استمر"التواطؤ" المتبادل بين السلطة و"داعش" حتى حزيران / يونيو الماضي حين شنت السلطة غارة جوية متوسطة القوة على بعض مواقع#"داعش"#في مدينة الرقة، ثم داخل اﻷراضي العراقية الشهر الماضي في مناطق الموصل وتلعفر والقيروان والرطبة.
وكان علينا أن نﻼحظ أن استهداف مواقع"داعش" لم يبدأ إﻻ حين بدأت مشاورات "مجلس اﻷمن" والدول الغربية اﻷخرى لتكوين "تحالف دولي لمكافحة اﻹرهاب"، الذي جرى التعبير عنه قبل أيام من خﻼل قرار مجلس اﻷمن المذكور.
فقد كان النظام يريد أن يقدم نفسه باعتباره "عضوا في هذا التحالف" ﻻ يمكن تجاوزه وإهماله، اﻷمر الذي جرى رفضه بقوة من قبل الدول الغربية، على اعتبار أن قبول النظام في عضوية هذا "التحالف"، يعني "تطبيع" وضعه و إعادة اﻻعتراف به كشريك، بكل ما يترتب على ذلك من وجوب وقف تسليح وتمويل المجموعات اﻷخرى التي تعتبرها واشنطن "معارضة معتدلة"، كـ"الجبهة اﻹسﻼمية" وحواشيها، رغم أن هذه اﻷخيرة تنتمي إلى السلفية الجهادية التي تنتمي إليها#"داعش"#و"النصرة"، وإلى اﻹيديولوجيا الوهابية ذاتها، وﻻ تختلف عنها إﻻ في شكل الوحشية والبربرية.
فهمتْ#"داعش"#من الهجمات الجوية التي نفذها الطيران السوري في الرقة وداخل اﻷراضي العراقية أن النظام قرر أن يلغي العمل بـ"التفاهم" القائم، فسارعت إلى الرد من خﻼل مهاجمة مقر "الفرقة 17" المحاصر شمال مدينة الرقة بحوالي 3 كم فقط.
إﻻ أن النظام، وخﻼل الهجوم، فتح قنوات اتصاله مع#"داعش"#فيما بدا أنه محاولة ﻹزالة "سوء التفاهم"، والتأكيد على أن "تفاهم المساكنة" ﻻ يزال قائما.
وقد أدار اﻻتصال من طرف النظام قائد الفرقة، "اللواء عادل عيسى"، الذي كان تواصل مرارا معهم خﻼل فترة الحصار. إﻻ أن#"داعش"رفضت تجديد الثقة، وأصرت على إخراج مقر الفرقة من المنطقة ، فاستجاب لها النظام. وما جرى بعد ذلك كان عبارة عن "تسليم" ﻻ عن "استسﻼم" خﻼل ليلة 23/24 تموز/يوليو. وما يؤكد ذك هو أن الهجوم لم يستمر سوى أقل من ساعة ، وأن حوالي المئة من ضباط مقر الفرقة ، على رأسهم عادل عيسى نفسه، خرجوا من الفرقة بحماية#"داعش"#وسياراتها إلى مقر "اللواء 93 " في منطقة "عين عيسى" شماﻻ.
وبعض هؤﻻء الضباط ركب بسيارات#"داعش"#نفسها!
كان الضباط الخارجون من الفرقة بحماية مسلحي#"داعش"#هم الذين يهتم النظام بأمرهم. أما من تبقى من الضباط والجنود، فليذهبوا إلى الجحيم.
وهكذا بدأ مسلحو#"داعش"#يفتكون بالباقين قتﻼ وقطعا للرؤوس ومطاردة للمئات منهم ممن استطاعوا الخروج من مقر الفرقة بعد الهجوم المباغت إلى المزارع والقرى القريبة.
وكانت الغارات الجوية التي شنها النظام على محيط الفرقة ، وصواريخ "سكود" التي أطلقها على المنطقة مجرد "رفع عتب" وتضليل إعﻼمي رخيص.
فهي لم تقتل ولو عنصرا واحدا من المسلحين. كما أنها لم تستهدف مقر الفرقة نفسه كما يفترض في#هكذا#أحوال من أجل القضاء على أكبر عدد من المسلحين حين احتﻼلهم الموقع، بل المنطقة المفتوحة في البادية المحيطة بمقر الفرقة.
باختصار: يمكن اعتبار الغارات الجوية اﻻستعراضية التي شنها النظام على مواقع#"داعش"#في الرقة، وداخل اﻷراضي العراقية، لمجرد تقديم أوراق اعتماده إلى اﻷمريكيين "كشريك في تحالف مكافحة اﻹرهاب"، هي السبب الذي أدى إلى المذبحة الرهيبة التي حصلت في مقر الفرقة ثم "اللواء 93". فقد أدركت "داعش"، وهي الوحيدة من بين العصابات اﻹرهابية التي تعمل بعقل استراتيجي ﻻفت، أن النظام دخل في لعبة مع اﻷمريكيين لمجرد تطبيع وضعه، وأنه لن يتردد في "خيانة تفاهماته" معها كلما احتاج إلى ذلك.
ولهذا بدأت تتعاطى مع "تفاهماته" معها بحذر بالغ، بل وتفرض شروطا ومطالب من أجل "إعادة تثبيت التفاهم" واختبار مصداقيته إزاءها. وهكذا بدأت لعبة ابتزاز لم تتوقف!بعد أن قامت#"داعش"#بتهريب اللواء عادل عيسى إلى مقر "اللواء 93"، جرى تعيين هذا اﻷخير من قبل رأس السلطة والقصر الجمهوري قائدا لحامية الدفاع عن المطار.
وفور مباشرته مهامه، جدد تواصله مع#"داعش"#من خﻼل القنوات العشائرية نفسها. وخﻼل تلك الفترة ، وتحديدا في 15 من الشهر الجاري، صدر القرار 2170 الذي أعرب النظام عن ترحيبه به من خﻼل ممثله في اﻷمم المتحدة بشار الجعفري.
إﻻ أن الصمت الرسمي في دمشق بقي سيد الموقف. فقد كانت السلطة تحاول جس النبض عبر القنوات الدولية واﻹقليمية المعتمدة لمعرفة مدى إمكانية قبول عضويتها في "التحالف" العتيد.
ورغم صدور إشارات مطمئنة من بعض الجهات الغربية ، غير الرسمية، عن أنه من الصعب أو المستحيل مكافحة#"داعش"#في العراق دون سوريا، وأن سﻼح الجو ﻻ يكفي وحده للقيام بالمهمة ، وأنه ﻻ يوجد قوة على اﻷرض يمكن التعويل عليها في ذلك سوى الجيش السوري، كانت اﻹشارات الرسمية أكثر وضوحا، سواء من الوﻻيات المتحدة أو أذنابها في أوربا، ﻻسيما ذنبها الفرنسي.
فقد أكدت واشنطن بلسان رئيسها أنه من غير المقبول أن يكون خيارنا محصورا بين "اﻷسد أو داعش"، وأن نظام اﻷسد "ليس جزءا من تحالف مكافحة اﻹرهاب".
وعندها سارع وزير خارجية النظام إلى عقد مؤتمر صحفي في 25 من الشهر الجاري (أي بعد عشرة أيام على صدور القرار!؟)
أعلن فيه أن أي استهداف لـ"داعش" و"النصرة" بموجب قرار مجلس اﻷمن "سيكون اعتداء على السيادة الوطنية إذا لم يتم من خﻼل التنسيق مع الحكومة السورية"! قبل المؤتمر الصحفي بليلة واحدة فقط جرى تسليم مطار الطبقة العسكري لـ"داعش" بكل ما تعنيه كلمة "تسليم" من معنى.
لكن اﻷهم واﻷخطر من هذا هو ما جرى قبل ذلك بستة أيام ، وتحديدا يوم الثﻼثاء الواقع في 19 من الشهر الجاري.
ففي هذا اليوم، وطبقا لمصادر موثوق بها ومطلعة جدا على العملية ﻷنها شاركت فيها ميدانيا، حطت طائرة "إليوشن 76" في مطار الطبقة تحمل حوالي 60 طنا من الذخائر واﻷسلحة ، كان من بينها ـ وفق أحد أعضاء طاقم المﻼحة الذي قادها وتمكنتُ من التواصل معه ـ صواريخ مضادة للطائرات من طراز "إيغﻼ" ( إس إي 16 و إس إي 18) ، وقواذف مضادة للدروع من طراز " كورنيت" و" كونكورس"، وكميات كبيرة من ذخائر هذه اﻷسلحة، فضﻼ عن رادار صيني خاص بالمطار، وكميات من المواد الغذائية والطبية.
وكان ﻻفتا أن الطائرة#نقلت#فوق استطاعتها المصرح بها تقنيا. وهو ما يعتبر مجازفة في الطيران من دمشق إلى الرقة وفي إمكانية هبوطها على مدرج المطار بشكل آمن ، رغم أنه جرى تحديثه قبل نحو عشر سنوات بحيث يستطيع مهبطاه كﻼهما استقبال طائرات النقل الضخمة. (اﻷسلحة المذكورة ظهرت في الصور التي وزعتها#"داعش"#بعد استيﻼئها على المطار. وكانت لم تزل في صناديقها الخشبية وأغلفتها البﻼستيكية كما خرجت من مصانعها!)
لم يُخفِ الضابط المﻼح الذي تمكنتُ من التواصل معه ريبته وشكوكه في طبيعة اﻷسلحة والذخائر التي نقلها وزمﻼؤه. فهي ، وباستثناء قسم صغير منها، لم تكن لﻸسلحة التي تحتاجها الحامية المدافعة عن المطار، ﻻسيما منها القواذف المضادة للطائرات من طراز "إيغﻼ" وذخائرها.
فليس هناك أي مجموعة مسلحة تقاتل الجيش السوري تستخدم الطائرات، ﻻسيما "داعش" التي تسيطر على المنطقة. وبالتالي ﻻ مبرر لنقل صواريخ "إيغﻼ" إلى المطار. كما أنه ليس لدى المجموعات المذكورة دبابات من النوع الذي يحتاج لقواذف صاروخية من هذا النوع وبهذه الكمية للتصدي له. أما رادارات المطار وهوائياته الحالية فحديثة نسبيا، وتقوم بمهام المﻼحة الجوية للطائرات الخاصة بالمطار على نحو جيد جدا في نطاق المجال الجوي العملياتي لطائراته، وهي كلها من طراز "ميغ21" وبعض الحوامات!كان من الواضح، وفق المصدر، أن النظام قرر تسليم هذه اﻷسلحة لـ"داعش" في إطار خطته لـ"تمكينها" من التصدي للطائرات اﻷميركية وطائرات التحالف اﻷخرى إذا ما قررت استهداف مواقعها في المستقبل القريب ، بحيث تتورط واشنطن في الوحل السوري مباشرة "عقابا لها على استثناء النظام مع الشراكة في التحالف المناهض لﻺرهاب، ورفضها التنسيق معه في ذلك بالطريقة التي يريدها، وهي التطبيع السياسي والديبلوماسي معه أوﻻ وقبل كل شيء". وأما الرادار الصيني، فكان بهدف التمكن من رفع استطاعة هوائيات المطار على إجراء عمليات اﻻستطﻼع الجوي واﻹنذار المبكر من على مسافات بعيدة إذا ما قرر "التحالف" استهدف "داعش" على اﻷراضي السورية!مساء اليوم نفسه، الثﻼثاء 19 آب، جرى اتصال بين اللواء عادل عيسى وأمير"داعش" في المنطقة وأبلغه بأن "اﻷمانة وصلت وجرى توضيبها في المخازن الفﻼنية في المطار"، وجرى تحديد مخازنها في نقطة معينة على أطراف المطار هي عبارة عن "ثغرة" كان أخﻼها اللواء المجرم من الحراسة والرصد، على أن يكون التسليم عبر هذه "الثغرة" بعد غياب الشمس وهبوط الظﻼم. وبعد غياب الشمس، وهبوط الظﻼم، تقدمت مجموعة من "داعش" تعدادها حوالي 15 سيارة تقل قرابة مئة مسلح من النقطة المتفق عليها.
|