الموضوع: الجنس و العدد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2020-05-02, 02:27 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,828
افتراضي الجنس و العدد

انقضت سنتان على تلك المناظرة التي جمعت بيني و بين احد العقلانيين ، حول كيفية وسوسة ابليس لابينا ادم ، بعدما طرد من الجنة ، و قد قامت مداخلاتي و ردودي في تلك المناظرة(1)، على تأصيل مهم ، يرجع في اصله الى بيان اختلاف دلالات الالفاظ في الايات الخاصة بالقصة .

و قد وعدت نفسي ، و حرصت جهدي في ذلك ، ان ارجع لتاصيل و تقعيد ما ذهبت اليه في تلك المناظرة ، و في المقالة التي تولدت عنها (2)، من اوجه الاستلال، و ان كنت تاخرت في الوفاء بما وعدت به نفسي ، و ذلك لاسباب لا يعلمها الا الله.

و حتى لا اطيل عليك و لا اتفرع بك في الكلام حول ما ينفع و ما لا ينفع ، فاني اعود لاكمل ما كنت بداته قبل سنتين ، من اقامة الشواهد و نصب الاعلام ، في بيان اضطراد ما ذهبت اليه في القران ، و انه من اساليبه و طرق بيانه .

و لكن قبل ذلك ، فانه قد وجب عليان اضع امامك ما فات ، و اذكرك بما قلته سابقا في هذه المسالة ، حتى تكون على بينة مما تقرا ، و حتى تكون الصورة البيانية امامك واضحة ، من غير نقض و لا ابهام ، و هذا نصه :
" ان للقران اساليبه و هذه الاساليب وعتها العرب و فهمتها لما كان عندهم من الذهن المستعد لقبول كل ما هو عربي ، فلما نزلقوله تعالى (( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))البقرة 38، فهموا منها ان المخاطب بالهبوط هم ادم و زوجه و ابليس ، و لما انتقل الكلام الى الهدى فهموا ان الممخاطب هو غير ابليس و غير ادم ، فاما ابليس فهو غير مخاطب لانه لعن ، و اما ادم فهو غير مخاطب لانه نبي زمانه _ صل الله عليه و سلم _ و انما المخاطب هو زوج ادم و ذريته
و الدليل على كلامي هو قوله تعالى في سورة ص : (( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )) فسجد الملائكة كلهم اجمعون ، الا ابليس ، و الذي تم استثناءه رغم انه ليس من الملائكة ، فانت و انا عند وقوفنا عند ظاهر الاية نقول ان ابليس من الملائكة ، و لكن العرب سليقة فهموا ان هذا اسلوب من اساليب القران العربي المبين ، و ذلك لما كان عندهم من الذهن و العقيدة اللغوية ، كما فهموا من ان المخاطب بالهدى هو غير ادم _ عليه السلام _ و ابليس ، و انما المقصود زوجه و ذريته .
و الاية لم تات بصيغة (( اهبطوا منها )) و لكن الاية جاءت هكذا (( اهبطوا منها جميعا )) فانظر قوله ( جميعا ) فهي تاكيد على انهم جمع اكثر من اثنين .
و اما قوله تعالى (( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ )) طه 123. فهو تفسير لقوله تعالى (( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))البقرة 38 . فقوله (( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ )) دليل على ان ابليس يشمله لفظ (( اهبطوا ))
و لاهل النباهة و الفطنة و الذكاء ان يقولوا : انت عندك نصان وليس واحدا ، الاول فيه (( قال اهبطا )) و الثاني ((قلنا اهبطوا ))
قلت : هذا الاسلوب نفسه في قوله (( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )) ص . فقد قال (( اجمعون )) ليبين ان الاستثناء في قوله (( الا ابليس .. )) يخص السجود و ليس الجنس ( اي جنس الملائكة )
و قوله (( اهبطا )) فهو جاء باعتبار الجنس ( الانس و الجن ) و ليس باعتبار العدد ، عكس قوله (( اهبطوا )) و التي جاءت باعتبار العدد لا باعتبار الجنس ، و حين قال (( اهبطا )) قال بعدها (( جميعا )) و قال (( بعضكم لبعض عدو )) ، و الشيطان كان للانسان عدوا ، فكانت (( اهبطا )) لمخاطبة الجنسين ، الانس و الجن .
و يزيده بيانا قوله تعالى (( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) السجدة 13 . فباعتبار الجنس هما اثنان ( الجنة و الناس ) و باعتبار العدد فهم جمع و لذلك قال (( اجمعين )). " انتهى

قال تعالى : (( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )) الرحمن 31 ، و قال (( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ )) الرحمن 33 ، و قال : (( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ )) الرحمن 35

ففي الاولى قال (( لكم )) باعتبار العدد ، لانه سبحانه و تعالى سيحاسبهم فردا فردا ، و لما اتى على ذكر الجنس ، الانس و الجن ، قال عز و جل (( الثقلان )) ففي الاية الواحدة جاءت الاشارة الى الجنس و العدد معا ، و اما في الاية الثانية فذكر فيها الجنسين ، الجن و الانس ، و خاطبهم بصيغة الجمع ، و ذلك باعتبار العدد لا الجنس ، لانه عقد لهم المعاجزة فيها لكون بعضهم لبعض ظهيرا ، فهم بها جمع رغم انهما باعتبار الجنس جنسين لا اكثر ، و في الاية الثالثة خاطبهم بصيغة الجنس لا العدد ،رغم ان الذين سيرسل عليهما الشواظ هم جمع اكثر من اثنين

و مثله في قوله تعالى : (( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ )) السجدة 18 ، و الاية لم تقل ( يستويان ) مع كونها ذكرت جنسين ، و لكن المعنى هنا اريد به العدد ، كل مؤمن و كل فاسق.، و هذا ان القران ذروة البيان ، و البيان يقوم على الركنين ، و هما اللفظ و المعنى ، فاذا اخل باحدهما او قصر فيه ذهب البيان ، و الالفاظ في البيان تركب على المعاني ، و هنا جاءت المعاني القرانية مرتبة فيما بينهما ترتيبا عجيبا ، و ركبت الالفاظ عليها تركيبا دقيقا ، تذهل له العقول و تطيش له الاذهان ، و هذا مثل قوله تعالى (( قلنا اهبطا منها جميعا ))

و من امثال ذلك قوله تعالى (( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )) هود24 ، و اكتفي فيها بما قاله الامام الطبري، رحمه الله ، في تاويله لها ، و هذا نص كلامه : " فالأعمى والأصم ، والبصير والسميع ، في اللفظ أربعة، وفي المعنى اثنان. ولذلك قيل: (هل يستويان مثلا) " انتهى كلامه


و هذه الايات ، اضافة الى ما سبق و عرجنا على بيانه في المناظرة و المقالة ، تظهر لنا الاسلوب الذي صيغت به الايات التي اوردت قصة ابينا ادم عليه السلام مع ابليس ، و انه اسلوب من الاساليب البيانية في القران ، و يظهر معها و يبين ان نزول ابليس تاخر عن خروجه من الجنة ، و ان نزوله تزامن مع نزول ابينا ادم و زوجه ، و قد وعت العرب عن ربها هذا الاسلوب ، لما كان عندها من الطبع و السليقة و العقيدة اللغوية ، فلم يطرحوا مثل هذه الاشكالات ، و انما ظهرت مثل هذه الامور لما انتفى الطبع العربي و العقيدة اللغوية .
***************
(1)رابط المناظرة https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=94433
(2) رابط المقالة
https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=94778

كتب: الجمعة 7 رمضان 1441(02/05/2020)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين

آخر تعديل بواسطة ايوب نصر ، 2020-05-03 الساعة 01:48 AM
رد مع اقتباس