الموضوع: من وحي الوباء
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2020-03-28, 08:08 PM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,830
افتراضي رد: من وحي الوباء

من وحي الوباء (2)
____________

ان كل الة يضع لها صانعها قانونا تحتكم اليه و ناموسا تسير عليه، و ذلك انه هو اعلم بها و باحوالها و ما يعرض لها ، فاذا حدث خلل في طريقة عملها ،او حيد فيها عن قانونها المسير لها و الحاكم عليها ، ادى ذلك الى عجزها و توقفها و انهيارها ، والله صنع هذا الكون على عينه ، و وضع له قوانين تحكمه و نواميس يجري عليها ، فلا يكاد يختل شيء منها الا كانت الطامة .

و لما كان الله هو خالق هذا الكون ، كان هو اعلم بما يليق به ، و ما يصلح لاستمراره ، و ما يصح لاحواله و ما يعرض له ، فيسر له من الايات الكونية و الشرعية ، التي تحكمه و تضبطه ، فلا يزيغ و لا يميل ، الا اذا خولفت تلك الايات و تم العمل بخلافها او تم تعطيلها ، و هذا من الامور المادية الواقعة ، التي لا ينكرها الا جاحد و يكفر بها الا معاند ، اما من القي السمع و هو شهيد ، و بسط نظره في احداث الزمن و تصرفات الدهر ، وجد ان كل خلل يقع في الة الكون ، تكون العلة فيه ، مخالفة لناموس كوني او قانون شرعي ، و من اشباه ذلك و امثاله ما يحدث للجنين اذا اراد اي يخرج من بطن امه قبل يتم تمامه في النمو ، فيخرج مشوها قبيحا .

قبل ايام كان الوباء ، يرتفع عدد المصابين به بالواحد و الاثنين و الثلاثة ، ثم اتخذ الناس الجهال يستفتونهم و يأخذون عنهم ، في غير فنهم و ما يجيدونه ، و امثال هؤلاء ليس لهم فن او ضرب من علم يجيدونه و يتقنونه و ينفعون الناس به ، الا الصراخ و العويل ، و التأثير في الناس بالعواطف و استجلابهم بالورع الكاذب ، فافتوهم بالخروج الى الساحات و ارصفة الطرقات لرفع الدعاء قصد ازالة البلاء ، فخرج الناس في عدة مدن ، و اجتمعوا على الدعاء و الصراخ و العويل حتى بلغت القلوب الحناجر ، و ذلك كله مبدع في الدين و مخالف لاسباب الشرعية و الاسباب الكونية ، التي وضعها الله لهذا الكون ليسير عليه ، فادى ذلك الى وقوع الخلل ، و ارتفع عدد المصابين يوميا بصورة مهولة مروعة مخيفة ، و ارتفع معه عدد الموتى .

و حتى تعلم يا صاحبي ان الامر مطرد ، و حتى تعلم ايضا ان الله هو الخالق و انه وضع للكون ناموسا شرعيا و كونيا ، و ذلك لما كان هو اعلم بما يصلح للعباد و البلاد ، و ان قوله الحق و ان ما سواه هو الباطل ، و حتى تعلم كل هذا ، و قبل ان ترميني بالخرف و التاخر و الرجعية ، و غيرها من الالفاظ التي تلوكها الالسن و تتقيؤها الافواه ، دعني اذكرك بحادثيين تعودان الى الازمنة الفائتة و العصور الغابر.

اولهما : نقله الامام ابن حجر في كتابه " بذل الماعون في فضل الطاعون " عن المنبجي انه قال و هو يتحدث عن الطاعون الكبير في دمشق و الذي وقع سنة تسع و اربعين و سبع مائة : ان الناس خرجوا الى الصحراء و معهم اكابر البلد ، فدعوا و استغاثوا فعظم الطاعون بعد ذلك و كثر ، و كان قبل دعائهم اخف .

الثانية : قال ابن حجر : و وقع هذا في زماننا ، حين وقع اول طاعون بالقاهرة ، في سابع و العشرين من شهر ربيع الاخر ، سنة ثلاث و ثلاثين و ثمان مئة ، فكان عدد من يموت بها دون الاربعين ، فخرجوا الى الصحراء ، في الرابع من جمادى الاولى ، بعد ان نودي فيهم بصيام ثلاثة ايام كما في الاستسقاء ، و اجتمعوا و دعوا و اقاموا ساعة ثم رجعوا ، فما انسلخ الشهر حتى صار من يموت في كل يوم في القاهرة يزيد عن الف ، ثم تزايد .

فانت ترى يا صاحبي ان الامر مطرد ، و لو اخذنا في سرد ما يقع من خلل و انهيار ، مع كل مخالفة للقانون الشرعي و الناموسه الكوني الذي سنة الله لهذا الكون ارتضاه له ، لما انتهينا من الكتابة ، و لكن نذكر فقط ما له علاقة بما نحن فيه .

ثم ان في كلام الحافظ نكتة تابى علي نفسي تركها ، فضلا عن كونه يثبت ان للكون خالق وضع له قانونا يسير عليه و يحتكم اليه ، و فضلا عن ان اسباب تقدم هذه الامة تكمن في الاخذ بهذه الاسباب الشرعية و الكونية ، و كل سبب كوني هو في الاصل شرعي ، فضلا عن كل هذا فان هناك نكتة في كلام الحافظ رحمه الله نعرض لبيانها هنا للرد على طائفة اخرى من الطوائف المخالفة لنا ، و هي تكمن في قوله : " بعد ان نودي فيهم بصيام ثلاثة ايام كما في الاستسقاء " و ذلك ان من مخالفينا ممن يحتج على جواز بعض بالبدع مثل القراءة الجماعية و الدعاء الجماعي بعد الصلاة و غيرها من البدع التعبدية ، بقوله : ان لها اصل في الدين ، فاذا قلت له ان قراءة القران جماعة باطل ، يقول لك قراءة القران لها اصل في الدين ، و ياخذ في اتهامك بانك تقول ان قراءة القران امر باطل ، و هذا لهو الجهل العقييييم ، فانظر قول ابن حجر " بعد ان نودي فيهم بصيام ثلاثة ايام كما في الاستسقاء " و تدبره فانه يعيد الامور الى اصلها ، فاصيام ليس باطلا ، و لكنه لما استعمل في غير ما سن و شرع له اصبح باطلا

فالله جعل لكل شيء في هذا الكون سببا، و ما علينا الا ان نتبع السبب الصحيح الموصل الى الامر المراد ، فاذا ااخطانا الاسباب او تقاعسنا عن الاخذ بها فتم الهلاك .

كتب : السبت 3 شعبان 1441(28/03/2020)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
رد مع اقتباس