عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2015-04-21, 10:37 AM
فارووق فارووق غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2015-04-08
المشاركات: 116
افتراضي هل يُرْفضُ حديث صحيح للرسول إذا خالف نَصًّا قُرْآنيا؟

وقفة مع "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ": هل يُرْفضُ حديث صحيح للرسول إذا خالف نَصًّا قُرْآنيا؟



لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاحزاب أمر المسلمين أن يخرجوا الى بني قريظة ليعاقبهم على خيانتهم للميثاق الذي كان بينهم و بين محمد، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسب الحديث المرفوع عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" , فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

فالمسلمون في طريقهم الى بني قريظة، و لما دخل وقت العصر و أوشك أن ينتهي، انقسموا الى قسمين في الراي:
فريق فَهِمَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد بأمره "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" الإسراع فقط للوصول ما أمكن عند صلاة العصر الى بني قريظة، و بالتالي لما حان وقت صلاة العصر صلاها هذا الفريق و هو في الطريق قبل وصوله الى قريظة.
و فريق ثاني لم يصلي العصر إلا في بني قريظة بعد أن فات وقتها و حَلَّ الليل!

كِلاَ الفريقين كان يعلم بقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}(سورة النساء، الآية 103)، الآية التي تنص على وجوب آداء الصلاة في وقتها، و مع ذلك لم يحتج أي من الفريقين بأنه إذا خالف أمرُ الرسول القرآنَ فيُرَدُّ قول الرسول و يُأخذ بالنص القرآني، و لم يرى أي من الفريقين تناقضا بين طاعتهم للرسول في امره لهم و بين أمر الله في أداء الصلاة في وقتها! ... بل كلا الفريقين تعاملا مع نص قول الرسول على نفس الدرجة من وجوب الاتباع، و لو خالف (ظاهريا) القرآن، فاختلفا الفريقان فقط في اجتهادهم في فهم نص حديث الرسول! و نقتبس من ابن قيم الجوزية وجه الاختلاف في اجتهاد الفريقين، حيث يقول في 'إعلام الموقعين عن رب العالمين':
[... وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم؛ كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال: لم يُرَد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأَخَّروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس.]اهـ

و الرسول لم يعاتب الفريق الذي لم يُصَلِّي العصر في وقته، و لم يُنَبِّه صلى الله عليه و سلم المسلمين في موقف منهجي جد هام كهذا على انه من الواجب عليهم إذا تعارض حديثه مع نص قرآني أن يَرُدُّوا حديثه و يأخذوا بالنص القرآني! ... و ما كان للرسول، الذي لا ينطق عن الهوى، أن يسكت على أمر كهذا: "الأخذ بأمر الرسول و مخالفة نص القرآن"، و هو الذي لم يسكت قط عن إثمٍ أو اي أمر فيه معصية لله!

فالحادثة المتعلقة بحديث الرسول "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" لا يُستنبط منها جواز الاجتهاد في النصوص المحتملة لمعاني متعددة فحسب، بل أظن أنه يُستنبط منها كذلك عدم جواز رفض الحديث النبوي لمجرد مخالفته نَصاًّ قرآنيا (تناقضا حسب ظننا)!

و مما يعزز هذا الفهم حادثة أخرى مستقلة رواها قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبي" و هو يصلي فالتفت أُبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك"، فقال يا رسول الله إني كنت في الصلاة، قال: "أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(سورة الأنفال، الآية 24)"، قال بلى، ولا أعود إن شاء الله! (رواه الترمذي).

مما ورد في شرح هذا الحديث في "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي" للمباركفوري: [ ... "أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}" أي إلى ما يحييكم من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية . قال الطيبي وغيره من الشافعية : دل الحديث على أن إجابة الرسول لا تبطل الصلاة كما أن خطابه بقولك السلام عليك أيها النبي لا تقطعها. قال الحافظ في الفتح : فيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقا سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس من الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المصلي من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية.]اهـ

إذن فالمسألة ليست مسألة تناقض بين القرآن و السنة، تناقضا قد يتهيأ لعقولنا، و ليست صراعا بين الله و رسوله في من وجبت طاعته، فهذه نظرة قاصرة نَقِيسُ فيها علاقة الله برسوله كعلاقة البشر فيما بينهم! ...
فمتى صح الحديث ما جاز رفضه فقط بحجة تناقضه مع نصوصٍ قرآنية، و إنما المسألة هي أولا و قبل شيء قضية إيمان بالله و برسوله محمد ، تماماً كالصحابة الذين أخذوا بأمر الرسول و لم يصلوا العصر إلا في بني قريظة، رغم خروج وقت العصر الذي فرضه القرآن؛ و تماماً كالذي كان عليه أن يقطع صلاته و يُجيب نداء الرسول، و لو كان في صلاةٍ بين يدي الله!

فالله اصطفى محمدا رسولا و نبيا و منحه درجة و مكانة في الحياة الدنيا و الآخرة لم يمنحها الله لأي مخلوق غيره:
>> بعث الله محمدا رسولا للبشرية جمعاء، و ماكان ذلك لنبي قط: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(سورة سبأ، الآية 28 )

>> جعل الله محمدا بعينه رحمة للبشرية جمعاء، فكان طريق الناس الى الرحمة و النجاة و الخلاص لا يكون إلا بمحمد و عن طريق محمد و بما جاء به محمد: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(سورة الانبياء، الآية 107)

>> رفع الله من شأن محمد الى درجة لم يصلها اي مخلوق على الاطلاق، فجعل محمداً يُذكر مع ذكر الله في الشهادة و الآذان و إقامة الصلاة و التشهد الخ...، فليس تمة حديث عن الاسلام أو الله إلا و كان محمد جزء لا يتجزأ منه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(سورة الشرح، الآية 4)،

>> شرَّف الله محمدا تشريفا لم يشرف غيره به، إذ هو سبحانه و تعالى و ملائكته لا ينقطعون عن الصلاة و السلام على محمد، و أمر المسلمين بالصلاة و السلام على رسول الله و جعل ذلك من الايمان: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(سورة الأحزاب، الآية 56).

>> كلف الله محمدا بتبيان أحكام القرآن و بالتشريع للناس، و جعل تشريع محمد من تشريع الله (لانه تشريع بوحي من الله و لو لم يرد بنص قرآني):
{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(سورة النحل، 64)،
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(سورة النحل، 44)،
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}(سورة النساء، 105)،
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(سورة الحشر، الاية 7)،....

و في الحديث المرفوع الى رسول الله: حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أنبا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَوْفٍ ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ ، يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلا لا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ وَلا كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ"(روما الترمدي و ابي داود و ابن ماجة و الدارمي و أحمد و غيرهم).

>> جعل الله الايمان به مربوطا بالإيمان بمحمد، و جعل طاعة محمد من طاعة الله:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}(سورة النساء، الآية 80).

>> و جعل الله الايمان لا يتم إلا بتربية المشاعر و ترويضها على حب الله و حب رسوله محمد على السواء، و جعل حب الله و رسوله فوق اي ميول أخرى كيفما كانت:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(سورة آل عمران، الآية 31)،
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}التوبة، الآية 24). ...


فانْطِلاَقًا من هذا الايمان بمحمد رسولا و من حبه، وجبت طاعته صلى الله عليه و سلم و تقصِّي سنته و اتباعها، لان طاعة الرسول من طاعة الله و حب الرسول من حب الله! فمتى غلب على ظننا أن الحديث صحيح (و ليس شرط القطع في صحته) وجب الخضوع اليه تماماً مثل الخضوع للآيات القرآنية!

أما الذين في قلوبهم مرض فيستغلون الاختلاف بين المسلمين في تضعيفهم و تصحيحهم لبعض الأحاديث ليردوا في الاخير كل الأحاديث التي لا تلائم هواهم!
و كأني بهؤلاء منكري السنة النبوية يتخذون نفس موقف الحسد من رسول الله و الغرور بالنفس الذي اتخذه بعض الكفار في عصر الرسول إذ قالوا {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}(سورة الزخرف، الآية 31)، فالذين ذكرهم الله هنا في هذه الآية يمكن تصنيفهم على انهم "قرآنيين" ، الى حدٍّ ما و بشكل ما، إذ اعترفوا هنا بالقرآن أنه من عند الله، لكن لم يقبلوا أن يكون محمد هو الذي أُنزل عليه القرآن و هو الذي يبلغهم إياه و يشرحه للناس، و طلبوا أن ينزل القرآن على رجل "عظيم" منهم: غرور و حسد! ....
و قرآنيوا هذا العصر يرفضون محمدا مفسرا للقرآن و لأحكامه و مشرعا لدين الله، و يغطون على رفضهم للرسول بحجج واهية مثل حجج سلفهم! ... ...
......
رد مع اقتباس