و اﻵن أقوال السلف الصالح في الحكم بغير ما أنزل الله.
سؤال: هل يعد الحكم بغير ما أنزل الله، أو بمعنى آخر:
تحكيم القوانين الوضعية من الكفر اﻷصغر أم من الكفر اﻷكبر؟
وما هو الكفر اﻷصغر؟
الجواب:
الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر، ﻻ يخرج صاحبه من الملة، إﻻ إذا جحد أو استحل.
وهذا قول جميع أهل السنة والجماعة، قديما وحديثا، كما سنبين.
والكفر اﻷصغر يطلق على الذنوب التي سماها الشرع كفراً، ولكنه لم يحكم على أصحابها بالخروج من اﻹسﻼم:
* ومنه كفر النعمة والحقوق:
قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله ﻻ تحصوها إن اﻹنسان لظلوم كفار) [إبراهيم:34].وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَﻼً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَان ٍفَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ) (النحل 112).
*ومنه تنكر المرأة لحق زوجها وإحسانه:قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء إأني رأيتكن أكثر أهل النار، قالوا: لم يا رسول الله؟
قال: ﻷنكن تكفرن العشير، لو أحسن الزوج إليكن الدهر كله ثم أساء قلتن: ما رأينا منك خيرا قط".( البخاري)
* ومنه قتال المسلم ﻷخيه:قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
(البخاري 5584، ومسلم 97)
و " ﻻ ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
( البخاري 5700)
وقال تعالى: (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْبَيْنَهُمَا) إلى قوله تعالى: (إِنّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات 32 – 33
* ومنه الطعن في أنساب الناس وقبائلهم،
* ومنه النياحة على الميت بلطم الخدود، وشق الجيوب
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت".
(رواه مسلم 100).
*ومنه أنتساب الولد إلى غير أبيه مع علمه بوالده؛ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " ﻻ ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر". (البخاري 6270 ، ومسلم94). متفق عليه وهذه المعاصي، التي ذكرت فيها لفظ الكفر، ولم يرد به الكفر المخرج من الملة، ولذا فإن اﻹمام البخاري، رحمه الله، بوب في صحيحه: ( باب المعاصي من أمر الجاهلية ،
وﻻ يكفر صاحبها إﻻ بالشرك.)
ووضّح اﻹمام ابن حجر مراد البخاري من تسمية الباب؛ فقال:
"أي: أن كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم، فهي من أخﻼق الجاهلية، والشرك أكبر المعاصي ،ولهذا استثناه اﻹمام البخاري.
ثم قال ابن حجر:
واستدل المؤلف أيضا على أن المؤمن إذا ارتكب معصية ﻻ يكفر بان الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن.
فقال: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْبَيْنَهُمَا) إلى قوله تعالى: (إِنّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}
(الحجرات 32 – 33).
وأستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم، " إذا التقي المسلمان بسيفيهما...". (مسلم5140).
فسماهما مسلمين، مع التوعد بالنار.
والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ.
*ومنه الحلف بغير الله:روى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سمع أبي – عمر- يقول: "وأبي و أبي" فقال: " أﻻ إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم "( البخاري6155).
* ومنه تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم،:وما عليه الجمهور أنه من الكبائر، وﻻ يكفر فاعله، إﻻ إذا استحل الكذب على النبي؛ قال صلى الله عليه وسلم:
" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه ومنه مشاركة الكفار أعيادهم:
قال ابن حجر: وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية، فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى" ومنه بعض اﻷلفاظ التي ظاهرها الكفر:كان العرب إذا أجدبوا، ثم نزل عليهم الغيث، نسب بعضهم هذه النعمة إلى النجوم، ويقولون: "مطرنا بنوء كذا" ( مسلم 104).
وبالنظر إلى مجموع اﻷحاديث، التي ساقها ابن حجر في الفتح، يتبين أن هذه اﻷحاديث تكمل بعضها بعضا، وأن المقصود بها كفر النعمة.·ومنه ترك الرمي بعد تعلمه:
عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: ".. ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها"
أو قال: "كفرها ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها، أو قال: كفرها". (سنن أبي داود 2152)
* ومنه انتساب الرجل إلى غير أبيه:عن سعد، رضي الله عنه، قال: " سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ". (البخا رى 6269، ومسلم 95).
فكل هذه صور للكفر اﻷصغر، الذي ﻻ يخرج صاحبه من اﻹسﻼم، وإنما هو من أصحاب الكبائر. وأصحاب الكبائر، وأن ماتوا عليها، فﻼ يكفرون، ما لم يستحلوا ما فعلوه، فإن نالوا عقوبتهم في الدنيا، فهي كفارة لهم، ومن مات منهم على كبيرته، فهو في مشيئة الله:
إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ فعن علي، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " من أصاب حدا، فعُجل عقوبته في الدنيا؛ فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في اﻵخرة. ومن أصاب حدا فستره الله عليه، وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه".
(الترمذي 2550).
قال أبو عيسى الترمذي: وهذا حديث حسن غريب، وهذا قول أهل العلم: ﻻ نعلم أحدا كفّر أحدا بالزنا أو السرقة وشرب الخمر. انتهى.
وليس معنى تسمية تلك الذنوب كفراً أصغر، أن يتهاون الناس في ارتكابها، وإنما المراد مزيد تحذير وتنفير منها، لما لها من آثار خطيرة على مستوى اﻷفراد والمجتمعات.
يتبع,,
آخر تعديل بواسطة مناظر سلفي ، 2014-10-02 الساعة 09:12 AM
|