عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2020-10-28, 11:41 AM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,061
افتراضي رد: سلسلة من لطائف القرآن الكريم / الشيخ صالح التركي

سلسلة من لطائف القرآن الكريم

الشيخ صالح بن عبد الله التركي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-

{ الْإِبِل ـ الْجَمَل ـ جِمَالَة ـ النَّاقَة ـ بَعير ـ الْعِير }

قال تعالى :
{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)} [الغاشية]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)} [الأعراف]
{ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المُرسلات]
{ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} [الأعراف]
{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)} [يوسف]
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ... (95)} [يوسف]

فجاءت هذه الآيات بألفاظ : { الْإِبِل ـ الْجَمَل ـ جِمَالَة ـ النَّاقَة ـ بَعير ـ الْعِير } ،
فما الفرق بين هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم ؟
وهل تتساوى في التعبير القرآني و تتكافأ ؟

بالتأمل لكتاب الله تعالى نجد أن التعبير القرآني يزاوج بين هذه الألفاظ ، ويضع كل لفظة في مكانها المناسب ،
فدعونا نتحاكم لبلاغة كتاب الله عز وجل :

بداية التعبير القرآني جاء موافقا لقواعد اللغة العربية وسننها ونظامها ، فالقرآن الكريم يحدث العرب ويكلمهم بما يعرفون ويشاهدون في بيئتهم ، وهذه سنة القرآن الكريم في خطابه للعرب ، وثمة أمر آخر وهو لا بد من معرفة سياق الآية المعنية بالتدبر والتأمل والرجوع لأقوال أهل التفسير فيها ، ومن هنا يتجلى شيء من لطائف الآية المعنية بالتدبر .

{ الْإبِل } : اسم جامع لكل أصناف هذا المخلوق فالجمل والناقة والبعير والعير وغيرها كل هذه من الإبل ، والإبل من حيث اللغة اسم جنس يشمل الجميع لا واحدة له من لفظة ، حيث دعا الله عز وجل للتفكر والنظر في خلق الإبل وعظم هيئتها وطريقة عيشها وتكاثرها وما أعطاها الله من مميزات في تأقلمها مع الصحاري والقفار وغير ذلك فقال :
{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }

{ الْجَمَل } : بفتح الجيم والميم هو الفحل والذكر من الإبل ولا يطلق عليه جملا إلا إذا كان عظيم الهيئة والخلقة مهيبًا في خلقة وحجمه معدًا للتلقيح ، والله عز وجل علق دخول الكفار الجنة بولوج هذا الجمل المهيب الخلقة في سم الخياط وهذا تيئيس للكفار بدخول الجنة فقال :
{ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }
وجاء تفسير الجمل في الآية بالحيوان المعروف وهو قول أكثر اهل التفسير واختاره ابن جرير رحمه الله ، وهذا التفسير موافقا لحال العرب وفهمهم ومنسجم مع لغتهم ، ذلك أن القرآن يخاطبهم بما يرون في بيئتهم ويشاهدون ، وجاءت قراءة عن ابن عباس (الجُمَّل) وهو الحبل الغليظ الذي تشد به السفن

{ جِمَالَة } : هي جمع جمل كحجر حجارة كما عند أهل اللغة ، وقرئت (جمالات) جمع جمال ، فقول الله تعالى :
{ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المُرسلات] ، جمع جمل قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير ، وهذا الوصف والتشبيه يبين الله فيه عظمة وهول نار جهنم

{ النَّاقَة } : هي أنثى الإبل ، والله عز وجل جعلها آية لثمود وقال :
{ ... وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ... (59)} [الإسراء] ،
{ قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155)} [الشعراء] ،
وكانت عظمية الخلق والهيئة وهلكت ثمود بالصيحة لما عقروها وذبحوها

{ بَعِير } : مفرد جمعه أباعر وبعران ، والبعير هو ما يحمل عليه المتاع والحاجة ويكون مذللا للركوب فيسمى عندها بعيرا وذلك إذا استكمل أربع سنين ويكون من الجمل والناقة ، يقول عز وجلّ :
{ ... وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ... } ، { ... وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ... } [يوسف]
فالمعدّ للحمل والركوب تطلق عليه العرب لفظ بعير

{ الْعِير } : هي القافلة من الأباعر المحملة بالبضائع والأثقال والميرة ،
قال تقدست أسماؤه : { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } أي خرجت من مصر باتجاه فلسطين وهي عير أخوة يوسف
وقال سبحانه : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) [يوسف] ،
وعند القرطبي رحمه الله : { الْعِير } ما أُمتير عليه من الحمير والإبل والبغال

وصفوة الكلام أحبتي هو أن كتاب الله تعالى لا يخلط بين هذه الألفاظ ولا غيرها ولا يمكن أن تقوم كلمة مكان أخرى ، فظاهر هذه الألفاظ الترادف وباطنها الاختلاف كما نرى ، وقد شاع عند بعض الناس الخلط بين معاني هذه الألفاظ وصرفت على غير مرادها وغير معناها .

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا هداة مهتدين وصلى الله على نبينا محمد .
رد مع اقتباس