{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم جماعة، {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول ـ لعنه الله ـ {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرًا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، {وَقَالُوا} بسبب ذلك الظن {سُبْحَانَكَ} أي: تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة، {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أي: كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك.
{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ولم يقل " فأولئك هم الكاذبون " وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق.
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ} أي: خضتم {فِيهِ} من شأن الإفك {عَذَابٌ عَظِيمٌ} لاستحقاقكم ذلك بما قلتم، ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب.
|