عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2023-06-18, 07:24 PM
ناصرالشيبي ناصرالشيبي غير متواجد حالياً
باحث
 
تاريخ التسجيل: 2023-06-18
المكان: مكة المكرمة
المشاركات: 37
افتراضي الرد على مزاعم م / شحرور بشأن (تحريفه المقصود بقوله تعالى " و ما ينطق عن الهوي "

لا ينفك م / شحرور يكرس في كل مقال له جملة من الأباطيل . يصوغها بأساليب ملتوية . تحمل تصوراته السقيمة المشوهة عن دين الإسلام و ثوابته . و التي يحرص ( من خبث مقصده) على عدم خلوها من بعض كلمات الحق لتعينه على خداع المسلمين ، فيوظفها في ترويج أباطيله .
و العجيب في الأمر أنه يفترض ( بثقة كبيرة) أن المسلمين سيقتنعون بكل مزاعمه ، حتى دون أن يقدم أي دليل عليها . بل إنه يأتي أحياناً بالآيات الكريمة ليستدل بها على عكس ما تدل عليه حقيقة . هذا إن أتى بها أصلاً .
و الأعجب منه أن المفتونين بزخرف كلامه و فكره المنحرف - لأسباب مختلفة - قد أسلموا له زمام عقولهم تماماً . حتى أصبحت قناعاتهم الدينية مرهونة بما يقوله . فاصبح لسان حالهم يقول ( إن كان شحرور قال ، فقد صدق ) . فوا أسفى على من يقبل بمنطق ( من أجل عقله، ألغي عقلي . بل و لا أمانع في التخلي عن عقائدي و ثوابت ديني ) .
و أحسب أن هذا من تأثير مكره ، بأسلوب تكرار الباطل على أسماع المسلمين . لاسيما البسطاء منهم ، و خاليي الذهن عن العلم الشرعي . فيتوصل إلى إقناعهم بمزاعمه الباطلة .
و قد ذكر الله تعالى قوة تأثير أسلوب التكرار في الإقناع ، بقوله سبحانه على لسان بعض أهل النار ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَ أَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) 33 سبأ .
هذا إضافة إلى تسويل النفس البشرية وما تأمر به من السوء لضعفها أمام شهواتها. قال تعالى على لسان رسوله يوسف عليه الصلاة و السلام (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )53 يوسف .
هذا علاوة على مكائد الشيطان و ترصده لهم على صراط الله المستقيم ، لصدهم عن الاستقامة عليه . قال تعالى على لسان عدوه الشيطان الرجيم ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) 16 الأعراف . قال الطبري بعد أن ذكر الروايات في تفسير هذه الآية ( فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشبهُ بظاهر التنـزيل ، و أولى بالتأويل , لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله - تعالى - ) .
و فيما يلي تفنيد لأبرز مزاعمه التي وردت في هذا المقال و بيان بطلانها :
أولاً : إن زعمه بأن قوله تعالى ( وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى// إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) 3 - 4 النجم . يدل على حصره نفي نطقه عن الهوى صلى الله عليه و سلم على نطقه بكلام الله تعالى فقط ، أي بالقرآن الكريم ، الذي تلقاه وحياً بواسطة جبريل عليه السلام . فهو بهذا يزعم أن نطق رسول الله صلى الله عليه و سلم بكل ما عدا كتاب الله تعالى كان يصدر منه ( صلى الله عليه و سلم ) عن هوى نفسه .
و هذا بالتأكيد اتهام باطل منه للنبي صلى الله عليه و سلم . معناه أن أحاديثه الشريفة كانت تصدر عن هوى نفسه . و يلاحظ أنه استعمل فيه كلمة ( فقط) للحصر . دون أن يقدم دليلاً عليه .
و قد بين الله تعالى أن النطق عن الهوى ، هو ما يقابل النطق بالوحي . فنفى عن رسوله صلى الله عليه و سلم النطق عن هواه . و لكن شحرور يثبت ما نفاه الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه و سلم ! .
و قد تكبد شحرور هذه الجرأة لافتراء هذا التأسيس الباطل ، من أجل أن يطعن في ( أحاديث السنة المشرفة ) و ينكر حجيتها في التشريع الإسلامي .
و ينبغي هنا ملاحظة أن هذه التهمة ( أعني زعمه نطق النبي صلى الله عليه و سلم عن هواه ، فيما سوى آيات التنزيل الحكيم لا يليق توجيهها لأي إنسان عاقل يحترم نفسه و سامعيه . فكيف بتوجيهها لنبي كريم و رسول عظيم . بل كيف بتوجيهها لخاتم الرسل و إمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، و هو سيد الأولين و الآخرين . فما أشد قبحه من اتهام .
و لذلك فإنني أرى أنها فرية تعدل - إن لم تكن تزيد سوءً - على الكلمة التي قالها ( رأس الخوارج ) ذو الخويصرة التميمي ، حيث قال ( يا رسول الله أعدل ) . فقد كبرت كلمة خرجت من عقل و قلم م / شحرور الغاوي .
و لكن ما يلزمني بالكف عن ألتعرض له بما يسوؤه انتصاراًً لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، هو امتثالي لأمره عليه الصلاة و السلام حيث قال ( بشأن ذي الخويصرة التميمي ) لمن استأذنه في أن يضربه بالسيف : ( " دَعْهُ " - - - إلى أن قال صلى الله عليه و سلم عن أصحاب ذي الخويصرة ، و أمثاله " يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ " ) . متفق عليه . (أنظر إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل ، للألباني 8 / 134 ) .
هذا مع ضرورة ملاحظة أن من يوافقون على فريته لا يخرجون عن أمرين أحلاهما مرٌ .
إما تجاهلهم ، أو جحودهم و تكذيبهم لقوله صلى الله عليه و سلم لعبدالله بن عمرو بن العاص في الحديث المتفق على صحته ، حين أشار صلى الله عليه و سلم إلى فمه الشريف ( أكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق ) .
فبأي وجه سيلقى ( شحرور ، و موافقوه ) الرسول صلى الله عليه و سلم غداً ، وهم مفتقرون إلى شفاعته - في ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان - و قد اتهموه بالباطل ظلماً له في الدنيا ؟ ! بما لم يتهمه به حتى كفار قريش . الذين كانوا يسمونه صلى الله عليه و سلم الأمين .
ثانياً : إن قول م / شحرور بأن ( الرسول شرّع لمجتمعه من مقام الرسالة ) . تضمن اتهاماًً شنيعاً لرسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه لم يبلغ الرسالة إلا لمجتمع المدينة المنورة فقط . متجاهلاً قوله تعالى ( وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا و َنَذِيرًا وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) 28 سبأ . فهذا إنكار لتبليغه صلى الله عليه و سلم الرسالة إلى كل من كلفه الله تعالى بتبليغهم ، و هم كل الناس . كما تضمن كلامه تكذيبه لقوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .
و مما يؤكد أن هذا هو ما قصده ( م / شحرور ) تماماً بحيث لا يمكنه أن يتنصل منه ، أنه قال بعده ( وفق ما يناسب الظروف الزمانية و المكانية المحيطة به) .
ثالثاً : أما قوله بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ( دشن عصر المدن ) . فهو غير صحيح البتة . لأن الله تعالى قد ذكر في كتابه المجيد مدن عديدة كانت موجودة قبل بعثته صلى الله عليه و سلم بآلاف السنين . قال تعالى عن موسى عليه الصلاة و السلام ( وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ) 15 القصص ، و قال تعالى ( وَ أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) 82 الكهف . و قال تعالى ( وَ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لَا يُصْلِحُونَ ) 48 النمل . و قال تعالى ( وَ جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) 20 يس .
و لكن ليتمكن ( شحرور ) من تمرير هذه المعلومة الخاطئة . فقد أتبعها بإحدى لواحقه الشحرورية ، فقال ( بما يحمله مفهوم المدينة من مساواة و تعددية ) . و فاته أنها لا تجديه نفعاً في إنكار حقيقة وجود ( المدن) قبل الرسالة الخاتمة .
رابعاً : إن قوله بأن الرسول صلى الله عليه و سلم ( هو أول من أنهى عهد التشريع الإلهي و ابتدأ عهد التشريع الإنساني ) . هو في الحقيقة زعم باطل . بدليل قوله تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَ لَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) 105 النساء ، فقال له ( بما أراك الله ) . قال الطبري (يعني: بما أنـزل الله إليك من كتابه) ، و قال الشنقيطي ( و لم يقل بما رأيت أنت ) أ . هـ ( أضواء البيان 4 / 270 ) . وكذلك لم يقل بما تراه البرلمانات ، التي يدعو شحرور و أمثاله لتحكيمها .
و لكنه أراد التمهيد بقوله هذا لتمرير الفرية الشنيعة التي أتى بها بعده ، المتضمنة إنكاره أن يكون رسول الله تعالى مخولاً بالتحريم أصلاً. ( أي زعمه أنه ليس له الحق في التحريم ) . حيث قال ( و الرسول يأمر و ينهى و لا يحرم ، و كل أوامره و نواهيه ظرفية ضمن تنظيم الحلال فقط ) . ففي هذا الكلام إضافة للإنكار ، تكذيب سافر منه لقوله صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه ( ألا و إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) . و هذه هي مصيبة فرقة ( القرآنية المشوهة ) و طامة معتقدهم الزائغ . أعنى إنكارهم حجية السنة المشرفة . اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا .
خامساً :أما قول م/ شحرور( الاقتداء بمحمد الرسول يكون بالسعي لإنهاء عصر القرى و إقامة مجتمع المدن . و تبجيل مقام النبوة يكون من خلال إثبات مصداقيتها فيما حولنا من خلال مراكز البحوث العلمية و التاريخية ) . فما هو إلا مغالطة باطلة . ضمنها مفهومين خاطئين ، لكل من ( الاقتداء) و ( التوقير أو التبجيل ) .
لأن الله تعالى قد أمر رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم باتباع سبيل الذين هداهم سبحانه، بقوله تعالى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) 90 الأنعام . أي اعمل بعملهم ، و سر على نهجهم . فهذا هو المعنى الصحيح للاقتداء .
أما التبجيل فمعناه التعظيم و التوقير، قال تعالى ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) 9 الفتح . فالتوقير هو التعظيم لقدره ، و إجلاله و احترامه .
فمن أين أتى ( شحرور) بما زعمه من ( السعي لإنهاء عصر القرى و إقامة مجتمع المدن ) . و أن ( تبجيل مقام النبوة يكون من خلال إثبات مصداقيتها فيما حولنا من خلال مراكز البحوث العلمية و التاريخية ) ؟ . لأنه، لا علاقة بين ( الاقتداء أو التبجيل أو التوقير) و بين ما قاله البتة .
بل الحقيقة أنه إنما استعمل هذا الكلام كوسيلة يؤكد بها فريته السابقة ( أعني نفيه أن يكون لرسول صلى الله عليه و سلم الحق في التحريم ) . و التي تقدم بيان بطلانها في الفقرة السابقة .
سادساً: أما قوله الذي ختم به مقاله ( تبجيل مقام محمد الرجل يكون بالاقتداء بأخلاقه العظيمة ، أما أموره الشخصية كحب أنواع معينة من الطعام ، أو لباسه ، أو غيرها كلها ليس مطلوباً فيها الاتباع أو التأسي ، و إتباعها شأن خاص لا يمكن اعتباره دين لا من قريب ولا من بعيد) . فما هو إلا مجموعة كبيرة من المزاعم الباطلة ، و خلط للأوراق ، و بعض المغالطات ، أراد بها تلبيس المفاهيم ، و تشويش أذهان الناس . لصرفهم عن حقيقة و جوهر معنى الاقتداء و الاتباع .
و أما قوله ( يكون بالسعي لإنهاء عصر القرى وإقامة مجتمع المدن ) . فسيأتي الرد عليه و بيان بطلانه تفصيلاً ضمن رد مستقل على ما سماه ( قانون الهلاك الكوني للقرى ) الذي قاله في إحدى حلقات برنامجه ( لعلهم يعقلون ) .
رد مع اقتباس