماحة الشيخ حمد بن عتيق كلام ابن كثير السابق في "سبيل النجاة والفكاك" ثم عقب بقوله:
"قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم، من تحكيم عادات آباءهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها ( شرع الرفاقة ) يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله". (8)


وقد ذكر هذه الصوره -التشريع العام المخالف لما أنزل الله - سماحه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وهو يعدد أنواع الكفر الأكبر المخرج من المله، فقال بعد أن ذكر أربع أنواع من كفر الإعتقاد (9):

"الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاحاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وأرصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلاً وتزيغا وحكما وإلزاما ومراجع مستمدات فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة في القانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني وغيرها من القوانين ومن مذاهب بعض المدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.

فهذه المحاكم إلأن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة إلابواب والناي إليها أسراب إثر أسراب، يحكم بينهم بما يخالف السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم وتحتمه عليهم فأي كفر فوق الكفر وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟!!". (10)


كذلك ذكرها فضيله الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله من الحالات المنقله عن الملة، فقال في رساله الحكم بغير ما أنزل الله بعد أن ذكر حالتين:

"الثالثة: من كان منتسبا للإسلام؛ عالما بأحكامه، ثم وضع للناس أحكاما، وهيأ لهم نظما؛ ليعلموا بها ويتحاكموا إليها؛ وهو يعلم أنها تخالف أحكام الإسلام؛ فهو كافر، خارج من ملة الإسلام.
وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك، ومن أمر الناس بالتحاكم إلى تلك النظم والقوانين أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة الإسلام.
وكذا من يتولى الحكم بها، وطبقها في القضايا، ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره، مع علمه بمخالفتها للإسلام فجميع هؤلاء شركاء في الإعراض عن حكم الله.
لكن بعضهم يضع تشريعا يضاهي به تشريع الإسلام ويناقضه على علم منه وبينه، وبعضهم يأمر بتطبيقه، أو يحمل الأمة على العمل به، أو ولي الحكم به بين الناس أو نفذ الحكم بمقتضاه.
وبعضهم يأمر بطاعة الولاة والرضا بما شرعوا لهم مما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانا.
فكلهم قد اتبع هواه بغير هدى من الله، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، وكانوا شركاء في الزيغ؛ والإلحاد، والكفر، ولا ينفعهم علمهم بشرع الله، واعتقادهم ما فيه، مع إعراضهم عنه، وتجافيهم لأحكامه، بتشريع من عند أنفسهم، وتطبيقه، والتحاكم إليه؛ كما لم ينفع إبليس علمه بالحق، واعتقاده إياه، مع إعراضه عنه، وعدم الاستسلام والانقياد إليه، وبهذا قد اتخذوا هواهم إلها". (11)


وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله وهو يعدد كفريات أهل الحجاز قبل دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب "ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد علم أن هذه كافية وحدها في إخراج من أتى بها من الإسلام". (12)


وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وكل دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تنصاع لحكم الله، ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة، ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم شريعته، وترضى بذلك لها وعليها، كما قال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]". (13)


وقد أفرد الإمام الشوكاني رحمه الله رساله سماها الدواء العاجل في دفع العدو الصائل وصف فيها بلايا أهل زمانه وما وصلوا إليه من الكفر، وقد قسمها إلى ثلاثه أقسام وضح في كل قسم بعض الكفريات التي وقعوا فيها فقال في القسم الثاني:

"ومع هذا ففيهم من المصائب العظيمة، والقبائح الوخيمة، والبلايا الجسيمة أمور غير موجودة في القسم الأول، منها: أنهم يحكمون بالطاغوت، ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم، في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم، من غير إنكار ولا حياء من الله ولا من عباده، ولا مخافة من أحد، بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليه من الرعايا، ومن كان قريبا منهم، وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس، لا يقدر أحد على إنكاره ودفعه، وهو أشهر من نار على علم.
ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله - سبحانه - وبشريعته التي أنزلها على رسوله، واختارها لعباده في كتابه، وعلى لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب، وقتالهم متعين، حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها، ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة، ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية". (14)

قلت: رحم الله الإمام الشوكاني فالذين عنده لا شك ولا ريب في كفرهم وجهادهم واجب ومتعين أصبحوا الأن ولاة أمور شرعيين لهم حق السمع والطاعة ولا يجوز منازعتهم بل حتى لا يجوز الإنكار عليهم علنًا!!! إلى الله المشتكى.


فالأمر كما ترى أخي الموحد من الخطورة بمكان فإما إيمان وإما كفر، إما أن تكون من أهل التوحيد أو تكون مطية الطواغيت، فاختر لنفسك.

وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على كفر من بدل الشرع او تحاكم لغير الكتاب والسنه منهم:

شيخ الإسلام رحمه الله قال:
"والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء". (15)

ومن شرع تشريعًا عام ألزم الناس به خلاف ما أنزل الله قد اجتمعت فيه الثلاث تحليل الحرام وتحريم الحلال وتبديل الشرع، فإزداد كفرًا على كفر.

ويقول أيضًا رحمه الله: "ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى". (16)

وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر عدة أحكام من الياسق:
"وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى " الياساق " وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]". (17)

والقوانين الوثنية الطاغوتية ليست شرائع منسوخة وإنما هي أشد كفرًا من ياسق التتار، فالحكم فيها أولى كما أشار العلامة أحمد شاكر والشنقيطي وغيرهم.


وقد أكثرت النقل في هذه المسأله عن اهل العلم سلفًا وخلفًا وتركت الكثير، لنعلم أن تبديل شرع الله وسن قانون عام يخالف ما أنزل الله كفر أكبر ينقل عن المله بإجماع المسلمين، وليس من قبيل المعاصي كما يزعم أهل الإرجاء، ومطية الطواغيت، المنافحين عن أهل الأوثان المغيرين بألسنتهم على أهل الإيمان، ولا تعجب من ذلك فقد نبأنا الله من أخبارهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء: 51].


فإن قال قائل فأين حكاية الإجماع قبل ابن تيمية وابن كثير؟!

فأقول وبالله تعالى التوفيق:
لم تعرف الأمة الإسلامية تغييرًا للشرع وتبديلا لأحكامه وحكمًا بقوانين وثنية طاغوتية قبل مجيء التتار ودخولهم الإسلام وجعلهم الياسق قانون يتحاكمون إليه، مع ملاحظة أنهم لم يلزموا بقية الأمة الإسلامية بالتحاكم إليه، بل بقيت باقي الأقطار الإسلامية في زمنهم لا تحكم إلا بالشرع المنزل، فأجمعت الأمة على كفرهم ووجوب قتالهم لإستبدالهم الشرع المنزل بالقوانين الطاغوتية، فكيف بمن يحكم الأن بهذه القوانين الوثنية ويلزم غيره بالإحتكام إليها بل ويعاقب من يخرج عنها! (18)


ولذلك نجد الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله يقول: "والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام". (19)

قلت: والأعجب أن نجد مَن هم مِن بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا ثم ينافحون عن هؤلاء الطواغيت الكفرة الفجرة، ويلتمسون لهم الأعذار في حكمهم بهذه القوانين الوثنية، بل ويفترون على الله الكذب أنهم ولاة أمور شرعيين لهم حق الطاعة والنصرة!

وعند الله تلتقي الخصوم....

انتهى بفضل الله القسم الثاني من المبحث الثالث.


ـــــــــــــــ

(1) فتاوى أركان الإسلام ( 145-146).

(2) مجموع الفتاوى (388/35).

(3) حديث صحيح، أخرجه الترمذي في الجامع (1322)، وأبو داود في السنن (3573)، والنسائي في الكبرى (5/397)، والحاكم في المستدرك (7012) و (7013)، والطبراني في الأوسط (6786) وفي الكبير (1154)، من طرق عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة ".

(4) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/144).

(5) شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن (261/2-262).

(6) تفسير ابن كثير (131/3).

(7) انظر هامش عمده التفسير (696/1-697).

(8) سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك (83-84).

(9) سبق في قسم كفر الإعتقاد.

(10) رسالة تحكيم القوانين (6-7).

(11) رسالة الحكم بغير ما أنزل الله، ضمن فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (268-269).

(12) الدرر السنيه في الأجوبة النجدية (257/9).

(13) مجموع فتاوى ابن باز (305/1).

(14) رساله الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، ضمن الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (5748/11).

(15) مجموع الفتاوى (267/3).

(16) المصدر السابق (106/8).

(17) البداية والنهاية (162/17).

(18) سيأتي مزيد تفصيل عند الكلام على أثر ابن عباس وقصة أبي مجلز مع الإباضية في المبحث الرابع إن شاء الله.

(19) أضواء البيان (41/3).



__________________
قال ابن عدي حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين،أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل سمعت ابن عيينة يقول "إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}" (الكامل 185/1).

قال شيخ الإسلام:"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم. كما دل عليه قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم" (مجموع الفتاوى 442/28).

رد مع اقتباس