عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 2012-07-19, 06:10 AM
آية.ثقة آية.ثقة غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-01-30
المشاركات: 302
افتراضي السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)


الهجرة الأولى إلى الحبشة:

وكان من حسن النبي صلوات الله وسلامه عليه على أصحابه ، أنه لما رأى كثرة الاضطهاد أمرهم صلوات الله وسلامه عليه بالهجرة إلى الحبشة ، وكان ملك الحبشة حينئذ رجلا يقال له أصحمة ، وقد ذكر بالعدل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض المسلمين اذهبوا إلى أصحمة فإنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد. وكانت الهجرة الأولى وذلك سنة خمس من النبوة ، فهاجر إثنا عشر رجلا ، وأربعة نسوة إلى الحبشة . وكان رئيسهم عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ومعه بنت النبي رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ووقعت حادثة غريبة في تلك السنة في رمضان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحرم وهناك جمع كبير من قريش في نواديهم كما هي عادتهم، فقامم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، وأخذ يتلو سورة النجم من قول الله تبارك وتعالى:" وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) " وصار يقرأ صلوات الله وسلامه عليه هذه السورة مما احتوته من معان وألفاظ عجيبة لم يسمعوا مثلها أبدا ، حتى وصل إلى قول الله تبارك وتعالى:"فاسجدوا لله واعبدوا". فلما وصل صلوات الله وسلامه عليه إلى هذه الآية سجد صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يتمالك أحد منهم حتى خرَّ ساجدا. فسجدت كل مكة . وذلك أن روعة هذه الآيات جرتهم وجعلتهم يسجدون مع النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما بلغ هذا الخبر (وهو سجود أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم) فظن بعض الناس أنهم آمنوا وأنهم اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم . ولما وصل هذا الخبر إلى الحبشة ظنوا أن قريشا كلها دخلت في الإسلام ، فرجعوا إلى مكة مرة ثانية في نفس السنة من شوال ، فلما وصلوا إلى مكة تبين لهم أن الأمر ليس كذلك ، وإنما ذلك السجود إنما وقع منهم اعترافا وإقرارا من داخل أنفسهم من صحة نسبة هذا القرآن لله تبارك وتعالى.
ولا بأس أن ننبه على قضية جاء في بعض الروايات قصة يقال لها قصة الغرانيق ، وهذه القصة يعني مجملها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم، ولما بلغ قول الله تبارك وتعالى:"أفرأيتيم اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"
تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ :"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمعت قريش بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى".
قالو لهذا سجد أهل مكة الكفار منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه مدح أصنامهم وأثنى عليها. وهذه القصة باطلة ليس لها سند صحيح ، وإن ذكرها بعض أهل العلم. والدليل على بطلانها أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدا أن يقول مثل هذا الكلام، وذلك أن هذا الكلام كفر . كيف يثني النبي صلى الله عليه وسلم على اللاّت والعزّى ، ثم كذلك أن هذه الرواية تخالف الرواية الصحيحة التي في البخاري ، والتي ذكرت آنفا. وإنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما قرأ سورة النجم كاملة فسجدت قريش لهذه السورة لا لأجل ذكر أنهم سمعوه وهو:" وتلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى".
وقد ذكر بعض الرواة أن إبليس ألقاها(أي هذه الكلمات) على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشعر ، وهذا باطل إذ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدا لا يفرق بين قول الله وقول إبليس.
فلا شك أن هذه الدلائل كلها تدل على بطلان هذه القصة، وعلى فرض صحتها وأنها وقعت كذلك ، فإنما يكون إبليس هو الذي قال هذا لكفار مكة، ولم يسمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم . فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما قرأ:" أفرأيت اللات والعزى ومناة الثالث الأخرى". فقال إبليس:" تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى". وذلك أن إبليس قلد صلوات الله وسلامه عليه فظن أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي مدح آلهتهم وليس الأمر كذلك.
الهجرة الثانية للحبشة:
لما رجع المهاجرون من الحبشة إلى مكة ، ورأوا حقيقة الأمر وجليته، وهو أنّ كفار مكة ما دخلوا في الإسلام، وإنما تلك كانت إنما إشاعة ، فهاجروا مرة ثانية ، ولم يهاجر الجميع، وإنما بعضهم بقي ، كعثمان رضي الله عنه. وبعضهم هاجر مرة ثانية وتبعهم آخرون فكانت الهجرة الثانية ، وكان معهم ثلاث وثمانون رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وثماني عشرة امرأة . هؤلاء الذين هاجروا الهجرة الثانية إلى الحبشة.
رد مع اقتباس