عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 2010-01-01, 01:36 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,061
افتراضي الشمائل النبوية/د.منى القاسم/القسم السابع

الشمائل النبوية
د. منى القاسم

القسم السابع

صفة أكله و طعامه - صلى الله عليه وسلم

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاوياً، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)(1).
عن مسروق قال دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فدعت لي بطعام وقالت: ما أشبع من طعام، فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قال قلت: لم؟ قالت:
(أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الدنيا والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم)(2).
عندما نلقي الضوء على مائدة خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم- خير هذه الأمة وأزكاهم عند ربه تبارك وتعالى فلن تطول القائمة بأصناف الطعام الفاخرة، وألوان الشراب الشهية، لا ولا الآنية الثمينة والسفر العامرة!.
لم تكن هذه اللذائذ حاضرة في ذهنه المشغول بالدعوة إلى الله تعالى، وتعليم شرعه، وبيان فرائض دينه، ولم تسيطر تلك الشهوة على قلبه المتعلق بالله تبارك وتعالى، وابتغاء مرضاته ، ولم تشغل من وقته إلا حيزًا يسيرًا بقدر ما يشبع رمقه، ويدفع جوعه، وربما بات ليالي طاوياً لا يجد ما يطعمه!
نعم لقد آثر أن يشبع يوماً ويجوع يوماً ليتقلب بين نعمتي الشكر والصبر، ذاق طعم الجوع، و لو شاء لسأل الله سبحانه كنوز الأرض ورغدها وطيب عيشها، ولكن ما له وللدنيا!! فكم أنفق مما أفاء الله عليه من خيل، وركاب، وأموال على أصحابه، ومضى لبيته خليّاً، راجيا نعيم الآخرة، داعياً ربه:
(اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)(3).
إن طلب القوت من الرزق و الإعراض عن المباهج ليس ازدراء لنعمة الله تعالى، أو تعاظما على فضله، كلّا وحاشا.
و لا يعني أبداً حبس النفس و مضّارتها بصدّها عن تحصيل حاجاتها الضرورية ، فقد أحل الله لنا الطّيبات من الرزق ، كما أنزل سبحانه في كتابه على رسوله - صلى الله عليه وسلم-:
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقْكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيـِّباً و اتَّقُوْا اللهَ الَّذِيْ أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُوْنَ )(4)، وقال تعالى: (كُلُوْا وَاْشْرَبُوْا وَلاَ تُسْرِفُوْا )(5) ،
وقد طعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اللحم و الثريد ، وأعجبه الدّباء والعسل، والشراب الحلو، ونحوها من المأكولات المعروفة في عصره ، لكنه لم يداوم على الأصناف الشهية المفضّلة عند عامة الناس ، بل أحب الزهد فيها، وطلب القوت من الرزق؛ تأصيلاً لمنهج التقوى والقناعة بما قسم الله تعالى، والارتباط القوي بالدار الآخرة، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وأن النعيم الآجل لا يدرك بالنعيم العاجل .
إن اقتصاده في العيش، و تعرّضه للجوع أياماً ، لم يحبطه و يحرمه الشعور بالسعادة، و لم يقعده عن النجاح في تحقيق أهدافه ، فقد نال أشرف المعالي بتبليغ الرسالة، وتعليم القرآن، وهداية الأمة إلى دين الله تعالى،وبناء مجتمع صالح،والكثير الكثير من المنجزات الخالدة الفريدة،بل هو السابق إلى كل خير،والمؤسس لكل صلاح ديني !
ألا فلنتدبر هديه - صلى الله عليه وسلم- في تربية النفس على الكفاف في كل ما يتّصل بأمر الدنيا، و صيانتها عن الترفّه والإسراف ، والتعفف عن مذلّة السؤال، والحاجة إلى الناس، والرضى بما قدّر الله تعالى من الأرزاق والنعم .
و في هذا المعنى قال الشاعر:
دع الحرص على الـدنيا ** وفي العيش فلا تطمع
فـإن الرزق مـقـسوم ** وسوء الـظن لا ينفع
فقيـر كـل ذي حرص ** غنيٌّ كـل مـن يقنع
• عن أنس - رضي الله عنه - قال:
(كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث )(6).
• و عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لا آكل متكئا)(7).
إن المتأمل لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في النمط الغذائي المتمثل في نوعية طعامه وكميته، وكيفية تناوله يجد في شمائله الكريمة القوانين الصحيّة القيّمة التي ينادي بها الأطباء للتغذية السليمة، وحفظ الصحة.
وللوقوف على شيء من تلك الهداية النبوية (الصحية) نستعرض حديثا واحداً رواه المقدام بن معد يكرب يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول :
(ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسبك يا بن آدم لقيمات يقمن صلبك، فإن كان لا بد فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس).(8)
في هذا الحديث يدعونا الحبيب - صلى الله عليه وسلم- إلى الاقتصار على لقيمات تدفع حرارة الجوع ، ولفظ (اللقيمات) يوحي بصغر حجم اللقمة، وقلة عددها، وأن هذا المقدار يكفل للجسم الكفاية من العناصر الغذائية التي يحتاجها ليقيم صلبه.
وفي قلة الأكل وترك النهم منافع كثيرة، منها: أن يكون الرجل أصح جسما، وأجود حفظا، وأزكى فهما، وأقل نوما، وأخف نفسا، وفي كثرة الشبع كظ المعدة، ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه المقل في الأكل، وقال بعض الحكماء : أكبر الدواء تقدير الغذاء.(9) و ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال :ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا.(10)
وفي وقتنا المعاصر الثري بالتقنية والعلوم التخصصية الحديثة نلمس قيمة هذه النصيحة النبوية الدقيقة المعجزة في مجال الصحة!.
ونرى في مجتمعاتنا المسلمة آثار التخلّي عن تطبيقها بتفشّي أمراض البدانة، وما يترتب عليها من إنشاء المراكز الصحّية للعناية بتقليل الوزن، و إعداد البرامج الغذائية للتخفيف والحمية و صرف العقاقير الطبية ، ونحوها مما يستنزف الوقت، والمال، والجهد، والصحة!
إننا بحاجة ماسة إلى تطبيق آداب الطعام النبوية في حياتنا اليومية؛ لنحقق سنة الاتباع لسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم-، وننال بركة الاسترشاد بهديه القويم في صلاح الخلق، وتهذيب النفس إلى جانب حفظ الصحة، وسلامة البدن.
ومن المعاني النبيلة المقترنة بالأكل التواضع عند أخذ اللقمة، وعدم الاتكاء إلا عند المشقة، والتيمن في التناول، ولعق الأصابع، وتكريم النعمة بعدم عيب الطعام ولو عافته نفسه ، واستحضار آداب الطعام حمداً للكريم المنان .
الهوامش:
(1) سنن الترمذي(2360)وسنن ابن ماجه(3347)،وقال أبوعيسى هذا حديث حسن صحيح .
(2) سنن الترمذي (2356) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(3) صحيح مسلم (1055).
(4) سورة المائدة آية :( 88 ).
(5) سورة الأعراف آية :( 31).
(6) رواه مسلم (2034).
(7) رواه البخاري (5083).
(8) صحيح ابن حبان(5236)،سنن النسائي الكبرى (6769)،سنن ابن ماجه (3349).
(9) تفسير القرطبي( ج7/ص192).
(10) فتح الباري (ج9/ص528).

عن شبكة السنة النبوية وعلومها

يتبع
رد مع اقتباس