عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2011-11-08, 03:39 PM
الاسيف الاسيف غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-07-17
المكان: طرابلس
المشاركات: 887
افتراضي رد: بشرى المشتاق في إثبات صفة الساق

المبحث الثالث ‏‎:‎كشف الشبهات ورد الاعترضات.‏


الشبهة الأولى ‏‎:‎‏ إستدلالهم بأثر ابن عباس في تفسير آية: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [القلم: 42]، ‏بشدَّة الهول والأمر.‏

والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه ‏‎:‎
الوجه الأول ‏‎:‎أن رواية ابن عباس قد جاءت ممن طرق كلها ضعيفة وقد تابعها واحدة ‏بواحدة فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه العظيم (المنهل الرقراق في تخريج ما روي ‏عن ‏الصحابة والتابعين في تفسير { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وهاك خلاصة ما انتهى إليه بعد ‏تفنيد ‏الروايات المسندة إلى ابن عباس على كثرتها :‏
ا- أن بعضها ضعيف ضعفاً شديداً لا ينجبر مثل طريق أسامة بن زيد عن عكرمة عنه ، ‏وطريق ‏العوفيين ومسائل نافع بن الأزرق .‏
‏2- أن بعضها ذات علة واحدة وهي الانقطاع وإذا كانت كذلك فإنها لا تشهد لبعضها ، ‏ولا ‏يقوى أمرها ، وهي طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وطريق إبراهيم النخعي عنه ، وطريق ‏الضحاك ‏عنه ، ونقل قول السيوطي في الإتقان "وهذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن ‏عباس غير ‏مرضية ورواتها مجاهيل " .‏
‏3- أن بعضها لا يشهد لبعض لأنها ذات معان مختلفة : ففي بعضها أنه قال " كرب وشدة ‏‏" ‏وفي آخر أنه قال " يكشف الأمر وتبدو الأعمال " وفي ثالث أنه قال " عن أمر عظيم " ‏وفي آخر أنه قال ‏‏" يقوم القيامة والساعة لشدتها " . وتعقب الروايات المروية عن غير ‏ابن عباس كمجاهد وقتادة ‏وغيرهما .‏
ثم انتهى إلى الجزم بعدم ثبوت الأثر عن ابن عباس ، وتعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله في ‏‏تحسين بعض الروايات بالرغم من اضطرابها فمنها ما يفسر الساق بالكرب والشدة وفيها ‏أسامة بن ‏زيد وهو ضعيف جداً ، ومنها ما يفسرها بيوم القيامة . وفي أخرى أنه من يكشف ‏عن نور عظيم . ‏وفيها روح بن جناح وقد ضعفه البيهقي.‏
الوجه الثاني ‏‎:‎‏ أنه على فرض صحة ثبوت الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه فإن هذا منه لا ‏يعد تأويلا لأن لفظ الساق في الآية لم يضف لله تبارك وتعالى فكان تفسيره للساق بالشدة ‏والكرب له وجه في اللغة العربية فلا شك أن العرب كانت تستعمل هذه الكلمة في التعبير ‏عن شدة الأمر ، فيقولون كشفت‎ ‎الحرب عن ساقها، ويقصدون بها كشفت عن شدة ‏وهول، كما جاء عن سعد بن مالك جد طرفة بن‎ ‎العبد من قوله‎
كشفت لهم عن ساقها*** وبدا من الشر البراح‎
‎( ‎ديوان الحماسة‎ 1/198) ‎، والخصائص (3/252) والمحتسب(2/326) من ‏حاشية معاني القرآن للفراء (3/177‏‎)‎
فإذا فسرنا الآية بمعنى يوم يكشف القيامة عن ساقها التي هي بمعنى الشدة ، فالمعنى‎ ‎مناسب ‏جدا ، ويدل عليه سياق الآيات ، فمن شدة ذلك اليوم أنهم يدعون فيه إلى السجود‎ ‎فلا ‏يستطيون : (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة) ، فكل هذا من شدة ذلك اليوم وهوله، والله‎ ‎المستعان‎.
ولكن هذا لاينافي أن يكون من تفسير الآية أن يكشف ربنا سبحانه وتعالى‎ ‎عن ساقه التي ‏جاءت في الروايات ، فالآية تحتمل كل هذه المعاني وهذا ليس فيه اختلاف‎ ‎تضاد ، وإنما هو ‏اختلاف تنوع، فكون ابن عباس رضي الله عنه وغيره يفسرون الاية بمعنى‎ ‎الهول والشدة ، ‏لايمنع من تفسيرها بالساق لله سبحانه وتعالى ، فيكون كل واحد من‎ ‎المفسرين ذكرا جزءا ‏من المعنى ، ويكون تفسير الآية مجموع هذه الأقوال.‏
لهذا أشار أبو يعلى في كتابه ـ إبطال التأويلات لأخبار الصفات ـ فقال : و الذي روي ‏عن‎ ‎ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ و الحسن فيحتمل أن يكون هذا التفسير منهما على ‏مقتضى‎ ‎اللغة و هو أن الساق في اللغة هو الشدة ، و لم يقصد بذلك تفسيره في صفات الله ‏تعالى‎ ‎في موجب الشرع)).‏
فابن عباس رضي الله عنه لم يجعلها من الصفات أصلا في تفسيره للآية لأنها لم تضف لله ‏تبارك تعالى ,ونزاع الصحابة لم يكن في الصفة ألبتة إنما كان في تفسير الآية هل هي من ‏الصفات التي تجرى على ظاهرها أم أنها ليست من الصفات فتجرى كذلك على ظاهرها إذ ‏لا يعرف عن الصحابة تأويل شيء من نصوص الصفات، قال شيخ الإسلام ابن‎ ‎تيمية: (إن جميع ما ‏في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها،‎ ‎وقد طالعت التفاسير المنقولة ‏عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما‎ ‎شاء الله تعالى من الكتب الكبار ‏والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه‎ ‎عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات ‏الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها‎ ‎المفهوم المعروف …. وتمام هذا أنى لم أجدهم ‏تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: يوم‎ ‎يكشف عن ساق فروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما- ‏وطائفة أن المراد به الشدة أن الله‎ ‎يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها ‏في الصفات للحديث الذي‎ ‎رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن ‏هذه من الصفات‎ ‎فإنه قال: يوم يكشف عن ساق نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، ‏فمع‎ ‎عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر ، ومثل هذا ليس بتأويل ،‎ ‎إنما ‏التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف) [ ينظر: مجموع‎ ‎الفتاوى ( 6/394‏‎ ) ‎‎]‎
وقال ابن القيم‎ : ((والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن‎ ‎الشدة أو المراد بها أن الرب ‏تعال يكشف عن ساقه‎ ولا يحفظ عن الصحابة‎ ‎والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع‎
‎وليس في‎ ‎ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه‎ وإنما ذكره مجردا عن الإضافة منكرا والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع‎ ‎لم يأخذوا ‏ذلك من ظاهر القرآن‎ وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق‎ ‎على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه‎ ‎( ‎فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له‎ ‎سجدا ) ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى‎ ‎{‎يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى‎ ‎السجود } " القلم42 " مطابق لقوله‎ ‎(‎فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدا) وتنكيره‎ ‎للتعظيم والتفخيم كأنه قال يكشف عن ‏ساق عظيمة‎ جلت عظمتها وتعالى شأنها أن‎ ‎يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا‎ وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن‎ ‎لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة ‏عن القوم‎لا كشف عنها كما قال‎ ‎الله تعالى‎(‎فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} " الزخرف50 " وقال ولو‎ ‎رحمناهم ‏وكشفنا ما بهم من ضر المؤمنون75‏‎
‎ فالعذاب والشدة هو المكشوف لا‎ ‎المكشوف عنه وأيضا فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا ‏تزال إلا بدخول الجنة‎ وهناك‎ ‎لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة [ الصواعق المرسلة ج: ‏‏1 ص‏‎: 252 ]

الوجه الثالث ‏‎:‎أن الصحابي الجليل ابن مسعود قد خالفه في ذلك وأثبت لله الساق كما تقدم ومتى ‏اختلف الصحابة فوجب الرجوع إلى الدليل ويكفينا الحديث الذي جاء فيه ذكر الساق مضافا إلى الله ‏تعالى كدليل لحسم الخلاف
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية : (و قيل أي يوم يكشف عن ساق الأمر‏‎ ‎فتظهر حقائقه ، و قيل يكشف عن ساق جهنم ، و قيل ساق العرش وقيل أنه عبارة عن ‏القرب‎ .. ‎و سيأتي في أخر البحث ما هو الحق و إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ..ـ ثم قال‎ ‎بعد ذكر حديث أبي سعيد و قول ابن عباس رضي الله عنهم ـ و قد أغننا الله سبحانه في‎ ‎تفسير الآية بما صح عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما عرفت و ذلك لا يستلزم‎ ‎تجسيماً و لا تشبيهاً فليس كمثله شيء‎
د عوا كل قول عند قول محمدٍ فما آمن في‎ ‎دينه كمخاطر)).‏
قال شيخنا الدكتور عبد الله الغنيمان ((معلوم أن قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق " ليس ‏نصاً في أن الساق صفة لله تعالى ؛‎ ‎لأنه جاء منكرا غير معرّف فيكون قابلاً كونه صفة و ‏كونه غير صفة و تعيينه لواحد من‎ ‎ذلك يتوقف على الدليل و قد دل الدليل الصحيح على ‏ذلك فلا يجوز تأوله بعد ذلك ، أما‎ ‎ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما و غيره أن ذلك ‏الشدة و الكرب يوم القيامة فهذا‎ ‎بالنظر إلى لفظ الآية لأنها كما قلنا لم تدل على الصفة ‏بلفظها و إنما الدليل هو‎ ‎الحديث المذكور‎))‎‏4)‏.

الوجه الرابع ‏‎:‎‏ روى الفراء في معاني القرآن (3/177) قال حدثني سفيان عن ‏عمرو بن دينار عن ابن عباس‎ ‎رضي الله عنه ، أنه قرا (يو م تكشف عن ساق) يريد : ‏القيامة والساعة لشدتها‎) ‎انتهى‎
قال شعيب الأنؤوط ( قلت : وهذا سند صحيح) كما في حاشية العواصم والقواصم‎ ‎لابن ‏الوزير (8/341‏‎) .
فعلى ما ورد في كتاب الفراء من قراءة ابن عباس الآية‎ ‎بالتاء( يوم تكشف) ، فيكون ‏تفسيره لها بقوله (يوم هول وشدة‎) ‎واضح جدا وليس فيه‎ ‎تأويل كما يقولون، وعلى هذا ‏لايستطيع أهل البدع الاستدلال بقول ابن عباس في التاويل‎ ‎فقد فسر الاية على حسب ‏قراءته بالتاء(تكشف) ، وعلى القراءة بالتاء لاتكون كذلك من‎ ‎آيات الصفات‎.‎
‏وفي ختام الرد على هذه الشبهة نسأل هؤلاء : هل احتجاجكم بقول ابن عباس يعني أنكم ‏تقيدون أنفسكم بالمأثور عن السلف ؟ لقد فسرتم الاستواء بالاستيلاء مع أن الثابت عن السلف خلاف هذا التأويل ‏تماماً . ما ضربوه لك إلا جدلا ؟! وإلا : فإن الذي فسر كشف الساق بكشف الكربة لم يفسر الاستواء بالاستيلاء.‏


الشبهة الثانية ‏‎:‎‏ تأويلهم الصفة الواردة في الحديث بشدة الأمر ‏

فالجواب من وجهين‎:

‎- ‎الأوَّل‎: ‎أنَّ سياق الحديث‎ ‎دالٌّ على أنَّ المقصود ساق الله تعالى‎.

قال القاضي أبو يعلى عن تفسير الساق‎ ‎في الحديث بشدَّة الأمر‎:

‎«‎هذا غلط لوجوه‎:

أحدها: أنَّه قال‎: «‎فيتمثَّل لهم الرَّب وقد كشف عن ساقه»، والشدائد لا تسمَّى ربًّا‎.

والثاني‎: ‎أنَّهم التمسوه ليتَّبعوه فينجوا من الأهوال والشدائد التي‎ ‎وقع فيها من كان يعبد‎ ‎غيره، وإذا كان كذلك لم يجز أن يلتمسوه على صفة تلحقهم فيها الشدَّة‎ ‎والأهوال‎.
الثالث: أنَّه قال: «فيخرون سُجَّدًا»، والسجود لا يكون للشدائد، وهذا‎ ‎جواب أبي بكر ‏رأيته في تعاليق أبي إسحاق عنه‎.

الرابع: إن جاز تأويل هذا على‎ ‎الشدَّة جاز تأويل قوله: «ترون ربَّكم» على رؤية أفعاله ‏وكراماته، وقد امتنع مثبتوا‎ ‎الصفات من ذلك». ‏‎
وقال الشيخ‎ ‎الألباني رحمه الله تعالى: «وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية أنَّ لفظ: ‏‏«ساق» أصحُّ‎ ‎من لفظ «ساقه» فإنَّه لا فرق بينهما عندي من حيث الدِّراية؛ لأنَّ سياق ‏الحديث‎ ‎يدلُّ على أنَّ المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى، وأصرح الروايات في ذلك رواية ‏هشام‎ ‎عند الحاكم بلفظ: «هَل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم الساق، ‏فيكشف‎ ‎عن ساق...»، قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأنَّ المعنى إنَّما هو ساق ذي ‏الجلالة‎ ‎تبارك وتعالى، فالظاهر أنَّ سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حيث كان ‏يقول‎: «‎عن ساقه»، ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنَّه أصاب الحقَّ». [«السلسلة ‏الصحيحة‎» ‎للألباني: (2/128‏‎)].‎‏5)‏‎

‎- ‎الوجه الثاني‎:

أنَّ‎ ‎لحديث أبي سعيد الخدري بلفظ «ساقه» شاهدًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‎ ‎‎«‎فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا، وذلك قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن‏‎ ‎سَاقٍ ‏وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]. (6)‏


الشبهة الثالثة ‏‎:‎‏ التشبيه ‏

والجواب ‏‎:‎أن يقال ‏‎:‎
إطلاق لفظ التشبيه إطلاقاً مجملاً، قد يراد به معنى باطل أو حق، فبإطلاقه يراد به‎ ‎أحد المعنيين‎:

المعنى الأول: تشبيه الخالق بالمخلوق؛ أي ما يجب ويمتنع ويجوز‎ ‎للمخلوق، يوجب ويمتنع ويجوز ‏للخالق، وهذا التشبيه المذموم الذي يكفر به قائله، وهذا‎ ‎هو المعنى الحق في نفي التشبيه‎.

المعنى الثاني: المشابهة في اللفظ والمعنى‎ ‎العام الكلي؛ أي إن حقيقة معنى أسماء الله وصفاته غير ‏حقيقة أسماء وصفات المخلوقين،‎ ‎وإن اشتركت في اللفظ والمعنى العام الكلي، وهذا هو المعنى ‏الباطل في نفي التشبيه‎.

مثال ذلك: إن الله سمى نفسه بأسماء، وسمى بعض عياده بها. وكذلك سمى صفاته‎ ‎بأسماء، وسمى ‏ببعضها صفات خلقه، وليس المسمى كالمسمى؛ وبيانه: سمى الله نفسه‎ ‎بالسميع البصير، وأثبت بذلك ‏صفة السمع والبصر قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‎ ‎البَصِيرُ}، وقد أثبت الله للإنسان صفة السمع ‏والبصر قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا‎ ‎الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا‎ ‎بَصِيرًا}. والمشابهة هنا ‏وقعت في الاسم والمعنى العام الكلي، والانتفاء واقع في‎ ‎التماثل فإن سمع وبصره الله ليس كسمع ‏وبصر الإنسان، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ‎ ‎شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} أي: إن الله يسمع لا كسمع ‏الإنسان، ويبصر لا‎ ‎كما يبصر الإنسان؛ ونظائر هذا كثيرة‎.

وعليه فإن القول في الصفات جميعها من‎ ‎باب واحد، فإنا نثبت لله صفة الساق لا كساق المخلوقات، ‏كما أثبتنا لله سمعاً لا‎ ‎كسمع المخلوقات‎.

وقد زلت المبتدعة في ضابط نفي التشبيه، وزاغت عن الحق، فنفت‎ ‎التشبيه في الاسم والمعنى العام ‏الكلي، حتى صارت المبتدعة ترمي بعضها البعض‎ ‎بالتشبيه، فكل من نفى شيئاً سمى من أثبته مشبهاً‎.

أما نفي التشبيه عند أهل‎ ‎السنة والجماعة، إنما يقصد به المعنى الأول. قال الإمام أبو حنيفة النعمان‎ ‎فيما نسب إليه: "يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا" (7) وهذا معنى‏‎ ‎قوله تعالى: ‏‏{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فنفي المثل‎ ‎وأثبت الصفة (8‏‎).‎
وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، وإليك أخي القارئ ‏نصوصهم حول هذا‎ ‎‏‎:‎
‏ 1- قال نعيم بن حماد الحافظ‏‎: ‎من شبه الله بخلقه, فقد‎ ‎كفر, ‏ومن أنكر ‏ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به ‏نفسه, ولا رسوله‎ ‎‏تشبيها.‏‎
‏2- ‏يقول الإمام إسحاق بن راهويه‎ :" ‎إنما‎ ‎يكون التشبيه إذا ‏قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال ‏كما‎ ‎‏قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، ‏فهذا لا يكون تشبيهاً، قال‎ ‎تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو ‏السميع ‏البصير‎ }" ‎ذكره الترمذي في جامعه.
ولو كان إثبات الساق لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت ‏‏الصفات الأخرى‎ ‎لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها ‏أيضا, ‏وهذا ما لا يقول به مسلم ممن‎ ‎ينتسبون اليوم إلى أهل ‏السنة والجماعة ‏خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم .‏
قال‎ ‎شيخ الإسلام في "منهاج ‏السنة" "2/ 75":‏‎
‏"فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات‎ ‎الصفات يجعلون كل من ‏أثبتها ‏مجسما مشبها, ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة‎ ‎الأئمة ‏المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ‏ذلك أبو حاتم ‏صاحب كتاب‎ "‎الزينة" وغيره.‏‎
وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى‎ ‎‏ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله ‏يرى في ‏الآخرة". هذا‎ ‎مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من ‏أهل البيت ‏وغيرهم.‏‎
‏‎ثم قال ص80:‏
‏"والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا ‏في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس ‏لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا ‏حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء ‏من
صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال ‏له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن ‏لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في ‏كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على ‏أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم ‏قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه".))(1)‏
وقد إعترف كبار الأشاعرة بهذا فقال الرازي في رده على المعتزلة‎((‎إن كنتم بالمشبهة من يقول ‏بكون الله مشابها لخلقه من بعض الوجوه فهذا لا‎ ‎يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن ‏الله موجود‎...)).‎‏.‏


وجمعه أخوكم جمال البليدي ستر الله عيوبه.
__________________
ساهموا أخوتي في نشر صفحتنا
(السُنــــــــة النبــــــــوية )
Facebook
Twitter
رد مع اقتباس