عرض مشاركة واحدة
  #80  
قديم 2013-07-07, 01:04 AM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 1,255
افتراضي

صحة حديث إرضاع الكبير والرد على من طعن فيه
ومن الأحاديث التي طعنوا فيها حديث رضاع الكبير، فقالوا: إن هذا الحديث موضوع ولو كان في البخاري ، فمن البخاري ؟ قالوا: والدلالة على الوضع هو المتن، فـسالم مولى أبي حذيفة يرضع من امرأة تكبر عنه أو تكون موازية له، المهم أنه شاب وهي امرأة كبيرة قد يشتهيها فتكشف له عن ثديها وترضعه منه، فهذا فيه دلالة كبيرة على الوضع، قالوا: لأن أصول الشريعة ترد هذا الكلام لا سيما وأن الشيخ الفلاني -وهو من الشيوخ والأفاضل- قال: بأنه لا بد أن يرضع من ثديها ويلتقمه في فمه.
كما استدلوا بقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا [النور:30]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي بن أبي طالب اصرف بصرك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يشج أحدكم بمخيط على رأسه خير له من أن يمس امرأة)، وهنا لن يمس فقط بل سيرضع، وهو أجنبي عنها فكيف يرى عورتها؟ إن التكفيريين أيضاً يردون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نوفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)، وهذا الحديث في مسلم فعندما تقول له: هذا رجل دخل بأمان كيف تقتله؟ كيف تتجرأ عليه؟ فيقول: أهل كفر أعملوا في الأرض الفساد، هؤلاء أيضاً من الذين وقفنا لهم وقلنا: سبحان الله لو تعلمتم ما سفكتم من الدماء التي حرمها الله جل في علاه، ولما تجرأتم على ذلك. أيضاً: أخذ الأموال بغير حق، والتهاون فيها، فمن الناس من يبين له أنه إن فعل كذا فعليه دم فيتساهل في ذلك؛ لأنه من السهل عليه أن يفدي، وهذا من الاستخفاف بدين الله جل في علاه، والسبب هو الجهل، فلو تعلموا ما اجترءوا على هذه المسائل، ولرجعوا إلى حضيرة الإيمان، وجعلوا الدين هو الذي يسيرهم وليس الهوى والعاطفة والحماسات والثورات.
وأما الذين طعنوا في أحاديث البخاري فعلينا أن ندعو لهم بالهداية، ونحن أصلاً لسنا بصدد العداوة لهم، ونبين أخطاءهم المؤدية إلى الهلاك.
فلو تأثر العامة بهذا الكلام، وطرحوا أحاديث في البخاري ، وطعنوا في قيم ثابتة من الدين، وطعنوا في رجالاتنا الذين هم قدوتنا، والذي هم أسوة لهذه الأمة بأسرها، فإن ذلك يعني الطعن في الدين. ونحن والله لا نرضى الدنية في ديننا، فلا بد أن ندافع عنه بالدفاع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وحبنا للنبي يجعلنا نقول: حديث النبي صلى الله عليه وسلم فوق رءوسنا، وكلام الناس خلف ظهورنا؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي، فلا بد أن نعتز بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ونعتز بثوابتنا وأصولنا، وندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وليسمع من يسمع، وليعزف من يعزف، فإن الله جل في علاه قال: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42]، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] فما على المسلم إلا أن يبلغ. والبعض ممن ينتمي إلى أهل السنة قال في مسألة رضاع الكبير: يرضع من ثديها، وهذا الذي جعل الحرب الشعواء تشن على أهل السنة حتى من كثير من النصارى، وبعض المؤلفين يقول: إن هذا طعن في الإسلام، كيف يكشف الرجل عن عورة المرأة ثم نقول هذا محرم عليها بعد ذلك؟ لكننا سوف نبين الحقيقة، فمن أخذ بها فله ذلك، ومن لم يأخذ بها فما علينا إلا البلاغ، وهذا الذي نملكه.
إن صحيح البخاري قد تلقته الأمة بالقبول، فمن طعن فيه فقد شذ عن الأمة، وشذ عن الإجماع، فالإجماع على أن أصح كتاب بعد كتاب الله هو صحيح البخاري، ومن زعم أنه يحتوي على أحاديث موضوعة أو ضعيفة فقد خالف الإجماع بذلك، وأراد هدم الدين، فأسانيد البخاري كلها سلاسل الذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وديننا دين إسناد ومن طعن في هذه الأسانيد فقط طعن في ديننا، أما رضاع الكبير فإنه يحرم، والرضاع من الثدي مباشرة قال به الشيخ الألباني بصراحة، وهو علامة الشام ولكنه أخطأ في ذلك، ولا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نبين للناس أننا لا نتبع ولا نعظم الأشخاص، وإنما نعظم النبي صلى الله عليه وسلم، ونعظم الوحيين، فنرد هذا الخطأ بلطف، ونقول: الحق أحب إلينا، والحق إذا جاء من رجل كائن من كان نأخذه على رءوسنا ونتبعه، ومن أخطأ منا ثم ظهر له الحق فليقل بقلب راسخ: لأن أكون ذنباً في الحق خير لي من أن أكون رأساً في الباطل، وهذا هو الإنصاف.
إننا ندافع عن البخاري ولا بد أن ندافع عنه، حتى يستطيع طلبة العلم أن يردوا على هذه الشبه، وهذه الشبه ثلاث: شبهة حول رضاع الكبير، وشبهة حول زواج عائشة وهي بنت ست سنوات، وشبهة حول سحر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك حديث الذباب وشق الصدر وغير ذلك، فالشيخ الألباني ذكر قاعدة قوية وهي: أن الله جل وعلا إذا أباح شيئاً فقد أباح وسيلته -وهذه قاعدة صحيحة- فإذا جعل الشرع رضاع الكبير ليحرم فوسيلته مباحة، فلن يرضع إلا بكشف الثدي، وتقدر هذه القضية بقدرها، فلا يظهر منها إلا الجزء الذي سيلتقمه ويرضع منه، ولا ينظر إلى كل الثدي ولا يمسه كله، وإنما يمس المكان المقصود فلما سمع البعض هذا الكلام تغنوا به وطعنوا به في البخاري ، ولو أرادوا الحق ما فعلوا ذلك، ولتأدبوا مع البخاري ، وقالوا: هذا الحديث لا تدركه عقولنا، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم بما قاله، ويكفوا عن ذلك، أو يرجعوا إلى العلماء أدباً؛ حتى يتبين لهم صحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من الطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة، وتنفير الناس عن البخاري و مسلم ، ولكن هذه بغية مقصودة.
إن العلم يجعل الناس على الميزان الصحيح، ولما تبين الحق لبعض الذين يطعنون في ديننا رجعوا إلى الحق.

خلاف العلماء في حكم إرضاع الكبير
اختلف فيها العلماء على أقوال ثلاثة: القول الأول: ذهب جماهير أهل العلم إلى أنه لا رضاع للكبير، وأنه لا يحرم، وهذا هو قول الشافعية والمالكية والأحناف، وعلى ما أذكر قول الحنابلة أيضاً، وهو قول جماهير الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ويستدلون بقول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ [البقرة:233]، فالشافعية قالوا: قد أتم الله الرضاعة إلى الحولين، فما بعد التمام من شيء إلا النقصان، فلا يحرم ما فوق الحولين. واستدلوا على ذلك أيضاً: بقول الله تعالى: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وأيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين)، وهذا تصريح أنه لا رضاع محرم إلا في الحولين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يبين لما سألوه عن الرضاع: (ما أنبت اللحم وأنشز العظم)، أي: تغذت به المعدة وشبع به الطفل، ولا يشبع الطفل من اللبن إلا في غضون الحولين، وبعد الحولين لا يشبعه لبن المرأة، فكل هذه دلالات باهرات تثبت أن رضاع الكبير لا يحرم.
وقالوا: إن رضاع سالم مولى أبي حذيفة حالة خاصة بـسالم ، خصص بها العموم، ويرجع العموم على ما هو عليه.
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم خصصه لأن سالماً كان مولى لـأبي حذيفة، وكان الرجل يدخل دائماً على امرأته، فلما نزل الحجاب قالت: شق علينا أن يدخل ويرانا بهذه الطريقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يحرم عليك)، فكانت هذه حالة خاصة بها وبـسالم وبـأبي حذيفة ، فقالوا: هذه دلالة على الخصوصية، وليس هذا من جهة أنفسنا، وهو من كلام أم سلمة و زينب وغيرهن من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنهن أنكرن على عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث صريح صحيح أن أم سلمة دخلت على عائشة رضي الله عنها وأرضاها تنكر عليها، وتقول: يا عائشة ! يدخل عليك الشاب الأيفع، ولا نرضى أن يدخل علينا، فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لـسالم مولى أبي حذيفة أن يفعل كذا وكذا -وروت لها الحديث- فأرضعيه يحرم عليك.
فكانت رضي الله عنها وأرضاها إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الأجانب الكبار تجعل أختها أو أحد أقاربها يرضعه، فتكون له خالة، فيحرم عليها، ويدخل عليها رضي الله عنها وأرضاها، وكان ذلك مذهباً ومنهجاً لـعائشة وحدها رضي الله عنها وأرضاها.
هذا هو ما أجاب به الجمهور على من قال بأن رضاع الكبير يحرم. القول الثاني: هو على العموم، فرضاع الكبير مباح، وهذا على ما أذكر قول ابن حزم إذا لم أكن واهماً، وهو قول طائفة من أهل العلم، بأن رضاع الكبير يحرم في كل الأحوال، فلو أراد الإنسان أن يدخل على امرأة، ويريد أن يكون محرماً لها، فتسافر به ويدخل عليها فليرضع منها، أو من أختها، وهذا القول من أضعف الأقوال، وهو أوهن من بيت العنكبوت. القول الثالث: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية ، وبين أنه قول عطاء والليث بن سعد، وهو الفقيه المصري المحدث الذي قال فيه الشافعي : الليث أفقه من مالك لولا أن قومه لم يحملوه.
فشيخ الإسلام ابن تيمية بعدما ذكر قول عائشة و الليث بن سعد و عطاء توسط بين قول جماهير العلماء وبين قول عائشة ، وقال: أقول: هي واقعة عين لا يقاس عليها إلا مثلها، فشيخ الإسلام ابن تيمية نظر إلى قول عائشة فوجدها أباحته مطلقاً، وكذلك عطاء و الليث ونظر إلى قول الجماهير و أم سلمة و زينب والأئمة الأربعة الذين حرموا رضاع الكبير، وقالوا: إنه خاص بـسالم مولى أبي حذيفة . ومعنى قول ابن تيمية: إنها واقعة عين لا يقاس عليها إلا مثلها: أنه من كان حاله كحال سالم أخذ حكم سالم ، فإذا تربى ولد يتيم بين رجل وامرأة، ثم كبر سنه فخشي الرجل أن يرى امرأته، فإنه يجوز له الرضاع حتى يكون محرماً لهؤلاء النسوة.
وهذا هو القول الوسط، وهو الذي أميل إليه، فرضاع الكبير قضية خاصة بـسالم ، ولا تجوز مطلقاً، بل هي واقعة عين يقاس عليها مثلها، وأصول الشريعة توافقه؛ لأن المشقة تجلب التيسير، والحرج مرفوع عن الأمة، فهذا قول قوي، وهو الراجح في هذه المسألة.

كيفية رضاع الكبير من ثدي المرأة
سبب الطعن في حديث البخاري هو: أن الذي أباح رضاع الكبير أجاز أن يمص الثدي وأن يرضع منه مباشرة.
والجواب على هذا الطعن هو أن الراجح أنها واقعة عين يقاس عليها مثلها، ولكن ليس معنى ذلك أن الرضاع يجوز من ثدي المرأة مباشرة، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، لكنهم قالوا: إن ظاهر الأدلة أنه رضع من ثديها، قالت: (يا رسول الله! إنه لكبير! قال: قد علمت أنه رجل كبير) وقد جاء في بعض الروايات: أنها عصرت ثديها في قارورة وشربها.
فلما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دل على أنه يجوز أن يمص ثديها. وقد يؤيد البعض ذلك بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وهذا خطأ فيحتمل أنه صافحهن بمجرد القول باللسان، وقال: قد بايعت. يعني: أعلم أنه كبير فتذهب نحوه ويلتقم ثديها ويشرب؛ لأن هذا مرخص لك، والذي استنبطه الشيخ الألباني رحمه الله من هذا الحديث هو: أنه يلتقم ثديها ويشرب، وقال: أباح المقصد فأباح الوسيلة له، وهذا تأويل جيد، والقاعدة التي أتى بها الشيخ صحيحة نوافقه عليها، لكن هذا الحديث مجمل، والمجمل يحال على المفسر، والأصل الشرعي: أن النظر إلى عورات النساء حرام، ومن قال بغير ذلك فليأتنا بالدليل غير المحتمل الوسيلة، فنقول: والوسائل تنقسم إلى: وسيلة محرمة، ووسيلة جائزة، ووسيلة مرسلة، فالوسيلة المحرمة: هي التي جاء النص القطعي بتحريمها، ومن ذلك التقام ثدي المرأة والنظر إليه، فهذه وسيلة محرمة، وقد جاء الشرع بتحريمها، يقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أصافح النساء) فهذه دلالة شرعية على أن هذه الوسيلة محرمة، والوسيلة المحرمة لا بد من اجتنابها.
أما الوسيلة المرسلة فهي التي لم يأت الشرع بتحريمها أو تحليلها، وهذه تستخدم عند فقد الوسيلة.
والحلال هو ما جاء الشرع بتجويزه، وهو أن يشرب فيطبق الحديث ولكن دون أن يلتقم ثدي المرأة، ودون أن ينظر إلى العورة، فليس المقصود أن يمص الفم الثدي حتى يصبح حراماً عليها، فالمؤثر في التحريم هو الحليب، وليس مص الثدي ولا النظر إليه، فإن كانت هذه ليست علة مؤثرة والعلة المؤثرة هي وصول الحليب إلى المعدة فيمكن أن يصل الحليب إلى المعدة بأي إناء بعد أن يعصر الثدي وينزل الحليب في مكان معين ثم يشرب، فإذا وصل اللبن إلى المعدة أصبح محرماً.
فنحن وإن قلنا برضاع الكبير ولكن لم نقل بأن ينظر إلى ثديها، أو يمصه؛ لأن هذا محرم في ديننا.
ونكون قد خرجنا مما قالوا كالشعرة من العجين، وقلنا بقول أهل العلم المحققين الذين قالوا بأن هذه واقعة عين لا يقاس عليها إلا مثلها، فنحن نقول بالرضاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بحرمة مس المرأة والنظر إليها.
ولا يجوز للابن أن ينظر إلى ثدي أمه أو ذراعيها أو ساقيها أو الفخذ أو الوريد، فكيف برجل أجنبي؟ فالشريعة تأبى مثل هذا الأمر.
فهذا هو الرد عليهم في هذه القضية.
رد مع اقتباس