[ايوب نصر]

(5)

لعلك يا حبيبي تذكر ما قصصته عليك من خبر فرضية لوكسنبرغ ، و المؤتمر الذي انشيء للنظر في فرضيته و تطويرها ، و ما كان من كلام دانيال ماديغال ، و لا تحسبن يا صاحبي ان هذه الفكرة جديدة المنشأ ، و انما هي قديمة ، و اتخذت لها الاساليب نفسها التي يتم اتخاذها اليوم ، و كأن المستشرقين ، و اتباعهم من اصحاب الطابور الخامس من ابناء جلدتنا ، لم يملوا من الترويج لبضاعتهم الكاسدة .

و لا ضير يا حبيبي ان اعيد على مسامعك كلام دانيال ماديغال ، حتى اربط الامس البعيد باليوم الجديد ، و هذا نص كلامه :
" ... انها تعكس تبصرا في ان ظاهرة التفجير الاسلامي الحديثة تضرب جذورها مع قراءة خاصة للقران ( اي قراة المسلمين له ) و ان طريقة التعامل مع الازمة الجارية في العلاقات مع المسلمين هي ببساطة ان تكذب قراءة كهذه ( اي و تاتيهم بقراءة جديدة او تجعلهم لا يفهمون لغة القران ) ، ان القران في الفكر الشعبي قنبلة مؤقتة تحتاج الى نزع الفتيل " انتهى كلامه
و قد نقل الاستاذ الامام محمود شاكر في كتابه الماتع " اباطيل و اسمار " كلاما لمستشرق اخر و هو " وليم جيفورد بلجراف " قال فيها : " متى توارى القران و مدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ ان نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها الا محمد ( و نقول صل الله عليه و سلم ) و كتابه "

ولا سبيل للابتعاد عن القران ، الذي يعتبر قنبلة يمكن ان تعصف بالحضارة الغربية في الوقت نفسه الذي تقوم فيه افول العرب و المسلمين بالرجوع اليه ، الا ابتعادك عن لغته و اعراضك عنها ، و تعويضها باللغات الاجنبية و العاميات المحلية .

و قد كانت الدعوة الى العامية ، في بلداننا العربية ، تظهر زمنا و تختفي طورا ، و كانت تحمل اسماء مختلفة ، و تتبع فيها طرق متعددة ، فكانت تاتي مرة صريحة فتحمل اسم الدعوة الى العامية ، و كانت تاتي مرات متخفية في لباس الدعوة الى الفرعونية و الاشورية و البابلية و قد تولى هذا الباب طه حسين العميد !!!! ، و تاتي احيانا في لباس التقريب بين الفصحى الى العامية ، و قد حمل هذا الهم لطفي السيد ، و تاتي طورا في لباس ترك اللغة الخشنة و الاهتمام بالمعنى ، و كان ابرز دعاتها التالف سلامة موسى ، و لك ان تعجب كل العجب حين تعلم ان هذه الدعوة حمل هم الدعوة اليها ايضا مجامع اللغة العربية .

و كان كلما اطل علينا احد بهذه الدعوة الا و كان يتصدى له رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فصانوا العهد ، و حفظوا الود ، و ثبتوا على القول الصحيح و الراي السديد ، فمنهم من لحق بالله و منهم من ينتظر اجله ، ثم انتهينا الى يوم الناس هذا ، و تم احياء هذه الدعوة الخبيثة .

و سردت عليك في عجالة ، هذه الرحلة الطويلة و الاشكال المتعددة ، التي اخذتها هذه الدعوة ، و بينت لك منشأها ، حتى تكون على بينة من امرك ، و تعلم ان هناك اهدافا كبرى وراء هذا المخطط ، و قد كان يكفي ان اربط لك بين دعوة طه حسين التي اشرت اليها اعلاه ، و بين طبيعة بلدنا و الاجناس التي يتكون منها ، ليظهر لك جليا واضحا ان الدعوة الى العامية انما هي دعوة الى تفتيت المفتت و تشتيت المشتت ، و لكن اعرضت عن ذلك لان الامر يطول شرحه و بيانه ، و اظنني اديت لك اقصى حقك علي ، فان فهمتني يا حبيبي و وعيت عني كلامي ، فان هذا ما انشده و ارغب فيه ، و ان لم تجد الى فهمي سبيلا فيبقى عزائي ان ياتي بعدك حبيب اخر يفهمه و ينتبه اليه .

هذا ، و قد وصلت ، بعد هذه الرحلة المتعبة الى نهاية هذه المقالات ، و لم يبق عندي الا نقطة لابد لي ان انبهك اليها ، و هي انه لكل دولة غربية لغة ادبية و لغة عامية ، و لم نسمع يوما انه قامت فيهم دعوات الى ادراج العامية في مقرراتهم التعليمية او كتبهم الادبية و العلمية

انتهت الرحلة

كتبه : يوم السبت 5 محرم 1440 (15/09/2018 )