عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2012-06-12, 04:04 AM
الـ غ ـيـورهـ الـ غ ـيـورهـ غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-30
المشاركات: 25
افتراضي

وفي اليوم العاشر 26/4/1433هـ
اكتض الزوار كالعادة وبعد ذهابهم في الساعة السابعة كان على والدتي الخروج لأبقى أنا لديها..
وكنا قد اتفقنا مع أحد الرقاة المعروفين للمجيء والقراءة عليها حين أخبرنا أن ما بها قد حصل بسبب العين فعلا..وعدنا أن يحضر في الساعة الثامنة..
أرادت الوالدة أن تنتهي من تدهين جسدها بالزيت والماء المقروء والأثر الذي جمعه لنا مدرستها وتحفيظها تكرما..

فجاءت المشرفة تطلب أن يبقى واحدة فقط كالعادة..إما أنا وإما والدتي..
لكننا هذه المرة أصابنا إصرار عجيب على عدم الخروج..
وأردنا أن نبقى لحين حضور الشيخ للقراءة..فجاء رجل الأمن يهدد بأنه لن يدخل الشيخ إن لم نخرج.. لاأدري لماذا وقتها لم نأبه لكلامه..ولم نخرج..
كنت في كل حين أنظر إلى ساعتي متأملة حضور الشيخ وأعد لذلك الدقائق والثواني.. فلعل الله أن يكتب على يديه شفاء ابتهال..


في الساعة 7:30

كانت ابتهال شديدة البرودة فكنا نكمد قدميها بالماء الساخن وألبسناها جوارب ونحن نقرأ عليها آيات الإحياء علّ الله أن يحييها..
كانت الوالدة حينها منشغلة في دهن جسدها ورقيتها وشقيقتها التي تكبرها تحدثها في أذنها وتحكي لها.. أملا في أن تسمعنا وتستأنس بسماع أصواتنا كأي مريض في الغيبوبة..
فجأة..
انخفض القلب سريعا ووصل إلى الثلاثينات..!!

فزعت لذلك وأخبرت أمي..كانت أمي هادئة جدا وتكمل عملها في القراءة والتكميد..ثم بدا في النزول سريعا وأنا أحاول البحث عن أي ممرضة لتنظر في الأمر غير أن القسم بأكمله لم تتواجد به إلا ممرضة واحدة وكانت منشغلة بالذهاب والمجيء..!
وماهي إلا لحظات وإذا بالقلب يسكن ويتوقف عند الصفر..

فزعنا لذلك وخرجت أركض بحثا عن أي شخص..حتى جاءت الممرضة تمشي رويدا رويدا وحين رأت ما حصل فعلا هرعت إلى الطبيب..
جاء فريق بأكمله يجري ويجر عربة الإنعاش.. وأخرجونا من الغرفة على الفور..
لم نعد حينها نعي ما يحصل..أردت الإتصال بوالدي وشقيقي (العريس) الذين كانا في انتظارنا في حديقة المستشفى
فإذا بجميع جوالاتنا في الغرفة !
فقام عامل النظافة متكرما بإعطائي جواله واتصلت بوالدي على الفور..
قلت له فقط بانخفاض القلب ولم أجرؤ على قول (وصل إلى الصفر).
فجاء والدي يركض مع شقيقي وخرجنا نحن لانتظار النساء..
كبرت والدتي لتصلي.. وهي عازمة على أن لا ترفع رأسها من السجود حتى يصلها خبر فلذة كبدها ..
أما عني فكنت أدعو الله بإصرار (يا محيي العظام وهي رميم أحيي ابتهال بقدرتك) (يا محيي العظام وهي رميم أحيي ابتهال بقدرتك) (ياااالطيف الطف بحالها) (يارب لا تحرمنا ابتهال) وكنت حينها أحمل أملا كالجبال بل يقين عالي جدا بشفاء ابتهال كنت أقول لنفسي (عارض وسيزول بإذن الله) وأدعو الله بكل إلحاح أن يعيد إلينا آخرالعنقود..
لحظات..

فإذا بوالدي يدخل علينا وهو يبكي وشقيقي خلفه قد لف شماغه حول رأسه..
رفعت والدتي رأسها من السجود على صوت والدي وهي تكرر الحمدلله..الحمدلله..أخذ الله أمانته..؟
أما والدي فجلس إلى أقرب مقعد..يبكي فلذة كبده ويسترجع ويدعو الله أن يعوضه خيرا..


لم تحملني قدماي ..جلست وقد انفجرت بالبكاء ..وأمي الغالية تحتضنني بكل ثبات وتقول: لا لا قولي الحمدلله..الحمدلله..
أما شقيقتي الصغرى فقد أصيبت بصدمة فلم تبكِ أو تنتحب.. من هول الموقف..

دخلنا إليها فإذا بذلك الوجه النير قد صار جسدا بلا روح..


ارتمينا عليها نحتضنها ونقبلها ونبكي.. ووالدتي بكل ثبات وهدوء بدأت تخلع الأجهزة التي أعيت ذلك الجسد البريء..وتقول:
(رضي الله عنك يا ابنتي هادئة في نومك.. هادئة في مرضك..وهادئة حتى في موتك..)
وصل الشيخ..في الساعة الثامنة التي تم الاتفاق عليها ..
وصل في الساعة التي كنا نترقبها بفارغ الصبر ولم نعلم أن الله سبحانه قد اختارها وكتبها ساعة لرحيل تلك الروح..
وصل ليجد ملك الموت قد سبقه وسافر مع روحها الطاهره..
اتصل شقيقي (العريس) بأخويه اللَذين كانا يوزعان الصدقات كعادتهما في هذا الوقت وأخبرهما أن يتوقفا عن توزيع الصدقات ويأتيا على الفور..فابتهال الحب قد انتقلت إلى رحمة الرحيم الرحمن..
جاءا شقيقيّ لا يريان طريقهما من الدموع..

يركضان في ممرات المستشفى علهما أن يلحقا بتلك الروح.. وعلّ قلوبهما المكتوية بنيران الحزن أن تنطفيء برؤية ما تبقى من ابتهال..
انكب شقيقي يحتضنها ويبكي والآخر جثى باكيا فلم تعد قدماه تحملانه أكثر..
أما شقيقتي الكبرى..سافرت على الفور تاركة منزلها على حاله بعد أن وصلتها الفاجعه .. تركته يئن بدموعٍ ألهبت حنين الفؤاد..وقد اشتاقت طوال العشر أيام للسفر لزيارة ابتهال..واليوم سافرت وأي سفر ترتجيه وقد رحل الأحبة..

جاءت تحمل معها حقائب الأسى المرير..وتقود خلفها ألما بخبر الوداع الأخير..
سافرت علها أن تلحق بذلك الجسد فتملأ عينيها منه قبل أن يسكن داره الأخرى..
..
بتثاقل وألم..خرجنا من المستشفى نجرّ أقدامنا رويدا رويدا..يحملنا الهم و الأسى..
وقد تركنا روحها خلفنا ترحل بعيدا..بعيدا.. حين اسودّ في أعيننا ذلك المسا



مشاعرُ متزاحمة أسكبت لهيبها في تلك القلوب
خوف..حزن..صدمة..ألم..ترقب
آهات,دمعات,بكاء وحنين ,شوق وأنين
ما أقسى تلك اللحظات..! وماأشدها إيلاما !


دخلنا المنزل ودخلت معنا ابتهال..

لم تدخل كعادتها.. تنشد وتصرخ وتنادي وهي تصعد درج المنزل.. تجري حاملة معها ما اشترت من لُعب لتدخل المنزل سريعا وتفاجئنا بما حملت..
كان دخولها هذه المرة هادئا.. مريعا.. محزنا..صامتا..

كيف لا وقد دخلت محمولة على الأكتاف..!
أصرت والدتي على أن نضعها في غرفتها وفوق سرير والديّ الذي طالما أحبت ابتهال اللعب فوقه..والنوم مع والدتي عليه.. تركناها تبيت تلك الليلة معنا..لتكون تلك الليلة الأخيرة التي تنام فيها ابتهال بجوارنا.. كنا نختلس الدخول عليها في الغرفة بين الحين والآخر لتقبيلها ووداعها بالدموع وكلمات الحنين التي لا تسمعها.!


وصل شقيقي الأصغر ورفيق ابتهال (عزوز) الذي تركناه عند الجيران حتى لا يفزع من تلك الأحداث..

وصل يعاضده شقيقه الأكبر.. وهو يبكي بل كاد قلبه أن ينخلع حزنا على وداع رفيقة عمره وصاحبته في اللعب والشجاروالنوم والاستذكار..
جاء يحمل في ذاكرته الذكرى الجميلة ويبكي رحيلها مع تلك الروح ..
احتضنته والدتي وهي تواسيه بكلمات الصبر تارة..وبلغة الدموع تارة أخرى..
طلب منها أن يراها..رفضنا جميعا وأخبرناه أنها في المستشفى..لكن إحساسه بوجود رفيقته لم يخطيء.. أصر على أن يراها وهو يقول: (أعرف انها في البيت)..ويطلب أن نريه إياها.. لم تجد تلك المحاولات لدينا بصيص أمل لكنها وجدت طريقها عند والدتي..وقالت لنا من حقه أن يودع شقيقته ويقبلها مثلكم حتى يرتاح ولا يتحسر على عدم رؤيتها طوال حياته..
دخل عليها وانكب يقبلها بتصبر ويقول ببراءة: ماما رائحتها جميلة.. ووجهها نيّر..

بفضل الله ثم وقع الصدمة نمنا جميعا في الغرفة المجاورة لابتهال..

صحيح أنها لم تزد على3 ساعات أو أقل لكن ما أطولها ذلك اليوم..نمنا جميعا.. ونامت ابتهال معنا.. لكنه النوم الأخير..
نوم بلا يقظة.. ونوم طويل لن نرى بريق عينيها بعده..ولن نرى ابتسامتها ترتسم على تلك الشفاه بعد ذلك المنام..ولن نسمع بعده إزعاجا وإصرارا على إيقاظنا من المنام..لأنه نومها الأخير!

وصلت شقيقتي من سفرها أخيرا وقد آلمها ذلك السفر..

وانكبت على ابتهال تحتضنها وتبكي بحرقة وتنتحب رحيل من كانت لها بمثابة الأم..اهتماما ورعاية قبل وبعد زواجها..

في اليوم التالي بدأنا أيام العزاء.. وقمنا بغسلها وتكفينها في المنزل بحمد الله..
شاركتُ شقيقتي الكبرى ووالدتي غُسلها مع داعيتين فاضلتين أشرفا على غسلها بفضل الله..وتم تكفينها في غرفتنا وفي مكانها الذي تنام فيه مع عبد العزيز..
ثم وضعت جنازتها في المكان الذي كانت تنظر إليه باستغراب ليلة سقوطها قدرا..وكأنها قد رأت جنازة لم تعلم ماهيتها ! ..


ثم حان الوداع الأخير..

ليخرج إخوتي ووالدي يحملونها للصلاة عليها ودفنها..اجتمعنا حولها لتوديعها..ذلك الوداع المرّ الذي لا لقيا بعده في دنيانا.!
جثينا حولها باكين..نقبلها ونحتضنها ونستودعها رب البريات أن يسعدها ويكرمها بكرمه وفضله..
ثم رحلت إلى دارها الأخرى مودعة أهلها ببياض يلف جسدها الطاهر وكأنها عروس تزف إلى زوجها في أبهى حلة...

رحلت ولسان حالها يقول: (ماما..بابا..إخوتي.. أهديتكم ثمان سنوات من عمري..أعتذر إن كنت قد أزعجتكم..لكني عشت أجمل سنيني معكم..)
ودعتنا وقد خبئت لوالدتي رسالة كتب فيها (ماما أحبك)


وتسجيل صوتي تفدي فيه والدتها بنفسها..


http://www.youtube.com/watch?v=sv5zdP5fBCM
نعم..قد رحلت ابتهال..تاركة حطام دنيا.. لتحضى بجوار الكريم المنان..
وقبل أن ترحل.. جمعت العائلة على كف واحدة ثم وضعت نفسها في وسطهم..داخل قلبٍ كبير..
وكأنها علمت أن العائلة اجتمعت حبا وحزنا لأجلها.. وأنها ستبقى محبوبة الجميع وفي الذاكرة دوما..
ألعابها..ألوانها ورسومها..انشادها..ضحكاتها..أثوابها وعطورها..عرائسها..صرخاتها ومزاحها ..
جميعها صارت ذكرى..ذكرى جميلة ومؤلمة في آن واحد.!
يخيل إلي سماع أنين لعبها بعد فقدها.. وبكاء سلحفاتها ببعدها.. بل لم تحتمل تلك السلحفاه رحيل صاحبة الأنامل الرقيقة في العناية بها..ولحقت بها بعد أقل من شهر من وفاة صاحبتها..!
بل امتلأ بيتنا في العزاء بالمساكين والفقراء وأهل القرآن والجمعيات الخيرية والداعيات مع أهل الخيرجميعهم يبكون رحيل تلك الطفلة..
نعم هي طفلة من أطفال الجنة.. مكثت في عائلتنا لنتعلم دروسا لم نكن لنتعلمها لولاها..
سنينا ثمانية.. كانت كفيلة بأ ن تخلد ذكراها في قلوبنا.. وتغير ملامح الحياة في أنظارنا..
بل استطاعت أن تترك أثرا عميقا في قلوب من حولها.. واستطاعت أن تجعل حياتها متوازنة ما بين دنيا ودين.. أحبت دينها وعاشت دنياها..

عاشت مذات الدنيا جمعيها دون أن تتعدى حدودا تغضب خالقها.. وبذلت جهدها لطاعة ربها..
..
ورغم حبها الشديد لمدرستها واشتياقها لتسلم شهادة حفظ كتاب الله من تحفيظها إلا أنها تسلمت شهادة من نوع آخر وقبل أن يتسلم صاحباتها شهاداتهم..



الهدوء..الحيوية.. المرح ..التفاؤل.. التعاون.. الإبتسامة..البر.. الرضا.. القناعة.. الحياء..الاحتشام ..حب الحجاب.. حب كتاب الله.. حب المساكين.. الصبر.. إهداء الهدية.. النظام..حسن الخلق..
دروس علمتني إياها طفلة الجنة.. فلم أشأ أن أحتفظ بتلك الدرة الوعظية لنفسي..

لذا آثرت على كتابة لآلئها بشيء من التفصيل لعلي أجد قارئا..ينتقي تلك المواعظ من بين السطور..
فأين من ينادي بفصل الدين عن الحياة؟ وأين من يدعي حرمان أطفال المسلمين من ملذات دنياهم؟

وأين من يدعي أن التربية القرآنية تجعل الطفل منطويا؟ أين هم عن ابتهال؟!

واليوم..
عدنا لحياتنا..مدارسنا..عملنا..روتيننا..زياراتنا ..وكلنا رضا بقضاء الله تعالى..لكن..
لا قيمة للدنيا ولا جمال.. بعد رحيل طفلة الجنة -بإذن الله- (ابتهال)!
..هنيئا لك جوار ربك..وهنيئا لوالديك شفاعتك بإذن الله..وهنيئا لنا شرف التعايش معك..حبيبتي..
سنظل نفخر بكِ ونردد قصتك ونتسامر على طرائفك ونبكي فراقك..
فأنتِ كنتِ ولازلتِ آخر العنقود..
أم البراء 26/6/1433هـ




__________________
رد مع اقتباس