عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2013-04-09, 09:55 AM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 1,255
افتراضي

التخطيط الاستراتيجي عند معاوية للاستيلاء على القسطنطينية:



حرص معاوية رضي الله عنه أن يكون زمام المبادرة دائماً في يده،للاسيلاء علي

القسطنطينية لأنها هي التي تمد جزر شرق البحر المتوسط بالقوات والعتاد وتشجع

أهلها على شن الغارات على ساحل مصر والشام، وقد سار في تحقيق هذا الهدف في


عدة اتجاهات:
1 ـ الاهتمام بدور صناعة السفن في مصر والشام ، واختيار أمهر الصناع للعمل فيها

والإغداق عليهم بالأجور والهبات حتى يبذلوا قصارى جهدهم بالعمل، فقد أدرك معاوية

ـ رضي الله عنه ـ بحسه العسكري وفكره العبقري أن معارك المسلمين مع الروم،

ستعتمد أساساً على الأسطول البحري، وزاد هذا الإحساس عمقاً في قلب معاوية

ونفسه تكتل الروم وإعدادهم أكثر من خمسمائة سفينة في معركة ذات الصواري لقهر

الأسطول الإسلامي، ومع أن الروم باءوا بفشل ذريع في هذه المعركة، إلا أنهم لم يكفوا

عن الإعداد ولم ينتهوا عن تجميع قواتهم لمواجهة قوة المسلمين في البحر، لقد كانوا

يظنون أن قوة المسلمين البحرية يمكن القضاء عليها لأنها لا زالت في دور التكوين،

ولكنهم فوجئوا بهزيمتهم المنكرة في ذات الصواري، فتوقعوا بعد ذلك أن تكون

المعركة القادمة على أسوار العاصمة القسطنطينية فراحوا يستعدون لذلك، وقد أدى

التعاون بين مصر والشام في صناعات السفن إلى الوصول إلى نتائج ممتازة، ففي

الشام كانت تتوفر أخشاب الصنوبر القوي والبلوط والعرعر التي تصلح لبناء السفن

وفي مصر كانت توجد الأخشاب التي تصلح لعمل الصواري، وضلوع جوانب السفن،

وخشب الجميز واللبخ والدوم التي تصلح لصناعة المجاديف، وكذلك استغل معاوية

معدن الحديد الذي كان متوافراً في مصر والشام واليمن لعمل المسامير والمراسي

والخطاطيف والفؤوس، كما كان يتوافر في مصر مادة القطران اللازمة لقلفطة السفن،

ونبات الدقس الذي كانت تصنع منه الحبال، وباختصار فقد أدى التعاون المصري

الشامي إلى ازدهار البحرية الإسلامية التي ازدادت أهميتها بعد أن أمر معاوية عامله

على مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري ببناء دار لصناعة السفن في جزيرة الروضة عام 54هـ



2ـ تقوية الثغور البحرية في مصر والشام،فقد آثر أن يحصن المدن الساحلية ويزودها

بالقوات المجاهدة بما يجعلها قواعد تنقل منها الجنود بحراً إلى أي مكان يشاء ووضع

لهذه المدن نظاماً عرف بالرباط، وهو ما يقصد به الأماكن التي تتجمع بها الجند

والركبان استعداداً للقيام بحملة على أرض العدو، واعتني بهذا النظام حتى أصبح

جزءاً مرتبطاً اشد الارتباط بالجهاد، إذ اجتذب الرباط إليه كل الأتقياء المتحمسين

العاملين على إعزاز الإسلام ونصرته، وتدرج معاوية رضي الله عنه في تدعيم هذا

النظام على نحو ما اتبعه في كل أعماله التي اتسمت بالدقة والابتعاد عن الارتجال

والاندفاع، فأعد الرباط لتكون حصوناً يتجمع فيها الجند للدفاع عن المناطق المعرضة

لإغارات الأساطيل البيزنطية، ولتكون ملجأً يحتمي بها الأهالي في المناطق الساحلية

بأن يأخذوا حذرهم إذا ما لاح خطر السفن البيزنطية في المياه الإقليمية، فكان الحصن

في الرباط يضم حجرات للجند ومساكن لهم، ومخازن للأسلحة والمؤن، وبرج

للمراقبة، ثم لم يلبث أن أتسع وازدادت أهميته حتى أصبح قاعدة للهجوم وشن

الغارات، وتعتبر سياسة منح الإقطاعات بالسواحل الخطوة الأخيرة في سلم السياسة

البحرية الدفاعية التي رسمها معاوية قبل أن يستطيع ركوب البحر في عهد عثمان، إذ

أتم بفضل هذه الامتيازات إعداد القواعد البحرية التي أخذ ينشىء فيها أساطيله، وكانت

آية ازدهار المدن الساحلية نقل جماعات من أهالي بعلبك وحمص وأنطاكية عام 42هـ

إلى صور وعكا وغيرهما من المدن بسواحل الأردن، كذلك أصلح معاوية رضي الله

عنه حصون هاتين المدينتين ولاسيما عكا التي خرج منها بأولى حملاته البحرية ضد

قبرص، وبسط معاوية رضي الله عنه اهتمامه إلى سائر المدن الساحلية-



3 ـ الاستيلاء على الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط ، وقد بدأ ذلك بالاستيلاء على

جزيرة قبرص ـ كما سبق ذكره ـ ثم استولى جزيرة أخرى هامة وهي رودس وأمر ببناء








خريطة عامة


حصن بها وبعث إليها جماعة من المسلمين يتلون الدفاع عنها، وجعلها رباطاً يدفعون

منه عن الشام، وآثر معاوية أن يحيط المسلمين في رودس بالجو الإسلامي الديني

ويعلي راية الإسلام بين أهاليها، فأرسل إليها فقيهاً يدعى مجاهد بن جبر يقرئ الناس

القرآن وأراد معاوية أن يتوج حملاته البحرية بغلق بحر إيجة وسد منافذه الرئيسية في

وجه السفن البيزنطية، ومنعها من الوصول إلى بلاد المسلمين وعمل على تحقيق ذلك

في الاستيلاء على جزيرة ((كريت)) إذ تسيطر هذه الجزيرة تماماً على بحر إيجة، الذي

يشبه طرفه الجنوبي فوهة قربة تمتد جزيرة ((كريت)) عبرها، بامتدادها البالغ 160

ميلاً وتقسم الجزيرة هذه فتحة إلى مدخلين يتحكم في كل منهما، وأرسل معاوية جنده

صورة لجزيرة كريت
الذي استولى على رودس لفتح هذه الجزيرة الهامة ومنع الأساطيل البيزنطية من

التسلل عبر الفتحات البحرية المتاخمة لها لمهاجمة الشام على أن جنادة بن أمية

الأزدي لم يستطع الاستيلاء على هذه الجزيرة لضخامتها، واكتفى بالإغارة عليها

والبطش بالبيزنطيين وأساطيلهم بها، وهكذا وجه معاوية رضي الله عنه أنظار

المسلمين شطر البحر الأبيض المتوسط، وأوقفهم على أهمية جزره، فاستولى على ما

استطاعت أساطيله أن تفتحه منها، وطرق باب غيرها ومهد الطريق لمن يأتي بعده

من الخلفاء الأمويين، وكفل معاوية للمسلمين قوة بحرية نافست البيزنطيين أنفسهم

سيادتهم القديمة على البحر الأبيض المتوسط ثم أخذ يعبئها لأهم عمل في تاريخها،

وهو ضرب عاصمة البيزنطيين أنفسهم والاستيلاء عليها، ولكن تريث معاوية في

تحقيق الهدف الأخير حتى يمكن لنفسه من التفوق البحري على البيزنطية


4 ـ كان من الضروري لكي تؤتي هذه الاستعدادات البحرية، ثمارها وتحقق أهدافها أن

يصاحبها تحصين أطراف الشام الشمالية، التي تشكل مناطق الحدود بين الدولتين

الإسلامية والبيزنطية، ضد غارات البيزنطيين من ناحية ولتكون سنداً للقوات الزاحفة

على القسطنطينية من ناحية ثانية ذلك لأن المسلمين في فتوحاتهم الأولى في عهد

الخلفاء الراشدين، وصلوا إلى أطراف الشام الشمالية، ثم وقفت أمامهم سلسلة جبال

طوروس تحول دون وصولهم إلى آسيا الصغرى البيزنطية، وكان البيزنطيون عند

انسحابهم وتقهقرهم أمام المسلمين قد قاموا بتخريب المناطق الواقعة شمال حلب

وإنطاكيا لئلا يستفيد منها المسلمون، كما خربوا معظم الحصون فيما بين الأسكندرونة

وطورسوس، فرأى معاوية ضرورة الاهتمام بهذه المناطق وتعميرها وتحصينها،

فاهتم أولاً بمدينة أنطاكيا التي كانت معرضة دائماً للإغارات البيزنطية المفاجئة، واتبع

في تعميرها السياسة التي سار عليها إزاء المدن الساحلية للشام، وأغرى الناس على

الإقامة بأنطاكيا، بأن منحهم اقطاعات من الأرض، وقوى الرباط المخصص للدفاع

عنهم وأخذ معاوية يوالي تدريجياً تعمير المدن الواقعة بين الأسكندرونة وطرسوس

أثناء غاراته على أراضي البيزنطيين حتى أصبحت حدود الشام تتاخم مباشرة جبال

طوروس الحد الفاصل بين الشام وآسيا الصغرى ولإحكام سيطرته على المعاقل الهامة

الواقعة في مناطق التخوم الإسلامية البيزنطية، استولى على سميساط وملطية، كما

جدد حصوناً أخرى مثل مرعش والحدث، ثم استولى على حصن زبطرة البيزنطي الهام

وأعاد تحصينه، ولكي تكون الحركة مستمرة وتكون مناطق الحدود ميداناً عملياً

لتدريب جند المسلمين، وتعويدهم على الدروب والطرق والممرات الجبلية الوعرة دأب

معاوية على الغزوالمستمر، وأصبح هذا النشاط العسكري يعرف بغزوات الصوائف

والشواتي فلا تكاد تمر سنة وإلا ونجد ذكراً عند الطبري وغيره لغزو في البر أو

البحر كأن يقول: وفيها شتى فلان بأرض الروم أو كانت صائفة فلان إلى أرض الروم

وكانت هذه الغزوات تنطلق إلى بلاد الأعداء وتخرب تحصيناتهم وتغنم وتعود، وكان

تكرار هذه الغزوات يشكل ضغطاً على الدولة البيزنطية ويرهق أعصابها وينهك

قواهاوقد برز في هذه الحملات المستمرة عدد من كبار القادة المسلمين الذين تلقوا

تدريباتهم في ميدانها وأتقنوا فن الحرب،، مثل عبد الله بن كرز البجلي، ويزيد بن

شجرة الرهاوي، ومالك بن هبيرة السكوني، وجنادة بن أمية الأزدي، وسفيان بن

عوف، وفضالة بن عبيد، ومالك بن عبد الله الخثعمي، الذين أطلقوا عليه مالك

الصوائف لعلو كعبه في الميدان الحربي في آسيا الصغرى وهؤلاء القادة ابلوا بلاءً

حسناً في الجهاد ضد البيزنطيين لإعلاء كلمة الله.


الحصار الأول للقسطنطينية

يتبع
رد مع اقتباس