عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 2013-03-28, 09:31 AM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 1,255
افتراضي

الآن عن الجهاد والشرح كتاب للعلامة الفاضل .


( شرح زاد المستقنع - كتاب الجهاد [1] )
للشيخ : ( محمد مختار الشنقيطي )

يقول رحمه الله: [كتاب الجهاد]: أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بشعيرة الجهاد.

الجهاد فرض كفاية


[وهو فرض كفاية] (وهو) الضمير عائد على الجهاد، وأما حكمه (فرض كفاية). أما كونه فرضاً: فلأن الله أمر به، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم:9]، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اغزوا في سبيل الله)، والعلماء -رحمهم الله- مجمعون على فرضية الجهاد من حيث الجملة، وجماهيرهم على أنه فرض كفاية؛ ولكن ذهب بعض السلف إلى أنه فرض عين، وهذا القول احتج أصحابه بعموم الآيات التي فيها الأمر بالجهاد في سبيل الله عز وجل، والتي فيها الأمر بالنفير، وقتال أعداء الله عز وجل؛ ولكن هذا القول يعتبر مرجوحاً؛ لأن النصوص دالة على أن الجهاد ليس بفرض عين، وإنما هو فرضٌ على الكفاية، والدليل على ذلك ما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن- أنه ذكر آيات النفير التي في سورة التوبة -وهي أقوى الحجج لمَن قال بفرضية العين، ويقول به أفراد من العلماء وبعضُ السلف، وهم قلة جداً- وقال: نسخها قوله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً [التوبة:122] فإن هذه الآية الكريمة التي هي في آخر سورة التوبة قد بيَّن الله سبحانه وتعالى فيها أن الجهاد ليس بفرض عين، حيث قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً [التوبة:122]، ولو قلنا بظاهر قوله تعالى: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] ونحو ذلك من الآيات الموجبة للجهاد، فإن معنى ذلك أن ينفر المسلمون كافة، ولذلك قال ابن عباس : نسخها قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122] فجعل النفير مختصاً بالبعض دون البعض، ولذلك ذهب جماهير الأمة من السلف والخلف إلى أن الجهاد يعتبر فرضاً على الكفاية، بمعنى: أنه لو قام به البعض سقط الإثم عن الباقين. وعلى هذا: فإن المعتبر به قيام مَن تنسد به الحاجة، وإنما يتعين الجهاد في أحوال ثلاث، وهذه الأحوال وردت النصوص في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيِّن فرضية الجهاد فيها على العين، وأن مَن كان مِن أهلها تعين عليه أن يجاهد، وسيأتي بيانها ويذكرها المصنف رحمه الله. قوله رحمه الله: (وهو فرض كفاية)، ابتدأ ببيان حكم الجهاد وأنه واجب على الكفاية أي: إذا وجد مَن يسد الثغر ويقوم به، سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم الكل. قوله: [ويجب إذا حضره، أو حصر بلده عدوٌّ، أو استنفره الإمام] قال رحمه الله: (ويجب إذا حضره) قوله: (ويجب) أي: يتعين. قبل أن ندخل في تفصيلات المسائل، يحسن بنا أن نبين على مَن يجب الجهاد؟

الشروط التي يجب بها الجهاد

يجب الجهاد ويفرض على من توفرت فيه الشروط التالية: أولها: الإسلام: لأن الله عز وجل خاطب به المسلمين دون غيرهم. وثانيها: البلوغ: فإن الصبيان لا يجب عليهم أن يجاهدوا في سبيل الله عز وجل، ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر عن الغزو لصغر سنه، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: (عُرِضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فلم يجزني -وفي رواية للبيهقي : ولم يرني قد بلغت- وعُرِضت عليه يوم الخندق، فأجازني.
وفي رواية: ورآني قد بلغتُ) ولقد أخذ العلماء من هذا دليلاً على أن الجهاد لا يجب على الصبيان؛ ولأن الأحكام والتكاليف إنما تجب على من بلغ الحلم، قال عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة...
-وذكر منهم- وعن الصبي حتى يحتلم) فدل على أن الصبي لا يتعين عليه فعل الواجبات ولا يجب عليه الجهاد، ولكن لو تطوع الصبي ودخل إلى المعركة، أو احتيج إليه فدخل فيها، فهذا لا بأس به؛ لكن أن يؤمر بذلك أو يُحمل عليه، فهذا تحميل له لما لا يطيقه، وهو من المستضعفين الذين استثناهم الله عز وجل وعذرهم في كتابه. الشرط الثالث: العقل: فلا يجب الجهاد على مجنون، فإن المجنون لا يستطيع أن يحصل مصلحة نفسه، فكيف بالقيام بالجهاد في سبيل الله، وإذا سقط التكليف عن المجنون بالإجماع وبقوله عليه الصلاة والسلام في الثلاثة الذين رفع عنهم القلم كما في الحديث الصحيح: (وعن المجنون حتى يفيق)، فبالإجماع لا يجب الجهاد على مجنون. الشرط الرابع: أن يكون ذكراً: وأما النساء فلا يجب عليهن الجهاد، ولا يقاتلن؛ ولكن إذا خرجن لنفع المجاهدين، بسقي العطشى، ومداواة الجرحى والمرضى بالضوابط الشرعية فلا بأس، ففي الحديث الصحيح عن أم عطية رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نداوي الجرحى، ونسقي المرضى) ولذلك قال العلماء: إن المرأة تداوي الرجل في مثل هذه الحالة؛ لأنه من شدة الألم ووجود الجرح، يعزب عنه رشده، ويذهب عنه إدراكه، فيكون منشغلاً بالألم عن الفتنة، ومن هنا كان من مرونة الشريعة إباحة ذلك لوجود الحاجة، وتعلق ما يقصده الشرع من جلب المصلحة ودرء المفسدة بوجودها، كذلك أيضاً: ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما جُرِح، وشُجَّ -بأبي هو وأمي- يوم أحد، وجَعَل الدم ينزف، جاءت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فكانت تصب من الدرقة عليه صلوات الله وسلامه عليه والجرح ينزف، حتى أخذت حصيراً فأحرقته ثم سدت به الجرح فاندمل ووقف الدم، فهذا يدل على أنه لا بأس بشهود النساء الغزو لمصلحة، مع أمن الفتنة والمحافظة على الضوابط الشرعية. الشرط الخامس: الحرية: فالعبيد والإماء لا يجب عليهم الجهاد لانشغالهم بخدمة أسيادهم. الشرط السادس والأخير: القدرة على الجهاد في سبيل الله عز وجل:- فأما مَن كان مريضاً أو كان شيخاً كبيراً في السن، فأمثال هؤلاء لا يجب عليهم الجهاد، وهكذا إذا احتيج في الجهاد إلى مركب، وليس عنده مركب، ولا يستطيع أن يمشي على رجليه، وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة:92]، فكان الصحابة -رضوان الله عليهم- فقراء الأيدي؛ ولكنهم أغنياء في قلوبهم بالله عز وجل، وكان الرجل منهم قد لا يجد إلا لباسه الذي يواري به سوأته وعورته، وقد يمر عليه اليوم واليومان ولا يجد طعاماً، ولا يجد إلا قدر كفايته، فكان الرجل منهم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يخرج إلى الجهاد، فيعتذر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجد مركباً يُرْكِبُه عليه، فمن قوة إيمانه وحبه لله ورسوله وحبه لهذا الدين وحبه للشهادة في سبيل الله عز وجل يبكي بكاءً شديداً تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا [التوبة:92]، فجمع الله لهم في هذه الآية بين أمرين: بين حزن القلب. وحزن القالب. فحزن القلب في قوله: (حَزَناً)، وحزن القالب في إفاضة العين من الدمع، يقال: فاض الوادي إذا كثر ماؤه، فقال الله عز وجل: (تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ) ولم يقل: تدمع، وإنما قال: (تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)، فهذا يدل على كمال حبهم لله عز وجل، وإيثارهم لمرضاة الله سبحانه وتعالى على حظوظ النفس.
فإذا كان الرجل لا يجد الطاقة والقوة على أن يغزو راجلاً، ولم يجد ما يركبه، فإنه حينئذٍ يعتبر معذوراً، فإن خرج من لا يجب عليه الغزو، كشيخ كبير أو مريض، أو خرج مَن لا يجد المركب، فمشى على قدميه، فهذا فضل منه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. فهذه الشروط ينبغي توفرها للحكم بفرضية الجهاد، فلا يجب الجهاد إلا إذا توفرت هذه الشروط، ولا يصير على الإنسان فرضاً إلا إذا استجمع هذه الشروط المعتبرة لفرضيته.
رد مع اقتباس