عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2014-06-08, 06:59 AM
مناظر سلفي مناظر سلفي غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-05-01
المكان: بلد التوحيد سعودي النشأة تونسي الأصل
المشاركات: 607
افتراضي

4.#العذر بالخطأ:#

فالخطأ ضد الصواب(51)، وهو من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال أخطأ(52)#فيعذر اﻹ‌نسان إذا صدر منه بالخطأ أمر كفري، وقد روى ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:#«إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(53).

ومن اﻷ‌دلة على هذا الضابط قصة الرجل من بني إسرائيل الذي أمر أهله عند موته بحرقه وطحنه، وقد سبق الحديث عنه في العذر بالجهل فينظر هناك، فالمخطئ حكمه حكم الجاهل والمتأول فﻼ‌ يحكم عليه بكفر إﻻ‌ بعد قيام الحجة عليه، قال تعالى:#﴿ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾#[اﻷ‌حزاب: 5].

والخطأ سواء كان بعد اﻻ‌جتهاد في مسألة معينة، أو من قصد شيئاً فوقع غير ما قصده فهو معذور يقول شيخ اﻹ‌سﻼ‌م وهو يتحدث عمن أجتهد وقصد الحق فأخطأ: "وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فاخطأ لم يكفر بل يغفر له خطأه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بﻼ‌ علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقا وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته فالتكفير يختلف بحسب اختﻼ‌ف حال الشخص فليس كل مخطئ وﻻ‌ مبتدع وﻻ‌ جاهل وﻻ‌ ضال يكون كافراً"(54).

ومن اﻷ‌دلة قصة الرجل الذي قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح وقد سبق الحديث عنه.

5.#التأويل:#والمراد بالتأْويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه اﻷ‌َصلي إِلى ما يَحتاج إِلى دليل لوﻻ‌ه ما تُرِك ظاهرُ اللفظ(55).

فإذا كان الرجل لم تبلغه النصوص لمعرفة الحق، أو لم تثبت عنده، أو عجز عن فهمها فهماً صحيحاً، أو عرضت له شبهة فقال متأوﻻ‌ً قوﻻ‌ً كفرياً، أو عمل عمﻼ‌ً يوجب الردة فإنه يعذر وﻻ‌ يكفر، إﻻ‌ بعد قيام الحجة عليه وإظهار خطئه في هذا التأويل، وإعﻼ‌مه بالحق فإن تمادى فإنه يكون جاحداً ومعانداً فيحكم بكفره.

يقول شيخ اﻹ‌سﻼ‌م: "وهكذا اﻷ‌قوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فان الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة اﻹ‌سﻼ‌م"(56).

ويقول ابن القيم-رحمه الله-: "والخاص المقيد: أن يجحد فرضا من فروض اﻹ‌سﻼ‌م أو تحريم محرم من محرماته أو صفة وصف الله بها نفسه أو خبرا أخبر الله به عمدا أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من اﻷ‌غراض، وأما جحد ذلك جهﻼ‌ أو تأويﻼ‌ يعذر فيه صاحبه: فﻼ‌ يكفر صاحبه به كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا"(57).

ومن أشهر ما يستدل به أهل العلم على اﻹ‌عذار بالتأويل قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- عندما أرسل كتاباً إلى مشركي مكة يخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم والقصة في الصحيح وقد جاء فيه" فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:#«يا حاطب ما هذا»#قال يا رسول الله: ﻻ‌ تعجل علي إني كنت أمرأً ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا وﻻ‌ ارتدادا وﻻ‌ رضا بالكفر بعد اﻹ‌سﻼ‌م فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:#«لقد صدقكم»، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:#«إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»(58).
فحاطب -رضي الله عنه- كان مخطئاً وصنع ذلك متأوﻻ‌ً وظن عدم حصول الضرر،وقد عذر بذلك.

يقول شيخ اﻹ‌سﻼ‌م ابن تيمية وهو يتحدث عن مودة غير المسلمين "وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه، وﻻ‌ يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي وأنزل الله فيه#﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾#[الممتحنة: 1]"(59) .

وهو مذهب أهل السنة أعني عدم التكفير بالتأويل وقد سبق وذكرنا ما نقله شيخ اﻹ‌سﻼ‌م ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن اﻹ‌مام احمد بن حنبل-رحمه الله- من عدم تكفير الجهمية ومن نصر مذهبهم من وﻻ‌ة اﻷ‌مور بأعيانهم وأنهم متأولون مخطئون(60).

6.#التكفير حكم شرعي:#فهو يثبت بالشرع وليس بأقوال الرجال.
يقول ابن القيم -رحمه الله-:
الكفر حق الله ثم رسوله *** بالشرع يثبت ﻻ‌ بقول فﻼ‌ن
من كان رب العالمين وعبده *** قد كفراه فذاك ذو الكفران (61)
فالكفر حكم شرعي متلقي عن صاحب الشريعة والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرا في الشرع(62).

يقول شيخ اﻹ‌سﻼ‌م: فلهذا كان أهل العلم والسنة ﻻ‌ يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ﻷ‌ن الكفر حكم شرعي فليس لﻺ‌نسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه و تزني بأهله ﻷ‌ن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى وكذلك التكفير حق لله فﻼ‌ يكفر إﻻ‌ من كفره الله ورسوله(63).

فهذه جملة من الضوابط التي يجب مراعتها والتنبه لها في هذه المسألة العظيمة التي أدت إلى تفريق كلمة المسلمين "والله تعالى نص على تحريم التفرق في كتابه الكريم وجاء ذلك بعبارات كثيرة في الكتاب والسنة وﻻ‌ أفحش في التفرق من التوصل إلى التكفير بأدلة محتملة تمكن معارضتها بمثلها ويمكن التوصل بها إلى عدم التكفير وإلى جمع الكلمة وإنما قلنا أنه ﻻ‌ أفحش من ذلك في التفرق المنهي عنه لما فيه من أعظم التعادي والتنافر والتباين"(64).

فينبغي التورع والتثبت في المسألة فقد تورع جمهور العلماء من تكفير من اقتضت النصوص كفره من الخوارج فقد امتناع كثير من الصحابة الكرام ومن جاء بعدهم من أهل العلم من تكفير الخوارج مع ورود النصوص التي تبين أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، ويبين اﻹ‌مام النووي-رحمه الله- مذهب أهل السنة فيقول: "واعلم أن مذهب أهل الحق أنه ﻻ‌ يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وﻻ‌ يكفر أهل اﻷ‌هواء والبدع وأن من جحد ما يعلم من دين اﻹ‌سﻼ‌م ضرورة حكم بردته وكفره إﻻ‌ أن يكون قريب عهد باﻹ‌سﻼ‌م أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك فان استمر حكم بكفره وكذا حكم من استحل الزنى أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة"(65).

وﻻ‌ بد من أدراك خطورة التوسع في هذه المسألة، فمذهب سلف اﻷ‌مة في تكفير المعين والحكم عليه بالتخليد في النار، ﻻ‌ بد فيه من ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه وتحقق ضوابطه فهم ﻻ‌ يكفرون من قال كلمة الكفر جاهﻼ‌ً، أو عرضت له شبهة، وﻻ‌ يكفرون المعين إﻻ‌ بعد قيام الحجة المعتبرة وتحقق الشروط وانتفاء الموانع، فﻼ‌ يُقْدِمون على التكفير أو التفسيق إﻻ‌ وفق ضوابط وقواعد.

والحمد لله رب العالمين الهادي إلى الصراط المستقيم وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

جمع وإعداد:
خالد حسن محمد البعداني
بتاريخ: 28/ صفر/ 1428هـ،الموفق: 18/ 3/ 2007م.مراجعة: علي عمر بلعجم 15/ 4/ 2007م.
رد مع اقتباس