عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2022-04-20, 11:25 AM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,735
افتراضي المسلم والرقابة الذاتية

المسلم والرقابة الذاتية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
( المسلم والرقابة الذاتية )

في الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية، يصحب عبدُالله ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما النبيَّ محمَّد بن عبدالله صل الله عليه وسلم على دابَّة، ونِعْمَت الصُّحبةُ، فيستخدم المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه الرفقة ليعطي الفتى ابنَ عباس بعض الإشارات المهمَّة، التي لم تكن خاصَّة بالفتى ابن عبَّاس، ولكنَّ المعنيَّ بها الأمَّة كلُّها، تأخذ ذلك من الرسول المربِّي صل الله عليه وسلم من خلال الرواة الذين نقلوا عنه، بأمانة متناهية، هذه القواعد التي صدرَت عن رسول الله صل الله عليه وسلم[1].

يمكن أنْ يتركَّز هذا الحديثُ الشريفُ حول الرقابة الذاتيَّة على النفس: ((احفظ الله تجده تجاهك))، وحِفظ الله تعالى يتمُّ بمراقبة الأفعال والأقوال، التي يقوم بها المرء في حياته كلها - الخاصَّة والعامَّة - ويعرض هذه الأفعال والأقوال على هذا المقياس، أو المعيار أو الميزان الواضح؛ فما يُرضي اللهَ تعالى يمضي فيه المرء، وما يسخِط اللهَ تعالى، يحجم عنه.

المهمُّ - هنا - هو التركيز القويُّ - في هذا الحديث - على الرقابة الذاتية، ومحاسبة النفس، قبل اللجوء إلى أيِّ شكل من أشكال الرَّقابات الخارجيَّة، مهما تعدَّدَت جهاتها، وتنوَّعَت في مصادرها، بين الرسميَّة وغير الرسمية، وكلما زادت الجِهات أو الأنماط الرقابيَّة الخارجية، كان هذا مؤشِّرًا لتردِّي الرقابة الذاتية.

هذا قد يعني ضعف الفهم الدقيق لحفظ الله تعالى، الوارد في الحديث الشريف: ((احفظ الله يحفظك))، وبالتالي قد يُفهم هذا الحِفظ فهمًا قاصرًا على العلاقة المباشرة مع الله تعالى، من خلال العبادات التوقيفيَّة؛ المتمثِّلة في الصلاة المفروضة والصوم والحجِّ والزكاة، ثم تُغفل العلاقة مع الله تعالى؛ المتمثِّلة في العبادات غير المباشرة - إنْ صحَّ التعبير - في السلوكيات والمعاملات والعلاقات، مع البشر ومع البيئة والطبيعة، وكل هذه الأصلُ فيها أنْ تتمَّ في حدود "حفظ الله تعالى"، دون النظر إلى أيِّ مؤثِّرات خارجية.

لا يمكن الاستغناء - تمامًا - عن هذه المؤثِّرات الرقابية الخارجية؛ إذ إنَّنا بشر نتعرَّض للتقصير في أدائنا، متى ما خفَتَ فينا الشعور بالرَّقابة الذاتيَّة، وعدم توفُّر رقابة خارجية، ولكنِّي أرغب في تعميق فكرة الرقابة الذاتية، ولو على حساب الرقابة الخارجية، أخذًا في الحسبان أنَّ الرقابة الذاتية مستمدَّة من مراقبة الله تعالى، في السرِّ والعلن.

من أجمل ما يحقِّقه المرء، في يومه وليلته، أنْ يشعر أنَّه قام بإنجازٍ ما، فيه رضًا لله تعالى، وأنه امتنع عن الإقدام على فعل ما، يُغضب الله تعالى - أيضًا - فينام عندها قريرَ العين، منطلقًا إلى يوم جديد، يمارس فيه الرَّقابة الذاتية على أقواله وأفعاله، فينال الرضا الذاتي، ورضا الله تعالى قبل ذلك، وبالتالي يحقِّق المرء قدرًا عاليًا من السعادة المتوخَّاة، التي نبحث عنها جميعًا في حياتنا، وبعد مماتنا، ولا إخال أنَّها تتحقَّق دون أنْ نرضي اللهَ تعالى، أولًا وآخرًا.

[1] انظر: الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية عن أبي العبَّاس عبدالله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صل الله عليه وسلم يومًا فقال: ..."؛ الحديث من رواية الترمذي.

§§§§§§§§§§§
رد مع اقتباس