عرض مشاركة واحدة
  #42  
قديم 2013-11-05, 02:30 PM
محمدع محمدع غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-11
المكان: الوسط التونسي
المشاركات: 824
افتراضي

الى حين ان تعي بلسان عربي وقلب عربي وبعقل انساني وبعقيدة اسلامية مادمت تزعم انك كذلك والتى ثبت ان زعمك سراب وخبث فعدد هويتك وقصد ك من الحوار وتفضل نتفق على ظوابطه الى حين ذلك سلاما سلاما ومع هذا الفاصل للفائده
حتى تركن للمجادة الحسنة وظوابطها ووفق بيان هويت فكرك وعقيدتك وعلى اي موضوع تريد مناقشته ابتداء
وقد ورد ذم الجدال في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعند سلف الأمة. يقول الله تعالى: ((ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد)) [غافر:4]، ويقول الله تعالى: ((الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار)) [غافر:35].

ويقول جل ذكره: ((إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه)) [غافر:56]، والآيات في هذا المعنى من كتاب الله كثيرة.

وأما في السنة فقد جاء ذم الجدال وأهله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " [6].

قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه: " الألد شديد الخصومة مأخوذ من لَدِيدَي الوادي، وهما جانباه، لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل والله أعلم" [7].

وروى الترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ: ((ما ضربوه لك إلا جدلا)) [الزخرف:58] " [8].

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجدل، والاختلاف في كتاب الله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه " [9].

وفي صحيح مسلم عند عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " هجّرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قال: فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرف في وجهه الغضب، فقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب " [10].

وفي رواية ابن ماجة وأحمد رحمهما الله: قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربوا القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم " [11].

وأما سلف الأمة الصالح فقد جاء نهيهم عن الجدال في الدين في كثير من الآثار نقل بعضها الآجري في الشريعة في (باب ذم الجدال والخصومات في الدين) [12] وابن بطة في الإبانة الكبرى في (باب النهي عن المراء في القرآن) [13] واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة في (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع، وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحادثة وأرائهم الخبيثة) [14] وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله في (باب ما يكره فيه المناظرة والجدال والمراء) [15] والحافظ إسماعيل الأصفهاني في الحجة في بيان المحجة في (فصل في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والاستماع إلى أقوالهم) [16].

فقد جمعت هذه المصادر المئات من الروايات عن السلف في ذم الجدال والمراء والخصومة في الدين، ونقل هذه الآثار قد يطول، وإنما أذكر منها ما جاء مصرحاً فيه باتفاق الأئمة على هذا الباب، ومن أراد مزيد الاطلاع فعليه بمراجعة تلك المصادر، وهي متوفر بحمد الله.

روى ابن بطة في الإبانة عن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى قال: " أدركنا الناس وهم على الجملة يعني لا يتكلمون لا يخاصمون " [17].

وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد رحمه الله تعالى قال: " أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أولية الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير " [18].

وعن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين" [19].

يقول ابن بطة بعد نقله للآثار عن السلف في النهي عن الجدال في الدين: " فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة، والخلاف والمماحلة، والأهواء المختلفة، والآراء المخترعة من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق الفضلاء ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا ممن حكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف " [20].

يقول الإمام البغوي رحمه الله تعالى: " واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوص في علم الكلام وتعلمه " [21].

هذا ما جاء في الجدال والنهي عنه بوجه عام، وأما ما جاء في النهي عن مجادلة أهل البدع خاصة فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)) [آل عمران:7] قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " [22].

فهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم عن مجادلة أهل البدع فإنهم هم أهل الزيغ، وهم الذين يجادلون بالمتشابه.

يقول أيوب السختياني: " لا أعلم أحداً من أهل الأهواء يخاصم إلا بالمتشابة "
[23].

قال الإمام النووي في شرح الحديث: " وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع، ومن يتبع المشكلات للفتنة، فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه، وجوابه واجب، وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغ بن عَسْل حين كان يتبع المتشابه " [24].

وقد جاءت أقوال السلف كذلك محذرة من مجادلة أهل البدع وترك مخاصمتهم، والآثار المنقولة عنهم في هذا لا تكاد تحصر لكثرتها، ولكن أقتصر على ذكر نماذج منها:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: " إن التكذيب بالقدر شرك فتح على أهل الضلالة، فلا تجادلوهم فيجري شركهم على أيديكم " [25].

وعن أبي قلابة رحمه الله تعالى أنه قال: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم " [26].

وروى ابن بطة عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين رحمهما الله أنهما كانا يقولان: " لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم " [27].


وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: " لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله "باهوائهم وفساد وبطلان تاويلهم شرعا وعقلا [29].

وروى ابن بطة عن حنبل بن إسحاق رحمه الله قال: كتاب رجل إلى أبي عبد لله (يعني الإمام أحمد) رحمه الله كتاباً يستأذنه فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم، ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله: " بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا من أهل العلم: أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك ولا هم يرجعون فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم " [30].

ويقول الإمام اللالكائي مبيناً ما جنته مناظرة المبتدعة من جناية على المسلمين، مقارناً بين حال المبتدعة في عصر السلف الأول، وما كانوا عليه من ذل وهوان، وبين حالهم بعد فتح باب المناظرات معهم، عند بعض المتأخرين وما أصبح لهم بسبب ذلك من صيت وجاه حتى أصبحوا أقراناً لأهل السنة في نظر العامة.

" فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمداً ودرداً ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا، حتى كثرت بينهم المشاجرات، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقراناً وأخدانا، وعلى المداهنة خلاناً وإخوانا، بعد أن كانوا في الله أعداء وأضداد وفي الهجرة في الله أعواناً يكفرونهم في وجوههم عيانا، ويلعنونهم جهارا، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين " [31].

فظهر من خلال هذه الآثار ذم السلف للمجادلة بوجه عام، ولمجادلة أهل البدع بوجه خاص، وإعراضهم عن مجادلتهم وتحذيرهم الناس منها، واعتبار أنها بدعة في الدين، كما ثبت قبل ذلك ذم الله للجدال وأهله، وذم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً بما تقدم نقله من النصوص آنفاً، التي هي عمدة السلف في تقرير ما ذهبوا إليه من ذم الجدال والمجادلين في الدين.

وإذا ما ثبت تقرير ذلك فليعلم أن ما ثبت في النصوص وكلام السلف من الذم للجدال وأهله والتحذير من مجادلة أهل البدع ليس على عمومه، بل جاء الأمر ببعض صور المجادلة والثناء عليها وعلى أهلها في بعض النصوص من الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل:125].

وقد أخبر الله تعالى في معرض امتنانه على بعض أنبيائه: أنه آتاهم الحجة على قومهم كما في قوله تعالى: ((وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء)) [الأنعام:83].

وكما أخبر الله عن بعض صور محاجة إبراهيم ومناظرته لقومه على سبيل التقرير له، والثناء عليه بها، كما في قوله جل شأنه: ((ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر)) [البقرة:258].

وقال تعالى مخبراً عن مناظرة أخرى لإبراهيم مع أبيه وقومه: ((قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) [الأنبياء: 52-56] إلى قوله بعد ذكر قصة تحطيم إبراهيم عليه السلام لأصنامهم: ((قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [الأنبياء:63-67].

كما أخبر تعالى عن محاجة موسى عليه السلام لفرعون ومقارعته الحجة بالحجة، في قوله: ((قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ)) [الشعراء:23-30] وقال تعالى مخبراً عن قوم نوح: ((قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)) [هود:32].

والآيات في قصص مناظرات أنبياء الله لأقوامهم ومحاجاتهم لهم من كتاب الله كثيرة.

ومن السنة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تحاجِّ آدم وموسى عليهما السلام: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم: أنت موسى. اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً)) [32].

وكذلك أقوال السلف وأفعالهم، دلت على جواز المناظرة، والمجادلة في بعض الأحيان. قال ابن رجب: " قال كثير من أئمة السلف ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوا فقد كفروا " [33].

ومن ثنائهم على المناظرة إن كانت للتعلم: قول عمر بن عبد العزيز: " رأيت ملاحاة الرجال تلقيحاً لألبابهم " [34].

وقال عمر بن عبد العزيز أيضاً ومالك بن أنس: " ما رأيت أحداً لاحى الرجال إلا أخذ بجوامع الكلم " قال يحيى بن مزين: يريد بالملاحاة هنا: المخاوضة والمراجعة على وجه التعليم والتفهم والمدارسة والله أعلم. نقل ذلك عمر ومالك من رواية يحيى بن مزين ابن عبد البر في معرض استدلاله لإثبات المناظرة في باب مستقل من كتاب (جامع بين العلم) بعنوان (باب إثبات المناظرة والمجادلة) [35].

وقد وقع المناظرات بين السلف أنفسهم في كثير من المسائل والأحكام، مما يدل على جواز ذلك عندهم. قال ابن عبد البر: "وأما تناظر العلماء وتجادلهم في مسائل الأحكام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن تحصى وسنذكر منها شيئاً يستدل به " [36] ثم ساق لذلك أمثلة منها:

قال زيد بن ثابت لعلي في المكاتب: أكنت راجمه لو زنى؟ قال: لا، قال: فكنت تجيز شهادته؟ قال: لا، قال: فهو عبد ما بقي عليه درهم.

وناظر عبيد الله بن عمر أباه في المال الذي أعطاه أياه وأخاه أبو موسى، وقال عبيد الله: لو تلف المال ضمناه فلنا ربحه بالضمان.

وناظر أبو هريرة عبد الله بن سلام في الساعة التي في يوم الجمعة [37].

وهذا الذي ذكره ابن عبد البر أمثلة لبعض ما وقع بين السلف أنفسهم من مناظرات، وأما مناظرتهم لأهل البدع فيه أشهر من أن تذكر، وإنما أكتفي بالإشارة إلى بعضها فمنها: مناظرة علي وابن عباس رضي الله عنهما للخوارج، على ما هو مبسوط في كتب السنة والفرق [38].

وناظر عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى غيلان الدمشقي القدري حتى انقطع، وأعلن التوبة، إلا أنه عاد بعد موت عمر، روى ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/714-716). وناظر عمر أيضاً الخوارج على ما نقل ذلك ابن عبد البر (جامع بيان العلم وفضله ص431-473).

وناظر الأوزاعي رحمه الله قدرياً طلب المناظرة، فحجه وقد روى ذلك اللالكائي (2/718-719) وكذا الإمام الشافعي ناظر حفص الفرد فغلبه نقل ذلك أبو نعيم في الحلية (9/115).

ومناظرات الإمام أحمد للجهمية بمحضر الخليفة مشهورة، ذكر بعضها الإمام نفسه في كتاب الرد على الزنادقة والجهمية ص41-57 وغير ذلك من مناظرات السلف لأهل البدع.

فظهر بهذه النقول من الكتاب والسنة، وأقوال السلف في الأمر بالمجادلة والمناظرة، والثناء عليها وعلى أهلها، ومباشرة السلف لها مع بعضهم، ومع أهل البدع، مع ما تقدم عرضه أولاً من النصوص والآثار عن السلف في ذم المجادلة والتحذير من مجادلة أهل البدع: أن المجادلة والمناظرة تنقسم من حيث ذمها ومدحها والأمر بها والنهي عنها في الكتاب والسنة وأقوال السلف إلى قسمين مجادلة مذمومة منهي عنها، ومجادلة محمودة مأمور بها.

وإذا كان الأمر كذلك فلابد من تمييز المجادلة المذمومة المنهي عنها، من المجادلة المحمودة المأمور بها، ليكون المسلم على بينة من هذا الأمر، وعلى بصيرة في هذا الباب فيحقق المشروع فيه ويبتعد عن المنهي عنه.

وقد ذكر بعض أهل العلم ضوابط تميز بين النوعين، وتجمع بين النصوص في مدح الجدال وذمه، يقول النووي رحمه الله: " واعلم أن الجدال قد يكون بحق، وقد يكون بباطل قال الله تعالى: ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)) [العنكبوت:46] وقال تعالى: ((وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل:125] وقال تعالى: ((ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا)) [غافر:4] فإن كان الجدال للوقوف على الحق وتقريره كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحق، أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزل النصوص الواردة في إباحته وذمه " [39].

ويقول الشوكاني رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ((ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا)) [غافر:4] .. والمراد الجدال بالباطل والقصد إلى دحض الحق كما في قوله تعالى: ((وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)) [غافر:5] فأما الجدال لاستيضاح الحق، ورفع اللبس، والبحث عن الراجح والمرجوح، وعن المحكم والمتشابه، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن، وردهم بالجدال إلى المحكم، فهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب، فقال: ((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)) [آل عمران:187] " [40].

ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح لمعة الاعتقاد:

"وينقسم الخصام والجدال في الدين إلى قسمين:

الأول: أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق وإبطال الباطل، وهذا مأمور به إما وجوباً أو استحباباً بحسب الحال لقوله تعالى: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل:125].

الثاني: أن يكون الغرض منه التعنيت أو الانتصار للنفس أو للباطل فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى: ((ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا)) [غافر:4] وقوله: ((وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب)) [غافر:5] " [41].

ويقول الشيخ بكر أبو زيد في كتابه (الرد على المخالف): " ومجادلة من جنح به الرأي إلى قول شاذ، أو إحداث قول جديد في مسألة: باب عظيم من أبواب النصح والإرشاد، فالرد والمجادلة عن الحق بالحق رتب ومنازل، وقد جعل الله لكل شيء قدرا " [42] ذكر هذا ضمن حديثه عن الرد المحمود في الدين.

ويقول في معرض حديثه عن الرد المذموم { وعلى هذا النوع (الرد المذموم) تتنزل ردود المخالفين – كأهل البدع والأهواء – على أهل السنة والجماعة ومجادلتهم وإيذائهم وهضم ما هم عليه من الحق والهدى .

وقد بين الله سبحانه في القرآن الكريم أنواع مجادلتهم الآثمة وذمها، وهي ثلاثة أنواع: [43] 1- المجادلة بالباطل لدحض الحق: وقد ذمها لله تعالى بقوله: ((وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)) [غافر:5]. 2- المجادلة في الحق بعدما تبين: وقد ذمها الله سبحانه بقوله: ((يجادلونك في الحق بعدما تبين)) [الأنفال:6]. 3- المجادلة فيما لا يعلم المحاج: وقد ذمها سبحانه بقوله: ((ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم)) [آل عمران:66].

وعلى هذه الأنواع الآثمة من أنواع المجادلة بالباطل، وما جرى مجراها كالمجادلة بتمشابه القرآن، والمراء في القرآن، ومجادلات المنافقين، والجدل في بدعة والجدل لتحقيق العناد .. وهكذا من كل مجادلة تنصر الباطل، أو تفضي إلى نصرته وتهضم الحق، وتحقق العناد تتنزل النصوص من الكتاب والسنة التي تذم الجدل والمجادلة، كقوله تعالى: ((ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص)) [الشورى:35].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة مرفوعاً: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: ((ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون)) [الزخرف:58] ".

وعلى هذا النوع المذموم يتنزل أيضاً كلام السلف في ذم الجدل والمجادلة } [44].

والمتحصل من كلام أهل العلم في المفارقة بين نوعي الجدال المحمود والمذموم: أن المجادلة المحمودة: هي ما كانت لإثبات الحق، أو دفع باطل، أو للتعليم والاستيضاح فيما يشكل على الإنسان من المسائل.

وأن المجادلة المذمومة: هي ما كانت لرد الحق أو لنصرة الباطل، أو كانت في ما نهى الله ورسوله عن المجادلة فيه كالمجادلة في المتشابه، وفي الحق بعد ما تبين، أو كانت لحظ النفس: كإظهار العلم، والفطنة والذكاء مراءاة للناس وطلباً لثنائهم، أو لغير ذلك من المقاصد المذمومة كالعناد والتعصب للرأي.

وفي الحقيقة إنه بعد تأمل النصوص وكلام السلف، وأقوال أهل العلم في المفارقات بين المجادلة المحمودة، والمجادلة المذمومة، نجد أنها لا تخرج عن ثلاثة أمور:

فهي إما متعلقة بأصل النية، وإما متعلقة بموضوع المجادلة، وإما متعلق بالمتجادلين: وفيما يلي تفصيل لذلك على حسب ما جاء في النصوص وأقوال أهل العلم:

أولاً: ما يتعلق منها بأصل النية:

والفوارق المتعلقة بالنية من أعظم الفوارق لما لها من أثر عظيم في الأعمال، من حيث قبولها أو ردها ومدحها أو ذمها، ففي حديث عمر المشهور يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأعمال بالنية، ولامرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرتها إلى ما هاجر إليه " [45].

والجدال هنا إن صلحت فيه النية لله، وكان مبعثه مقصداً حسناً، فهو محمود إن استوفى بقية شروط المجادلة – التي سأذكرها فيما بعد -. وأما إن لم يرد به وجه الله وكان مبعثه مقصداً سيئاً، فإنه مذموم من أصله.

فمن المقاصد الحسنة للمجادلة: أن يكون القصد منها الدعوة إلى الله والرد على المخالفين، وهذا مما أمر الله به نبيه في قوله: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل:125] فجعل المجادلة بالتي هي أحسن في المرتبة الثالثة من مراتب الدعوة، بعد مرتبتي الدعوة بالحكمة، وبالموعظة الحسنة.

ولهذا أثنى الله على أنبيائه في محاجاتهم لأقوامهم ومناظرتهم لهم، على ما تقدمت الآيات في ذلك لأنها من هذا الباب.

ومن المقاصد الحسنة للمجادلة أيضاً أن يكون المراد منها التعلم والتفقه، والتناصح في الدين كما كان على ذلك سلف الأمة الصالح.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: ((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)) [النساء:59] وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة " [46].

وعلى هذا يحمل كلام السلف في مدح الجدال كما تقدم عن عمر بن عبد العزيز " رأيت ملاحاة الرجال تلقيحاً لألبابهم ".

وما يروى عن عمر أيضاً ومالك رحمهما الله: " ما رأيت أحداً لاحى الرجال إلا أخذ بجوامع الكلم ".

وما يروى عن أسد بن الفرات رحمه الله أنه قال: " بلغني أن قوماً كانوا يتناظرون بالعراق في العلم، فقال قائل: من هؤلاء، فقيل: قوم يقتسمون ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم " [47].

وأما مقاصد الجدال السيئة فكثيرة، وقد ذكر الله تعالى بعضها في كتابه: فمنها: المجادلة بقصد دحض الحق ورده: كما قال تعالى: ((وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)) [غافر:5].

ومنها: أن يكون القصد منها هو مجرد المجادلة والعناد، كما أخبر الله تعالى عن كفار قريش في قوله: ((ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوا لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون)) [الزخرف:57-58].

ومن مقاصد الجدال المذمومة أيضاً: أن يكون المراد به إظهار العلم والفطنة والذكاء، وقوة الحجة مراءاةً للناس وطلباً للدنيا، فكل هذه المقاصد، تفسد ثواب المجادلة، وتبطل أجرها ولو كانت في حق لأنها لم يرد بها وجه الله تعالى، وإنما أريد بها حظ النفس.

فظهر بهذا الفرق بين المجادلة المحمودة والمذمومة عن طريق تلك المفارقات المتعلقة بالنية الباعثة عليها.

ثانياً: ذكر المفارقات المتعلقة بموضوع المجادلة:

فالمجادلة تكون محمودة أو مذمومة تبعاً لموضوع المجادلة. فإن كانت المجادلة والمناظرة في شيء من مسائل الأحكام الفقهية، كأحكام الطهارة والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والنكاح، والطلاق، وغيرها من أبواب الفقه: فهي محمودة مع صلاح النية ومراعاة آداب وشروط المجادلة الصحيحة.

قال ابن بطة رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر بعض الروايات عن السلف في التحذير من المجادلة المذمومة " فإن قال قائل فهذا النهي والتحذير عن الجدل في الأهواء والمماراة لأهل البدع قد فهمناه ونرجو أن تكون لنا فيه عظة ومنفعة، فما نصنع بالجدل والحجاج فيما يعرض من مسائل الأحكام في الفقه، فإنا نرى الفقهاء وأهل العلم يتناظرون على ذلك كثيراً في الجوامع والمساجد، ولهم بذلك حلق ومساجد، فإني أقول له: هذا لست أمنعك منه ولكني أذكر لك الأصل الذي بنى المسلمون أمرهم عليه في هذا المعنى كيف أسسوه ووضعوه " [48].

ثم ساق الآداب الواجب مراعاتها في المناظرة.

وكذلك إذا كانت المجادلة في أصل من أصول الدين يمكن أن يظهر الحق فيه بالمجادلة والمناظرة، فالمجادلة فيه أيضاً ممدوحة على ما جرى بذلك فعل السلف فإنهم كانوا يناظرون أهل البدع في كثير من المسائل المتعلقة بأصول الدين كمناظرتهم للقدرية والخوارج والجهمية وغيرهم، وقد تقدم ذكر نماذج من تلك المناظرات.

وأما إن كانت المجادلة في ما نهى الله عن المجادلة والمناظرة فيه: فإنها تكون مذمومة كالمجادلة في متشابه القرآن فإنها مذمومة لقول الله تعالى: ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)) [آل عمران:7] فأخبر الله أن الذين في قلوبهم زيغ هم الذين يأخذون بالمتشابة ليمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة [49] وأن الراسخين في العلم يؤمنون به لأنهم يعلمون أنه من عند ربهم.

ولهذا كان أهل الباطل من أهل البدع وغيرهم يجادلون بالمتشابه دون أهل الحق فإنهم لا يخوضون فيه بغير علم. قال أيوب السختياني في الأثر المتقدم عنه " لا أعلم من أهل الأهواء يخاصم إلا بالمتشابة ".

ومما نهى الله عن المجادلة فيه: المجادلة في الحق بعد ما تبين يقول تعالى: ((يجادلونك في الحق بعد ما تبين)) [الأنفال:6] وذلك لأن المجادلة إنما تكون لاستظهار الحق وتقريره، فالمجادلة في الحق بعد ظهوره ووضوحه لا معنى لها، بل هي ضرب من العناد والمكابرة قال تعالى: ((فماذا بعد الحق إلا الضلال)) [يونس:32].

" واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه " [50].

وجملة القول في هذا الباب: أن كل مسألة من مسائل العلم أمكن عن طريق المجادلة التوصل إلى الحق فيها وإلزام الخصم به فالمجادلة فيها محمودة، وكل مسألة نهى الله عن الجدال فيها أو لا يمكن التوصل إلى الحق فيها لقصور العلم البشري عن إدراكه فالمجادلة فيها مذمومة.

ثالثاً: ذكر المفارقات المتعلقة بالمجادلين:

فالمجادلة تتأثر من حيث مدحها وذمها بأحوال المجادلين وما يقوم بهم من صفات. فتكون محمودة في حق بعضهم ومذمومة في حق آخرين. فتحمد المجادلة إن كانت من عالم يعرف ما يجادل فيه، وتذم إن كانت من جاهل لا يعرف ما يجادل فيه. يقول الله تعالى ذاماً المجادلة فيما لا يعلم المجادل: ((ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم)) [آل عمران:66] ويقول تعالى: ((ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد)) [الحج:3] ويقول: ((ومن الناس يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)) [الحج:8].

فالعلم شرط أساس في المجادلة وإلا كانت مذمومة على ما دلت عليه الآيات. خصوصاً إن كانت مع أهل البدع فإنه يخشى إن كان المجادل لهم غير عالم أن يظهروا عليه بالحجة، فيظن العامة أن الحق معهم فيضل ذلك الشخص ويُضل غيره بإقدامه على المجادلة من غير علم.

نقل الشاطبي في الاعتصام أن رجلاً من أهل السنة كتب إلى مالك بن أنس: " إن بلدنا كثير البدع، وإنه ألف كتاباً في الرد عليهم: فكتب إليه مالك يقول له إن ظننت ذلك بنفسك خفت أن تزل فتهلك، لا يرد عليهم إلا من كان ضابطاً عارفاً بما يقول لهم، لا يقدرون أن يعرجوا عليه، فهذا لا بأس به، وأما غير ذلك فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه، أو يظفروا منه بشيء فيطغوا ويزدادوا تمادياً على ذلك " [51].

كما يشترط في المجادلة لتكون محمودة أن يغلب على ظن المجادل قبول مجادله للحق لو تبين له، وإلا فالمجادلة مع من يغلب على الظن مكابرته ومعاندته وعدم قبوله للحق: مذمومة.

ولذا كان بعض السلف ينهى عن مجادلة أهل البدع لهذا السبب لما كان يغلب على ظنهم عدم رجوعهم وقبولهم للحق كما جاء في رسالة الإمام أحمد لمن سأله عن حكم الرد على بعض أهل البدع وفيها: " وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك ولا هم يرجعون، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم ... " [52].

وهذا ليعلم أن للمجادلة والمناظرة شروطاً وآداباً كثيرة يتأثر الحكم العام على كل مناظرة من حيث ذمها ومدحها بحسب ما يتحقق فيها تلك الآداب والشروط وأنا هنا إنما اقتصرت على المهم منها وذكر الأصول العامة المتفرعة عنها تلك الآداب وذلك خشية الإطالة، والخروج عن مقصود البحث. والتفصيل في ذلك – لمن أراد الاستزادة – مبسوط في كتب التخصص (كآداب البحث والمناظرة) للشيخ العلامة محمد آمين الشنقيطي رحمه الله، وكذا (كتاب الرد على المخالف) للشيخ المحقق بكر بن عبد الله أبو زيد. وبعد...

فإنه من خلال هذا العرض المفصل للنصوص الشرعية الآثار عن السلف وأقوال أهل العلم والتحقيق من أهل السنة، في (المجادلة وأحكامها) ومتى تكون محمودة مأموراً بها، ومتى تكون مذمومة منهياً عنها. يكون قد اتضح حكم مجادلة أهل البدع ومناظرتهم.

وهو: أن مجادلة أهل البدع لا يُنهى عنها ولا تُذم لذاتها، كما أنه لا يؤمر بها ولا تمدح لذاتها: بل متى ما كانت محققة لأهداف، وشروط وآداب، المجادلة المحمودة، فهي محمودة. ومتى كانت مخالفة لتلك الأهداف والشروط الآداب فهي مذمومة. على ضوء ما فُصِّل في الفرق بين المجادلة المحمودة والمجادلة المذمومة .

وأما ما جاء في بعض النصوص وعن سلف الأمة من النهي عن مجادلة أهل البدع خاصة: فهو نظير ما جاء في النهي عن المجادلة بوجه عام، وكذا ما جاء في بعض النصوص من الأمر بمجادلة أهل البدع، ومباشرة السلف لمناظرتهم فهو نظير
ما جاء في الأمر بالمجادلة بوجه عام ومباشرة الأنبياء والصالحين للمجادلة والمناظرة. وهي تستلزم اثبات المرجعية الاستدلاليه ليستنك عليها اطوار الحوار

وقد تقدم عن أهل العلم – في الجمع بين النصوص التي تذم المجادلة والنصوص التي تمدحها – أن النصوص الذم محمولة على ما إذا لم تستوف المجادلة الآداب والشروط للمجادلة الصحيحة في الشرع، وأن نصوص المدح محمولة على ما إذا استوفت المجادلة تلك الشروط والآداب
.
__________________

۩۞۩ اختلاف العمائم وتناحرهم نيران فى ايران
اللهم انصر ثورة أهلنا في الأحواز المحتلةعلى الفرس المجوس واقطع دابر الخونة اعوانهم عصابة الحكم في سوريا وفى العراق وقطر ةالخونة في لبنان والبحرين وفي كل مكان اللهم عجل بهلاك الانجاس المجوس واذيالهم القذره جند الدجال
رد مع اقتباس