عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2014-02-09, 06:55 PM
ابوصهيب الشمري ابوصهيب الشمري غير متواجد حالياً
محـــأور
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-28
المشاركات: 924
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
دراسة نقدية للشيخ علي الصباح
(أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ)
تلخيص الشيخ عبدالرحمن السديس

دِرَاسةٌ نَقْديةٌ
يسر الله بمنه وفضله كتابة بحثٍ بعنوان « أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ» قصدت فيه دراسة الأحاديث الواردة في أنّ الربا أشد من الزنا، وفي بعض الروايات درهم واحد مِنْ الرّبَا أشدّ من الزنا، بل في بعض روايات الحَدِيث:«أدناها مثل أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ»،وفي هذا المقال سوف أذكر أبرز ما جاء في البحث(1 ) من خلال المحاور الآتية:
أ- أسباب كتابة البحث:
1- أنَّ هناك تفاوتاً كبيراً بين العلماءِ في الحُكْمِ عَلى الحَدِيث فيرى بعضُهُم أنّه صحيحٌ بلْ عَلى شرطِ الشيخين -كما هو قول الحاكم في مستدركه- ، وفي المقابل يرى آخرون أنّه موضوعٌ-كما هو قول ابن الجوزي في موضوعاته- ، وبين القولين أقوالٌ متفاوتة، فما هو الصحيحُ في ذلكَ؟، وما أسباب هذا الاختلاف؟.
2- غَرابةُ متنِ الحَدِيث والتي استوقفت بعض النّقاد والعلماء: فدرهمٌ واحدٌ مِنْ الرّبَا أشدّ من الزنا -الذي عقوبةُ صاحبهِ تدورُ بين الجلدِ والتغريبِ أو الرّجم- بل في بعض روايات الحَدِيث:(( أدناها مثل أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ)).
3- شُهْرةُ هذا الحَدِيث فكثيراً ما يُسْمعُ مِنْ الخطباء والوعاظ فضلاً عَنْ عموم الناس.
4- لم أقفْ عَلى مصنفٍ مستقلٍ يُحَرّر الكلام على الحَدِيث، ويستوعبُ طرقَهُ وَأسانيدَهُ، ويجمعُ شتاتَ ما قيل فيه، ويُبين سبب هذا التفاوت الكبير في الحكم على الحَدِيث، مع أهمية ذلك، وقد لمستُ مِنْ بعضِ علمائنا الأجلاء تمني بحث الحَدِيث بتوسعٍ ونقل كلام كبار النّقاد عليه.
ب- روايات الحديث:
روي تعظيم الربا على الزنا عن عدد من الصحابة، ومن أبرز تلك الأحاديث:
- حَدِيث أنس بنِ مَالِك  وفيه خطبنا رسول الله  فذكر الرّبَا وعظّم شأنه فَقَالَ:((إنّ الرجُلَ يصيبُ مِنْ الرّبَا أعظمُ عَنْدَ الله في الخطيئةِ مِنْ ستٍ وَثلاثين زَنْية يزنيها الرجُل، وإنَّ أربى الرّبَا عرضُ الرجُلِ المسلم)). وللحديث عن أنس طريقان فالطريق الأوَّل لا أصلَ له، والثاني باطل فخُلاصةُ الكلامِ عَلى حَدِيثِ أنس بنِ مالك أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات.
- حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب  ، وإسناده ضعيفٌ جداً: ففيه عُمَرُ بنُ رَاشِد وهو متفقٌ عَلى ضعفهِ، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير ، ويضطرب في هذا الحَدِيث على أوجه.وكذلك تفرد عُمَر بالحديث عن يحيى بن أبي كثير دليل على شدة نكارة هذه الرواية فأين أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير -وهو الإمام المشهور الذي عُني المحدثون بجمعِ حَدِيثهِ - عن هذا الحديث المرفوع!، وفي الحديث علل أخرى بينتها في الأصل.‍‍
- حَدِيث عبدِ الله بنِ سَلاَم  ، و الصواب أنّه موقوف على عبدالله بن سَلاَم.
- حَدِيث عبدِ الله بنِ عَبَّاس . وخُلاصة الكلام عليه أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فجميع طرقه تدور على وضاعين وكذابين وضعفاء، وأوجه معلولة، وغرائب عن أئمة مشاهير يُجمع حديثهم.
- حَدِيث عبدِ الله بنِ عُمَر  ، وخُلاصة الكلام عليه أنّ الإسناد إليه منكر جداً .
- حَدِيث عبدِ الله بنِ مسعود  وخُلاصة الكلام عليه أنّ الحَدِيث المرفوع عن ابن مسعود لا يصح، وأنّ الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود بلفظ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك))، والله أعلم.
- حَدِيث أبي هُرَيرة  وخُلاصة الكلام عليه أنّ طُرُق الحَدِيث تدور على ضعفاء، ومتروكين، وروايات معلولة، وتفردات غير مقبولة.
- حَدِيث وَهْبِ بنِ الأسود أو الأسود بن وَهْب  -على خلافٍ في ذلك- وخلاصة الكلام على الحديث أنه لا يصح، فمداره على صدقة السمين وهو ضعيف جداً، وتفرد بالحديث، واضطرب فيه.
- حَدِيث عائشة - رضي الله عنها -، وَحَدِيثِ عبد الله بنِ حنظلة ، وقول كعب الأحبار رحمه الله ، وقد بينت في الأصل أنّ الحديث اختلف فيه عن ابن أبي مُلَيكة على خمسة أوجه:
1- رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبدالعزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه.
2- ورواه عمران بن أنس، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، عن النبيّ
3- ورواه ليث بن أبي سُليم-عنه: أبو جعفر الرازي- عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة موقوفاً عليه.
4- ورواه أيوب السختياني، وليث بن أبي سُليم-عنه: عبيد الله بن عمرو الرّقي- عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن النبيّ
5- ورواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبدالله بن حنظلة.
والوجه الأوَّل أرجح لعدة قرائن:
الأولى: قرينة "العدد والكثرة" فهم ثلاثة.
الثانية: قرينة "الحفظ والإتقان والضبط " فهؤلاء أوثق من المخالفين لهم.
الثالثة: قرينة " الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه" فابن جريج مقدم في ابن أبي مُلَيكة على غيره،.
الرابعة: أنّ بقية الوجوه لا تخلو من علة أو علل بينتها في الأصل.
الخامسة: أنّ كبار الأئمة النقاد على ترجيح الوجه الأوَّل، وهم:
1- أبو حَاتِم الرازي.
2- وأبو القاسم البغوي.
3- وأبو جعفر العقيليُّ.
4- وأبو الحسن الدَّارقُطني.
5- وأبو بكر البيهقيُّ.
ونقلت كلامهم في الأصل.
وقد أشار الإمام أحمد إلى تعليل الحديث عندما أخرج هذا الطريق من حَدِيث عبدالله بن حنظلة في مسنده ثم أتبعه برواية الحديث موقوفاً على كعب الأحبار في مسند عبدالله بن حنظلة مشيراً إلى إعلال الرواية المرفوعة بالموقوفة،، والله أعلم.
ج- مجمل ما اعتمد عليه من قوى الحديث:
بينت في الأصل أنّ مجمل ما اعتمد عليه من قوى الحديث يرجع إلى أمرين:
1- اعتماد ظواهر الأسانيد الجياد دون النظر إلى العلل الخفية القادح في هذه الأسانيد، وأقوى هذه الأسانيد إسنادان:
- الأوَّل: طريق الحسين بن محمد قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة قال: قال رسول الله :((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)).
- الثاني: طريق محمد بن غالب، قَالَ: حَدَّثنَا عَمْرو بن علي، قَالَ: حَدَّثنَا ابن أبي عدي، قَالَ: حَدَّثنَا شُعْبَة بن الحجاج، عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّقَالَ:((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)).
وكلا الإسنادين معلولٌ، وقد بينتُ ما فيهما من علل عند الكلام عليهما.
2- الشواهد والمتابعات، ولا يخفى أنّ للتقوية بالشواهد والمتابعات شروط دقيقة عند المحدثين من أهمها( 2):
1- أن لا يكون الضعف شديداً بمعنى أن لا يكون في إسناده راو متهم، أو متروك، أو ضعيف ضعفاً شديداً.
2- أن لا يكون الإسناد شاذاً، أومنكراً أو مضطرباً أو به علة خفية تقدح في صحته.
3- توافق المتون.
وجميع هذه الشروط لم تتوفر في حديثنا هذا كما تقدم بيانه في النقد التفصيلي للطرق.
د- أبرز من ضعف الحديث من جميع طرقه:
وأبرز من ضعف الحديث من جميع طرقه:
1-ابنُ الجوزي وقد أطال النّفس في بيان طرق الحديث ونقدها في كتاب "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات"(3 ) وهو أوسعُ من تكلم على الحديثِ وطرقه مجتمعةً -حَسَب علمي-، وقد ضعف الحديثَ مِنْ وجهين:
1- مِنْ جهة الإسناد فقد قال بعد روايته حديث أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وابن حنظلة، وعائشة:((ليس في هذه الأحاديث شيء صحيح…)) ثم بين ما فيها من علل.
2- مِنْ جهةِ المتن فقال:((واعلم أنّ مما يردّ صحة هذه الأحاديث، أنّ المعاصي إنما تُعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنى يُفسد الأنساب، ويصرف الميراث إلى غير مستحقه، ويؤثّر في القبائح ما لا يؤثره أكل لُقمة لا يتعدّى ارتكاب نهي، فلا وجه لصحة هذا)).
وما قاله ابن الجوزي ظاهر ففي الزنا من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلاّ الله؛ وقد سماه الله - تعالى - فاحشة وساء سبيلا، ونهى عن الاقتراب منه كما قال - تعالى -:  وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً  (الإسراء: 32)، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له، وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها، ويؤدي إلى فساد الأخلاق وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت، وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوي فيه أجسادهم.
ثم تأمل الدرهم الواحد أعظم من ست وثلاثين زنية!، وأشدّ من ذلك نكارةً تعظيم الربا على الزنا بالأم.
الثاني: المعلمي اليماني، فَقَالَ بعد نقده بعض طرق الحديثِ:((والذي يظهر لي أنّ الخبر لا يصح عن النبيّ ألبته))(4 ).
د- أبرز النتائج والتوصيات:
ثم ختمت البحث بذكر أبرز النتائج والتوصيات، ومنها:
- ضعفُ الحديث من جميع طرقه، وعدمُ صلاحية جميع الطرق للشواهد والمتابعات، وتقدم بيان أسباب ذلك إجمالاً وتفصيلاً.
- أنَّ تَعْظيمِ الرّبا على الزنا ثابت عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم: الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، والسر في ذلك - والله أعلم - أنّ بني إسرائيل فشا فيهم الربا بل وأصبح الربا متأصلاً في نفوسهم، بخلاف الزنا فلم يكن فاشياً كفشو الربا، فكان من المناسب تَعْظيمِ خطورة الرّبا على الزنا- بالنسبة لحالهم وواقعهم- وبيان قبحه وشدة خطره، وكثرة مفاسده.
- أنّ غالبَ من نقد الحديث وأعله من متقدمي المحدثين وكبارهم، وغالب من صحح الحديث من المتأخرين والمعاصرين.
- أنَّ الناظر في كلام أئمة العللِ ونقدهم للأحاديث والآثار ليندهش ويطول عجبهُ من دقة التعليل وبراعة النقد، و قد قال البيهقيُّ عن حديث ابن مسعود:((هذا إسناد صحيح، والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دخل لبعض رواة الإسناد في إسناده)).
- أنَّ المنهج النقدي عند أئمة العللِ شامل للأسانيد والمتون، لا كما زعم المستشرقون ومن قلدهم من جهلة المسلمين أنّ المحدثين لم يلتفتوا لنقد المتون.
- وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا، فتبقى نكارة المتن قائمة.
التوصيات:
هذه بعض التوصيات التي لمستُ أهميتها أثناء كتابة البحث فمن ذلك:
- ضرورةُ العنايةِ بعلم علل الحديث بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، ووضعُ مقرر خاص لطلبة الدراسات العليا في هذا الفن والبحث فيه نظرياً وعملياً، فكثير من الخلل الواقع في كلام المعاصرين على الأحاديث نتيجة للقصور في علم العلل وعدم التفطن لدقائقه، وهذا من أكبر أسباب التنافر والاختلاف في الحكم على الأحاديث بين المعاصرين وكبار النقاد.
- أنّ على الباحثِ عند دراسة راوٍ مختلف فيه- وربما كان تحرير الكلام على هذا الراوي يترتب عليه أحكاما عملية هامة كقوة رواية أوضعفها ونحو ذلك - أن لا يكتفي بالرجوع إلى المختصرات بل لا بدَّ من الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة من تواريخ وسؤالات وعلل وغيرها وكلما كان البحث أخطر كان الرجوع إلى هذه المصادر ألزم وأوجب، فربما تقع على نصٍ لا تجده في المختصرات أوالكتب المتأخرة.
- العناية بتحليلِ المصادر الأصلية عند أيّ بحثٍ يراد منه دراسة نقدية لحديثٍ ما لما في ذلك من فوائد علمية ومنهجية؛ منها: أنّ للمصادر أثراً كبيراً في معرفة درجة الحديث والطمأنينة إليه، ومنها معرفة مناهج العلماء في كتبهم، ومقاصدهم في التصنيف، ومنها معرفة جوانب الدقة في الترتيب والتقديم والتأخير، ومنها معرفة قيمة الكتاب العلمية ومن المعلوم أنَّ الحديث إذا لم يكن في المصادر المشهورة ودواوين الإسلام فإنه يرتاب فيه، قال السيوطي:((وقال ابن الجوزي: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع، قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة))( 5).


-------------------------
( 1) وأنبه أن البحث تحت الطبع في مركز البحوث في كلية التربية –جامعة الملك سعود-، وعدد صفحاته (170).
( 2)انظر بيان هذه الشروط: شرح علل الترمذي (2/606)، مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة (ص77وما بعدها)تأليف د.المرتضى الزين أحمد، ط1، 1415،مكتبة الرشد، الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات (ص39 وما بعدها)تأليف:طارق عوض، ط1،1417، مكتبة ابن تيمية .
( 3)(3/20-26).
(4 )الفوائد المجموعة (ص150 هامش).
( 5)تدريب الراوي (1/277).
__________________
ما كان لله دام واتصل *** وما كان لغيره انقطع وانفصل
رد مع اقتباس