عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2023-07-03, 10:10 AM
ناصرالشيبي ناصرالشيبي غير متواجد حالياً
باحث
 
تاريخ التسجيل: 2023-06-18
المكان: مكة المكرمة
المشاركات: 37
افتراضي من أخطر المداخل الشيطانية " الزيادة على ما تفيده الأدلة الشرعية "

الحمد لله تعالى حمداً يرضيه عنا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فإن من أخطر ما تنزلق بسببه الأقدام ، وتزيغ به أقلام كثير من المستدلين بالأدلة الشرعية هو تزيدهم على ما تدل عليه من معان وأحكام حينما يحملونها ما لا تحتمله من المعاني الصحيحة شرعا ، ولغة . سواء كان الدليل آية من كتاب الله تعالى أو كان حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الحجة التي يلجأ هؤلاء لاستعمالها لكي يتوصلوا بها لإقناع المسلمين بقبول زياداتهم الزائفة على الأدلة الشرعية فهي إظهار تلك الزيادات في صورة السنن الحسنة . استنادا على حديث ( ‌مَنْ ‌سَنَّ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ ‌سُنَّةً ‌حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ---) وهو بالتأكيد استناد باطل. واستدلال خاطئ بهذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه ، 20 باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ،( 2/ 704) .
فلا عذر ولا حجة تسوغ قبول أي زيادة على ما هو ثابت بنصوص الكتاب والسنة المشرفة ، بهدف تصنيف أي بدعة على أنها سنة حسنة . فهم إنما يفعلون ذلك لشرعنة ما يبتدعونه بهذا الحديث . لأن الفيصل والمعيار الأساس في الاستدلال - على أي حكم شرعاً - ليس هو فقط صحة الدليل ، بل ومعه صحة توجيه الدليل . ومعلوم أن صحة توجيه الدليل تعتمد أولاً على الفهم الصحيح لدلالة ومقصود النص الشرعي . وأهم ما يعين على الفهم الصحيح للدليل هو استيعاب الباحث - عن الحكم الشرعي - هو معرفة سبب "أو مناسبة " نزول الآية الكريمة ، ومناسبة ورود الحديث الشريف . لأنهما يقومان بدور المثال التطبيقي "العملي" لكيفية التوجيه الصحيح لكل دليل .
وحيث أن المثال يوضح المقال فسأذكر هنا ثلاثة أمثلة على توضيح السنة المشرفة وبيانها لمعاني ألفاظ ، ومقاصد آيات التنزيل الحكيم :
1 - ما رواه الشيخان في الصحيحين عن ابن مسعود : أنه لما نزلت ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) 82 ، الأنعام ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا :أينا لم يظلم نفسه؟ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون . إنما هو كما قال لقمان لابنه ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) 13، لقمان) . فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالظلم في هذه الآية هو الشرك بالله تعالى تحديداً .
2 - بيانه صلى الله عليه وسلم أن معنى كلمة "وسطاً " أي " عدلاً " في الحديث الذي رواه سعيد بن منصور في سننه، وأحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، والنسائي في سننه وصححه ، وابن جرير في جامع البيان ، وابن أبي حاتم في سننه وابن حبان في سننه، والحاكم في المستدرك وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) 143، البقرة ، قال (عدلا) .
3 - في نزول قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) من الآية 187، من سورة البقرة . روى الإمام البخاري في صحيحه ، باب قول الله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ، 3/ 28 : عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال َ: لَمَّا نَزَلَتْ: {‌حَتَّى ‌يَتَبَيَّنَ ‌لَكُمُ ‌الخَيْطُ ‌الأَبْيَضُ ‌مِنَ ‌الخَيْطِ ‌الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ، وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ ، فَلَا يَسْتَبِينُ لِي . فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : « إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَار ِ» .
فهذه الأمثلة تثبت أن معرفة سبب نزول الآيات ، ويقال مثل ذلك في معرفة مناسبات ورود الأحاديث ، فهي التي تمكن الباحث من التوصل لصواب الاستدلال بالآيات والأحاديث .
ولذلك فإن من أشد الأخطاء خطورة التي يقع فيها الباحثون هو ظنهم أنه يمكنهم الاكتفاء بدلالة ظاهر ألفاظ أي دليل شرعي . وأن ذلك يغنيهم عن معرفة مناسبة نزول الآيات ، وعن معرفة سبب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديث .
فلتفادي ذلك وجب تحذير المسلمين من هذا المدخل الشيطاني الذي يوقع ( الغافل عنه ، ومن يتعمد إغفاله ) في منزلق التزيد على دلالات النصوص الشرعية .
لعل الله تعالى ينقذهم بهذا التحذير . ولتكون رداً على بعض مزاعم المدافعين عن البدع . و يحتجون بحديث (‌ مَنْ ‌سَنَّ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ ‌سُنَّةً ‌حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ) . لأنهم يعتدون بهذا الحديث ، ولا يتعتدون بما يضبط الاستدلال به، وهو الحديث الذي رواه الشيخان في الصحيحين عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (‌ من ‌أحدث ‌فِي ‌أمرنَا ‌هَذَا ‌مَا ‌لَيْسَ ‌مِنْهُ فَهُوَ ردٌ ) . مع أن الله تعالى قد حذر عباده مراراً من اتباع أهواء نفوسهم أشد التحذير حيث اعتبرها تجنبه من مخافته وخشيته . منها قوله سبحانه ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى // فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) 40 ، 41 النازعات . بل قد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين عباده بحكمه الذي أنزله عليه ، وحذره من التهاون في شيء منه اتباعا لأهوائهم ، وبين سبحانه أن اتباع الناس لأهوائهم إنما هو لإرادة الله تعالى معاقبتهم على بعض ذنوبهم . كل هذا تضمنه قوله تعالى ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) 49 ، المائدة .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم . والحمد لله رب العالمين ، وهو المستعان على ما يصف المبطلون .
رد مع اقتباس