الموضوع: الملحد
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 2009-03-02, 07:17 PM
AZE AZE غير متواجد حالياً
عضو ملحد
 
تاريخ التسجيل: 2008-11-23
المكان: الاردن
المشاركات: 58
منقول رد: الملحد

<table style="table-layout: fixed;" cellpadding="5" cellspacing="0" width="100%"><tbody><tr><td valign="top" width="85%" height="100%">الزملاء الكرام :-
رداَ على نقاد نظرية التتطور


الكاتب :- كائن متعدد الخلايا
الجزء الاول

كتب هذا الموضوع عالم مصري في البيولوجيا امتنع عن ذكر اسمه في موقع ###
لا يسمح بوضع أسماء منتديات تروج الضلالات ###] (المراقب العام).. وهو يستخدم الإسم (كائن عديد الخلايا) ...اتفقت معه على تعديل الموضوع ليصبح بشكل مقالة بدلا من نقاش... لا أستطيع وضع الموضوع كاملا لضخامته وبسبب الوقت الذي يحتاجه للتنسيق بيني وبين الكاتب لتحويل الموضوع إلى مقالة... سأضع كل جزء حينما أنتهي من تدقيقه لغويا وتنسيقه. مع تمنياتي بالمتعة التي حصلت عليها من قراءة هذا الموضوع الرائع.لمن يواجه صعوبة في فهم بعض النقاط العلمية يستطيع السؤال وسأوضحها.



((دعونا نأمل أن السيد دارون مخطئ في وجود حلقة وصل بين البشر والقردة. ولكن إذا كان مصيبا، دعونا نأمل ألا يغدو ذلك معروفا للجميع. ))
سيدة من العصر الفيكتوري

مقدمة
الحديث عن التطور بوجه عام والداروينية بوجه خاص ذو شجون، فيبدو أنهما حالتان استثنائيتان في تاريخ العلم كله. قد لا تجد نظرية أو حقيقة علمية واحدة تم قبولها بدون ظهور معارضات وانتقادات لها، وهذا أمر طبيعي وظاهرة صحية كذلك. لكنك – في الجهة المقابلة – لن تجد مثل هذا الكم من الانتقادات الموجهة لأي نظرية كما هي الموجهة لنظرية التطور!! ويبدو أن انتقاد التطور هو اللعبة المسلية لأي كان، فمهما كانت درجة جهل نقاد التطور فإن هذا لا يثنيهم عن التصريح بمنتهى الوقار والثقة أن التطور نظرية فاشلة والداروينية فكرة عقيمة!! وفي معظم الأحوال تجد أن قراءة سريعة لمثل هذه "الانتقادات" لا تظهر لك إلا جهل أصحابها ليس فقط بنظرية التطور بقضها وقضيضها، بل بأبسط مبادئ وأساسيات علم الحياة (Biology). ناهيك عن أسس التفكير العلمي والاستدلال المنطقي!!، لتقف في حيرة من أمرك، ما المفترض أن تفعله والحال هكذا؟! وهذا كان يؤدي بي في معظم الأحوال للزهد في المشاركة في الحديث عن التطور، رافعاً شعار "دعهم يمرحون ولا تفسد عليهم متعتهم. أو بتعبير أحد الأصدقاء (من الأفضل السكوت في مجتمع يحرم الكلام و يستحب الثرثرة).

قد تجد من يسأل أو يستفسر عن ميكانيكا الكم أو النسبية العامة أو الخاصة ولا يورط نفسه في معارضة نظريات بهذا الثـقل نتيجة جهله بهم، لكنك في المقابل قلما تجد من يسأل عن التطور!! فالجهل بالتطور ليس دافعاً للسؤال بل للانضمام لصفوف نقاد التطور!! ويبدو أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا هي البساطة الظاهرية لفكرة التطور التي تجعل كل شخص "يظن" أنه يفهمها. والفكرة بالفعل – بشكل أو بآخر – تحمل قدر من البساطة (سنعود لهذه النقطة لاحقاً)، إلا أننا يجب ألا ننزلق في هذا المُنزلق كثيراً، فجحر الأرنب أعمق بكثير مما يبدو للوهلة الأولى، وعلينا دائماً أن نتذكر أن هذه الفكرة الموصوفة بالبساطة لم يستطع أن يكتشفها مفكرون بثقل نيوتن وجاليلو وديكارت وليبنتز وهيوم وأرسطو وظلت تقبع في الظلام حتى اكتشفها علماء الأحياء في العصر الفيكتوري. وحتى يومنا هذا، تبدو فكرة التطور مستعصية على الفهم في الثقافة الشعبية. لدينا حالة من الجهل واسع الانتشار بشأن حقيقة التطور، إضافة إلى التفكير المبني على التمني لا على الحقيقة والواقع – كنموذج صاحبتنا تلك من العصر الفيكتوري التي كانت تتمنى ألا يعرف أحد بما اكتشفه دارون في حالة صحته!! عندما تجمع هذا إلى ذاك، (الجهل و الموقف المسبق) تدرك مدى حساسية الموقف وأسباب حيرتي.


إن طريقة صياغة المقالة تتوقف على القارئ الموجهة له، هناك من لديه خلفية جيدة عن التطور واقتناع تام به، ومن ثمّ فهو ليس بحاجة لقراءة مقالة تدعم التطور. وعلى طرف النقيض هناك من "قرر" مسبقاً أن التطور نظرية غير سليمة، وليس لديه استعداد لقراءة فكرة مخالفة لمعتقده، ناهيك عن الاقتناع بها، وهنا أيضاً لا داعي لإنفاق الوقت فيما لا طائل منه. بين طرفي النقيض هناك من يمتلك حد أدنى من المعرفة العلمية تؤهله لتناول الموضوع ولكنه – لسبب أو لآخر – لا يقتنع بكون التطور أحد حقائق علم الحياة وحجر الذاوية به، وهذا هو المعني بمقالتي هذه. ولذا لا أجدني مضطرا لشرح ما هي نظرية التطور، نظراً لأني أخاطب شخص يعرفها تمام المعرفة (أفترض هذا جدلاً)، بل ولديه كذلك ما يعتبره "نقداً" لها. وسأكتفي في مقالتي الحالية بتفنيد بعض الأخطاء الشائعة في تناول التطور، بالإضافة لتوضيح بعض الأفكار التي أراها جوهرية فيما يخص التطور والداروينية، وسأرجئ التفاصيل العلمية المتخصصة إلى مقال آخر. فبالنسبة لي التطور ليس محل اتهام حتى أدافع عنه، (ومن لديه رأي آخر يسمعني ما عنده وسيأتيه الرد)
أنا لا أزعم أن الأفكار والمعلومات التي سأقدمها ستكون جديدة، فالدوريات العلمية والمجلات المتخصصة بتبسيط العلوم لم تترك شيء خارج مجال التغطية. فقط سأحاول – قدر الإمكان – تقديم مجموعة من المعطيات والمعلومات تبدو لي على قدر من الأهمية لجعل القارئ أكثر تفهماً للتطور العضوي والداروينية. أي أن الغرض الأساسي لكل ما سأكتبه، هو دعوة كل قارئ ليخلق في نفسه، إن لم يكن حيزاً من الفهم والوضوح، فعلى الأقل حيزاً يكون فيه الجهل محصوراً، ومناطق العتمة محدودة. كما أدعوكم – وأدعو نفسي كذلك – للتفكير ملياً في الأسئلة المطروحة في هذا المقال قبل البحث عن إجابات لها، فيبدو أننا كثيراً ما نتوهم امتلاكنا إجابات ثم يثبت الزمن عدم فهمنا للأسئلة بعد.
لا أجد شيء أنهي به مقدمتي الطويلة هذه، أفضل من تساؤل ألبير جاكار:
" ما الذي تعنيه الإجابات عندما لا نكون قد استوعبنا فعلاً معنى الأسئلة؟! "


الشيء الوحيد "الثابت" في الكون بأثره
منذ أن تشكل كوننا الواسع هذا قبل ما يقرب من 15 مليون عام(1) نتيجة الانفجار الكبير وهو يتغير بلا هوادة. في الدقائق الأولى للانفجار تكونت البروتونات والنيترونات والالكترونات والفوتونات وبدأت في الدخول في علاقات مختلفة وتكوين تشاركات جديدة، ليظهر الهيدروجين والهليوم. ومع توسع الكون وتكون الأفران الذرية العملاقة (النجوم) بدأت ذرات الكربون في الظهور ثم الأكسجين والسيلكون وباقي المعادن. ويستمر تجمع اللبنات الأولى للكون في تشاركات جديدة حتى تتكون تجمعات على درجة من التعقيد بحيث يصبح ثباتها غير مضمون، مثل اليورانيم، وتبدأ العملية العكسية في الحدوث، أي تفرق هذه اللبنات بعد أن تجمعت!! منذ نشأة الكون حتى وقتنا الحالي وهذا هو حال مكوناته الأولية، وسواء كانت العملية الجارية تجمع (تفاعلات اندماجية) أو تفرق (تفاعلات انشطارية) إلا أن المحصلة هي "التغير" الدائم. والنجوم بدورها ليست أشياء ثابتة، فبعد بضعة مليارات من السنوات على ميلاد النجم ستنتهي حياته سواء بانفجار مفاجئ، إذا كان حجمه كبير بما فيه الكفاية (مستعر أعظم supernova(. أو سينطفئ بالتدريج إذا كان صغير الحجم (قزم أبيض white dwarf) (شمسنا الصغيرة ينتظرها هذا المصير بعد مليارات قليلة من السنوات). وفي كلتا الحالتين سيلقي بأحشائه إلى الفضاء الواسع لتدخل في تفاعلات أخرى تنتج نجوم جديدة أو كواكب (حسب درجة حرارتها ... الخ) أو يندمج الغبار الناتج مع نجم قريب أو يؤثر نتيجة مروره بالقرب من كوكب ... الخ. تفاعلات واندماجات وانفجارات وإنشطارات، ... كواكب تولد وأخرى تموت، أنواع جديدة من الذرات تُخلق في باطن النجوم ثم تندمج وتتفاعل مع بعضها البعض ثم تتحلل لتعاود الكرهّ مرات ومرات. عالم صاخب إلى أقصى حد ومتغير إلى درجة مدهشة، بحيث يسوغ لنا القول أن الشيء الوحيد الثابت في هذا الكون هو أن "كل شيء متغير".

بالرغم من أن التغير هو القاعدة الثابتة في هذا الكون، إلا أن انطباعاتنا عن الكون تختلف تماماً. فمعظم الأشياء (أن لم تكن كلها) تبدو لنا ثابتة بطريقة رتيبة للغاية. الشمس تشرق كل يوم وتبدو بنفس المظهر كما هي منذ سنوات بدون أدنى تغير، وكذلك النجوم، وقس على هذا جميع الكواكب والأجرام السماوية. إلا أن انطباعاتنا هذه مضلله للغاية، فشمسنا الجميلة تحرق يومياً ملايين الأطنان من وقودها الذري وتحوله إلى طاقة تتشتت في الفراغ، ولا نلاحظ هذا بسبب حجمها المهول (بالنسبة لأحجمنا) وبعدها الشاسع عنا. وبالرغم من أن تغييرها اللحظي غير ملاحظ بالنسبة لنا إلا أنه من الخطورة والعظم بمكان بحيث سيتسبب في غضون مليارات قليلة من السنوات (وهي فترة زمنية قصيرة في عمر الكون) في اختفائها تماماً، وتحولها لشيء (أو أشياء) آخر لا يشبه ما نسميه اليوم "شمس" بحال. وما ينطبق على الشمس ينطبق على النجوم أيضاً، بل أن بعضها غير موجود الآن بالرغم من رؤيتنا لهُ!! ولن نعرف حالتها الفعلية الآن إلا بعد سنوات طويلة تتناسب طردياً مع المسافة بيننا وبينها.
الكائنات الحية بدورها تخضع لهذا القانون الكوني .... "التغير"، بالرغم من أنها تستطيع "التحايل" عليه قليلاً ولكن تجاوزه مستحيل. فبالرغم من أن الكائن الحي (بغض النظر عن طريقة تكاثره) يستطيع إنتاج "شبيه" له، إلا أنه لا يستطيع أنتاج فرد آخر يتطابق معه، ومهما كانت درجة التشابه سيكون هناك اختلافات بينهما وفي كل جيل ينتج سيكون هناك مزيد من الاختلافات. وبالرغم من أن هذه الاختلافات تحدث بصورة عشوائية إلا أن استمرارها في التواجد ليس عشوائي بالمرة. تُرى ما تأثير تراكم هذه الاختلافات مع مرور الزمن؟

ما أودّ التأكيد عليه هنا هو بعض الأفكار البسيطة:



التطور، تغير وليس ارتقاء
من الأهمية بمكان التأكيد على أن التطور لا يعني بحال من الأحوال الارتقاء أو التغير نحو الأحسن أو الأفضل. فهذه إحدى المعلومات الغير سليمة واسعة الانتشار، فسؤال من قبيل: هل البنزين أفضل أم المازوت؟ ليس له أي معنى إلا بعد الإجابة عن سؤال آخر: هل المحرك ديزل أم لا؟ فالعلاقة بين المحرك والوقود هي التي تحدد الأفضلية، والوضع كذلك بالنسبة للكائنات الحية، فالكائنات الموجودة حالياً ليست "أرقى" من سابقتها بالضرورة، فقط هي الأكثر ملائمة للظروف التي وجدت فيها. المثال الشهير لفراشة البتيولاريا ( Biston betularia) يوضح هذا الأمر بجلاء، فكل من اللون الأسود والأبيض يمكن اعتباره أفضل من الآخر ولكن في بيئات مختلفة. للأسف الشديد نحن أعتدنا على عزل مختلف العوامل التي تؤثر في أمر ما ثم نُطلق حكما على كل عامل على حده، متناسين تماماً أن هذه العوامل تعمل مجتمعه.

"الإنسان أرقى الكائنات" .... "الإنسان حيوان مفكر" .... "الإنسان حيوان ناطق" .... "الإنسان حيوان ضاحك" .... "الإنسان كائن مُبدع" .... أعتدنا على سماع عبارات كثيرة بهذا المعنى. وهي لا تستند على حقيقة موضوعية بقدر استنادها إلى تحيزنا (المُبرر بالطبع) إلى جنسنا البشري، ببساطة نحن نبحث عما يميزنا. الأمر أشبه بشعار "كن فخور بصناعة بلدك"، فإذا كنت فرنسي فيجب عليك أن تعتبر السيارة البيجو هي الأفضل وتشتريها إما إذا كنت ألماني فستشتري السيارة المرسيديس بلا تردد، إذا كنت موضوعي فستنظر للأمر نظرة مختلفة تماماً. قبل اختيار السيارة "الأفضل" يجب عليك أولاً وضع قواعد التقييم بدون تحيز، أي لا يكفي أن تنتمي لبلد تنتج سيارات ذات شكل انسيابي لتعتبر أن هذا هو أهم الشروط الواجب أخذها في الاعتبار!! هناك كفاءة عمل المحرك ومستوى الآمان في السيارة وكفاءة استهلاك الوقود .... الخ، وكل شرط له أهميته النسبية التي تتوقف على الهدف من التقييم نفسه. على سبيل المثال، نحن لا نقول "الفيل حيوان بخرطوم" بل نكتفي بالقول أن الفيل حيوان، بالرغم من أن الـخرطوم شيء مميز للغاية بالنسبة للفيل فهو من الدقة بحيث يمكنه من التقاط ورقة شجر ومن القوة بحيث تمكنه من اقتلاع شجره بأكملها!! وبالمثل نحن لا نلقي بالاً إلى قدرة الكلب على الشم، أو قدرة الخفاش على تحديد مواضع الأشياء باستخدام الصدى، أو قدرة الفهد على الجري بسرعة تتجاوز الـ 120 كيلومتر في الساعة!! فقط نحن نـُقيم الكائنات بناء على مقدرتها العقلية، لا لشيء إلا لأننا نتفوق في هذا المجال، ثم نخلص إلى أننا "أرقى الكائنات"!!!! في حين أن التقييم بناء على القدرة على الجري مثلاً سيظهر أننا كائنات بدائية للغاية فأقصى سرعة يمكننا أن نجري بها هي 36 كيلومتر في الساعة وأين هذا من سرعة الفهد أو النمر التي تتخطى الـ 100 كيلومتر في الساعة!! ولو قمنا بالتقييم بناء على امتلاك الخرطوم لأصبحنا محل سخرية أفيال العالم أجمع، فأين خرطوم الفيل ذو القدرات المدهشة من هذه الأنف البدائية التي نمتلكها، والتي لا تقوى على فعل أي شيء بالمرة باستثناء سماحها بمرور الهواء وتنقيته من بعض الشوائب!! باختصار نحن نختار نظام التقييم الذي يثبت تفوقنا ثم نستنتج تفوقنا!!
وبعد أن نتوصل – بمنتهى النرجسية واللاموضوعية – إلى أننا "أرقى" الكائنات الحية جميعاً، نبدأ في النظر إلى باقي الكائنات نظرة تصنيفية بناء على مدى تشابههم أو اختلافهم عنا، لنعتبر الكائن الأكثر مشابهة لنا هو الكائن الأكثر رقياً من غيره!! في الواقع لا يوجد سبب موضوعي يجعلنا نعتبر الإنسان أكثر رقياً من خيار البحر إلا بالمقدار نفسه الذي يجعلنا نعتبر البطيخ أكثر رقياً من الاثنين. فجميع الكائنات – والإنسان من ضمن – يتم تصنيفها في شجرة واحدة، ولا يوجد فرق حقيقي بين الإنسان وباقي الكائنات إلا ..... أننا نتبع هذا النوع دون غيره.


زيادة التعقيد ما بين الأنثروبي وشياطين ماكسويل
في بداية القرن التاسع عشر قام سادي كارنو "Sadi Carnot" بصياغة المبدأ الثاني للثرموديناميك والذي يؤكد على تزايد الانثروبي "Entropy" في أي نظام مغلق، أو - بكلمات أقل تعقيداً – زيادة الفوضى والاضطراب في أي نظام معقد وبالتالي يحدث تلف محتوم وتتلاشى البنية المعقدة تماماً بمرور الوقت وينفرط عقدها. ويبدو أن التطور يتعارض تماماً مع هذا، فالتطور يجعل الكائنات تزداد تعقيداً بمرور الوقت وليس العكس؟! والأمر لا يقتصر على التطور فقط بل أن نمو جنين أو طفل يشمل زيادة تعقيد جسمه، وبالمثل تكون كوكب أو نجم هو أيضاً زيادة في التعقيد!! باختصار نحن نعرف العديد من المجموعات المادية المركبة القادرة على تعقيد نفسها بنفسها وهي تفعل ذلك بالفعل إذا ما ساعدتها الظروف فأين يكمن الخلل وما سبب هذا التناقض الظاهري؟!

على صعيد آخر هناك تجربة شهيرة تثبت خطأ مبدأ "كارنو"، وهي تعرف باسم مفارقة شياطين ماكسويل(2) والفكرة باختصار هي أن نملأ غرفة محكمة الإغلاق بغاز، ونفصلها إلى حجرتين أصغر (أ) و(ب) بواسطة حاجز مثقوب بثقب صغير، في البداية الضغط سيكون متساوي في الحجرتين وكما نعلم فالغاز ما هو إلا مجموعة من الجزيئات تتحرك باستمرار، وهذه الحركة قد تجعل الجزيئات تنتقل من القسم (أ) إلى القسم (ب) وبالعكس، والمنتظر أن تتساوى الجزيئات التي تتحرك في الاتجاه أ ب مع تلك التي تتحرك في الاتجاه ب أ وبالتالي يظل الضغط متساوي في القسمين (أ، ب) والنظام بأكمله يكون في حاله توازن. ولكن دعونا نتخيل أن شيطان يحرس الثقب، وعندما يرى جزيئة ستمر من (أ) إلى (ب) فإنه يسمح بذلك ولكنه لا يسمح بحدوث العكس، أي يمنع مرور الجزيئات من (ب) إلى (أ) عن طريق غلق الثقب أمامها. من الواضح أن هذه العملية على المدى الطويل ستؤدي لانتقال الغاز بأكمله إلى القسم (ب) وسيصبح القسم (أ) فارغ، أي ستنتهي حالة التوازن البدائية ويزيد الضغط في قسم على حساب الآخر، فكيف حدث هذا بالرغم من تناقضه مع مبدأ كارنو؟!

في الواقع لا توجد مفارقة بالمرة ولا يوجد تناقض، لأن عمل الشيطان يلغي الفرضية الأساسية التي يقوم عليها برهان زيادة الانثروبي، فالمبدأ الثاني للثرموديناميك ينطبق على بنيات معزولة بالفرض، وللأسف لم يتم دائماً توضيح هذه النقطة بشكل كاف، والتي بدونها لن يعود لمبدأ كارنو أي سند. أي أن السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الشروع في حل أي من المفارقات السابقة هو: هل البنية التي ندرسها معزولة؟ الإجابة في المعتاد لا بالتأكيد، فالبنية الوحيدة المعزولة فعلاً هي الكون نفسه، لكن المجوعة الشمسية والأرض والكواكب والنجوم التي تنشأ والكائنات الحية التي تتطور والطفل الصغير الذي ينمو .... الخ كل هذه المجموعات غير معزولة بالمرة بل هي مجموعات مخترقة تتلقى واردات من الخارج تساعدها في زيادة تعقيدها على حساب مصادر أخرى. فلا التطور يتعارض مع المبدأ الثاني للثرموديناميك ولا شياطين ماكسويل تلغي المبدأ الثاني.

المثال الخاص بشياطين ماكسويل يمكنه أن يقدم لنا نموذج جيد لفهم التطور. فالطفرات تحدث بصورة عشوائية (تماماً مثل حركة الجزيئات في الغرفتين) والانتخاب الطبيعي يلعب دور شيطان ماكسويل فهو يسمح للطفرات المفيدة فقط بالمرور إلى الأجيال التالية ويستبعد الطفرات الضارة وبالتالي يسمح بزيادة التعقيد باستمرار. ولكن هل يجب أن يكون "الشيطان" واعي لما يفعله؟! بكلمات أخرى هل يجب أن يكون هناك عقل مفكر حتى يزداد التعقيد في منظومة ما؟ دعوني أقص عليكم هذه القصة فهي تحمل بين طياتها إجابة هذا السؤال.

في أحد الضواحي الريفية القريبة من دنفر (تقع في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة) عام 1951، جاءت بلاغات غريبة من المزارعين(3) ، فالبعض لاحظ ظهور أمراض غير مفهومة لحيوانات المزرعة والبعض عانى من وفاة بعض حيواناته وطيوره الداجنة. أيضاً جاءت بلاغات عديدة عن اصفرار أوراق النباتات وفشل بعض المحاصيل في أكمال دورة حياتها بصورة طبيعية، كما أبيدت بعض المحاصيل عن أخرها، وجاءت أيضاً بلاغات عن إصابة بعض المزارعين بأمراض غير مفهومة. الأمر كان كارثة بحق، كان هناك وباء في المنطقة، لكنه وباء من نوع عجيب أصاب جميع الأحياء من نبات وطيور وحيوانات وبشر!! المهم، وبدون الاستطراد كثيراً، بدأت الجهات الفيدرالية في الولاية بالتعاون مع عدة شركات وعدة ولايات أخرى في بحث الأمر، وأتضح أن سبب كل هذا هو تلوث المياه بمادة4-dichlorophenoxy acetic acid تعرف اختصاراً باسم 2-4-D، الشكل التالي يوضح البنية الجزيئية لها C8H6Cl2O3، وهكذا أصبح الأمر مفهوم، فمادة مثل هذه بالكميات التي وجدت بها في المياه كافية لتفسير سبب هذه الكوارث، ولكن، تُرى من الذي قام بتصنيع هذه المادة بهذه الكميات المهولة وقام بتلويث المياه بها؟ وكيف وصل لهذه التكنولوجيا التصنيعية التي كانت جديدة في هذا الوقت؟ وما هو هدفه من إيذاء الناس وتدمير المحاصيل وتسميم الحيوانات والطيور بهذه الطريقة المرعبة؟!






والآن نعود لهذا اللعين الذي قام بإنتاج هذه المادة ونحن في أشد درجات الدهشة. لو كان باع هذه المادة لحصل على ثروة طائلة وأفاد نفسه وأفاد البشر، بدلاً من إلقائها هكذا ليضيع ثروة من بين يديه ويدمر صحة البشر والحيوانات ويتلف الكثير من النباتات!!

في الواقع يا أعزائي من فعل هذه الفعلة لم يكن "يعي" أنه بفعلته هذه يؤذي الناس ولم يهدف إطلاقاً لإيذاء أحد بل أكثر من هذا، من قام بهذه الفعلة لم يكن يدرك ما يفعله على الإطلاق، باختصار شديد من قام بتركيب هذه المادة المعقدة هو أحد شياطين ماكسويل

بعد دراسات طويلة ودقيقة اتضحت تفاصيل القصة كاملة، ففي عام 1943 كانت ترسانة السلاح الكيماوي للجيش في روكي ماونتن (القريبة من دنفر) تقوم بتصنيع بعض المواد الحربية، ثم بعد 8 سنوات قامت بتأجير الموقع لإحدى شركات البترول الخاصة التي كانت تخطط لتصنيع بعض المبيدات الحشرية، بعد هذا بقليل جاءت البلاغات الغامضة. ولكن الجيش لم يكن ينتج مادة الـ 2,4-D وشركة المبيدات الحشرية لم تكن تنتجها أيضاً (في الواقع شركة المبيدات الحشرية لم تكن قد قامت بتغيير خطوط الإنتاج أو بفعل أي شيء بعد، فقط هي استلمت الموقع ثم بدأت البلاغات تأتي). الذي حدث كان كالتالي، أحواض النفايات الخاصة بالجيش التي كانت تستقبل المواد الكيمائية الفائضة من عمليات التصنيع الحربية، من كلوريدات وأملاح حامض الفوسفونيك وفلوريدات وزرنيخ وخلافة، لم تتحمل التفاعلات التي تحدث بين هذه الكيماويات فبدأت جدرانها بالتآكل مما سمح لهذه الكيماويات بالرشح إلى الخارج لتختلط بالمياه الجوفية وتحملها إلى مناطق أخرى وتحت تأثير الهواء والشمس بدأت الكيماويات تتفاعل لتنتج مركبات أخرى على أسطح الصخور وتبدأ في دورة أخرى من التفاعلات، وفي خلال ما يقرب من 8 سنوات تم تصنيع مادة الـ 2,4-d بكميات خرافية بطريقة تلقائية وبدون أدنى تدخل واعي. وانتقلت المادة مع المياه الجوفية إلى القرية المنكوبة لتسبب مأساة. مجموعة من العناصر البسيطة كلور Cl ، أكسجين O، ... الخ، بالإضافة لضوء الشمس والهواء والماء أدت لإنتاج مراكب على درجة عالية من التعقيد. هذا أحد الأمثلة على تكون تعقيد تلقائي بدون أدنى تدخل "واعي" أو موجه.

أحداث غير محتملة – أحدث يصعب التنبؤ بها
"انفجار ... انفجار ... أنفجر تشالنجر"، هكذا صاح المعلق التلفزيوني عام 1986 وهو يعلن عن انفجار المكوك الفضائي تشالنجر بعد ثواني من إقلاعه. قبل كارثة المكوك الفضائي كان رقم التقدير الرسمي لاحتمال وقوع حادث لمكوك فضائي هو واحد في المئة ألف(5)، ولكن هذا لم يمنع تشالنجر من الانفجار! في الواقع، انخفاض احتمال حدث ما لا يعني أنه "غير محتمل" بل يعني – ببساطة – أنه حدث "يصعب التنبؤ به مسبقاً"، ولكن بمجرد حدوثه لا يكون هناك أي معنى للقول أنه حدث منخفض الاحتمال، فمن وجهة نظر إحصائية طالما وقع الحدث فهو يسمى "حدث مؤكد" واحتمال حدوثه 100% لأنه حدث بالفعل. إن مفهوم الاحتمالية هنا ليس له معنى كبير، هناك "ممكنات" أو "احتمالات" عديدة و"الواقع" ما هو إلا مفردة من ضمن تشكيلات عديدة لمجموع الممكنات كل منها يبدو انه "غير محتمل بشدة". ولكن لأن الواقع هو "مفردة" واحدة فقط لا غير من مجموعة تكاد تكون غير منتهية فأنه يبدو لنا مُدهش في تفرده. فيما يخص تشالنجر مثلاُ، كان من الممكن أن يصاب جميع ركابه بحاله إسهال مفاجئ قبل موعد الإطلاق نتيجة تناولهم بيتزا مسممة مما يستدعي تأجيل الإطلاق ليوم آخر لحين شفائهم، وتأجيل الإطلاق كان من الممكن أن ينقذ المكوك من الكارثة نتيجة أن يوم الإطلاق الجديد كان أكثر دفئاً وبالتالي لن يحدث شرخ في جدار المكوك نتيجة اختلاف درجات الحرارة ... الخ، هذا الاحتمال كان سيبدو مُدهشاً في تفرده أيضاً. كان من الممكن أن يحث آلاف الأشياء وكل منها "غير محتمل بشدة" ومع هذا فلا يوجد أي سبب للاستغراب أو للحديث عن معجزة ما عند حدوث أحد هذه الاحتمالات. فلنكن حذرين من الاستخدام المتسرع لمصطلح الاحتمالية، فاحتمالية حدث قادم يعتمد على الدقة التي أصفه بها، أي أنه ليس تابع فقط لطبيعة هذا الحدث بل للشكل الذي أوحي به كذلك، دعوني أطرح مثال على هذا:

تبعاً لمجلس توليد الكهرباء المركزي في بريطانيا فأن احتمال حدوث حادث كارثي في محطة نووية لتوليد الكهرباء هو واحد كل عشرة آلاف سنة(6). وكارثي هنا تعني كارثة بحجم تشيرنوبيل أو أكبر، بمعنى إطلاق كميات كبيرة من المواد المشعة في المحيط البيئي. ويبدو أن احتمال واحد كل عشرة آلاف سنة مطمئنا جداً، ولكن دعونا نلقي نظرة أقرب على هذا الرقم. هذا الرقم يعني أن كل مفاعل نووي يواجه احتمال حصول حادث كارثي في أي سنة يساوي 0.0001 سنوياً. وهناك في بريطانيا حوالي 40 محطة لتوليد كهرباء نووية، وبذلك يكون احتمال حصول حادث كارثي واحد في أي من هذه المحطات في أي سنة هو مجموع 40 احتمال، أي 0.004 واحتمال حصول حادث كارثي واحد على الأقل في بريطانيا خلال السنوات الـ 25 المقبلة هو 25 ضعف، أي 0.1 وهذا معناه أن هناك فرصة بنسبة واحد من عشرة. ويبدو هذا الرقم غير مطمئن بالمرة مثل القول "واحد كل 1000 سنة"، ولكن المسألة هنا ليست إلا مسألة اختلاف في طريقة التعبير عن الشيء ذاته. وعلى أي حال فالمفاعل الذري تشيرنوبيل انفجر دون أن يعبئ لا بالرقم الأول ولا بالرقم الثاني.

للأسف الشديد هناك سوء فهم متأصل عند البشر لما تعنيه الاحتمالات، والمثل الشائع لسوء الفهم هذا هو ما يعرف بقانون المتوسطات (law of averages) والذي يقول أن الصاعقة لا تضرب في المكان نفسه مرتين، وفي الحروب كثيراً ما يختبئ الجنود في الحفر التي تنتج عن سقوط القنابل على أساس أن احتمال سقوط قذيفة ثانية في نفس المكان هو احتمال نادر جداً. وللأسف لا الاحتمال الأول صحيح ولا الآخر، فبالنسبة للصاعقة فهي بالفعل تميل لأن تضرب نفس المكان، فالأسباب التي جعلتها تضرب في بقعة معينة ستجعلها تكرر الفعل ذاته. أما قذائف المدفعية وقنابل الطائرات فهي لا تتذكر المكان الذي سقطت فيه لتتجنبه في المرة الثانية، وبالرغم من أن احتمال سقوط قذيفتان في مكان واحد هو احتمال بالغ الصغر إلا أنه احتمال وارد. ربما كان أفضل توضيح لمدى خطأ قانون المتوسطات هو الدعابة التي تتحدث عن رجل كان يحمل معه دوماً قنبلة عند السفر بالطائرة على أساس أن احتمال وجود قنبلتين على نفس الطائرة هو احتمال بالغ الصغر لدرجة أنه قد لا يحدث أبدا.

"الاحتمالات" وسيلة لدارسة الأحداث قـبل حدوثها وليس بعد حدوثها بالفعل، فوقوع الحدث يعني – ببساطة – أنه كان من ضمن فضاء العينة أو بكلمات أخرى من مجموعة الممكنات المتاحة.
وهم الغائية
هناك تجربة بسيطة تظهر ما أعنيه بـ "وهم الغائية" بجلاء، التجربة تعرف باسم "لعبة الصندوق"، والأمر يتم كالآتي، نحضر صندوق ونضع به كرتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء. ثم نسحب واحده منهما كيفما أتفق ونرى لونها، ثم نعيدها إلى الصندوق ونضيف كرة ثالثة من نفس اللون. ثم نكرر هذه العملية باستمرار، أي سحب كرة ومعرفة لونها وإضافة كرة أخرى مثلها، وهكذا، وفي كل مرة نسجل نسبة الكرات لبعضها. في البداية ستكون نسبة الكرات 0.5 لكل منهما، ثم ستبدأ النسبة تتأرجح صعوداً وهبوطاً، ولكن مع الوقت سنلاحظ ظاهرة غريبة، وهي تقارب تكرار الكرات السوداء من رقم محدد جداً. أجريت هذه التجربة سابقا وحصلت على رقم 0.375. ترى، لماذا هذا الرقم بالتحديد؟
بدءاً من المرة الثانية والعشرين توقف تغير الرقم العشري الثاني، واستمر الرقم الثالث في التغير ليقترب حسيساً من 0.375، أمر محير للغاية ما الشيء المميز في هذه النسبة؟!
في الواقع، لا يوجد أي شيء مميز لهذه النسبة بالمرة، ولو كان لدينا فرصة لتكرار التجربة مرة أخرى لاكتشفنا هذا عن طريق حصولنا على رقم مختلف تماماً، الشيء الوحيد الذي سيتكرر بنفس الطريقة هو هذا التقارب التدريجي نحو رقم محدد، يبدو للوهلة الأولى أنه مميز، وأن هناك "غاية ما" في الاقتراب منه إلا أن الأمر عشوائي تماماً.
السبب ببساطة هو أنه بزيادة عدة الكرات يقل التباين(variance( في الصندوق، والتباين بدوره هو الذي يحدد التكرار في المرة القادمة. ففي البداية يكون التباين مقداره 0.5 (نصف الكرات تحمل لون مختلف) وتكرار الكرات متساوي وهناك فرصة متساوية لكل منهما في الظهور، ثم بعد أول دوره سينخفض التباين (كرتان بلون واحد وكرة واحدة فقط بلون مختلف)، وهذا سيقلل من احتمال اختيار الكرة ذات اللون المختلف، ولكن قد يحدث – بالصدفة وحدها – أن نختار هذه الكرة وبالتالي يزداد التباين مرة ثانية، ولكن في المرة التالية سنعود لنفس هذا الاختيار مرة ثانية. وأن عاجلاً أو آجلاً سيزيد تكرار لون من الاثنين مما سيؤدي لتقليل التباين والذي سيعمل بدوره على جعل لون من الاثنين يتغلب على الآخر ويحدث التقارب شيئاً فشيء من رقم محدد جداً ومميز جداً، يقع بين 0.1 و 0.999 ولكن من المستحيل توقع هذا الرقم قبل وقوعه، أضف لهذا أن أي رقم سيظهر ليس له معنى بالمرة، وتكرار التجربة سيظهر رقم أخر، ولكن وبمجرد ظهور رقم محدد فأنه يدهشنا بتفرده. من تعاقب الأحدث يظهر في كل مرحلة ممكنات جديدة من المنجزات السابقة، والتي ستصبح بدورها هي ممكنات اللحظة التالية.
يقول ألبير جاكار(7)
"علينا الحذر من خطأ شائع في التأويل: وهو وأن ملاحظة تتابع حوادث معينة، يعني قبول أنها كانت ضرورية، ثم البحث عن الآلية التحتية التي جعلتها ضرورية، في الحقيقة أن الذي تم، يصف لنا الوقائع المتعاقبة، من غير أن يضئ لنا كثيراً الممكنات."

ــــ هوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العمر المقدر للكون حالياً هو 13.4± 1.6 مليار عام، إلا أن الرقم يُغري بالتقريب لـ 15 مليار، تماماً مثل سرعة الضوء البالغة 299792 كيلومتر في الثانية والتي تقرب إلى القيمة المشهورة 300 ألف كيلومتر في الثانية لسهولة الاستخدام.


(2) أنتجت شركة Microsoft مجموعة من الألعاب عرفت باسم WEP أحد هذه الألعاب كان باسم "شيطان ماكسويل" (Maxwell's Maniac) حيث يمكنك أن تقوم بدور الشيطان اللعبة لطيفة للغاية، مُفيدة ومسلية في آن، يمكنك تحميلها من هنــــــــــا، فإذا لم تكن قد استفدت من هذه المقالة بأي شيء فعلى الأقل يمكنك أن تسلي نفسك قليلاً


(3) أنظر تفاصيل هذه القصة في: راشيل كارسون (1990). الربيع الصامت، ترجمة د. أحمد مستجير، مركز النشر لجامعة القاهرة، صـ 60 وما بعدها.


(4) إنتاج نباتات مهندسة وراثياً يتضمن بالضرورة زراعة النبات في مزرعة للأنسجة وبالتالي فأن معملنا الموقر ظل يدفع "قربان" سنوي لشركتي Sigma وAldrich نظير بضع جرامات من هذه المادة المدهشة، وحالياً أتحدت الشركتان تحت اسم Sigma- Aldrich بهدف مص دماء الباحثين ومازالت تجمع ملايين الدولارات نظير بيع هذه المادة ومواد أخرى مشابهة.


(5) في التحقيق الذي جرى بعد الحادث أوضح الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فينمان أن الحسابات الخاصة باحتمال الانفجار كانت غير دقيقة ولم تأخذ في الحسبان عدة عوامل مثل أن إطلاق المكوك في يوم بارد يزيد كثيراً من احتمال وقوع أحداث عديدة تزيد احتمال الانفجار ... الخ، إلا أن دقة الرقم لا تعنيني كثيراً الآن سواء كان 1 في المئة ألف أو أكبر أو قل، فالمحصلة بالنسبة لي واحد وهو أنه احتمال صغير نسبياً.


(6) لمزيد من التفاصيل حول الاحتمالات المذكورة أنظر، مقالة Ian Stewart في العدد 33 من: Inside Science تحت عنوان "Risky business". يمكنك الإطلاع على المقالة كاملة online هنــــــــــــا مقابل 5 دولارات، أو يمكنك أن تأتي لمنزلي وتقرئها مقابل ثلاثة دولارات فقط


(7) لمزيد من التفاصيل، أنظر آلبير جاكار (1996) إبتداع الإنسان. ترجمة د. إياس حسن، دار الكنوز الأدبية، بيروت – لبنان. تحت عنوان "الانتقاء الطبيعي" صـ 25 وما بعدها.

انتهى القسم الأول


رداَ على نقاد نظرية التتطور


الجزء الثاني

الجزء الثاني

"هذا من فعل الله" ليس تفسيراً لظاهرة ما، وإنما هو اعتراف بأنه ليس لدينا تفسير لهذه الظاهرة، وأحياناً يؤدي هذا الموقف – وهذا هو الأخطر – إلى عدم بذل الجهد العلمي المطلوب لمحاولة إيجاد تفسير معقول. "
وضاح نصر

البعض يكتفي بالقول أن الأشياء معقدة، والبعض يحاول إيجاد تفسير لهذا التعقيد.

ما الفرق بين التطور والتطور؟!

قام بعض ناقدي التطور بالتفريق بين ما شوهد في التطور بشكل زمني سريع نسبياً على مستوى الكائنات الدقيقة السريعة التكاثر وتحديدا الفيروسات microevolution وبين التطور الحادث على الكائنات الأكثر تعقيداً macroevolution واعتبروا أن التطور الأول يحدث فعلاً (أوضح مثال عليه هو تطور فيروس أنفلونزا الطيور حالياً) أما الثاني فهو غير ممكن، وهو كلام غير سليم ويحمل تناقضاً غير مقبول بالمرة، لا يوجد مفهومين هنا للتطور بل فقط مفهوم واحد، ولا أعرف كيف استطاعوا أن يقبلوا شيئاً ويؤكدون على حدوثه ثم يعودون لرفض نفس الشيء والتأكيد على عدم حدوثه!! هل هو يحدث أم لا يحدث؟! السابقة micro- وكذلك macro- تحدد كمية الشيء المضافة إليه ولا تغير من نوعيته قيد أنملة!! الـ microevolution والـ macroevolution هما نفس الشيء evolution!!


أضف إلى هذا أن نشوء أنواع من أنواع أخرى أو الـ macroevolution ليس مجرد فرض نظري ينتظر الإثبات بل هو حقيقة واقعية تم إثباتها تجريبياً من خلال مئات الأبحاث على عشرات الكائنات في المئة عام الأخيرة(*)، وتم الحصول على أنواع جديدة من أنواع أخرى. فنفس الميكانيكيات التي تراكم التباينات بين العشائر لتؤدي إلى نشوء السلالات تؤدي في نهاية المطاف لانفصال هذه السلالات تزاوجياً، أو بكلمات أخرى لنشوء أنواع متمايزة. فلا يوجد أي فرق "نوعي" بين تصنيف عشيرتين كنوعين مختلفين أو كسلالتين، الفرق الوحيد هو الفرق في "كمية" التباين فقط لا غير. بعض نقاد نظرية التطور يدعون شيئاً عجيباً جداً، يقولون إذا وجدنا تباين بين عشيرتين مقداره 1.2% فهذا هو التطور، وهو ناتج عن انفصال العشيرة المؤسسة وتراكم التباينات بين العشيرتين الراجع لانعزالهما ... الخ، أما إذا وجدنا تباين مقداره 1.7% فيجب أن نصمت!!

لدينا كوب فارغ وفوق هذا الكوب هناك مصدر للمياه يسقط قطرات متتابعة قطرة تلو الأخرى، بعد ساعة امتلاء الكوب بنسبه 5% من حجمه وبعد ساعة أخرى امتلاء الكوب بنسبة 10% من حجمه وبعد ساعة ثالثة امتلاء الكوب بنسبة 15% ترى ما الذي سيحدث بعد 24 ساعة؟!
ناقدو التطور يوافقون على أن الكوب سيمتلئ حتى يصل إلى نسبة 15% ولكنهم يرون أنه لن يحدث شيء بعد هذا، ولن تزيد كمية المياة في الكوب عن 15% أبداً؟!!



علمياً وعملياً لا يمكن التفريق بين التعريفين لأن كلاهما (تطور).




من المغالطات التي يستخدمها ناقدي نظرية التطور أيضا هي التشكيك في الطرق المستخدمة لدراسة الأحافير وقياس عمرها وهذا الكلام خاطئ بالمرة لأن آلاف الباحثين في الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والجيوكيميا والتأريخ الإشعاعي ترتبط أبحاثهم ودراساتهم بطرق القياس والتحليل تلك. فإن اعتقد أحدهم أن أدواتهم يمكن التشكيك بها فهذا يعني أن كل نتائج علومهم وأبحاثهم مشكوك بها لا أبحاث وعلوم التطور فحسب
لنلقي نظرة على المعلومات العلمية المتوفرة قبل وبعد اكتشاف طريقة التأريخ الإشعاعي وسنركز – بطبيعة الحال – في جولتنا السريعة هذه على بعض الطرق المختلفة للتأريخ الإشعاعي، بمزيد من التفاصيل. فيالجزء القادم من هذا المقال.



الابستومولوجيا العلمية Epistemology


علم الجيولوجيا سابق على التأريخ الإشعاعي بكثير فقد بدأ منذ القرن الثامن عشر وهو موجود بفاعلية ويقدم العديد من المعلومات المفيدة، حتى بدون تأريخ إشعاعي. فنحن نعرف الطبقات المختلفة للأرض وأيها نشأ قبل الآخر، فالعصر الترياسي (Triassic) كان سابق للعصر الجوراسي (Jurassic) والعصر الكريتاسي (Cretaceous) كان تالي لهما، وهذه العصور الثلاثة تندرج تحت حقبة الميزوزوك (Mesozoic era) أو الحقبة المتوسطة والتي كانت سابقة للحقبة الحديثة أو سينوزويك (Cenozoic era) وتالية للحقبة القديمة أو الباليوزويك (Paleozoic era)، وكل العصور والحقب السابقة كانت تندرج تحت عهد الحياة المرئية أو الفينيروزويك ( Phanerozoic)..... إلى آخر كل هذه التقسيمات. ليس هذا فحسب بل نحن نعرف كذلك الكائنات التي كانت تعيش في كل عصر، ونعرف العلاقة العكسية بين الزمن وتعقيد الكائنات، فكلما درسنا طبقات أقدم وجدنا كائنات أقل تعقيداً، وكلما درسنا طبقات أحدث وجدنا كائنات أكثر تعقيداً. كذلك كنا نعرف، قبل ظهور تقنية تقدير الأعمار باستخدام التحلل الإشعاعي، العصور المختلفة لظهور الكائنات المختلفة، فالطبقات القديمة لم تكن تحتوي على ثدييات (Mammals) على الإطلاق، وكان أقصى تعقيد موجود ممثل في الفقاريات (Vertebrates)، وفي طبقات أقدم لم يكن هناك فقاريات ولكن فقط لافقاريات (Invertebrate)... الخ. أكثر من هذا كان من المعروف الأعمار التقريبية لكل حقبة وطول كل عصر مقارناً بالعصور الأخرى نظراً لوجود ظواهر جيولوجية مختلفة في كل طبقة تتطلب حد أدنى من الزمن لتكونها، ولكن كم كانت هذه الفترات بالضبط؟! حتى نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر لم يكن أحد يعرف على وجه التحديد. وظلت العديد من المعلومات بخصوص الأعمار غامضة ومحل جدل(1)، حتى ظهرت فكرة استخدام التحلل الإشعاعي (Radioactive decay) في التأريخ.

أرجو ملاحظة أن المعلومات المستمدة من علم الجيولوجيا قبل التأريخ الإشعاعي – رغم بساطتها مقارناً بالتأريخ الإشعاعي – كانت على درجة من الدقة الكافية لكي تعتمد عليها شركات البترول في تحديد الأماكن الواجب التنقيب بها. فكما تعلمون، وجود البترول محدد بأنواع معينة من الطبقات ذات حد أدنى من الأعمار. وكان ما يعرف بالحفرية الدليل يستخدم في هذا الصدد أيضاً، على أن كل هذه التفاصيل ستأخذنا بعيد عن موضوعنا، لهذا سأكتفي بهذه المقدمة الصغيرة وأتجنب الدخول في مزيد من التفاصيل لننتقل إلى علم الفيزياء والتأريخ الإشعاعي.

العناصر المشعة لها ذرات غير ثابتة تتحلل مع مرور الوقت لتعطي عناصر أخرى. بعض هذه العناصر تتحلل عن طريق انبعاث جزيئات عالية الطاقة تتكون من 2 بروتون و2 نيترون فيما يعرف باسم التحلل آلفا (alpha decay). العناصر المشعة الأخرى تتحل عندما يتحطم نيوترون بداخل النواة إلى بروتون وإلكترون، يظل البروتون بداخل النواة في حين يطرد الإلكترون إلى الخارج بقوة عالية جداً فيما يعرف بتحلل بيتا (beta decay). وفي كلا من الطريقتين يتحول جزء من العنصر المشع إلى عنصر (أو أكثر) جديد يعرف بالعنصر الابن. وقد يكون العنصر الناتج هو الآخر مشع فيبدأ في التحلل لإنتاج جيل ثالث من المواد لتتكون سلسلة من العناصر المتحللة إشعاعيا، أو قد يكون عنصر ثابت ولا يحدث له مزيد من التحلل. وكل عنصر له معدل ثابت يتحلل به يعرف باسم "عمر النصف (half-life)، وهي الفترة الزمنية اللازمة لتحول نصف عدد الذرات أو – في قول آخر – نصف الكمية الموجودة من العنصر الأصلي إلى العنصر الابن. بالاعتماد على عمر النصف يمكننا استخدام العناصر المشعة كساعات لقياس الفترات الزمنية المختلفة، دعونا نلقي نظرة أقرب على بعض هذه الساعات الإشعاعية لنعرف كيف يتم ذلك.





اليورانيوم (235uranium( يتحلل بطريقة ألفا إلى رصاص (207 lead) وله فترة "عمر نصف" مقدارها 704 مليون عام. أي بعد مرور 704 مليون عام على أي كمية من اليورانيوم سيتحول نصفها إلى رصاص لتصبح النسبة بينهما 1:1 وبعد مرور 704 مليون عام أخرى سيتحول نصف النصف المتبقي من اليورانيوم إلى رصاص أيضاً لتصبح النسبة 1: 3 وهكذا كلما مر الزمن زادت كمية الرصاص وقلت كمية اليورانيوم. وبالتالي يمكننا أن نقدر كمية الرصاص وكمية اليورانيوم الموجودة في أي صخرة ونحسب النسبة بينهما مما يمكنا من معرفة عمر الصخرة. عظيم، ولكن .... هناك مشكلة ستواجهنا، هل هذه الصخرة عندما تكونت كانت خالية تماماً من الرصاص؟!
في الواقع – وبدون دخول في تفاصيل كثيرة – هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن الإجابة على هذا السؤال هي لا في أغلب الأحوال، الصخرة عندما تكونت كانت تحتوي على نسبة من الرصاص، أي أن ساعة اليورانيوم–رصاص لا تبدأ العمل من الصفر، وأي حسابات سنقوم بها ستظهر عمر للصخرة أكبر من عمرها الحقيقي بطريقة تتناسب طردياً مع كمية الرصاص الموجودة مسبقاً في الصخرة. كيف نحل هذه المشكلة؟!
هناك بارقة أمل، الرصاص الناتج عن التحلل الإشعاعي ليس هو الرصاص التقليدي بل هو أحد نظائر (isotope) الرصاص وبالتحديد هو ما يعرف بالرصاص 207 في حين أن الرصاص الموجود في الصخور بصورة مبدئية هو الرصاص 204. عظيم، الآن يمكننا أن نقدر كمية الرصاص 207 فقط ونحسب نسبته إلى اليورانيوم، أو نحسب الكمية الإجمالية للرصاص ونطرح منها كمية النظير 204 وبالتالي نعرف النسبة بين الرصاص الناتج من التحلل الإشعاعي واليورانيوم، وهكذا نعرف العمر بمنتهى الدقة، هذا حل بسيط وواضح وهو كافي تماماً لحل المشكلة ولكن ..... من الوجهة النظرية فقط أما من الوجهة التطبيقية فستواجهنا مشكلة جديدة، لا توجد طريقة كيميائية تقليدية معروفة لاستخلاص نظير للرصاص دون الآخر، والطرق المستخدمة لاستخلاص الرصاص لا تفرق بين نظير والثاني بل تستخلص الرصاص الموجود في العينة كله. ها قد عدنا إلى نقطة البداية، يمكن انتظار الكيميائيون والجيوكميائيون حتى يقوموا بتطوير تقنية تسمح بفصل النظائر المختلفة عن بعضها، ولكن حتى هذا الحين هل سيتوقف البحث العلمي؟ بالتأكيد لا فكما قال زميل لي مرة : "لا توجد مشاكل، توجد حلول بانتظار البحث والتطبيق". فهل يوجد حل لهذه الإشكالية ينتظر البحث والتطبيق؟!
بالتأكيد كان هناك حل وتم تطبيقه بالفعل، فجهود آلاف العلماء في أنحاء العالم لن تقف عاجزة أمام مشكلة مثل هذه. الحل هذه المرة ليس بسيط ولا واضح بل طويل ومرهق ومزعج ولكنه يجعل البشرية تتقدم خطوة في طريق المعرفة. الفكرة كانت كالتالي: ماذا لو أننا درسنا الصخور التي لا تحتوي على يورانيوم وقدرنا نسبة الرصاص الموجودة بها؟ هذا سيمكننا من معرفة نسبة الرصاص الموجودة مسبقاً في الصخور المختلفة. الأمر يتطلب تقدير نسب الرصاص في الطبقات الجيولوجية المختلفة وعلى أنواع مختلفة من الصخور بشرط أن لا تحتوي على يورانيوم. وبدون دخول في مزيد من التفاصيل، تم هذا العمل الجبار وبعد دراسات كثيرة كانت خلاصة النتائج أن من كل 1000 جزء رصاص موجودة في الصخور التي تحتوي على يورانيوم هناك 15 جزء(3) من الرصاص 204 الموجودة عند تكوين الصخرة و985 جزء ناتجة عن التحلل الإشعاعي. وعلى هذا فعند تقدير عمر الصخرة يجب حذف حوالي 1.5% (حسب نوع العينة المراد تأريخها) من إجمالي كمية الرصاص الموجودة والتي تمثل الرصاص الموجود مسبقاً في الصخرة قبل التحلل الإشعاعي.
وبالطبع نسب الخطأ المحتملة سلباً وإيجاباً ومعاملات التصحيح ... الخ كل هذا يؤخذ في الاعتبار، ولكن في المقابل فساعة اليورانيوم–رصاص لا تعطي رقماً محدداً للعمر بل تعطي مدى (range) يتراوح من كذا إلى كذا. على سبيل المثال عندما تم تقدير عمر أقدم صخرة معروفة على كوكب الأرض في ذلك الحين (سنعود لتقدير عمر نفس هذه الصخرة لاحقاً باستخدام الساعات الإشعاعية الأخرى) بهذه الطريقة كانت النتيجة التي ظهرت هي أن عمر الصخرة هو 3.6 مليار عام زائد أو ناقص 0.5 مليار عام، أي أن الصخرة عمرها على الأقل 3.1 مليار عام وقد تصل إلى 4.1 مليار عام. هذه المعلومة كانت قفزة نوعية هامة مقارنة بالمعلومات المتوفرة منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى اكتشاف هذه الطريقة. هكذا أصبح من المؤكد أن عمر الأرض – بدون أدنى شك – يزيد عن الحد الأدنى المقدر للصخرة، أي أكبر من 3.1 مليار عام(4).





هذه الساعة تعتبر "سيتزن" في عالم التأريخ الإشعاعي (ولهذا فهي كثيراً ما تزاحم ساعات الراديوم وتنحيها جانباً). البوتاسيوم (potassium) يتحلل بالطريقة بيتا ليعطي غاز الآرجون (argon)، وله عمر نصفي يساوي 1.2 مليار سنة. الميزات في هذه الساعة متعددة، فأولاً ليس لدينا مشكلة تحديد كمية العنصر الابن الموجودة مسبقاً في الصخر، لأنها ببساطة لا توجد. فالعنصر الابن في هذه الحالة هو غاز، والصخور التي تدرس بهذه الساعة هي أنواع مختلفة من الصخور البركانية، أي أنها في بداية تكونها تكون ساخنة إلى درجة أن تكون سائله وبالتالي يتم تعقيمها تماماً من أي آثار للأرجون قبل أن تبرد وتتصلب، وطبعاً الكائنات الحية التي تدفن تحت هذه الحمم تكون خالية من الأرجون كذلك. الميزة الثانية تأتي من البوتاسيوم، فالأملاح تحتوي على البوتاسيوم في صورة كريستالات داخلية ذات تركيب بلوري له شكل محدد وعدد محدد من الذرات في كل بلورة. بهذه الطريقة، يمكن التأكد تماماً من أن كل ذرة أرجون محتبسة في الشبكة البلورية هي ناتجة عن تحلل ذرة بوتاسيوم، كما يمكن التأكد بدقة من كمية البوتاسيوم الأصلية في العينة، نظراً لأن كل بلورة تحتوي على عدد محدد من الذرات ذات توزيع هندسي مميز وأي اختلال في العدد سوف يسبب تشوه يمكن اكتشافه. عندما تم تقدير عمر الصخور السابق ذكرها باستخدام ساعة البوتاسيوم–ارجون، أظهرت القياسات أن عمرها هو 3.8 مليار سنة بنسبة خطأ 2%. أي أن الصخرة عمرها على الأقل 3.724 مليار عام وقد تصل إلى 3.876 مليار عام. لاحظ أن تقديرات ساعة اليورانيوم-رصاص السابقة كانت فقط أقل تحديداً لكنها ليست خاطئة.





الآن يمكن أن نقول أننا وصلنا إلى الساعات الديجيتل. هذه ساعة متعددة الوظائف، يمكن أن تقول أيضاً أنها ساعة وراديو في آن ويمكن ضبطها على مونت كارلو.

نظير الروبديوم (87rubidium) يتحلل بطريقة بيتا إلى نظير الاسترنشيوم ( 87 strontium) بعمر نصف مقداره 4.8 مليار سنة. الميزة هنا في وجود ثلاث نظائر غــير مشعة للاسترنشيوم 87 تتواجد معه، هي الاسترنشيوم 84، 86، 88.وفي أي ملح موجود في العينة المراد تأريخها وبغض النظر عن كمية الاسترنشيوم الموجودة سابقاً به، ستزيد نسبة الاسترنشيوم 87 إلى الروبديوم 87 مع الوقت (نتيجة تحلل الروبديوم إلى استرنشيوم) وكذلك ستزيد نسبة الاسترنشيوم 87 إلى النظائر الغير المشعة (نتيجة زيادة كمية الروبديوم وعدم زيادة النظائر الغير مشعة). أي ملح آخر موجود في نفس العينة قد يحتوي على نسب أخرى من الاسترنشيوم الموجود مسبقاً قبل التحلل، النسبة بين الاسترنشيوم إلى الروبديوم ستختلف (نظراً لاحتوائه على كمية مختلفة من الروبديوم) لكن النسبة بين نظائر الاسترنشيوم وبعضها البعض ستكون هي نفسها. وبالتالي فإن كل ملح من الأملاح المعدنية الموجودة في العينة سيُظهر بمرور الوقت تغير في النسبة بين الاسترنشيوم 87 إلى الاسترنشيوم 84 أو 86 أو 88 ولكن هذا التغير نفسه سيتناسب مع تغير نسبة الروبديوم إلى الاسترنشيوم. عندما يتم توقيع هذه النسب المختلفة بالنسبة لبعضها البعض في منحنى بياني، سيتكون خط مستقيم،( انحدار slope) هذا الخط سيختلف حسب النسبة بين الروبديوم والاسترنشيوم أو بمعنى آخر حسب عمر الصخرة
هذه الخطوط وانحداراتها المختلفة الممثلة للعلاقة بين نسب النظائر المختلفة تعرف باسم الايزوكرون (isochrones) وهي تمثل طريقة ممتازة لتقدير العمر. في هذه الطريقة لا توجد أي إشكالية في معرفة كمية العنصر الابن الموجودة مسبقاً في العينة لأن أي كمية من الاسترنشيوم أو الروبديوم سيتم حذفها أو إضافتها إلى العينة الأصلية ستظهر كنقطة خارج خط الايزوكرون (أعلاه أو أسفله) والتي ستدل على أن العينة ملوثة. وفي أي عينة تكون النسب الموجودة بها تمثل خط ايزوكرون مستقيم بدون أي نقاط منحرفة عنه سيدل هذا بوضوح على أن العينة غير ملوثة ولم تتعرض لأدنى تغير في مكوناتها سواء بالإضافة أو الحذف، وحساب عمر النصف سيكون سليم تماما. ولهذا فساعة الروبديوم – استرنشيوم لا تستخدم فقط في قياس العمر، بل تستخدم أيضاً في دراسة العينات المختلفة ومعرفة حدوث أو عدم حدوث تلوث للعينة، ويمكن في بعض أنواع العينات ليس فقط معرفة حدوث تلوث للعينة بل ومعرفة متى حدث هذا التلوث بالتحديد. عندما تم حساب عمر الصخور التي تحدثنا عنها سابقاً بهذه الساعة وجد أن عمرها هو 3.7 مليون سنة. (لا يوجد هنا زائد ولا ناقص).





ما الزركون(5)؟ وما أدراك ما الزركون! ثم ما أدراك ما الزركون؟!
بلورات الزركون تتكون من اتحاد الزركونيوم والسليكون والأكسجين بنسب محددة 4:1:1 (ZrSiO4) . وعند تكون البلورة يمكنها اقتناص كميات محدودة من اليورانيوم ولكنها – على صعيد آخر – لا تسمح إطلاقاً بدخول ذرات الرصاص، نظراً لعدم توافقها مع الشبكة البلورية للزركون. وبالتالي فإن بلورة الزركون المحتوية على اليورانيوم تعد كبسولة زمنية رائعة، تبدأ العمل من الساعة صفر (نظراً لعدم احتوائها على الرصاص في بداية تكونها)، وتزيد نسبة الرصاص إلى اليورانيوم بداخل هذه المصيدة المحكمة الإغلاق مع مرور الزمن نتيجة التحلل الإشعاعي بطريقة ألفا. في بداية الثمانينات في القرن الماضي تم تطوير المسبار الميكروي الأيوني (ion microprobe) وإنتاج ما يعرف بالمسبار الميكروي الأيوني الحساس ذي الدقة عالية (Sensitive High Resolution Ion Microprobe) ويعرف اختصاراً باسم شريمب SHRIMP ، عن طريقه يمكن إطلاق حزمة من الأيونات المركزة بالغة الدقة على أي جزء من أجزاء البلورة ثم يتولى بعد ذلك "مقياس الطيف الكتلوي (mass spectrometer) قياس تركيب هذه الذرات بمقارنة كتلها. وبهذه الطريقة يمكن تحديد العمر بدقة بالغة بهامش خطأ يبلغ فقط 1%. في الواقع هذه الدقة المدهشة في تحديد العمر ليست هي أهم مميزات الزركونيم، فهذه البلورة التي بالكاد ترى بالعين المجردة هي مخزن معلومات مدهش، ترى ما الذي يمكن أن نعرفه من هذه البلورة بالإضافة للعمر؟

الأرض تحتوي على الأكسجين 18، وهو نظير نادر للأكسجين (يشكل 0.2 % من إجمالي أكسجين الأرض)، بالإضافة إلى النظير المعتاد للأكسجين (الأكسجين 16) الذي يمثل 99.8% من مجمل الأكسجين. هذه الذرات تسمى بالنظائر المستقرة نظراً لأنها لا تظهر أي نوع من أنواع التحلل الإشعاعي سواء ألفا أو بيتا، وبتالي فنسبة النظائر إلى بعضها تظل ثابتة بمرور الزمن، ولكن .... نسبة النظائر في بلورة الزركونيم تختلف حسب نوع وحالة الوسط الذي تكونت فيه وبالأخص درجة حرارته. وبدون الدخول في تفاصيل تقنية (ويمكن لمن أرد الاستزادة العودة للمرجع المذكور في نهاية المقالة) يمكن عن طريق تقدير نسب نظائر الأكسجين في بلورة الزركونيم معرفة الوسط الذي تكونت فيه هل تكونت في الماء أم في القشرة الأرضية أم في باطن الأرض، بالإضافة لمعرفة درجة حرارة الوسط الذي تكونت فيه. ليس هذا كل شيء، فدراسة السطح الخارجي للبلورة بالمسبار الأيوني "شريمب" توفر معلومات حول الظروف التي تعرضت لها البلورة بــعد تكونها، وما إذا كانت البلورة بعد تكونها استقرت في الماء أم كانت في الصحراء تذروها الرياح ... الخ.


إجمالاً بعد التفصيل

أرجو ملاحظة أني لم أذكر إلا ثلاث ساعات إشعاعية فقط (اليورانيوم–رصاص، البوتاسيوم–أرجون، الروبديوم–استرنشيوم) في حين أن الساعات الإشعاعية كثيرة جداً ومتعددة للغاية، والعديد من العناصر تتحلل في سلسلة خطوات وليس خطوة واحدة مما يجعل العنصر الواحد يوفر أكثر من ساعة إشعاعية، كما يمكن التأكد المزدوج من النتائج بدارسة أكثر من عنصر في السلسلة الواحدة. ولكل ساعة إشعاعية ميزاتها ولها عمر نصف مختلف مما يجعل هناك مدى واسع من الساعات الإشعاعية يمكن المفاضلة بينهم واختيار الساعات الأكثر ملائمة للعينة المراد اختبارها. فعلى سبيل المثال الروبديوم بفترة عمر النصف المهولة له والبالغة 4.8 مليار عام يعتبر مثالي لتأريخ الطبقات والعينات بالغة القدم وعلى العكس الكربون 14 بفترة عمر النصف الصغيرة له (نسبياً) والبالغة 5730 عام فقط يعتبر نموذجي في قياس الأعمار الصغيرة (حوالي 50 ألف عام، ومنذ فترة ليست بعيدة تم تطوير طريقة الكربون المشع لتغطي 100 ألف عام). وفي المعتاد لا يتم قياس العينة المختبرة مرة واحدة بل أكثر من مرة في أكثر من معمل مختلف وباستخدام أكثر من ساعة مشعة ومقارنة النتائج ببعضها البعض للتأكد المزدوج من النتائج. هذا بالإضافة لاستخدام خطوط الايزوكرون (وطرق أخرى لم أذكرها) للتأكد من عدم تلوث العينات. وطبعاً غني عن الذكر أن هناك شروط لاستخدام الساعات المختلفة مع أنواع العينات المختلفة.

أرجو أيضاً ملاحظة أن الطرق السابقة تنطبق على الصخور والحفريات المتخلفة عن الكائنات الحية سواء بسواء، إلا أن حفريات الكائنات الحية لها ميزات إضافية عن الصخور(6) توفر المزيد من طرق التأريخ. فعلى سبيل المثال لا الحصر (ولن أذكر تفاصيل بل سأكتفي بإشارات عابرة) الكربون (carbon) له وضع خاص في الكائنات الحية نظراً لوجود دورة للكربون في الكائنات الحية ترتبط بإنتاج الطاقة وبالتالي فتواجد الكربون وتوزيعه في الحفرية له خصوصية تمكن من ملاحظة أي تغير استثنائي غير راجع للنشاط الإشعاعي. والأمر كذلك بالنسبة للفلور (fluorine) والفوسفات (phosphorus) وترسبات الكالسيوم (calcium) في العظام .... الخ. مع ملاحظة أن العديد من العناصر توجد في الكائنات بصورة عضوية (الفوسفات العضوي على سبيل المثال) مقارناً بالصورة المعدنية التي توجد بها في الوسط المحيط، مما يجعل حالات التلوث بين العينة والوسط المحيط تحت السيطرة. لن أطيل أكثر من هذا في الحديث عن تقنيات التأريخ الإشعاعي المختلفة، إلا أني – نظراً لأن الشيء بالشيء يذكر – أود أن أشير إلى أحد النتائج المتحصل عليها من تجربة الفلور(7).



تجربة الفلور
عام 1909 عثر أحد الهواة في علم الآثار (شارلز دادسون) قرب مدينة بيلدتاون على بقايا جمجمة، فجاء بها إلى علماء المتحف البريطاني. وبعد إعادة تركيب أجزائها تبين أنها جمجمة إنسان من النوع الحديث (هومو سابينز Homo sapiens). وفي عام 1912 تم العثور على فك سفلي في نفس المكان. ويحمل عدة خصائص تجعله يبدو كفك قرد. واعتقد السير "آرثر سميث وودورد" من المتحف البريطاني أن الجمجمة والفك السفلي يعودان لإنسان ما قبل التاريخ نظراً للتوافق التام بينهما. ووجد من أيد رأي السير آرثر، ووجد أيضاً من عارض هذه النتائج، وطال الجدل والخلاف حول هذه العظام ولم يحسم هذا الخلاف إلا تجربة الفلور التي قام بتطبيقها على عظام الفك والجمجمة أحد الباحثين (كينيت أوكلي) ليثبت بالدليل القاطع أن الأمر بأكمله عملية تزييف، فالفك والجمجمة لا يعودان لنفس الحقبة وأسنان الفك السفلي تم تشذيبها بمبرد لتناسب الوجه.
من الذي قام بهذا التزوير؟ حتى اليوم لا نعرف من فعل هذا، إلا أننا نعرف تماماً أن الذي كشف هذا التزييف هم علماء التطور وأدواتهم البحثية! ومع هذا فمازلنا نسمع من يتحدث عن تزوير إنسان بيلدتاون وكأن علماء التطور هم من قام بتزويره وليس باكتشاف هذا التزوير!! ومازلنا نسمع أيضاً من يشكك في الأدوات المعرفية العلمية التي تستخدم في التطور وكأن اكتشاف هذا التزوير تم باستخدام أدوات أخرى!!!

بقي أن أشير إلى أهم نقطة هنا، وهي أن كل ما ذكرته سابقاً ما هو إلا قشور القشور، فالتأريخ الإشعاعي له فرسانه (ولست منهم للأسف) وكل ما ذكرته هنا ما هو إلا معلومات عامة. في حين أن الأدوات المعرفية في هذا الحقل العلمي تعد بالعشرات والأبحاث المنشورة به تعد بالآلاف، ويستمد مصداقيته من العديد من العلوم (الفيزياء والجيوكمياء، والجيولوجيا والكزمولوجيا ... الخ)، والنقد الموجه له عبارة عن هراء لا مكان علمي له على الإطلاق !!!

أما من يحدثنا عن "استحالة" التأكد من إضافة أو حذف جزء من المادة المتحللة أو المادة الابنة الناتجة من التحلل نقول له أننا رأينا – من خلال الأمثلة القليلة جداً التي عرضناها – أن هذا الكلام عارٍ تماماً من الصحة، فحتى ساعة اليورانيوم–رصاص ذات الهامش المرتفع نسبياً من الخطأ يمكن تصحيح نتائجها لدرجة مدهشة بالاعتماد على بلورات الزركون، أما ساعة البوتاسيوم–أرجون فهي تعتمد على الطبيعة الخاصة للشبكة البلورية لمركبات البوتاسيوم التي تسمح بالتأكد من أن كل ذرة أرجون مرصودة هي ناتجة عن تحلل ذرة بوتاسيوم، وأي حذف أو إضافة سيسبب تشوه للنظام الهندسي للشبكة ويمكن اكتشافه. هذا بالإضافة إلى أن هناك بعض الطرق مثل استخدام خطوط الايزوكرون لا يؤثر عليها لا الحذف ولا الإضافة نظراً لأن أي حذف أو إضافة سيتسبب في ظهور نقطة أعلى أو أسفل خط الايزوكرون دون أن يؤثر على دقة الحساب في شيء. وبالطبع يمكن استخدام خطوط الايزوكرون ليس فقط في حساب العمر بل في التأكد من نقاوة العينة وعدم تلوثها أو تغير كميات المواد المتحللة والناتجة عن التحلل. العلم لا يوفر طرق لتحديد العمر فقط بل والظروف الجوية السائدة أثناء تكون العينة والمكان الذي تكونت فيه والظروف التي تعرضت لها بعد تكونها ... الخ. أي باختصار المزاعم التي لدينا ما هي إلا نقد مبني على عدم المعرفة الذاتي!!

من الأهمية بمكان هنا التأكيد على الهدف من التأريخ، في الواقع ليس الهدف من التأريخ الإشعاعي معرفة موعد عيد ميلاد الكائن ولا معرفة ما إذا كان الكائن من مواليد برج العذراء أم من مواليد برج الجوزاء!! بل معرفة في أي حقبة عاش وأي الكائنات كانت سابقة وأيها كانت اللاحقة، والطرق المتوفرة حالياً توفر بيانات أكثر مما نحتاجه للتأريخ فيكفي أن أعرف أن حفرية ما عمرها 60 مليون عام زائد أو ناقص 1% وحفرية أخرى عمرها 3.2 مليار عام زائد أو ناقص 2% حتى يمكنني استنتاج العلاقة بينهما والمسافة التطورية .... الخ.



معدل التحلل الإشعاعي
تبقى نقطة تجنبت التعليق عليها حتى الآن باعتبارها هي الأسوأ على الإطلاق، آلا وهي الإدعاء القائل باستحالة التيقن من ثبات سرعة التحلل مهما اختلفت الظروف.

هذا نموذج لما يمكن أن نصل إليه عندما نعتبر العلم عدواً لنا!! ونبدأ في إلقاء التهم يمنياً ويساراً دون معرفة ما الذي نتحدث عنه وما هي تداعياته!!
التجارب المعملية الهادفة لتغيير سرعة التحلل الإشعاعي لم تنجح في زحزحته قيد أنملة سواء بالإيجاب أو السلب – وهو أمر كان متوقع – فالتحلل الإشعاعي لا يتأثر بارتفاع درجة الحرارة ولا بانخفاضها ولا بتغير درجة الحموضة ولا بالرطوبة ولا بالجاذبية ولا بالمغناطيسية ولا ... ولا ....... باختصار شديد وبكلمات قليلة، نحن لا نعرف أي قوى طبيعية قادرة على تغيير الثوابت الكونية التي يعتمد عليها معدل التحلل الإشعاعي!! ومع ذلك نجد من يتحدث عن استحالة التأكد من عدم تغيره!!! في حين أن لدينا أسباب قوية جداً تؤكد لنا استحالة وجود أي فرق معنوي بين معدل التحلل الإشعاعي الآن وفي أي وقت سابق أو أي وقت لاحق، نظراً لاعتماده على الثوابت الكونية!! فالتحلل الإشعاعي لعنصر يتحدد بالقوى النووية الضعيفة والقوية( المنظمة بقوانين الميكانيك الكمي (واحدة من أكثر النظم اختباراً وموثوقيبة في الفيزياء) إذا كان التحلل الإشعاعي يختلف بمرور الوقت فيجب أن نجد اختلافات جوهرية في فيزياء الكم بل وفي تركيب المادة أيضاً!! فالقوى النووية الضعيفة والقوية المتحكمة في معدل التحلل بالرغم من قوتها إلا أنها لا تعمل إلا في مسافات قصيرة جداً (أقل من نصف قطر نواة الذرة) ولا تتأثر بأي قوى فيزيائية كما ذكرت! بل أن أحد المشكلات الجوهرية في العصر الحالي هي ثبات معدل التحلل الإشعاعي! فلتجنب رفع درجة حرارة الكرة الأرضية نتيجة استخدام مصادر الوقود التقليدي – بالإضافة لمحدودية الوقود التقليدي – يتم اللجوء بطريقة متزايدة لمصادر الطاقة النووية(9) وتأتي المشكلة في التعامل مع النفايات الإشعاعية الناتجة والتي تشكل مصدر خطورة على حياة البشر، ولا يمكن بحال إسراع معدل تحللها وتقليل الفترة التي تكون فيها نشطة وتمثل خطر. والاختيار الوحيد حالياً هو دفنها في أماكن مناسبة مصممة لتصمد آلاف السنين (هناك مدفن في جبل يوكا في نيفادا مُعد لهذا الغرض إلا أنه لن يستوعب الكميات المتزايدة من النفايات النووية) ، والاختيارات البديلة(10) تتضمن أمور من قبيل إعادة تدوير المخلفات (وإن كان هناك عديد من المشكلات تواجه هذه النقطة) ولكن لا يوجد أي خيار بتسريع معدل التحلل الإشعاعي فهذا من قبيل الحرث في البحر!!
يجب ألا يغيب عن ذهننا أن التحلل الإشعاعي لا يحدث بطريقة واحدة بل بأكثر من طريقة (ألفا وبيتا(11) ). كل منهما تعتمد على ثابت مختلف، ووجود خطأ في فكرة التحلل الإشعاعي يفترض أن يظهر تضارب بين النتائج المتحصل عليها من كل نوع من هذه الأنواع. ولكن هذا لا يحدث، بالعكس النتائج المتحصل عليها من العناصر التي تتحل بالطريقة الأولى تؤكد النتائج المتحصل عليها من العناصر التي تتحل بالطريقة الثانية والعكس بالعكس.

أيضا المعلومات المستمدة من علم الفلك تؤكد المعلومات الفيزيائية الخاصة بالتحلل الإشعاعي، فكما تعرفون الضوء بحاجة إلى "زمن" حتى يقطع أي مسافة، وبالتحديد هو بحاجة إلى فترة زمنية مقدارها "ثانية" واحدة حتى يستطيع أن يقطع مسافة مقدارها 299792 كيلومتر، وبالتالي فالضوء الصادر من النجوم والمجرات يصلنا متأخراً عن صدوره بطريقة تتناسب طردياً مع المسافة التي تفصله عنا. فعلى سبيل المثال الشمس – وهي أقرب نجم للأرض – التي تبعد عنا فقط ما يقرب من 149.6 مليون كيلومتر يصلنا الضوء منها متأخراً 8 دقائق من صدوره، وفي أي وقت تنظر إلى الشمس لن ترها كما هي الآن، بل كما كانت منذ 8 دقائق. وبهذه الطريقة يمكننا رؤية "الماضي" عياناً بالنظر إلى النجوم البعيدة عنا، وكلما وجهنا التلسكوبات والمراصد أبعد وأبعد توغلنا في الماضي أكثر وأكثر. وبما أن الطيف الذي تصدره النجوم يختلف حسب تركيبها الكيميائي فيمكن بتحليل هذا الطيف معرفة تركيب النجوم المختلفة وبالتالي دارسة التحلل الإشعاعي في الماضي. ليس هذا فحسب بل يمكن تحديد العمق في الزمن الذي نريده، فعن طريق دراسة نجوم تبعد عشرة مليون سنة ضوئية يمكن معرفة معدل التحلل الإشعاعي منذ عشرة مليون سنة، وعن طريق دارسة نجوم تبعد عنا 100 مليون سنة ضوئية يمكن معرفة معدل التحلل الإشعاعي منذ 100 مليون عام ... وهكذا. والنتائج المتحصل عليها من علم الفلك تؤيد النتائج الفيزيائية تماماً وتؤكد ثبات معدل التحلل الإشعاعي.


خاتمة قسم التأريخ الإشعاعي
التشكيك في التأريخ الإشعاعي مصدره – مثل العديد من المغالطات العلمية الأخرى –الكنيسة وأبواقها، ففي القرن السادس عشر قام مارتن لوثر وزملاؤه بتتبع سلسلة الأنساب في العهد القديم بطول الطريق من "المسيح" حتى "آدم" وخرجوا من ذلك بتاريخ "لخلق العالم" (وهو مصطلح يرادف نشأة الكون في عصرنا الحالي) في سنة 4000 ق.م. ثم جاء الأسقف "جيمس آشر" عام 1620 ونشر كتابة "التقويم المقدس" وأزاح هذا القياس أربع سنوات للخلف إلى 4004، نظراً لأن جون كبلر عالم الفلك الألماني (ولد عام 1571) كان قد أقترح أن إظلام السماء أثناء صلب المسيح لابد وأنه نتج عن كسوف للشمس وأمكن لعلماء الفلك في زمن كبلر أن يحسبوا أن كسوفا مناسبا قد حدث في وقت يسبق بأربعة أعوام التاريخ المرادف لذلك الذي استخدمه لوثر. ووصل الأمر إلى قمة السخافة عندما أعلن "جون لايتفوت" نائب رئيس جامعة كمبردج أنه من دراسته للكتاب المقدس قد حدد اللحظة النهائية "للتكوين" وهي اللحظة المضبوطة التي خُلق عندها آدم بأنها التاسعة صباحاً بتوقيت ما بين النهرين يوم الأحد 26 أكتوبر عام 4004 ق.م. وظل هذا التاريخ يطبع في الآناجيل المرخصة رسمياً حتى القرن التاسع عشر ويزرع في الوعي الشعبي في المجتمع الأوربي (وهو المجتمع العلمي آنذاك)، وظلت الكنيسة تدافع عن فرضية الأرض الشابة عقوداً من الزمن. وكانت المقصلة ومحاكم التفتيش في انتظار كل من يجرؤ على التشكيك في هذه التواريخ المضحكة. ويبدو أنه كما يقول ماكس بلانك:
"إن الحقيقة العلمية الجديدة لا تسود من خلال إقناع معارضيها وجعلهم يرون النور، وإنما لأن هؤلاء المعارضين ماتوا، ونما جيل جديد على إطلاع عليها"

فمثلما ظلت كروية الأرض محل تكذيب حتى مات جيل الجهل وجاء جيل أكثر تفتحا، سيظل عمر الأرض ومعدل التحلل الإشعاعي محل تكذيب من قبل الكنيسة – وأبواقها – لحين رحيل أجيال الجهل ونمو جيل جديد أكثر تفتحاً. المدهش أن السادة أصحاب نظرية الأرض الشابة يتحدثون بدون أدنى خجل عن "نسبة خطأ" في حسابات معدل التحلل الإشعاعي مقدارها ليس 1% أو 2% (كما هو الحال) ولا حتى 100% بل مقدارها 10000000% ربما يكون أبسط وأقوى رد على هذه المزاعم هو وجودنا هنا نناقش الأمر، فلو صح أن الأرض عمرها بضع آلاف من السنين فقط وأن هناك خطأ في حساب معدل التحلل الإشعاعي مقداره 10 مليار في المئة وأن التحلل الإشعاعي يحدث بهذه السرعة الخرافية لما كنا هنا الآن، فكمية الطاقة الناتجة من التحلل الإشعاعي كانت ستجعل الأرض كتلة من اللهب يسيل فوق سطحها الحديد نفسه!!
وتبعاً لمن يهاجم نظرية التطور فإن علم الفيزياء، والجيوكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا والكزمولوجيا (وهي العلوم التي تؤكد صحة التأريخ الإشعاعي) هي علوم خاطئة وجميع العاملين بها مجموعة من السذج لا يفهمون تخصصاتهم كما يفهمونها.
في هذا الواقع فإن أي نقد لهذه الوسائل– لو جاز لنا أن نسميه "نقد" – لا يمكن أن يوصف بحال بأنه "علمي"، لأنه – بمنتهى البساطة – لو صح لكان المعنى الوحيد له أنه لا يوجد "علم" أصلاً على كوكب الأرض فجميع العلوم الأساسية والفرعية علوم خاطئة فكيف يصبح هذا "نقد علمي" إذا كان يصرح بعدم وجود علم؟!! ولهذا فلا عجب ألا يتم التعامل مع السادة محاربي طواحين الهواء بجديه، فالأمر لا يستحق التعليق.

وآخر قولنا... عنزة ولو طارت؟!

ــــ هوامش ومراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


(*) يمكنك أن تجد قائمة بأشهر الأنواع التي تم الحصول عليها تجريبياً في القرن الماضي هنا


(1) لم يبدأ البحث الحقيقي في عمر الأرض وطبقاتها إلا في القرن السابع عشر مع أبحاث جاليليو وديكارت ونيوتن. نتيجة لسيطرة الكنيسة ومبادئها على الثقافة الأوربية في ذلك الحين وتأثيرها على الوعي العام، فعلى عكس الديانات البوذية والهندوسية وحضارات أمريكا الوسطى والإغريق ما قبل المسيحية التي كانت تنظر إلى العالم باعتباره شيء شبه سرمدي يدخل في دورات من الموت والميلاد، بل وحتى الآلهة كانت تولد وتموت وتتجدد، جاءت الكنيسة بفكرة الإله الواحد وحدث الخلق الواحد بل وحددت حدث "الخلق" هذا بأنه منذ 4004 عام ق.م. مما أثر سلباً على سرعة الأبحاث ونتائجها. وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت هذه هي الفكرة المسيطرة على معظم الأوساط بما فيها الأوساط العلمية، وأن كنا نعرف أن هناك العديد من العلماء حتى قبل عصر جاليليو بمئات السنين كان لديهم ترجيح بأن عمر الأرض كبير جداً. ويبدو أن أول من أشار لهذا هو الحسن بن الهيثم حيث لاحظ وجود بقايا متحجرة للسمك في طبقات صخرية ترتفع عاليا عن سطح البحر في مناطق جبلية وأدرك – بحسن فطنته – إلى أنه لابد أن السمك قد مات وغطي بالرواسب في المحيط وأن قاع المحيط أرتفع تدريجيا حتى يصنع الجبال، وواضح أن هذه العملية تتطلب فسحة كبيرة جداً من الزمن. ليوناردو دافنشي لاحظ هذه الملاحظة أيضاً وأشار إليها ما تسبب في إثارة بعض المناقشات التي أنعشت موضوع البحث في عمر الأرض. وجاء بعد هذا نيوتن واقترح أن كرة في حجم الأرض إذا كانت ساخنة حتى درجة الاحمرار فأنها ستستغرق 50 ألف سنة على الأقل حتى تبرد. ومن بعده جاء بوفون ليقوم بتسخين كرات من الحديد ومعادن أخرى ويرصد معدل انخفاض درجة حرارتها ورجح أن الأمر يحتاج 75 ألف سنة. ثم جاء الفرنسي فورييه ووضع معادلات توضح معدل انسياب الحرارة من جسم ساخن لجسم أبرد، وأوضح أن كره في حجم الأرض سيكون على الحرارة أن تنتقل من مركزها إلى سطحها أولاً قبل أن تنتقل إلى الخارج وتتبدد في الفضاء ... الخ. وتبعاً لمعادلاته فالأرض تحتاج على الأقل لـ 100 مليون عام لتبرد، ويبدو أن الرقم أذهله لدرجه جعلته لا ينشره بل اكتفي بوضع المعادلات تاركاً لمن شاء حلها ومعرفه هذه الرقم. أقرأ مزيد من التفاصيل عن معرفة عمر الأرض وانتهائها بمعرفة عمر الكون في: جون جريبن (2001( مولد الزمان. ترجمة د. مصطفى إبراهيم فهمي. مكتبة الأسرة، الأعمال الفكرية. الهيئة المصرية العامة للكتاب، صـ 25 وما بعدها .


(3) في الواقع هذا هو المتوسط العام لتواجد الرصاص والنسبة تختلف قليلاً صعوداً وهبوطاً حسب نوع العينة محل الاختبار، إلا أني ذكرت المتوسط العام فقط لسهولة الاستخدام ولعدم الدخول في مزيد من التفاصيل.

(4) أرجو ملاحظة أن كل ما سبق ذكره ما هو إلا تبسيط شديد جداً ومختصر للغاية الهدف منه توضيح لطريقة استخدام الساعات الإشعاعية وهناك تفاصيل كثيرة لم أذكرها، فعلى سبيل المثال يوجد أكثر من نظير لليورانيوم فبالإضافة لليورانيوم 235 الذي تحدثنا عنه هناك اليورانيوم 234 وله عمر نصف 244 ألف سنة وهو نظير نادر للغاية يمثل 0.0055% من إجمالي كمية اليورانيوم في الأرض. وهناك أيضاً نظير اليورانيوم 238 وله عمر نصف 4.5 مليار عام، ومعظم اليورانيوم الموجود في الأرض من هذا النوع. أيضاً جدير بالذكر أن اليورانيوم لا يتحول إلى رصاص مباشراً بل له سلسلة تفكك طويلة نهايتها الرصاص، ولكل خطوة في السلسلة عمر نصف مختلف، الأمر يشبه درجات السلم، ويمكن بالطبع الاعتماد على أكثر من "درجة" في هذه السلسلة. جدير بالذكر كذلك أن أول استخدام لساعة اليورانيوم لم يكن يعتمد على نسبة الرصاص بالمرة، فالنموذج الذي استخدمه "روذرفورد (Rutherford) كان يعتمد على قياس آثار الهيليوم المحتبسة في الصخور التي تحتوي مركبات اليورانيوم. ولا يمكن أن يكون إنتاج الهيليوم إلا بواسطة جسيمات ألفا الناتجة عن تحلل اليورانيوم، فيتعلق كل جسيم ألفا بإلكترونين ليكون ذرة هيليوم. وحيث أن أي هيليوم كان موجود والصخور في حالة انصهار سيتم طرده كما أن بعض الهيليوم قد يتسرب بعد تكونه، فإن هذه الطريقة كانت توفر الحد الأدنى للزمن الذي مرّ منذ تكون الصخرة، ولا توفر العمر الحقيقي، إلا أنها أثبتت وجود صخور عمرها على الأقل 500 مليون عام، وهذا الرقم في مطلع القرن التاسع عشر كان له وزنه. فيما بعد بدأ بولتوود (كيميائي أمريكي وعمل لفترة مع روذرفورد) في الانتقال بالتكنيك لمرحلة جديدة حينما بدأ يبحث عن نواتج تحلل اليورانيوم وليس الهيليوم فحسب، فاليورانيوم يتحلل أولاً إلى راديوم) radium(، والراديوم بدوره يتحلل إشعاعياً إلى بولونيوم) polonium( الخ. وباستخدام هذه الطريقة تم الوصول إلى صخور أعمارها تصل إلى 2 مليار عام. يجدر بنا الإشارة أيضاً أنه ليس بالضرورة أن يتواجد نظير واحد فقط في العينة، فقد يتواجد أكثر من نظير في العينة محل الدراسة (هناك أملاح عديدة يوجد بها الراديوم 238 والرديوم 235 سوياً) وهذا يمثل ساعة مزدوجة إلا أن ما سبق ذكره كافي لإعطاء فكره عامه وسريعة عن ساعات الرديوم–رصاص. لمزيد من التفاصيل أنظر: L. باداش (1992) مناظرة حول عمر الأرض. الترجمة العربية لمجلة العلوم الأمريكية، المجلد 8 العدد 3 صـ 23. هناك أيضاً بعض المعاهد البحثية والجامعات التي توفر في مواقعها مزيد من المعلومات حول ساعة اليورنيم رصاص على سبيل المثال (1، 2)


(5) أنظر فالي (2005) هل كانت الأرض باردة في بداية تكونها؟ مجلة العلوم، الترجمة العربية لمجلة ساينتفيك أمريكان، صادرة عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. المجلد 21 العدد 12 صـ 20 وما بعدها.


(6) على سبيل المثال لا الحصر، أنظر:
R. E. هدجز وJ. A. جاولت (1987) التأريخ بالكربون المشع، بالاعتماد على مطيافية الكتلة واستخدام المسارعات. مجلة العلوم، الترجمة العربية لمجلة ساينتفيك أمريكان، صادرة عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. المجلد 2 العدد 1 صـ 82
L. باداش(1992) سبق ذكره
Th. موليسون (1995) العظام المعبرة في موقع "أبو هريرة" بشمال سوريا. مجلة العلوم. المجلد 11 العدد 5 صـ 4
G.Ch. تونر (1995) الأسنان: دليلنا إلى عصور ما قبل التاريخ في آسية. مجلة العلوم، المجلد 8 العدد 3، صـ 4
Y. كوبنز (1995) قصة الجانب الشرقي: أصل الجنس البشري. مجلة العلوم، المجلد 11 العدد 2 صـ 12
M. ليكي، A. وولكر (1997) مستحاثات بشرية من أفريقيا ترجع إلى نحو أربعة ملايين سنة. مجلة العلوم، المجلد 13 العدد 11 صـ 54


(7) لمزيد من التفاصيل عن تجربة الفلور وإنسان بيلدتاون أنظر: آفاق علمية العدد 31 مايو/يونيو (1991) ماهي تجربة الفلور؟ صـ 59

(8 القوى المعروفة في الطبيعة أربع، الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية الكبيرة، وتعمل القوتان الأخيرتان على المستوى دون الذري.

(9) العديد من الدول تقوم ببناء أو تخطط لبناء منشآت نووية لتوليد الطاقة من ضمنها البرازيل والصين ومصر وفنلندا والهند واليابان وباكستان وروسيا وكوريا الجنوبية وفيتنام، ... الخ


(10) لمزيد من التفاصيل حول مشكلات المخلفات النووية والطرق المتعددة للتعامل معها أنظر: W.H. هانوم، G.E. مارش، G.S. ستانفورد (2006) استخدام أذكى للنفايات النووية. مجلة العلوم، المجلد 22 العدد1/2. صـ 4

(11) في الواقع هناك نوع ثالث من التحلل الإشعاعي، وهو التحلل جاما (Gamma) إلا أني لم أذكره لتجنب الإطالة.

انتهى القسم الثاني




1- كل ما في الكون "يتغير" بلا أدنى استثناء.
2- مهما كان حجم التغير ضخم فأن هذا لا يعني أننا نستطيع إدراكه باستخدام حواسنا فقط دون الاعتماد على التحليلات العلمية الرصينة وباستخدام أجهزة القياس المختلفة. 2,4-dichlorophenoxy acetic acid قبل أن أجيب عن التساؤلات السابقة، أودّ ذكر بعض المعلومات عن مادة الـ 2,4-d. هذه المادة تعتبر من الأوكسينات (auxin) (الأوكسينات هي منظمات نمو أو هرمونات نباتيه ينتجها النبات لتقوم بتنظيم معدل نموه)، ولم يبدأ تصنيعها إلا في عام 1941. كان هناك رغبة مُلحة للحصول على أوكسين نباتي فالاستخدامات التجارية له ستكون كثيرة للغاية، ولكن كانت المشكلة أن النبات ينتج هذه المواد بكميات قليلة جداً بالإضافة لأنها مواد غير ثابتة بالمرة وتتحل بسرعة واستخلاصها من النبات عملية شاقة للغاية وهي وأن كانت مفيدة في نطاق الأبحاث العلمية إلا أنها ستكون غير مجدية بالمرة للاستخدام التجاري، وبالتالي فقد حاول الكيميائيون تصنيعه بدلاً من استخلاصه من النباتات، ولم تكلل هذه المحاولات بالنجاح إلا في أربعينات القرن الماضي عندما تم تصنيع الـ 2,4-D لأول مرة وبتكلفة منخفضة نسبياً (مقارناً بالعائد الناتج من استخدامها). وبالفعل أصبح لها تطبيقات تجارية وعلمية عديدة، فهي تستخدم لتنظيم نمو النباتات حسب الرغبة والتحكم في مواعد الأثمار
بين كميات مختلفة وليس ماهيات مختلفة. ولهذا فعندما يأتي شخص ليؤكد عدم اعتراضه على أن قوانين كما يمكن استخدامها بتركيزات عالية نسبياً لجعل النبات ينمو بمعدل سريع جداُ يؤدي لتدميره – وبالتالي تستخدم كمبيد للأعشاب الضارة – أيضاً أصبحت هذه المادة جزء رئيسي من كيماويات جميع معامل زراعة الأنسجة في أنحاء العالم(4)، باختصار إنتاج هذه المادة صناعياً كان إنجاز بشري رائع فتح أبواب عديدة لإنجازات ضخمة للغاية على الصعيد العلمي والتجاري. عندما أتحدث عن وزن الفيل ووزن النملة في الواقع أنا أتحدث عن نفس الشيء، فكلاهما وزن (weight) ويكفي أن أتحدث عن أي منهما لينطبق الكلام على الثاني بالضرورة، لأن – بمنتهى البساطة – لا يوجد شيء آخر بل يوجد نفس الشيء بكمية مختلفة!! عندما أستنتج علاقة تقول أن وزن الفيل يتناسب طردياً مع كتلته فهذا يعني بالضرورة أن وزن النملة ووزن البطيخة ووزن حبة القمح ووزن ناطحة السحاب .... وأي وزن صغير كان أو كبير ينطبق عليه هذه العلاقة، فالاختلاف في "كمية" الشيء لا يغير من ماهيته!! استخدام مصطلحات من قبيل "الملي جرام" و"الكيلوجرام" يتم للتميزالجاذبية تنطبق تماماً على تفاحة نيوتن ولكن لو استخدمنا برتقالة أو بطيخة فإن قوانين الجاذبية لن تنطبق عليها يجب ألا نلتفت لما يقوله أصلاً، فهذا كلام يحمل تناقضاً يجعله ساقطاً بالضرورة. 1+1=2 فإذا أضفت واحد آخر صار المجموع 3 ولكن مهما أضفت بعد هذا فلن يزيد المجموع عن ثلاثة، لماذا؟! هذا يرجع إلى أن الماء الأول يختلف جوهرياً عن الماء الثاني! فكمية الماء الأول قليلة (micro) فحين أن كمية الماء الثاني كثيرة (macro) وطبعاً الماء القليل يختلف عن الماء الكثير، لكن الفيزيائيون بإيديولوجياتهم يظنون أن الماء مثل الماء، في حين أننا نعرف تماماً أن الماء يختلف عن الماء. يمكن للفيزيائيون أن يتحدثوا عن الماء إذا كان كميته قليلة، ويمكنهم أن القول أنه سيغلي عند 100 درجة مئوية وسيتجمد عند صفر درجة مئوية. ولكن إذا كانت كمية الماء كبيرة فعلى الفيزيائيون أن يصمتوا. هل هذا منطق؟ مقدمة وتمهيد 1- ساعة اليورانيوم–رصاص 2-ساعة البوتاسيوم–أرجون 3-ساعة الروبديوم – استرنشيوم وخطوط الايزوكرون 4-ولدينا المزيد ... الزركون </td></tr><tr><td class="smalltext" valign="bottom" width="85%"><table style="table-layout: fixed;" border="0" width="100%"><tbody><tr><td class="smalltext" colspan="2" width="100%">
</td></tr></tbody></table></td></tr></tbody></table>
__________________
Wandering an endless journey
Dead within a trace
Entering a lost dominion soulless and free
Visiting a foreign place but yet so known
Another dimension opens for me to see
Heaven sure ain't made for me to be

آخر تعديل بواسطة سيف الكلمة ، 2009-05-28 الساعة 02:38 AM سبب آخر: تكبير الخط
رد مع اقتباس