عرض مشاركة واحدة
  #141  
قديم 2011-01-20, 09:40 PM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 431
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(10)
وبعض آيات من سورة الممتحنة

حماية حرية المرأة في إختيار العقيدة

قررت الشريعة الإسلامية حرية العقيدة الدينية منذ 15 قرنا قبل أن ينص ذلك صراحة في وثيقة حقوق الإنسان في القرن الماضي.
قال تعالى: ( لا إكراه في الدين )
وشددت الشريعة في حماية الحرية للنساء المؤمنات وتوفير مناخ الأمن لهن للعيش في كرامة دون ضغوط نفسية أو جسدية تكرههن على إعتناق ما لا تقتنع به تحت وطئة التعذيب أو الحبس.
ولم يحدث في الدول المتحضرة مصادرة حق المرأة إذا اعتنقت الإسلام ,
وكذلك في حدوث العكس , لم تفرض الشريعة حبس المرأة الكافرة , بل تركها واختيارها ,
فالمبدأ أن الطيبين للطيبات , والخبيثين للخبيثات.
وأن نبي الله ( نوح ) لم يكره امرأته للإيمان.
وكذلك نبي الله ( لوط ) لم يكره امرأته على الإيمان.
وفي المقابل لم يستطع فرعون اكراه امرأته على الكفر.
قال تعالى في سورة التحريم:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ – 10 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ -11

وبناء على ذلك لابد من حماية حرية المرأة في اختيار عقيدتها وكذلك الرجال, ولكن جاء النص صراحة بالنسبة للنساء تأكيدا على حمايتهن من قبل الدولة التي منوط بها حماية جميع رعايها وتوفير الأمن والأمان لجميع المواطنين على اختلاف مللهم.

وتعالوا نستمع إلى كلام الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - 10 وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ - 11

وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه: على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا .
فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ; وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة .
فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ,لكي لا يفتن في دينهن وهن ضعاف.
ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها , تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر , وما فيها من شطط وجور .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ )

وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة , فلا يكون تخلصا من زواج مكروه , ولا طلبا لمنفعة , ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام.
قال ابن عباس:كان يمتحنهن: بالله ما خرجت من بغض زوج , وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض , وبالله ما خرجت التماس دنيا , وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وقال عكرمة: يقال لها: ما جاء بك إلا حب الله ورسوله , وما جاء بك عشق رجل منا , ولا فرارا من زوجك.
وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله تعالى . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله , ولا سبيل للبشر إليها:

( الله أعلم بإيمانهن ,فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )

فالإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى , فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه , ولا أن يأنس به , ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن. ولا ارتباط إلا بين الذين يرتبطون بالله تعالى ...

( وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا, وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

ومع إجراء التفريق إجراء التعويض - على مقتضى العدل والمساواة - فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر . كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته.
وبعد ذلك يحل للمؤمنين زواج المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن وانقضاء العدة أو وضع الحمل.

ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة , ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه . وهو يوقن أن مرده إلى الله تعالى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ

فإيمانكم بالله، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى على الدوام.
وهكذا تكون تلك الأحكام بالمفاصلة بين الأزواج تطبيقا واقعيا للتصور الإسلامي عن قيم الحياة وارتباطها بالحرية الدينية, ومنعا للمشاكل الزوجية التي تنشأ عن إختلاف العقيدة.
فلإسلام يقيم الحياة كلها على أساس العقيدة , وربطها كلها بمحور الإيمان التي تنشأ عنه حياة أسرية سعيدة تقوم على المودة والرحمة , وإنشاء عالم إنساني تذوب فيه فوارق الجنس واللون واللغة والنسب والأرض .

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس